أجرت الحوار أمينة سعيد
قال فضيلة الدكتور عبدالباري خلة -المحاضر في كلية الدعوة للدراسات الإسلامية التابعة لوزارة الأوقاف والشؤون الدينية في فلسطين-: لا ينبغي للداعية أن يتوقف عن الدعوة الله تعالى إذا اقترف معصية أو ذنبا؛ فالطبيب قد يعالج غيره وهو مريض، مؤكدا على أن الأصل في المسلم أن يطيع الله، لكنه قد يخطئ فعليه بالتوبة، ولا أحد معصوم.
وأشار الدكتور خلة في حواره مع موقع “مهارات الدعوة” أن مرارة المعصية لا تعادلها مرارة، وشؤم الذنب لا يعادله شؤم، وذل المعصية لا يعادله ذل؛ فهي بمعنى الذنب والمخالفة ومعصية الإنسان لربه بمعنى مخالفة أمر الله تعالى، وارتكاب الذنوب، والمنهيات، وهي عكس الطاعة، فالطاعة راحةٌ للقلب وانشراحٌ للصدر وطمأنينة للنفس.
وأشار إلى أن للأعمال الصالحة أثرًا في زكاة القلبِ، وللطاعة قوة في البدن وبركة في الرزق، مستشهدا بنبي الله هود عليه السلام الذي أوصى قومه بالطاعة والاستغفار لينالوا البركة؛ كما ورد في قول الله تعالى: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ} (هود: 52)، مضيفاً أن الطاعة سكينة وراحة ومحبة في قلوب الناس على خلاف المعصية التي تورث ضيق النفس والحزن والفقر..
فإلى نص الحوار:
-
بداية فضيلة الدكتور.. ما هي المعاصي؟
المعصية كل مخالفة لأمر الله وهي ضلال ووصْف قبيح لصاحبها وهي خلاف الطاعة، وهي تهلك النفس، وتقسي القلب، وتمنَع بركة الرزق.
-
كيف يطهر العبد قلبه منها؟
سيبقى الرب ربا والعبد عبدا ولا عصمة إلا لمن عصم الله فإذا أخطأ العبد فلا بد من التوبة فهي تجب ما قبلها فعَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ رواه الترمذي بسند حسن
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ” (رواه مسلم). وكل ذلك من رحمة الله ولطفه.
فالتوبة من المعاصي والذنوب واجبة على المسلم، قال الله تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (النور: 31)، وقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا} (التحريم: 8).
وللتوبة النصوح شروط أربعة وهي: الإقلاع عن الذنب، الندم على ما فات، العزم على عدم الرجوع إلى الذنب، وإذا كانت المعصية تتعلق بحق الآدمي، فلا بد من إعادة الحقوق لأصحابها إن كنت تعرف أصحابها، وأما إذا لم تعرف أصحابها فتصدق بالمال عنهم.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا يحل مال امرئٍ مسلم إلا عن طيب نفسٍ” (رواه أحمد والبيهقي).
-
كثيرا ما يرتكب بعض الناس المعصية ويتوب، ومن ثم يعود.. كيف الحل إذا كرر العبد المعصية بعد التوبة؟
عَنْ حَنْظَلَةَ الْأُسَيِّدِيِّ قَالَ وَكَانَ مِنْ كُتَّابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ كَيْفَ أَنْتَ يَا حَنْظَلَةُ قَالَ قُلْتُ نَافَقَ حَنْظَلَةُ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ مَا تَقُولُ قَالَ قُلْتُ نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ فَنَسِينَا كَثِيرًا قَالَ أَبُو بَكْرٍ فَوَاللَّهِ إِنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ نَافَقَ حَنْظَلَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا ذَاكَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ نَكُونُ عِنْدَكَ تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ نَسِينَا كَثِيرًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي وَفِي الذِّكْرِ لَصَافَحَتْكُمْ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً ثَلَاثَ مَرَّاتٍ (رواه مسلم).
وهذا من رحمة الله علينا فمهما صدر منا إلا أن الله تعالى عفو غفور وإذا أذنب العبد ذنبا فما عليه إلا أن يتوب إلى الله تعالى حيث يقول الله تعالى: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} (النساء: 17، 18).
-
لا بد أن للمعصية أثرا على القلب.. فما هو أثرها؟
من هذه الآثار حرمان العلم الشرعي لما جلس الشافعي بين يدي الإمام مالك وقرأ عليه، أعجبه ما رأى من نور فطنته، وتوقد ذكائه، وكمال فهمه، فقال: إني أرى الله قد ألقى على قلبك نوراً فلا تطفئه بظلمة المعصية.
كذلك حرمان الرزق وتعسير الأمور: فعن ثوبان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب الذي يصيبه، ولا يرد القدر إلا بالدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر” (أخرجه ابن حبان بسند حسن).
وإن الله ييسر أمور عباده الصالحين {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} (الطلاق: 2، 3) {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} [الطلاق: 4].
اضافة إلى المعيشة الضنك في الدنيا والعذاب في الآخرة: قال الله تعالى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [طه:124] إنها سبب لهوان العبد على ربه: قال الله تعالى: وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ [الحج:18].
-
برأيكم هل يصح للشخص أن يدعو إلى الله وهو عاصٍ؟
الأصل في المسلم أن يطيع الله، لكنه قد يخطئ؛ فعليه بالتوبة، ولا أحد معصوم؛ لذا ينبغي على المسلم أن يتعهد نفسه، ولا يمنع ذلك الدعوة إلى الله؛ فإن الطبيب قد يعالج غيره وهو مريض.
-
ما هي أسباب وقوع الانسان في المعاصي؟
هناك أسباب كثيرة من أهمها:
- تحقير المعصية واستصغارها فعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ كَقَوْمٍ نَزَلُوا فِي بَطْنِ وَادٍ فَجَاءَ ذَا بِعُودٍ وَجَاءَ ذَا بِعُودٍ حَتَّى أَنْضَجُوا خُبْزَتَهُمْ وَإِنَّ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ مَتَى يُؤْخَذْ بِهَا صَاحِبُهَا تُهْلِكْهُ” (رواه أحمد بسند حسن لغيره).
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: “إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه ، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مرّ على أنفه فقال به هكذا، قال أبو شهاب بيده فوق أنفه.
وقال بلال بن سعد: لا تنظر إلى صِغر المعصية، لكن انظر إلى عظمة من عصيت!!
- التساهل في الدين والتوسّع في فعل المشتبهات يضعف في النفس استعظام المعاصي.
- مجالسة الأشرار فإن الطباع تعدي ولا بد من مجالسة الأخيار فالمرء قليل بنفسه كثير بإخوانه فصحبة الأخيار ومجالستهم يشجع على الطاعة مما يقي المرء – بإذن الله – من المعاصي.
- الغفلة عن ذكر الله فعَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ الْأَغَرِّ الْمُزَنِيِّ وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي وَإِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ” (رواه مسلم).
-
هل يمكن أن يدعو الانسان وهو صامت؟ وكيف يكون ذلك؟
الدعاء لا يكون إلا بالنطق أما بغير النطق فهو تمنٍّ، والأفضل للمسلم الدعاء قال الله تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} [النمل: 62].