الانفصام الدعوي (2 /5).. مع النفس

التصالح مع الإسلام (3)

أ.د. حسان عبد الله (خاص بموقع مهارات الدعوة)

تصالح مع الفطرة

     لا تخرج الدعوة إلى التصالح مع الإسلام عن كونها دعوة للتصالح مع الفطرة، وهكذا ربط الإسلام بينهما، والإسلام في معناه ومقاصده هو تحقيق غاية الفطرة التي فطر الله الناس عليها؛ فقد فطر الناس على “توحيد” الله ونبذ الشرك به، وإسلام القلب والفكر والسلوك لمسار التوحيد.

والتوحيد ليس مقولة وعظية فقط –وإن كانت في الوعظ ضرورة– {ذَٰلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ} أي تعتبرون به؛ فالوعظ دعوة إلى الاعتبار وليس حرفة لفظية، وهو أيضًا ليس مقولة إيمانية غيبية فقط تنفصل عن الواقع والشهود، وإن كان ذلك من متطلبات الإيمان {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ}، وليس التوحيد مقولة فلسفية فقط وإن اضطر المتكلمون الأوائل لذلك لمجابهة الانحرافات في التصورات العقدية، وإن أفرطت تلك المقولة في التفاصيل إلى حد شوه مفهوم “التوحيد” في بعض المذاهب والأفكار.

التوحيد هو الفطرة التي جاء بها الوحي منذ نزول آدم على الأرض، والتوحيد مقولة جامعة تحكم حركة الإنسان على الأرض ونشاطه العام وليس نشاطه العبادي والعقدي فقط، ومن ثم مثَّل التوحيد للأمة مركزًا ومدارًا لبنائها الحضاري، ورسم هويتها وشخصيتها الحضارية، بما يمثله من مركزٍ استقطابيٍ لكل عوالم الإنسان: الغيب والشهود، الاقتصاد والاجتماع ، الأخلاق والسياسة، الأفكار والمادة، الأشياء والأشخاص.

فالتوحيد مبدأ يعيد تنظيم حياة الإنسان فردًا وجماعة وأمة من جديد، ويجمع ما في العالم المتعدد في وحدةٍ تحت راية واحدة.

وبلحاظ ذلك نجد أن موقف الأمة من التوحيد -فهمًا وتنزيلًا- يتعاير به مؤشر نهوض الأمة وتراجعها، وإن الدورة الثقافية للأمة في واقع الشهود بدأت من فهم التوحيد ومضامينه في مجالات الحياة والقيم والتصورات والمفاهيم المشكلة لتلك المضامين، ثم تجسيد فكرة التوحيد أي الانتقال من حيز الصورية إلى حيز الواقعية، ثم الانتشار والتطبيق لتلك الفكرة وتمثلاتها عبر النظم والقوانين والبرامج.

خارطة حالة الأمة

ويمكن أن نرسم خارطة لحالة الأمة –صعودًا وهبوطًا- مع مبدأ التوحيد تتمثل في المراحل التالية:

المرحلة الأولى: مرحلة ظهور التوحيد الحق والإيناع الثقافي والحضاري للعالم. ومواجهة الشرك الإنساني والطغيان البشري على الكون.

المرحلة الثانية: مرحلة نشر التوحيد الحق والانتشار الحضاري الأفقي، وتحقيق مقاصد الحق في الخلق.

المرحلة الثالثة: مرحلة التوحيد الغائب أو الكامن، وعصر الانحطاط والتراجع وتدهور الإنسانية، وعودة الشرك والطغيان البشري.

المرحلة الرابعة/الراهنة: مرحلة بعث التوحيد الحق وبحث مشكلات الحضارة لاستعادة الإيناع الثقافي والحضاري للأمة. وهي المرحلة التي تحياها الأمة الآن.

يتبع إن شاء الله..

 

مواضيع ذات صلة