الانفصام الدعوي (2 /5).. مع النفس

الإعداد الذاتي للداعية

إبراهيم غرايبة

p11يعد الجانب الذاتي الجزء المهم والأساس في برامج التربية والتدريب، ومن دونه لا تنجح هذه البرامج ولا تحقق أهدافها؛ ذلك أن عجلة الحياة لا تتوقف؛ فتأتي في كل لحظة بتجارب وأفكار وخبرات وفرص لا يجوز فوتها.

والمنهج الإسلامي في التربية والعبادة يرى هذه الرؤية والفلسفة، فالعبادات والمعاملات تنبثق من رقابة ذاتية ومسؤولية لدى المسلم مع الحرص والرغبة في نيل رضا الله تعالى، والشعور بأنه يراقبه دائماً وينتظر الثواب ويخاف العذاب.

وتؤكد الآيات والأحاديث دائماً على ضرورة وعي الأهداف والحكم من العبادات، فإنها من غير ذلك تكون أفعالاً جوفاء، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (البقرة: 183)، فإن لم يحقق المسلم بالصوم التقوى؛ فقد أخل بالغرض الذي شرع الصوم من أجله، وإن كان يشارك المسلمين بالشعائر الظاهرة للصوم، وقال صلى الله عليه وسلم: “رب صائم ليس له من صومه إلا الجوع، ورب قائم ليس له من قيامه إلا التعب والنصب”، وقال تعالى: {لَن يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى} (الحج: 37)، وقال: {إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} (العنكبوت: 45)، وقال صلى الله عليه وسلم: “من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم تزده من الله إلا بُعدا”.

وحين نفكر في تحقيق حكم العبادات وجوهرها؛ نجد أن الدافع الذاتي والحرص على الشعور بها هو الذي يجعل هذه العبادات والشعائر ليست حركات شكلية؛ بل أداءً حياً يسري في حياة المسلم اليومية وفي ضميره وروحه وعقله، فيصقله ويسمو به عن المعصية والانحراف.

ويقدم الحديث النبوي تمثيلاً حكيماً مؤثراً حين يرينا كيف يختلف أثر الدعوة في الناس حسب طبائعهم ومشاربهم وصفاتهم الفردية؛ فالناس كما وصفهم الحديث في معاملة ما بعث الله به نبيهم -صلى الله عليه وسلم- كمثل الأرض والتربة: بعضها طيب فيقبل الماء فينبت الكلأ، وبعضها يحفظ الماء للناس ولا تقبله، وبعضها قيعان لا تحفظ ماء ولا تنبت زرعاً!.

وحين نستعير الأفكار السابقة، ونجعلها في برامج العمل؛ نؤكد أولاً أن منهاج العمل الإسلامي يعتمد غالباً في النجاح والفاعلية على الجهد الذاتي والصفات الفردية لدى الدعاة، وهم يستفيدون من هذه البرامج بقدر استعدادهم وجهودهم الذاتية.

وحتى نعين الأخوة الدعاة على فهم هذه الفكرة في خطوات وبرامج عملية؛ فإننا نقدم الأفكار والاقتراحات التالية:

1- يكف معظم الناس بعد سن الخامسة والعشرين بسبب مشاغل الحياة وزيادة المسؤولية، وضعف الحماس والتقدم في السن، وضعف الصحة عن ممارسة مواهب نافعة، يكفون عن المطالعة والقراءة والمشاركة في الأنشطة العامة، لكن على الداعية أن يلتزم مهما تكن حاله اقتصاص وقت مناسب للقراءة والمشاركة والرياضة والكتابة والأعمال الفنية والحرفية، فإنه إن لم يفعل سيجد نفسه بعد سنوات فقد صلته بالمجتمع المحيط والأجيال الصاعدة.

2- أن يرسم الداعية خطة للثقافة الذاتية الجادة لتحقق فهماً للإسلام وأحكامه والمجتمع الواقع المحيط، والعمل الجماعي وأصوله وقواعده تعتمد على المصادر الأولية والبحث العلمي، وتتجاوز الكتب المبسطة، والكتب المختصرة المتكررة.

3- أن يشترك الداعية في مكتبة عامة ويتتبع المجلات المختصة والنتاج الفكري الجديد في مجال واحد يختاره.

4- اغتنام الفرص والسعات التي تتيحها المؤسسات التي يعمل بها ويدرس، كالدورات مثلاً، ولا يزهد فيها وتمنعه مشاغله وضعف همته وإرادته لتحول بينه وبينها.

5- حيازة أكبر قدر ممكن من المهارات العملية والفنية والحرفية، كرخصة السوق والحاسوب والمقالة الصحفية والأدبية والرسم، والمهارات اليدوية والفنية كصيانة السيارات والأجهزة والحدادة والنجارة وكل ما ينفع المسلم والمسلمين، والسعي الدائم في الاعتماد على النفس في أداء الأعمال اليومية والاحتياجات، قال صلى الله عليه وسلم: (ما أكل أحد طعاماً قط خير من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده).

6- المشاركة في الدورات التي تعقدها مؤسسات شتى لقاء أجر، كالمراكز المهنية الأهلية المختلفة.

7- إتقان لغة أجنبية يوسع الداعية ويزيد ثقافته.

وأخيراً فثمة أوصاف وشروط تلزم الداعية والمشاركين في العمل الإسلامي نذكر الدعاة بها ليسعوا إلى تحقيقها:

– رحابة الصدر وسعة الأفق.

– احتمال الرأي الآخر والرضى برأي الغالبية.

– فهم الأحداث الجارية وربطها وتفسيرها.

– فهم المجتمع المحيط فهماً أصيلاً يحيط بتاريخه ونشأته وأسبابه الحضارية والثقافية والاقتصادية والخدمات والمرافق.

– دراسة تاريخ الدعوة الإسلامية ومبادئها، وسبر أعماق العمل الإسلامي الاجتماعية والتنموية والنقابية.

– اغتنام الوقت وحسن تقسيمه.

– القدرة على الإدارة والتخطيط، وإدراك أصول العمل الجماعي وقواعده العلمية.

ولا بد أن يحقق الداعية نفسه جملة من الأخلاق والشروط التي يجب أن يفهم أنها إطار التكوين الذاتي وجوهره، وبدونها يفقد العمل معناه، ولا يختلف عن سواه من الأعمال، وهي: تقوى الله وعبادته والإنابة إليه، والشجاعة والكرم والحلم والأناة، والقدوة الحسنة وسائر ما وصى به ديننا الحنيف وما تسعى به الدعوة الإسلامية ليتحلى به أبناؤها: {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} (الأعراف: 26)، {وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ} (البقرة: 282).

________________

المصدر: موقع عودة ودعوة.

مواضيع ذات صلة