سعيد عبيدي
لم يقم الإسلام يوما على اضطهاد مخالفيه، أو مصادرة حقوقهم، أو تحويلهم بالكره عن عقائدهم، أو المس بأموالهم وأعراضهم ودمائهم، بل إن في الدين الإسلامي من السماحة والسهولة واليسر والرحمة ما يتوافق مع عالميته وخلوده، وهو ما يجعله صالحا لكل زمان ومكان لسائر الأمم والشعوب، فعبر تاريخنا الطويل كان يعيش غير المسلمين في أوطاننا آمنين مطمئنين، فلم يجبروا على ترك معتقداتهم، ولم يتعرض أحد لمقدساتهم أو دياناتهم، وهو الشيء الذي جعل الإسلام يبني شريعة التسامح في
علاقاته مع الآخر على أساس متين، حيث شرع للمسلم أن يكون حسن المعاملة، رقيق الجانب، لين القول، مع المسلمين وغيرهم.
إن المسلم الغيور في الوقت الراهن ليستشيط غيظا عندما يلاحظ اتهام الإسلام والمسلمين بالعنف والإرهاب، كما أن المهتم والمتابع لواقع صورة الإسلام في الغرب ليأسف على ما آلت إليه تلك الصورة في الآونة الأخيرة من تشويه وتمييع بالغين، وهذا غير جديد على بعض الدارسين والمستشرقين الغربيين الذين حملوا على عاتقهم مسؤولية قلب الحقائق وإثارة الشبهات، إلا القليل منهم ممن لم يُعْمِهم الحقد والتعصب عن ذكر الحق والجهر به، وهو الأمر الذي دفعنا إلى كتابة هذه السطور، والتي سنورد فيها شهادات بعض الغربيين المنصفين الذين أعجبوا بسماحة الإسلام، بل منهم من قادته هذه السماحة إلى سلك طريق الهداية واعتناق الدين الحق.
توماس أرلوند (1864م -1920م)
وهو مفكر إنجليزي ذكر أهله من الغرب أن الدين الإسلامي انتشر بفعل الحرية الدينية والتسامح، ولم ينتشر كما هو متداول بالقوة وحد السيف؛ يقول في كتابه «الدعوة إلى الإسلام»: «إن الفكرة التي شاعت بأن السيف كان العامل في تحويل الناس إلى الإسلام بعيدة عن التصديق، إن نظرية العقيدة الإسلامية تلتزم التسامح وحرية الحياة الدينية لجميع أتباع الديانات الأخرى، لقد ظل الكفار على وجه الإجمال ينعمون في ظل الحكم الإسلامي بدرجات من التسامح لم نكن نجد لها مثيلا في أوربا حتى عصور حديثة جدا، وإن التحول إلى الإسلام عن طريق الإكراه محرم طبقا لتعاليم القرآن، وإن مجرد وجود كثير من الفرق والجماعات المسيحية في الأقطار التي ظلت قرونا في ظل الحكم الإسلامي لدليل ثابت على ذلك التسامح الذي نعم به هؤلاء المسيحيون»(1).
ويقول أيضا في تمجيد الإسلام وقيامه على العدل والتسامح وعدم التعصب: «وقد نجد عوامل أخرى ساعدت على تناقص الشعب المسيحي في الحقيقة، ولكننا لم نسمع عن أية محاولة مدبرة لإرغام الطوائف من غير المسلمين على قبول الإسلام، أو عن اضطهاد منظم قصد منه استئصال الدين المسيحي، ولو اختار الخلفاء تنفيذ إحدى الخطتين لاكتسحوا المسيحية بتلك السهولة التي أقصى بها (فرديناند، وإيزابيلا) دين الإسلام من إسبانيا، أو التي جعل بها (لويس الرابع عشر) المذهب البروتستانتي مذهبا يعاقب عليه متبعوه في فرنسا، أو بتلك السهولة التي ظل بها اليهود مبعدين عن انجلترا مدة ثلاث مئة و خمسون سنة، وكانت الكنائس الشرقية في آسيا قد انعزلت انعزالا تاما عن سائر العالم المسيحي الذي لم يكن فيه أحد يقف في جانبهم باعتبارهم طوائف خارجة عن الدين، ولهذا فإن مجرد بقاء هذه الكنائس حتى الآن ليحمل في طياته الدليل القوي على ما قامت عليه سياسة الحكومات الإسلامية بوجه عام من التسامح نحوهم» (2).
ول وايريل ديورانت (1885م -1981م)
في كتابه الشهير «قصة الحضارة» والذي تحدث فيه عن مختلف الحضارات، ذهب هذا الفيلسوف والمؤرخ والكاتب الأميركي إلى أن المسيحيين واليهود وغيرهم من أهل الذمة كانوا يعيشون في بلاد المسلمين بأمان كبير وكأنهم يعيشون في ديارهم، فلم يحدث في يوم من الأيام أن أساء إليهم أحد الحكام المسلمين، ولا ألزمهم بتغيير معتقداتهم أو هدم معابدهم، يقول بخصوص ذلك: «ولقد كان أهل الذمة المسيحيون، والزردشتيون، واليهود، والصابئون، يستمتعون في عهد الخلافة الأموية بدرجة من التسامح لا نجد لها نظيرا في هذه الأيام، فلقد كانوا أحرارا في ممارسة شعائرهم، واحتفظوا بكنائسهم ومعابدهم، ولم يفرض عليهم أكثر من ارتداء زي ذي لون خاص وأداء فرضة عن كل شخص، تختلف باختلاف دخله وتتراوح بين دينار وأربعة دنانير.
ولم تكن هذه الضريبة تفرض إلا على غير المسلمين القادرين على حمل السلاح، ويعفى منها الرهبان والنساء والذكور الذين هم دون البلوغ، والأرقاء، والشيوخ، والعجزة، والعمي والفقراء… وكانوا يتمتعون بحكم ذاتي يخضعون فيه لزعمائهم، وقضاتهم وقوانينهم، وكان تسامح الحكام المسلمين معهم يختلف باختلاف الأسر الحاكمة… وكان اليهود يتمتعون بكامل الحرية في حياتهم وفي ممارسة شعائر دينهم في بيت المقدس، وكان المسيحيون يمارسون دينهم بكامل حريتهم؛ إذ يحدثنا المؤرخون أنه كان في بلاد الإسلام في عصر المأمون أحد عشر ألف كنيسة، كما كان فيها عدد كبير من هياكل اليهود ومعابد النار، وكان المسيحيون أحرارا في الاحتفال بأعيادهم علنا، والحجاج المسيحيون يأتون أفواجا آمنين لزيارة الأضرحة المسيحية في فلسطين، لقد أصبحوا أحرارا آمنين تحت حكم المسلمين الذين لم يكونوا يجدون لنقاشهم ومنازعاتهم معنى يفهمونه.
ولقد ذهب المسلمون في حماية المسيحيين إلى أبعد من هذا؛ إذ عين والي أنطاكية في القرن التاسع الميلادي حرسا خاصا ليمنع الطوائف المسيحية المختلفة من أن يقتل بعضها بعضا في الكنائس»(3).
زيغريد هونكه (1913م – 1999م)
وهي مستشرقة ألمانية صرفت جل وقتها للدفاع عن قضايا الإسلام والمسلمين، في كتابها الشهير «شمس العرب تسطع على الغرب» تحدثت بإسهاب عن الإسلام والحضارة الإسلامية محاولة إبراز سماحة هذا الدين الحنيف، تقول: «لا إكراه في الدين.. هذا ما أمر به القرآن الكريم، وبناء على ذلك فإن العرب لم يفرضوا على الشعوب المغلوبة الدخول في الإسلام، فالمسيحيون والزرادشتية واليهود الذين لاقوا قبل الإسلام أبشع أمثلة التعصب الديني وأفظعها، سمح لهم جميعا دون أي عائق يمنعهم بممارسة شعائر دينهم، وترك لهم المسلمون بيوت عبادتهم وأديرتهم وكهنتهم وأحبارهم دون أن يمسوهم بأدنى أذى، أوليس هذا منتهى التسامح؟ أين روى التاريخ مثل تلك الأعمال ومتى؟ ومن ذا الذي لم يتنفس الصعداء بعد الاضطهاد البيزنطي الصارخ وبعد فضائع الإسبان واضطهادات اليهود؟ إن السادة والحكام المسلمين الجدد لم يزجوا بأنفسهم في شؤون تلك الشعوب الداخلية، فبطريرك بيت المقدس يكتب في القرن التاسع لأخيه بطريرك القسطنطينية عن العرب: «إنهم يمتازون بالعدل ولا يظلموننا البتة، وهم لا يستخدمون معنا أي عنف» (4).
ألفريد جيوم (1888م – 1965م)
وهو مستشرق إنجليزي متخصص في علم الكلام الإسلامي، له مجموعة من المؤلفات في مقارنة الأديان وعلم الحديث والسيرة النبوية، لم يخف إعجابه بالإسلام وسماحته، يقول: «لقد استقبل المسلمون في سوريا ومصر والعراق بترحاب، لأنهم قضوا على الابتزاز الإمبراطوري، وأنقذوا البيع المسيحية المنشقة من الضغط الكريه الذي كانت تعانيه الحكومة المركزية، وبرهنوا بذلك على معرفة بالمشاعر والأحاسيس المحلية أكثر من معرفة الأغراب» (5).
جابرييلي فرانشسكو (1904م – 1996م)
وهو مستشرق إيطالي قام بترجمة نصوص الفكر الإسلامي إلى الإيطالية، له مجموعة من المؤلفات في التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية، وبعد دراسته الطويلة للإسلام تأكد له بالملموس أن الدين الإسلامي دين تسامح، ولم يكن أبدا دين تعصب، يقول: «إن الإسلام أضفى على عقائد أهل الكتاب أي المسيحية واليهودية مكانة خاصة يحميها الشرع، وإن تكن ذات مرتبة أدنى في الدولة، ولم يدم التزمت والاضطهاد فترات طويلة إلا في أوقات الشدة وعدم الشعور بالأمان، أما قانون المسيحية فليس فيه أي مكان لأي دين آخر، لذا فقد انتقل بسرعة وبتطور منطقي عندما انتصر على الإسلام إلى التعصب والاضطهاد…، لقد انتشر دين بلاد العرب الذي جلبه الفاتحون معهم في شبه الجزيرة بسرعة، كما حدث في جميع البلاد التي فتحها العرب، وأصبح هو السائد بسرعة بين سكان البلاد الأصليين الذين اعتنقوه، وإن لم يصبح هو الدين الوحيد؛ فإلى جانب إسلام الفاتحين الأجانب كان هناك تسامح مع الدين المسيحي الذي طورته إسبانيا، بحيث أصبح لها أعيادها الدينية والثقافية وطقوسها الخاصة وكتابها وقديسوها، ورغم أن مكانته كانت دون الإسلام فقد كان له وضع قانوني كامل، على أن هذه المسيحية قد استعربت بسرعة، لغويا وثقافيا، وأصبحت هناك كلمة عربية تدل على سكان البلاد الذين بقوا على دين آبائهم تحت الحكم الإسلامي، لكنهم أصبحوا ناطقين بالعربية أو يتكلمون اللغتين على الأقل» (6).
ليفي بروفنسال (1894م -1956م)
يعد هذا المستشرق أحد زعماء البحث في الفكر الإسلامي في فرنسا، وهو من أصل يهودي تنقل بين الجزائر وفرنسا وإيطاليا، تركزت أبحاثه على تاريخ وحضارة المغرب والأندلس، كتب المئات من الأبحاث والدراسات، والتي نشرت في مصنفات مستقلة، ونشر بعضها الآخر في أشهر المجلات والحوليات الاستشراقية، أعجب هو الآخر بسماحة المسلمين عند حكمهم للأندلس، والذين لم يكرهوا أحدا على تغيير دينه، بل بالعكس وفروا الجو المناسب للمسيحيين من أجل أداء شعائرهم، يقول: «ما من مكان كانت فيه العلاقات الدائمة ضرورية بين الإسلام والمسيحية أكثر منها في إسبانيا العربية، فإن معظم سكانها قد احتفظوا، على الأقل في القرن الأول من حكم الإسلام، بالديانة القديمة في دولة الفيزيقوت (القوات الغربيون)، وفيما بعد، حتى عقب اعتناق أعداد غفيرة من الرعايا النصارى أهل الذمة للإسلام، للاستفادة من نظام مالي أفضل، بقيت نسبة ضخمة من الرعايا المسيحيين تشكل في المدن الأندلسية وحدات مزدهرة، لها كنائسها وأديرتها ورئيسها المسؤول وجابيها الخاص وقاضيها الذي يطبق في محكمته، تحت إشراف الإدارة الأموية، القانون القوطي القديم. أما الاضطهادات التي عانتها فقد كان يسببها دوما مسيحيون متهوسون يرفضون أن يتراجعوا عن القدح في معتقد سادة البلاد. وكان أمراء الأندلس وخلفاؤها يقرون بصورة دائمة تقريبا اختيار أصحاب الرتب الكهنوتية: مطران طليطلة وأسقف قرطبة، حتى إنهم كانوا يستعملون هؤلاء الأحبار في سفارات أو مهمات سياسية سرية في الوقت المناسب…
وهذا ما يجعلنا نفترض وجود اختلاط ودي، واثق ومتصل بين مختلف عناصر السكان، بل نملك على هذه الناحية شهادة معاصرة لا نستطيع الارتياب في قيمتها، ذلك لأنها صادرة عن واحد من أنشط أبطال المقاومة ضد الإسلام في شبه الجزيرة في القرن التاسع ألا وهو «ألفارو القرطبي» فبينما يحزن لفتور مسيحيي إسبانيا وجهلهم باللاتينية، نراه يمجد بفصاحة نادرة الثقافة الإسلامية الإسبانية التي كانت في طور التكوين» (7).
إدوارد بروي (1887م-1972م)
هو صاحب كتاب «تاريخ الحضارات العام: القرون الوسطى»، وهو جزء من أكبر وأفضل الموسوعات التاريخية الشاملة، والتي تسرد تاريخ الأمم ابتداء من حضارة الشرق واليونان القديمة وانتهاء بعهدنا المعاصر، ذكر فيه مما ذكر أن الحضارة الإسلامية استطاعت أن تصل إلى مستوى العالمية بسبب سماحة المسلمين وعدم تعصبهم تجاه المسيحيين، الذين كانوا يكيلون للمسلمين التهم بإسبانيا ويعرضونهم لشتى أنواع العذاب يقول: «ما لابد من التنويه به عاليا أن هؤلاء السلاطين العثمانيين لم يظهروا أي تحرج أو تعصب تجاه المسيحيين، في وقت وزمان كان فيه ديوان التفتيش يبطش بالناس بطشا وينزل بهم الهلع، وفي عهد كان اليهود والمسلمون يطردون دونما رحمة أو شفقة من إسبانيا، وبالرغم من إسكان عدد كبير من الجاليات الإسلامية في البلقان، واعتناق بعض الجماعات البلقانية الإسلام فلم يأت العثمانيون شيئا مهما ليمنعوا السواد الأكبر من سكان البلاد البلقانية من الاحتفاظ بنصرانيتهم» (8).
ويقول أيضا في نفس الكتاب: «قلما عرف التاريخ -والحق يقال- فتوحات كان لها في المدى القريب على الأهلين مثل هذا النزر الصغير من الاضطراب؛ فمن لم يكن عربيا من الأهلين لم يشعر بأي اضطهاد قط، فاليهود والنصارى الذين هم أيضا من أهل الكتاب حق لهم أن يتمتعوا بالتساهل وأن لا يضاموا، وكان لابد من الوقوف هذا الموقف نفسه من الزرادشتية والبوذية والصابئة وغيرها من الملل والنحل الأخرى، والمطلوب من هؤلاء السكان أن يظهروا الولاء للإسلام ويعترفوا بسيادته وسلطانه، وأن يؤدوا له الرسوم المترتبة على أهل الذمة تأديتها، وفي نطاق هذه التحفظات التي لم يكن لتؤثر كثيرا على الحياة العادية، تمتعوا بكافة حرياتهم» (9).
إميل درمنغم (1892م- 1971م)
أحد كبار المستشرقين الفرنسيين، عمل مديرا لمكتبة الجزائر، من آثاره كتاب: «حياة محمد» وهو من أحسن ما ألفه مستشرق عن النبي ” صلى الله عليه وسلم” ، وكتاب: «محمد والسنة الإسلامية»، بالإضافة إلى مجموعة من الأبحاث والدراسات التي نشرت في المجلات المصنفة والحوليات الاستشراقية، أعجب هذا المستشرق بالإسلام وسماحته التي جعلت منه دينا مقبولا وعالميا على حد قوله، فالمسلمون لم يقابلوا الإساءة بالإساءة وإنما قابلوها بالصفح والتسامح؛ يقول في كتابه «حياة محمد»: «وتم النصر للإسلام لأنه عنوان رسالة كان الشرق كثير الاحتياج إليها، واحتمل المسلمون ضروب العذاب قبل الهجرة ولم يستطيعوا لها ردا، فلما كانت الهجرة وكان ما أبدوه من المقاومة والنصر، اتخذوا التسامح الواسع دستورا لهم. أجل لم يبق للمشركين مقام في دار الإسلام، ولكنه أصبح لأهل الكتاب من اليهود والنصارى فيها حق الحماية وحرية العبادة وما إليهما، وصاروا من المجتمع إذا ما أعطوا الجزية. قال النبي ” صلى الله عليه وسلم” : «من آذى ذميا فأنا خصمه»، وما أكثر ما في القرآن والحديث من الأمر بالتسامح، وما أكثر عمل فاتحي الإسلام بذلك، ولم يرو التاريخ أن المسلمين قتلوا شعبا، وما دخول الناس أفواجا في الإسلام إلا عن رغبة فيه، وهنا نذكر أن عمر بن الخطاب “رضي الله عنه” لما دخل القدس فاتحا أمر بأن لا يمس النصارى بسوء، وبأن تترك لهم كنائسهم، وشمل البطرك بكل رعاية ورفض الصلاة في الكنيسة خوفا من أن يتخذ المسلمون ذلك ذريعة لتحويلها إلى مسجد. وهنا نقول ما أعظم الفرق بين دخول المسلمين القدس فاتحين ودخول الصليبيين الذين ضربوا رقاب المسلمين، فسار فرسانهم في نهر من الدماء التي كانت من الغزاة ما بلغت به ركبهم، وعقد النية على قتل المسلمين الذين تفلتوا من المذبحة الأولى» (10).
جاك ريسلر
وهو مستشرق فرنسي يعمل في معهد باريس للدراسات الإسلامية، من أهم مؤلفاته كتاب: «الحضارة العربية» والذي نال جائزة الأكاديمية الفرنسية، وعد دراسة أساسية للراغبين في معرفة الإسلام، ومحتوى هذا الكتاب وطريقة تقديمه يجعلنا نقرر أن «ريسلر» ينتمي إلى الجيل الجديد من المستشرقين المؤمنين بحوار الحضارات، يقول في هذا الكتاب بخصوص سماحة الإسلام: «كانت جميع الأديان لها حق الممارسة المطلقة في عبادتها، وكان اليهود المطاردون لديهم مطلق الحرية في اقتناء الثروات ووصلوا أحيانا إلى مراكز سامية، واختلط المسيحيون مع المسلمين، وحدث انهم احتفلوا بأعيادهم معا في المسجد والكنيسة، ونتيجة لهذه الحرية البالغة أقصى حد شوهد بعض المسيحيين يتخذون لأنفسهم أكثر من زوجة على الرغم من تحريم الكنيسة» (11).
هكذا إذن وبعد استقراء شهادات هؤلاء الغربيين المنصفين الذين صدحوا بالحق ولم يؤسسوا أفكارهم على الباطل والشبهات يمكن أن نقول إن هذه الشهادات أجمعت على أن الإسلام كان يحترم ويوقر الأديان الأخرى، ويسمح لأتباعها في ظل الدولة المسلمة بممارسة كافة الشعائر الدينية؛ فالنصارى واليهود هم أهل ذمة عند المسلمين ما لم يحاربوهم، وقد تمتعوا عبر التاريخ الإسلامي الطويل بكافة امتيازات المواطنين، ولم يحدث في يوم من الأيام أن أساء إليهم أحد أو اغتصب حقهم وحريتهم في معتقدهم، لأن الإسلام بكل بساطة دين صفح وتسامح لا دين إكراه وإرهاب.
الهوامش
1- أرلوند توماس، الدعوة إلى الإسلام، بحث في تاريخ نشر العقيدة الإسلامية، ترجمة: حسن إبراهيم حسن، عبدالمجيد عابدين، إسماعيل النحراوي، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1971م، ص 62.
2- نفسه، ص 147-148.
3- ول وايريل ديورانت، قصة الحضارة، ترجمة: محمد بدران، دار الجيل، بيروت، ج 13، ص 130-132. بتصرف.
4 – زيغريد هونكه، شمس العرب تسطع على الغرب: أثر الحضارة العربية على أوربا، ترجمة: فاروق بيضون وكمال دسوقي، دار الجيل، بيروت، الطبعة الثامنة، 1993م، ص: 364.
5 – ألفريد جيوم، الفلسفة وعلم الكلام، دراسة منشورة في كتاب «تراث الإسلام»، ترجمة: جرجس فتح الله، بيروت، 1972م، ص 177.
6- جابرييلي فرانشسكو، الإسلام في عالم البحر المتوسط، نقلا عن: تراث الإسلام، جوزيف شاخت وبوزورث كليفورد، ترجمة: محمد زهير السمهوري وحسين مؤنس، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، العدد 8، أغسطس 1985م، ص 85.
7 – ليفي بروفنسال، حضارة العرب في الأندلس، ترجمة: الطاهر أحمد مكي، دار المعارف، الطبعة الثالثة، ص 72.
8 – إدوارد بروي، كلود كاهين، جورج دوبي، ميشال مولات، جانيت أوبوايه، تاريخ الحضارات العام، ترجمة: فريد داغر ويوسف أسعد داغر، منشورات عويدان، بيروت ج 3، ص 589-590.
9 – نفسه، ص 116.
10 – إميل درمنغم، حياة محمد، ترجمة: عادل زعيتر، دار العالم العربي، الإمارات العربية المتحدة، الطبعة الأولى، 2013م، ص 369.
11 – جاك ريسلر، الحضارة العربية، ترجمة: خليل أحمد خليل، عويدات للنشر والطباعة، لبنان، الطبعة الأولى، 1993م، ص 154.
___
* المصدر: الوعي الإسلامي.