د. محمد راتب النابلسي
هذا حديثٌ موجهٌ إلى طلاب العلم الشرعي، حديثٌ موجهٌ إلى المؤمنين الصادقين، من الأشياء المُسَلَّم بها أن حجمك عند الله بحجم عملك الصالح،
يؤكِّد هذا قوله تعالى: ﴿وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا﴾ [سورة الأنعام: 132].
وبعد أن تؤمن بالله الإيمان الذي يحملك على طاعته، وبعد أن تتعرف إلى منهج الله بحيث يغدو واقعاً تعيشه، لا شيء يعدل أن تعمل عملاً صالحاً يكون لك ضياءً يوم القيامة، ومن أعظم الأعمال الصالحة أن تُسْهِم في ترسيخ الحق وتوسيع دوائره كي تضيق دوائر الباطل، من أعظم الأعمال الصالحة أن تنصر دين الله، أن يغدو دين الله واقعاً، مطبَّقاً في حياتنا، في بيوتنا، في أعمالنا، في تربية أولادنا، في أوقات فراغنا، في ساعات استجمامنا.
من أجل أن تكون من هؤلاء، ومن أجل أن تُحدث تأثيراً فيمَن حولك، من أجل أن تكون هادياً مهدياً، من أجل أن تُسهم في ترسيخ الحق، لابد من أن تكون في دائرة التأثير، فإما أن تكون في دائرة التأثير، وإما أن تكون خارج هذه الدائرة؛ فلا أحد يعبأ بكلامك، ولا أحد يلتفت إليك، ولا أحد يصغي إليك، ولا أحد يقتدي بك، من أجل إن تكلَّمت يُصغى إليك، وإن تصرَّفت يقتدى بك، وإن فعلت تكون معقد أنظار الناس، لابد من أن تكون في دائرة التأثير، واللهُ أعلم لن تكون في دائرة التأثير أولاً إلا إذا أطعت الله، وإلا إذا أخلصت في طاعته.
الحد الأدنى أن تكون مطيعاً لله مخلصاً في طاعته، أما كيف نؤثِّر في الناس؟ كيف نوسِّع دوائر الحق؟ كيف نُسهم في ترسيخه؟ كيف نسهم في إعلاء كلمة الله؟ فهو ما سأجيب عنه خلال هذه الكلمات:
تحديات يعيشها المسلمون
هناك تحدياتٌ يعيشها المسلمون، أضرب لكم بعض الأمثلة: مجتمعٌ إسلاميٌ فيه فقرٌ مدقع، بيئةٌ ضَنْك، ضآلةٌ في الكسب، ماذا ينبغي على المؤمن في هذه الحالة الصعبة؟ أن يتفوَّق في حرفته، وأن يحسن إنفاق ماله، وأن يسعى لخدمة غيره، فكأن العبادة الأولى في دائرةٍ تعيش آلام الفقر وآلام الحرمان أن تكون منتجاً، كي تكون يدك هي العليا، وكي تُسهم بمالك في مسح الدموع عن البائسين، فهذا من أعظم الأعمال، لأنه كما ورد عن الإمام عليٍ كرَّم الله وجهه: “كاد الفقر أن يكون كفراً”.
وهناك تحدٍ آخر؛ بيئةٌ تعج فيها الشهوات، تستيقظ فيها الفِتَن، نساؤها كاسياتٌ عاريات، كل شيءٍ حولك يدعوك إلى المعصية، كل نظرةٍ حولك تدعوك إلى مقارفة الشهوة، في مثل هذه البيئة التي تتحدى المسلمين لابد من تيارٍ روحيٍ قوي يواجه التيار الشهواني، فأنت حينما تنتصر على نفسك، وتحمل من حولك على أن ينتصر على نفسه، تكون قد قبلت هذا التحدي الآخر الذي يكيده لنا أعداء الإسلام.
وهناك تحدٍ ثالث: بيئة تعج بالضلالات والشبهات، وبالطعن بالدين، وبهز أصول الدين، وبإنكار السنة الشريفة، وبالتشكيك بمصداقية القرآن، في مثل هذه البيئة المؤمن الذي يقبل التحدي هو المؤمن الذي يقدِّم الحجة تلو الحجة، والبرهان تلو البرهان، ويزيل الشبهات، ويأتي بالدليل التفصيلي كي يعيد للناس تماسكهم ويقينهم بدينهم.
صفات المؤمن الذي يريد أن يكون في دائرة التأثير
- مواجهة التحديات من فقر شديد وشهوات مستعرة وشبهات منكرة:
إن أردت أن تكون في دائرة التأثير فلابد من أن تواجه هذه التحديَّات الثلاثة، بيئةٌ فيها فقرٌ شديد، أو بيئةٌ فيها شهواتٌ مستعرة، أو بيئةٌ فيها شبهاتٌ مُنْكَرة.
إن المؤمن؛ إذا جمع وركز كل طاقاته الفكرية، والنفسية، والاجتماعية، والعلمية، في هدفٍ واحد لابد من أن يحدث تأثيراً خطيراً، من أين جئنا بهذه الفكرة؟ من قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [سورة الأنعام: 162].
هذا هو التجميع، ما الذي يضعف الفاسق؟ أنه مبعثر، مشتت، ما الذي يقوي المؤمن؟ أنه مجموع، الشهوات بعيدةٌ عنه، الحجاب عن الله عزَّ وجل لا يعرفه، لأن طاعته لله، وعمله الطيب يجعل الطريق إلى الله سالكاً، هو مجموعٌ بهدفٍ واحد.
المؤمن من خصائصه الكبرى أن كل مناشطه تصبُّ في خانةٍ واحدة، حتى كيف يقضي وقت فراغه؟ في عملٍ يقربه إلى الله، حتى كيف يقضي مناشطه الترفيهية؟ في عملٍ يعزز توجهه الإيماني، حينما يكون عملك، وبيتك، ولهوك البريء المسموح به، ولقاءاتك، وولائمك، ودعواتك، وسهراتك، وكل مناشطك في خطٍ واحد، أنت حينئذٍ تؤثِّر، وهناك نتيجةٌ قد لا تعرف قيمتها هي الانسجام، التناغم، التنسيق، المؤمن يتحرَّك إلى هدفٍ واحد بوسائل لا تعد ولا تحصى، هذه من بركة تجمّع الإنسان، وإيقاع الأثر الإيجابي من تجمُّعه، يقول عليه الصلاة والسلام: (عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، إن أصابه سراءٌ شكر فكان ذلك له خير، وإن أصابته ضراءٌ صبر فكان ذلك له خير، وليس ذلك لغير المؤمن) [الدر المنثور عن صهيب].
كيف يجتمع عند المؤمن حرصه على نجاته في الآخرة وحرصه على تأكيد ذاته في الدنيا؟ يجتمعان من أن كل نشاطاته تصب في خانةٍ واحدة، هذا التوحُّد عند المؤمن شيءٌ لا يعرفه إلا من فقده، حتى لو أخذ أهله نزهةً، إنها في سبيل الله، إنها من أجل أن يقوي علاقته بأسرته، من أجل أن يدخل الفرح على أولاده، حتى لو اشترى ثوباً وارتداه ضمن أنه يتقرَّب إلى الله عزَّ وجل.
- عدم المساومة على المبدأ:
من أبرز صفات المؤمن الذي هو في دائرة التأثير، والذي يسهم في ترسيخ قواعد الحق، وزلزلة قواعد الباطل، أنه لا يساوم على المبدأ إطلاقاً، فكل المُغريات، وكل الضغوط لا يمكن أن تفعل فيه شيئاً: (والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أدع هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه) [السيرة النبوية].
سَمِّه إن شئت الثبات على المبدأ، عدم المساومة على المبدأ، الانتصار للمبدأ على حساب المصلحة يعد تربُّعاً على قمةٍ من الشعور بالسعادة والرضا، والنصر والحكمة، والثقة بالنفس لا توصف، حينما تنتصر على مصالحك، وغرائزك، وشهواتك، وتنتصر لمبدئك، نجاحٌ له ديمومةٌ كبيرة، نجاحٌ مسعد، أما حينما تضيِّع مبدأً، أو تضحي بقيمةٍ من أجل مصلحةٍ آنيةٍ عابرة، ربما تخسرها وتخسر دينك، فجمع هذا في مقولةٍ أقولها كثيراً: من آثر دنياه على آخرته خسرهما معاً، ومن آثر آخرته على دنياه ربحهما معاً.
هذا الذي ينتصر لمبدئه على حساب مصالحه القريبة والمتوهمة، يعد رابحاً أشدّ أنواع الربح، إن التمسك بالمبدأ في المنشط والمكره هو الذي يجعل لحياتنا معنىً يختلف عن حياة السوائم الذليلة التي تكافح من أجل البقاء المجرَّد، ملايين مملينة في العالم تكافح من أجل أن تبقى حيةً، أما المؤمن حينما يؤثر مبدأه على مصالحه فيحيا حياةً لا يعرفها إلا من ذاقها، قال بعض العارفين بالله: “لو يعلم الملوك ما نحن عليه لقاتلونا عليها بالسيوف”.
- المحافظة على الصورة الكلية للمؤمن:
في الإنسان قابلية عجيبة جداً إلى الانحياز نحو محورٍ معين، وتنميته على حساب المحاور الأخرى، فمن السهل جداً أن تأخذ خطاً واحداً وأن تنميه على حساب الخطوط الأخرى، من السهل جداً أن تكون ناجحاً جداً في بيتك، مخفقاً في عملك، أو أن تكون ناجحاً جداً في عملك ومخفقاً في بيتك، أن تكون ناجحاً جداً في تحصيلك مخفقاً في شأن صحتك، أن تعتني بالصحة إلى أعلى درجة وأن تخفق في طلب العلم، الانحياز، والتطرُّف، والغلو، قضيةٌ سهلةٌ على النفس البشرية، ولكن البطولة كل البطولة في أن تكون متوازناً.
من أين جئنا بهذا المعنى؟ (إن لربك عليك حقاً، ولنفسك عليك حقاً، ولأهلك عليك حقاً، فأعطِ لكل ذي حق حقه) [البخاري عن عون بن أبي جحيفة].
(إن لله عملاً بالليل لا يقبله في النهار، وإن لله عملاً في النهار لا يقبله في الليل) [كنز العمال وهو قول لأبي بكر عن مجاهد].
لابد من التوازن بين العبادة والعمل، أن تكون لك صلةٌ بالله متينة، وأن يكون لك علمٌ قوي، وأن يكون لك جسمٌ قوي.
مما قرأت في بعض الكتب أن في الإنسان جوانب ثلاثة، وترابطها عجيب؛ في الإنسان عمله، واتجاهه الروحي، وجسمه، وأي خللٍ في أحدها ينعكس على الجانبين الأخريين، أبداً، لو اختل شأن الصحة لانعكس على اتصالك بالله، وإقبالك عليه، وعلى عملك، لو اختل عملك لانعكس على المحورين الآخرين، عملك الذي ترتزق منه، واتجاهك إلى ربك، وجسمك، هذه مترابطة ترابطاً عجيباً في حياة الإنسان.
لا يمكن أن تنتزع إعجاب الآخرين إلا إذا اجتمع فيك ما تفرق عند الناس، من أجل أن تكون في دائرة التأثير، من أجل أن تسهم في ترسيخ قواعد الحق، من أجل أن تتسع على يديك دوائر الحق كي تضيق دوائر الباطل، لابد من أن تجمع في شخصيتك ما تفرق عند الناس؛ أن تجمع بين العلم، وبين العبادة، وبين القوة في الجسم، لأن هذه الجوانب الثلاثة متكاملة مترابطة.
- النظر إلى الذات من الخارج:
يمكن أن تنظر إلى ذاتك من داخلك فتعجب بنفسك، (ولو لم تذنبوا لخفت عليكم ما هو أكبر العجب العجب) [الجامع الصغير عن أنس].
أما إن نظرت إلى ذاتك من الخارج صَغُرت من أجل أن تكبُر كِبَراً حقيقياً.
- التحرر من العادات والتقاليد التي ابتدعها المجتمع ولا علاقة للدين بها:
لابد أن تتحرر بشكلٍ مستمر من كل عادات وتقاليد وأشياء ابتدعها المجتمع لا علاقة لها بالدين، أي هناك قيودٌ تشل حركة المجتمع، هناك قيودٌ تشل حركة الأفراد، من أين هذا؟ (إذا لم تستح فاصنع ما شئت) [البخاري عن ابن مسعود]. وفي روايةٍ: (فاصنع ما تشاء).
أي إذا كان هذا يرضي الله عزَّ وجل لا تعبأ بكلام الناس، ومن عرف نفسه ما ضرته مقالة الناس به، ورضى الناس غايةٌ لا تدرك، ومن استطاع أن يرضي الناس كلهم فهو منافق، يجب أن تسعى لرضوان الله فقط: (من التمس رضا الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى الناس عنه، ومن التمس رضا الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط الناس عليه) [الترمذي عن عائشة أم المؤمنين].
“اعمل لوجهٍ واحد يكفك الوجوه كلها” [ابن عدي والديلمي عن أنس].
(مَنْ جَعَلَ الْهُمُومَ هَمًّا وَاحِدًا هَمَّ آخِرَتِهِ كَفَاهُ اللَّهُ هَمَّ دُنْيَاهُ) [ابن ماجه عن عبدالله بن مسعود].
إذا لم تستح بعملك، إذا كان عملك وفق منهج الله، إذا كان عملك يرضي الله، لا تعبأ بالقيل والقال، فالناس لا همّ لهم إلا النقد، ولا يقدمون ولا يؤخرون. ﴿قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ﴾ [سورة الأنعام: 91].
- التفوق على الذات:
من أجل أن تكون في دائرة التأثير، وأن تسهم في ترسيخ قواعد الحق، لابد من أن تتفوق على ذاتك.
إن بإمكان أكثر الناس عجزاً، وأقلهم حيلةً، أن يجد من هو أضعف منه ليتغلَّب عليه ويقهره، ويستعلي عليه، قضية بسيطة جداً، وقد يجد الإنسان كائناً من كان في شخصيته بعض نقاط التفوق فينمِّيها ويتبجح بها، فأن تكون في مرتبةٍ أعلى قضية سهلة جداً، حتى الذي يسرق، هناك من يسرق ويوجه السارقين، فهو بمثابة مرشدٍ لهم، استعلى عليهم بقدرته الفائقة على السرقة، فالتفوق المجرد لا قيمة له، لكن البطولة التفوق على الذَّات، والشعور بالتحسُّن الدائم، والارتقاء المُطَّرِد، المؤمن حينما يكون يومه خيراً من أمسه، وغده خيراً من يومه، حينما يرقى من مقامٍ إلى مقام، من منزلةٍ إلى منزلة، من مستوى إلى مستوى، من صلاةٍ إلى صلاة، من دعاءٍ إلى دعاء، هذا الذي يتفوق على ذاته من الداخل هو الذي يمكن أن يسمى تفوقاً وأيما تفوق. ويؤكِّد هذا قول الله عزَّ وجل: ﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾ [سورة يوسف: 76].
لا بد من التفوُّق حتى تثير حماس الناس إلى معرفة هذا الدين.
ذكرتُ مرةً أن عالم رياضياتٍ ملحد في بلادٍ بعيدةٍ، رأى فتاةً من الشرق الأوسط محجبةً حجاباً كاملاً، تحضِّر دكتوراه في الرياضيات، قال: أخذتُ فكرةً أخرى عن فتيات الشرق الأوسط، ثم تهيَّبتُ أن أنظر إليها، ثم وجدتُ أن هذه المرأة تتمتع بقناعاتٍ تنفرد بها، كل الفتيات في أمريكا شبه عارياتٍ في الصيف، ما الذي في رأس هذه الفتاة حتى غدت بهذه الثياب الفضفاضة الساترة؟ كيف تحجَّبت؟ ومن حين رآها عكف على دراسة الإسلام، وألَّف كتاباً ضخماً، وقد تُرجم إلى اللغة العربية، وهو الآن من أكبر دعاة الإسلام في أمريكا، تفوق من أجل أن تكون في دائرة التأثير، لابد من التفوق.
- التألق والتفوق:
لابد من التألُّق مع التفوُّق، قيل: يمكن أن تقصر في واجباتك، ويمكن أن تؤدي واجباتك، ولكن من أجل أن تتألَّق لا بد من أن تقوم بعملٍ زائدٍ عن الحاجة، مثلاً: فرقٌ كبير بين مَن يبدأ بإلقاء السلام وبين من يردُّ السلام، إلقاء السلام سنة، ولكن ردّ السلام واجب، فرقٌ كبير بين من يؤدِّي الفريضة، وبين من يؤدي النافلة، بين من يؤدي الزكاة، وبين من يضيف إلى أداء الزكاة أداء الصدقات، فرقٌ كبير بين من يصلي الفرائض الخمس وبين من يصلي قيام الليل.
من أين هذا المعنى؟ (لا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه) [البخاري عن أبي هريرة].
في المراحل الصعبة، في مراحل طوفان المعاصي، طوفان الشهوات، طوفان الشُبهات، في هذه المراحل الصعبة لابد من رجالٍ متألِّقين، متفوقين، متحررين من كل القيود والعادات والتقاليد، محافظين على الصورة الكلية للمسلم، لابد من رجالٍ انتصروا على ذواتهم، لابد من رجالٍ لا يساومون على مبادئهم، لابد من رجالٍ يجمعون كل طاقاتهم في بؤرةٍ واحدة.
إن أردت أن تكسب شرف خدمة هذا الدين، وأن تكون عند الله من المقربين، إن أردت أن تعرف حكمة وجودك في الدنيا وغايتك فيها، إن أردت أن تكون من دعاة الله المخلصين، وأن تكون في أعلى عليين عند رب العالمين، لا بد من أن تُحدثَ تأثيراً فيمَن حولك، هذا والله الذي يبقى.
ومن أروع ما قرأت في تفسير قوله تعالى: ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ﴾ [سورة الرحمن: 26-27]. هذا رأي طبعاً، قال بعض المفسرين: ويبقى العمل الذي ابتغي به وجه الله فقط، وما سوى ذلك: ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً﴾ [سورة الفرقان: 23].
(لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا، قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ، وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ، قَالَ: أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ، وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا) [سنن ابن ماجه عن ثوبان].
حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن مَلَكَ الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيتخطى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، الكيِّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني، والحمد لله رب العالمين.
———–
* المصدر : موقع موسوعة النابلسي للعلوم الإسلامية، بتصرف: من خطبة جمعة.