القائمة الرئيسية
 الانفصام الدعوي (2 /5).. مع النفس

عالمية الإسلام.. مظاهرها وعوائقها

محمد عطية

تعيش الإنسانية منذ عهد ابني آدم في صراع لفرض الآراء والاختيارات، وكلما اتسعت دوائر الحياة ازدادت حدة هذا الصراع.

وجدنا في العصور المتأخرة صراعات شتى قامت بسبب السيطرة على الموارد الطبيعية ومنابع الطاقة التي تعد وقود الحضارة الحديثة هذا الصراع في مبناه ومعناه -كما يبدو لي- صراع فكري إذ أن أفكار الإنسان هي التي تحركه نحو الأمل أو اليأس نحو العزة أو الاستكانة إلى آخر هذه الثنائيات.

وعندما تتأمل في عالم الأفكار تجد أفكارا إقليمية لا يكاد أصحابها يفكرون في نشرها عبر العالم، وأخرى يسعى بها أبناؤها نحو العالمية، وإن كانت طبيعتها تأبى ذلك.

عندما ننظر في الرسالة الإسلامية وقبولها للعالمية سواء في خطابها أو طبيعتها أو في صلاحيتها يتبين لنا عدة أمور:

من ناحية الخطاب: الرسالة تدعو إلى عبادة رب الناس رب العالمين، ورسولها رحمة للعالمين، وهو يدعو الناس جميعا إلى الإيمان بالله ونبيه {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الأعراف: 158]

وقد صاحبت الصبغة العالمية البواكير الأولى للدعوة الإسلامية، تجد ذلك واضحا عندما تقرأ أول الآيات نزولا في القرآن الكريم فهي تتحدث عن الإله الذي خلق الإنسان من علق وعلم الإنسان ما لم يعلم، إنها تتحدث عن الإنسان أيا كان جنسه أو لونه أو موطنه.

من ناحية طبيعة الشريعة: لا ترفع مقام شخص على غيره لمجرد الانتساب إلى شخص مهما كان، ذكر ابن حبان في صحيحه حديثا تحت عنوان “ذِكْرُ الْإِخْبَارِ بِأَنَّ الِانْتِسَابَ إِلَى الأَنْبِيَاءِ لاَ يَنْفَعُ فِي الْآخِرَةِ وَلاَ يَنْتَفِعُ الْمُنْتَسِبُ إِلَيْهِمْ إِلاَّ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ” [صحيح ابن حبان] فمجرد النسبة إلى خير البشر وهم الأنبياء لا تنفع في الدنيا ولا ترفع القدر في الآخرة وإنما الذي ينفع ويرفع التقوى والعمل الصالح فهذا مناط الخيرية وسبيل الوقوف في الصفوف المتقدمة واستحقاق التكريم في الأرض والسماء مقدار الالتزام بإخلاص النية لله تعالى ومدى ما يؤديه الإنسان من عمل صالح يشمل عبادة الله وعمارة الكون والإحسان إلى الخلق وما ينضوي تحت ذلك من أعمال.

العالمية والقيم: منظومة القيم الإسلامية -عندما نحسن صياغتها- يمكن أن تمثل خطابا عالميا مقبولا إذا تجردت الإنسانية من الهوى؛ فالعالم كله يتنادى للحفاظ على حقوق الإنسان، ويسعى عقلاؤه لإيجاد حالة من التعايش بين بني آدم وتقديم تصور للاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية، وفي الإسلام قواعد وتطبيقات لكل ذلك ولغيره مما يسعد البشرية.

ومنظومة القيم مرتبطة بالعقيدة لا تنفك عنها؛ فالعقيدة الصحيحة تعيد صياغة رؤى الإنسان وتوجهاته.

وقد يرى البعض أن عرض منظومة العقيدة ربما يحول بين الإسلام والعالمية؛ فلكل إنسان عقيدته التي يتبناها ويدافع عنها، وأرى أن الخلل الذي يعانيه العالم ليس في اضطراب القيم فحسب بل في عدم وجود عقيدة تلبي الأسئلة الثلاثة: من أين؟ وإلى أين؟ وكيف نسير من المبدأ للمعاد؟

وأرى من أهم ما ينبغي عرضه ونحن نتكلم عن العالمية الإسلامية ما يقدمه الإسلام من عقيدة تقدم حقائق عن الغيب لا تتصادم مع بعضها ولا مع العقول الصحيحة، وتريح الإنسان من عبء بذل الجهد العقلي وفرض الاحتمالات واختبارها لينطلق بعد ذلك في العالم المنظور (الكون والإنسان) يبحث ويقدم التفسيرات ويكتشف ما اودع الله من كنوز وأسرار فينتفع بها وينفع غيره.

صلاحية الرسالة: ومما يرشح الإسلام ليكون ديانة عالمية أنه يعيد الإنسان إلى الفطرة التي فطره الله عليها؛ فينسجم مع نفسه ومع إخوانه في الإنسانية ومع الكون من حوله؛ فتجد تشريعاته تلبي حاجات الجسد وأشواق الروح ليحيا المسلم في إطار قوله تعالى {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [الأعراف: 32]، وتجعل من يحرم نفسه من نعم الله عليه خارجا عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم كما قال صلى الله عليه وسلم “فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي”[1] وتسمح للإنسان أن تحلق روحه في أسمى الآفاق في الوقت الذي يعيش فيه بين الناس كما تريح الإنسان من الصراع بين جسده وروحه ففي نهار رمضان يصوم وفي ليله {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187]، وفي المال توفق بين شهوة الحفاظ على المال وبين التزكية والتطهير التي تترتب على بذل المال للسائل والمحروم، إلى غير ذلك من الشعائر والعبادات.

هل قضية عالمية الإسلام من المناسب طرحها الآن؛ لتكون هاجسا للعلماء في العالم الإسلامي وخارجه في الوقت الذي يحرض فيه البعض على المسلمين الفارين إلى العالم الغربي ويدعي عليهم أنهم يريدون تغيير وجه العالم ووجهته؟

وفي محاولة للإجابة على هذا السؤال أقول: الحرية تعني إتاحة المجال لكل فكرة أو عقيدة لكي يعرضها أصحابها كما يرونها ويردون عنها الشبهات، كما تعني حرية الإنسان في اعتقاد ما يرى أنه الحق وهذه الحرية أهم المهمات في العالم الغربي وبيان عالمية الإسلام إن هو إلا استفادة من مبدأ الحرية المعمول به فكرا وممارسة.

إذا كنا نُتهم ونُحاكم على ما ينافي ديننا، ونظل نصرخ وتتعالى أصواتنا حتى تُبح أو تبقى صرخة في واد؛ فلماذا لا ترتفع أصواتنا بعرض الإسلام كما أنزله الله على أنه الدين الكامل الخاتم العالمي؟

تقديم النموذج العملي للعقيدة والخلق والسلوك سواء كان هذا النموذج:

– بشريا يتحرك بين الناس يتعرض لما يتعرضون من فتن، ويحمل ما يحملون من هموم، ويحلم بما يحلمون من آمال لا يتخلى عن طبعه البشري ولا يخرج عن حدود الشرع وإن خرج سارع بالعودة إلى الصراط المستقيم.

– أو في مدونة واضحة المعالم متفق عليها بين المسلمين لنقول للناس: هذا هو النموذج الذي يسعى الإسلام لإيجاده.

ولإن تألم البعض من الطوفان القادم علينا من الغرب فإن وسائل التواصل يمكنها نقل الخير والشر والمحاولات التي تسعى لتقديم الإسلام للمسلمين ولغيرهم تحتاج إلى مناقشات مطولة حول الأساليب والأهداف والوسائل.

وما زالت هذه الجهود تنتظر الترشيد والتأييد المادي والمعنوي من العاملين في المجال الدعوي ومن عموم المسلمين حتى تستوي على سوقها لترضي رب العالمين وتسر الناظرين وتلبي حاجة الإنسانية إلى الوحي الإلهي المعصوم ليعود الإنسان إلى فطرته التي فطره الله عليها.

وقد يرى البعض أن خطأ المسلمين في فهم الإسلام وممارسة شعائره وتطبيق شرائعه سينسحب بالضرورة –عند من تطالبهم بقبول عالمية الإسلام- على الدين نفسه، وهذا يعني بالتأكيد أن الخطأ في التطبيق لا يعني الخطأ في المبدأ وبيان أن الإسلام وحي الله والممارسات الخاطئة عمل المسلم ولا ينبغي في حكم العقل الصحيح الخلط بينهما وأن الإسلام بعقيدته وشريعته وأخلاقه اعتنقه وعمل به مختلف الأجناس والبيئات منذ بداياته وإلى يوم الناس هذا وأنه رفع أمما من حضيض الجهل إلى أسمى آفاق المعرفة وحضارته وإرثه الإنساني شاهد على ذلك.

وختاما أقول: امتدت العولمة في الفراغ الذي تركه المسلمون حين انكفأوا على ذواتهم وتركوا واجبهم نحو العالم قيادة راشدة نحو الحق وقدوة حسنة نحو الخير ونموذجا للإنسان الذي استخلفه الله على أرضه.

عقبات في طريق العالمية

– عجز البعض عن تقديم خطاب للعالمين ربما لعدم وضوح مبدأ العالمية في ذهنه مع كامل إيمانه به، أو ربما من تخوفه من التنازل عن بعض الثوابت عندما يخاطب الآخر.

– كيف يعجز إنسان عن التنقل بحرية بين الأقطار الإسلامية ويمنع منها ثم نتحدث عن عالمية الإسلام والعالمية تعني فيما تعني حرية انتقال الأشخاص والأفكار والقيم والبضائع.

– بعض المجتمعات تصبغ التعاليم الإسلامية بصبغتها المحلية التي قد تبتعد عن هداية الوحي ومثل ذلك مجاف للشرع ومناف للعالمية.

—-

* المصدر: إسلام أون لاين (بتصرف يسير).

مواضيع ذات صلة