عبد العزيز الشامي
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد..
فقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم اعتكاف العشر الأواخر من رمضان، وكان يتسم اعتكافه بالاجتهاد والجد، فقد كان صلى الله عليه وسلم يمكث في المسجد ويقبل على طاعة الله عز وجل، ويترقب ليلة القدر، وكان يحرص على الخلوة بالله عز وجل، والانقطاع عن الناس ما أمكن حتى يتم أنسه بالله عز وجل وذكره.
وإن من أهم مقاصد الاعتكاف في المسجد: إصلاح القلب، ولَمّ شعثه بإقبال العبد على ربه تبارك وتعالى بكليته، مع الانقطاع التام إلى العبادة من صلاة ودعاء، وذكر وقراءة قرآن، مع حفظ الصيام من كل ما يؤثر عليه من حظوظ النفس والشهوات، والتقلل من المباح من الأمور الدنيوية، والزهد في كثير منها مع القدرة على التعامل معها. والاعتكاف سنة مؤكدة، داوم عليها الرسول صلى الله عليه وسلم، حتى إنه قضى بعض ما فاته منها.
المغزى التربوي للاعتكاف
يؤصل الاعتكاف في نفس المعتكف مفهوم العبودية الحقة لله عز وجل، ويدربه على هذا الأمر العظيم الذي من أجله خُلق الإنسان؛ إذ يقول الحق تبارك وتعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]؛ حيث إن المعتكف قد وهب نفسه كلها ووقته كله متعبداً لله عز وجل.
وإن المقصد الرئيس للمعتكف من اعتكافه هو تحري ليلة القدر، وفي سبيل تحقيق بغيته والوصل لهدفه يتخذ مرضاة الله عز وجل ومحبّته ميزانًا يزن به كل عمل يقوم به؛ حتى يكون شغله الشاغل هو طلب مرضاة الله عز وجل، فهو يشغل بدنه وحواسه ووقته بالصلاة وبالدعاء، وبالذكر، وبقراءة القرآن الكريم، وغير ذلك من أنواع الطاعات التي تقربه من ربه وسيده ومولاه.
دور إمام المسجد في الاعتكاف
الاعتكاف مسئولية كبيرة تُضاف إلى ما يحمله إمام المسجد من مهام جليلة، فهو الذي يشرع بتنظيمه، والدعوة إليه، والحث عليه، وهو الذي يتحمل جزءًا كبيرًا من أعماله الكبيرة؛ فيؤم المعتكفين في صلاة التهجد، ويلقي على مسامعهم بعض المواعظ والعِبَر المرققة للقلوب، التي تخاطب وجدانهم ومشاعرهم، وتحرك هممهم لطلب رضا الملك سبحانه، والتذلل بين يده، والخشوع في الصلاة، وحضور القلب فيها، ويذكرهم باجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم في العشر الأواخر، ويرغبهم في مزيد من البذل والجد، لعل الله يقبلهم.
فن إدارة المعتكف
يقع عبء الإشراف على جميع أمور الاعتكاف على كاهل إمام المسجد، وعليه الإشراف على الاجتماع التنظيمي لإدارة الاعتكاف، وإصدار التوجيهات ومتابعة المكلفين، ومن فنون إدارة المعتكف، أن يوزع الإمام مهام إدارة المعتكف على المعتكفين، ويشركهم في المسئولية، فيبدأ بتقسيم المعتكفين إلى مجموعات، وتحديد مسئولي المجموعات.
ومن اللجان المقترحة التي يمكنها مساعدة الإمام على الإشراف على شئون المعتكف:
1- اللجنة الثقافية: وتقوم على إعداد البرنامج الثقافي من دروس ومواضيع وكتب ومجلات، والتنسيق مع المحاضرين إذا استعان الإمام بأحد من غير جماعة المسجد، وكذا إدارة المسابقات الثقافية التي تتم بين المعتكفين في جو تنافسي شريف، يكسر حدة الملل، ويكسبهم علمًا مفيدًا ويدفعهم للبحث عن العلم النافع.
2- اللجنة الإعلامية: وتتولى (إعداد الإعلانات والمنشورات الخاصة بالاعتكاف- إصدار وطباعة البطاقات واستمارات القبول- التوثيق الكتابي والفوتوغرافي والفيديو – إعداد اللافتة القماشية للاعتكاف).
3- لجنة الخدمات والنظام، والتي تعمل على (تجهيز أماكن لاستقبال المعتكفين – إعداد جدول نظافة المسجد والمعتكف – متابعة سلوكيات المعتكفين – فض النزاعات وحل الإشكاليات – حث المعتكفين على تنفيذ برنامج الاعتكاف – الاهتمام بتوفير المصاحف ومياه الشرب – التحكم في المراوح والتكييفات والإنارة – التعاون مع إدارة المسجد الرسمية).
4- اللجنة المالية ولجنة المشتريات، والتي تقوم على (تحديد رسوم الاشتراك – استلام اشتراكات المعتكفين والتبرعات الخاصة بالمعتكف عينية أو مادية -شراء كافة متطلبات التغذية والتموين).
5- لجنة التغذية، والتي تعمل على (تجهيز احتياجات المطبخ – تحديد الوجبات الأساسية – متابعة الطباخين ومساعديه – استلام كافة التموينات العينية الغذائية) ويمكن إضافة ما تراه إدارة الاعتكاف من مهام إلى أي لجنة.
إعداد البرنامج الدعوي للمعتكف، وهذا مقترح لذلك:
من بعد صلاة الفجر يتم عمل مقرأة، يكون الغرض منها ما يلي:
1- تعليم المعتكفين إجادة أحكام تلاوة القرآن وإتقان النطق والتجويد.
2- تفسير القرآن وتدبره (وهو المقصود الأعظم من هذه المقرأة) يعني قد يقرأ كل فرد آيتين فقط.
3- من خلال التفسير يتم عمل دعوة فردية، وبث ما يريده الإمام عن الشخصية المسلمة المتكاملة من خلال القرآن.
من بعد صلاة الظهر عمل درس خفيف، واختر من بين المشاريع ما يلي:
1- كتاب صيد الخاطر، ولاحظ تنوع مواضيعه فاختر ما يناسبك، وما يناسب المعتكفين.
2- يمكن اختيار اسم من أسماء الله الحسنى بشرط أن لا يكون شرحًا أكاديميًّا، بل شرح كيفية التعبد لله به بكثرة التفكر والتأمل.
3- يمكن أيضًا عمل سلسلة أعمال القلوب (كل يوم عمل) مثل: (الحب، والخوف، والرجاء، والتوكل، والصبر، والرضا، واليقين… إلخ].
4- ويمكن شرح سلسلة أمراض القلوب مثل [الكبر، والعجب، والرياء، والحسد، والغل..] وغيرها.
بعد صلاة العصر فقرتان..
أولاً: فقرة السير والقصص من خلال ما يلي:
1- قراءة من كتب أعلام السلف، مثل صفة الصفوة لابن الجوزي أو حلية الأولياء لأبي نعيم.
2- قراءة في قصص الأنبياء.
3- دراسة بعض المواقف التربوية من السيرة النبوية من كتاب زاد المعاد لابن القيم أو مواقف تربوية للشيخ أحمد فريد.
ثانيًا: فقرة الفتاوى بحسب حال الشخص كالآتي:
1- إما أن يكون عالما أو طالب علم يستطيع أن يفتي في حدود علمه.
2- أو يستعين بتحضير بعض الفتاوى من كتب أهل العلم، وإلقاء خمس فتاوى مثلاً مختصرة على الناس.
بعد الإفطار وقبل العشاء وقت يضيعه الكثيرون، ولذا نقترح عمل ما يلي:
– برنامج أسرار التائبين وهناك كتب كثيرة تذكر قصص التائبين وتشرح أسباب توبتهم والعوامل التي ساعدتهم على تغيير أنفسهم.
بين التراويح يفضل أن يكون الدرس خفيفا، ويمكن اقتراح الآتي:
1- تدبر آية في الجزء المقروء في التراويح (من خلاله يبث في الناس عظمة الله تعالى وبيان عدله ورحمته في أحكامه).
2- تعليق على حديث من كتاب صحيح الجامع مثلاً.
بين التهجد وقت يحتاج القلب فيه إلى تذكر الآخرة، ولذا نقترح عليك الآتي:
سلسلة مكونة من عشرة دروس تبدأ من ( تذكر الموت والاحتضار، ثم القبر ونعيمه وعذابه، ثم أهوال يوم القيامة، إلى وصف الجنة والنار)، مع تجنب ذكر أشراط الساعة؛ لأن الوقت ضيق وقليل- استعن بكتاب رحلة إلى الدار الآخرة للشيخ محمود المصري أو كتابي القيامة الصغرى والكبرى للدكتور الأشقر.
إعداد البرنامج الإداري كالآتي:
بداية من صلاة العصر قبل دخول أول ليلة من ليالي العشر:
عمل جلسة افتتاحية للمعتكف يتم فيها ما يلي:
* تذكير بفضائل الاعتكاف وبعض أحكامه.
* تجديد النية، وتصحيح الهدف من وراء الاعتكاف.
* الحث على اغتنام الفرصة سلوكيًّا ودعويًّا.
* النصح والتركيز على التحلي بفضائل الأخلاق، وتجنب الرذائل، وأنه ربما تكون الشحناء ونحوها سببًا في الحرمان من ليلة القدر.
* التذكير ببرنامج المسجد، واختيار اللجان، وذكر النصائح العامة والخاصة.
وفقك الله وأعانك وسدد خطاك وجعل عملك في سجل حسناتك.
——-
* المصدر: موقع دليل المسجد.