القائمة الرئيسية
 الانفصام الدعوي (2 /5).. مع النفس

فن الحوار

أبو معاذ محمد الطايع

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان 79201230903AM0607201135253_imgإلى يوم الدين، أما بعد:

فللحوار أهمية كبيرة، والهدف منه إقامة الحجة ودفع الشبهة والفساد من القول والرأي؛ فهو تعاون بين المتحاورين على معرفة الحقيقة والتوصل إليها؛ ليكشف كلُّ طرفٍ ما خفي على صاحبه منها، والسير بطرق الاستدلال الصحيح للوصول إلى الحق، والحوار حاجة إنسانية تتمثل أهميته باستخدام أساليب الحوار البناء لإشباع حاجة الإنسان للاندماج في جماعة، والتواصل مع الآخرين، فالحوار يحقق التوازن بين حاجة الإنسان للاستقلالية وحاجته للمشاركة والتفاعل مع الآخرين.

ومن جهة أخرى تزداد أهمية الحوار في ظلِّ متغيرات العالم العلمية والمعرفية، الذي أوجد فجوة دائمة ومستمرة بين ما يمتلكه الفرد من معلومات ومعارف وبين آخِر ما توصل إليه العلماء في هذا المجال.

وتعد الندوات واللقاءات والمؤتمرات إحدى وسائل ممارسة الحوار الفعَّال الذي يعالج القضايا والمشكلات التي تواجه الإنسان المعاصر.

من أهداف الحوار الفرعية

1- إيجاد حلٍّ وسط يُرضي الأطراف.

2- التعرف على وجهات نظر الطرف أو الأطراف الأخرى، وهو هدف تمهيدي هام.

3- البحث والتنقيب من أجل الاستقصاء والاستقراء في تنويع الرؤى والتصورات المتاحة، للوصول إلى نتائج أفضل وأمكن، ولو في حوارات تالية.

آداب الحـوار

إن الأخذ بآداب الحوار يجعل للحوار قيمته العلمية، وانعدامها يُقلِّل من فائدته المرجوة. إن بعض الحوارات تنتهي قبل أن تبدأ؛ وذلك لعدم التزام المحاورين بآداب الحوار. إن الحوار الجيد لا بد أن يكون له آداب، ولعلَّ من أهمها:

أولا- إخلاص النية وطلب الحق:

التجرد في طلب الحق يعين على الوصول إليه، والهوى داء خطير يعمي بصيرة الإنسان؛ فلا يرى حقًّا إلَّا ما وافق هواه. والعلم وحده لا يكفي في ساحة الحوار؛ بل لا بد معه من الإخلاص والتجرد لطلب الحق سواءً ظهر على لسانه أو لسان محاوره، والنية والمقصد هو الوصول إلى الحق والصواب في المسألة.

إن من أخطر آفات الحوار: أن المتحاورَيْن إذا اختلفا ولم يتفقا في مسألة من المسائل، سارع أحدهما إلى اتهام نية صاحبه وطعن في مقصده، أو صنفه لفكر معين أو حزب أو طائفة. قال – صلى الله عليه وسلم -: “إني لم أؤمر أن أنقب قلوب الناس ولا أشق بطونهم”.

ثانيًا: وضوح الهدف والحوار على قدر العقول:

الناس ليسوا على مستوى واحد، فلا بد من مراعاة مستوياتهم واختلاف عقولهم.

قال عليّ بن أبي طالب -رضي الله عنه-: “خاطبوا الناس على قدر عقولهم، أتحبون أن يُكذَّب الله ورسوله؟!”.

وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: “ما أنت بمحدِّثٍ قومًا حديثًا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة”.

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – جاءه أعرابي، فقال: “يا رسول الله، إن امرأتي ولدت غلامًا أسودَ”. فقال: “هل لك من إبل؟”، قال: نعم. قال: “ما ألوانها؟”، قال: حُمرٌ. قال: “هل فيها من أورق؟”، قال: نعم. قال: “فأنى كان ذلك؟” قال: أراه عِرْقٌ نزعه. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “لعلَّ هذا نزعه عِرْقٌ”.

وما أجمله من درس في مخاطبة الناس على قدر عقولهم، وعلى قدر ما يفهمون، فالرسول – صلى الله عليه وسلم – أوصله إلى الاقتناع بما يلمسه من بيئته التي يعيش فيها، فكان جوابًا مقنعًا له، كما أنك إذا لم تكن البادئ، فيمكنك من معرفة منطلقات محاورك، وتحدد الهدف ومن أين تأتيه، وهذه من النقاط الذهبية في الإقناع: أن تجعل محاورك هو البادئ، فينبغي أن تستخدمها في حواراتك لتكون أقدر على الحوار والإقناع.

ثالثًا: العلم والتمكن «الاستعداد والمعرفة»:

استعد لكل حوار أمكنك معرفة وقته بالعلم والمعرفة في موضوع الحوار، وكذلك بآداب الحوار وأسسه، ولا يجوز أن تقتحم أمرًا لا تعلمه أو لا تحسنه، قال تعالى: ﴿ َلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ (سورة الإسراء، الآية ٣٦)؛ لأن العلم بموضوع الحوار وتفاصيله والتسلح بالحجة والبرهان سلاح ماضٍ بيد المحاور الناجح، ويمكنه من الوقوف على أرض ثابتة، وليس على رمالٍ متحركة، قال تعالى: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ (سورة يوسف، الآية ١٠٨) فالإتقان من صفات المؤمن، وهو مظهر لاحترام الشخص لنفسه.

رابعًا: الرفق والحلم:

قال الله تعالى لموسى وأخيه هارون عليهما السلام: ﴿ ذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾ (سورة طه، الآيتان ٤٣ – ٤٤)، وقال تعالى لنبيه محمد عليه الصلاة والسلام: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ (سورة آل عمران، الآية ١٥٩).

وقال – صلى الله عليه وسلم -: “إن الله رفيقٌ يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على ما سواه”.

وقال – صلى الله عليه وسلم – للأشج –أشج عبد القيس-: “إن فيك لخصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة”، ومما يحسن الإشارة إليه أن من الحلم واللين: عدم رفع الصوت والتحدث بهدوء وتأنٍّ، فكلما كانت الحجة أقوى والعلم أكثر كان الإنسان أهدأ.

خامسًا: احترام الطرف الآخر:

أنزل الناس منازلهم؛ فالكبير له طريقة، وكذا الصغير، وعامل الناس بمثل ما تحب أن يعاملوك به. إن تعاملنا مع الآخرين بالأدب والاحترام والتقدير يُضفي علينا صفة الذوق والأدب، وهي من الصفات الحميدة، يحسن بالمسلم أن يتحلَّى بها.

سادسًا: ضبط النفس:

يُعد ضبط النفس أثناء الحوار من أهم سُبل التواصل المساعدة على فعاليته وتأثيره؛ فهو يحقق الهدوء والتوازن وضبط الأعصاب وصفاء الذهن، والقدرة على الاستماع والفهم والإقناع، وعلى المحاور أن يبتعد عن السباب حتى لا يتحول الحوار إلى مبارزة كلامية! طابعَها الطعن والتجريح، والعدول عن مناقشة القضايا والأفكار إلى مناقشة التصرفات والأشخاص، وقد قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: ) ليس المؤمن بالطعّان واللعان ولا الفاحش ولا البذيء (.

وقال تعالى: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾ (سورة البقرة، الآية ٨٣)، وجاء في الحديث: “الكلمة الطيبة صدقة”، هذا كله حَضٌّ على مكارم الأخلاق؛ فالقول الحسن محمود على كل حال: في حال الرضا والغضب، ومع العالم والجاهل، ومع البرِّ والفاجر، ومع الصغير والكبير، ومع المسلم وغير المسلم.

سابعًا: الاتفاق على أصل يرجع إليه في حالة الاختلاف:

لا بد من تحديد أصل للرجوع إليه مفيدٌ للطرفين في قطع التنازع، وتحقيق الهدف الذي كان من أجله الحوار، فالمتحاوران إما أن يتفقا على أصل يرجعان إليه أم لا، فإن لم يتفقا على شيء لم يقع بمناظرتهما فائدة بحال.

قواعد عملية في كيفية الحوار

1- الإصغاء وحسن الاستماع:

إن الإنصات عظيم الفائدة؛ فهو يفتح لك نافذة لترى ما يدور في عقل الطرف الآخر، كما يجعل الطرف الآخر على استعداد للإنصات إليك؛ فالمتحدث البارع مستمع بارع، وحسن الإنصات من حسن الخلق، وحتى تكون منصتًا جيدًا عليك باتباع الخطوات التالية:

أ – ركز انتباهك لما يقوله محدثك.

ب – لا تقاطع محدثك، وأعطه الفرصة الكافية.

ج – حاول أن تفهم كل ما يقول محدثك.

د- لا تدع عصبيتك تخفض من اهتمامك.

هـ – لا تصدر أحكامًا مبكرة بينك وبين نفسك.

2- التواضع وعدم الانتصار للنفس:

من تواضع لله رفعه… ومن تكبر وضعه، فالتعسف والانتصار للنفس من الكبر، وهو رد الحق واحتقار الناس، يقول الشافعي رحمه الله تعالى: «ما ناظرت أحدًا على الغلبة، وبودي أن جميع الخلق يعلمون كتبي ولا ينسبون إليَّ منها حرفًا» وقال في موضع آخر: «رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي خصمي خطأ يحتمل الصواب».

3- الابتعاد عن التعصب:

الحق ضالة المؤمن ينشده حتى ولو كان على نفسه، فذلك العقل بعينه والتحرر من تبعية الهوى. أما التعصب فهو عدم قبول الحق عند ظهور الدليل، وهو زراية بالعقل الذي فضَّل الله به الإنسان على الحيوان.

والمتعصب هو ذلك الإنسان الذي غطَّى هواه على عقله، فتراه يكثر من مقاطعة محاوره، وقلما اعترف بخطأ، بل يكثر الردود ويسعى لحماية نفسه وما يخصه دون تفكير ونظر؛ فهو مغلق على وجهة نظره وحدها، ولا يفتح عقله لوجهةٍ سواها، يزعم أنه الأذكى عقلًا، والأوسع علمًا، والأقوى دليلًا، وإن لم يكن لديه عقل يبدع ولا علم يشبع، ولا دليل يقنع.

4-التزام القول الحسن وتجنب منهج التحدي والإفحام:

يقول الله تعالى في محكم كتابه: ﴿وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ (سورة النحل، الآية 125)، فحق العاقل اللبيب طالب الحق أن ينأى بنفسه عن أسلوب الطعن والتجريح.

5-البدء بنقاط الاتفاق:

عند البدء في الحوار تجنب عرض نقاط الاختلاف؛ لأنه يوقف الحوار من أوله، يقول دايل كارنجي: «اجعل الطرف الآخر يوافقك الرأي، وحاول أن تثنيه عن التفوه بكلمة: «لا»، فما أحرى بنا أن نهمل خلافنا، ونهمله شيئًا من الوقت حتى لا نقع في شرك كلمة «لا»، ومن ثم أين المخرج؟

لذا فلتبدأ عند الحوار بالنقاط المتفق عليها، فتبدأ بالمسلمات والبديهيات، وهذا من شأن أن يجعل الحوار يسير هادئًا ومنطقيًا ويقلل من فجوة الخلاف، وكل ذلك مؤشر على النجاح.

6- عليك بالعقل والمنطق:

من الأساليب المهمة للحوار أسلوب العقل والمنطق كما بينتها لنا السنة النبوية، وسار عليها السلف الصالح رضوان الله عليهم جميعًا.

صفات المحاور الجيد

هناك صفات تجعل المحاور متمكنًا وناجحًا، ومنها باختصار:

1- الأمانة والصدق: يجب أن تتصف بالأمانة والصدق في جميع أحوالك، وخاصة أثناء مشاركتك في الحوار، وذلك أثناء طرحك لموضوع اجتماعي، أو اقتصادي، أو علمي أو غيره.

2- قدِّم التحية لمن تحاوره وبروح مرحة، وعرِّف بنفسك وبالإدارة التي تعمل بها.

3- لا ترفع صوتك: يحسن بالمحاور ألا يرفع الصوت أكثر مما يحتاج إليه السامع أثناء الحوار.

4- استخدم اسم من تحاوره في أول (10) ثوانٍ، وانتبه إلى لقبه الصحيح والمركز الذي يشغله.

5- مازحِ الشخص الذي تحاوره مهما كان فظًّا.

6 – اللباقة: وهي (أن تقول أكره الأشياء وأقساها بأرق العبارات وأحلاها).

7 – رباطة الجأش وهدوء البال: حاول أن تصبح هادئ البال عند النقاش، وتبادل الآراء أثناء الحوار.

8- حضور البديهة: كلما كنت حاضر البديهة كنت محاورًا ناجحًا باستحضار المعلومات، والتحضير المسبق، وتوقُّع الأسئلة، والحضور الذهني.

9- استخدم نبرةَ صوتٍ مرحة وهادئة حتى تتمكن من شد انتباه الحاضرين.

10- يجب ألا ينعكس مزاجك على صوتك أثناء الحوار.

11- لا تستخدم عبارة (يجب عليك القيام بـ…..).

12 – قارن النظام الجديد الذي تريد إقناع مستمعك به بنظام مألوف لديه.

13 – أكِّدْ في ختام حوارك على الأعمال التي تريد أن تنجز.

14- استعمل الكلمات الإقناعية: (جديد.. مجرب.. فعال.. الخ).

15- الإلمام بالمشكلات الإنسانية والأوضاع العالمية.

16- الاستشهاد بالقصص وعرضها بأسلوبٍ جذاب.

17- الحوار بطريقة السؤال: تنوع أساليب الحوار ومنها السؤال (الاستفهام) للحصول على معلومات تستطيع أن تجعل منها عناصر حديثة، وطريقةً لإشراك المحاور في التفكير معك وإبداء وجهة نظره.

18- التفريق بين الفكرة وصاحبها: تناول الفكرة بالبحث والتحليل، أو بالنقد والنقض بعيدًا عمَّن هو صاحب الفكرة.

هذا والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

المصدر: موقع الإسلام

مواضيع ذات صلة