د. السيد نوح
الدعوة الفردية لها فوائد وخصائص نجملها فيما يأتي:
1- مخاطبة المدعو عن قرب وعلى انفراد؛ الأمر الذي ييسر مفاتحته في كثير من المسائل والقضايا التي لا يمكن تناولها على الملأ، وفي جمع كثير من الناس.
2- المواجهة بين الداعي والمدعو؛ الأمر الذي يحمل على جمع همته ونشاطه؛ لشعوره بأنه وحده المقصود بالحديث والحوار.
3- دوامها واستمرارها، لا سيما في أوقات الشدائد وساعات التضييق.
4- كثرة التكرار؛ فقد تقع في اليوم الواحد عدة مرات.
5- سهلة ميسرة، يقوم بها كل الناس، ولا تحتاج إلى المجهود الذهني، وترتيب الفكرة، وأسلوب الحوار.
6- مستورة عن أعين الناس، لا سيما الأعداء؛ الأمر الذي يحمي من الرياء والسمعة من ناحية، ويوفر لها الأمن من ناحية أخرى.
7- تخرج دعائم أو أسس وركائز العمل، نظرا لطول الفترة التي تقضى معهم قبل أن يضعوا أقدامهم على الطريق، وقبل أن ينتظموا في صفوف الحركة.
8- تساعد على اكتشاف الطاقات والمواهب، بحيث يوضع صاحب كل طاقة أو موهبة في الموضع الذي يناسبه.
9- توجد صلة ترابط وتعاون بين الداعي والمدعو؛ بحيث إذا لم يتيسر كسب المدعو إلى صفوف الحركة لم يكن من ورائه خطر ولا ضرر.
10- تكسب صاحبها خبرة وممارسة للدعوة إلى الله التي هي من أوجب الواجبات.
11- يدفع من يقوم بها إلى المزيد من التحصيل والزاد، كي يتمكن من حسن الأداء.
12- تحمل من يقوم بها على مجاهدة نفسه حتى يكون أسوة وقدوة للمدعو.
13- تتيح الفرصة للمدعو كي يستفسر عن كل ما يعن له أو تسول به نفسه، حتى إذا كان الترابط والتكوين كان على نقاء.
وقد يؤخذ على الدعوة الفردية:
1- أن المؤهلين للخطاب قد يكونون كثرة بينما القائمون بها قلة؛ فيصعب الاستيعاب ويكون التفلت، ونقول: هذا صحيح، ولا بد من تخريج طائفة كبيرة من الدعاة تحسن القيام بهذه الهمة، وتسد هذا الفراغ، ولا عذر لأحد فإن الحاجة تفتق الحيلة.
2- مردودها أو عائدها ضعيف، ونقول: هذا صحيح، ولكن العبرة ليست بالكم أو العدد، وإنما بالكيف أو النوع، ونفر واحد يتخرج في هذه الدعوة الفردية ربما يكون أجدى على الأمة من عشرات بل مئات من المولعين بمجرد السماع للدعوة العامة، وإن كان العمل الإسلامي لا يستغني عن النوعين جميعا؛ أعنى الدعوة الفردية والدعوة العامة.
3-قد يصاب المدعو -لأنه فرد ولا مجال للمنافسة- بشيء من الفتور والسأم والملل، ونقول: هذا صحيح، ولكنا نوصي بالتنويع والتلوين في أسلوب هذه الدعوة.
وكذلك ألا تطول فترة التفرد هذه، ويحسن أن يضم إلى قرين في مستواه بعد الأسابيع الأولى، حتى يأخذ كل منها بيد الآخر.
مميزات الدعوة الفردية
* أنها كثيرة الحدوث: فقد تتفق للإنسان مرات في اليوم الواحد.
* وأنها عابرة: لا تحتاج إلى جهد ولا إعداد، وقد تكون خلال عمل آخر فلا تأخذ وقتا خاصا، كالذي يكون في حفل عزاء أو عيادة مريض، أو التهنئة بمولود.
* وأنها يسيرة: ليس فيها التوتر والتحفز الذهني الذي يكون في الحفلات العامة، ولا المجالات الكلامية المجهزة، ويستطيع الداعية أن يكون فيها محررا من كل قيود النقد.
* وأنها سهلة: يستطيع الإنسان ويستطيع كل مؤمن بدعوته أن يشارك فيها ولو كان أميا أو غير أهل هذه الصناعة، بل هي حقل جيد للتدريب واختبار المواهب فكأنها التجربة للميدان الكبير.
* وأنها مستورة: تحمي الداعية من الرياء والسمعة؛ فكثيرا ما يصاب (بمرض الميكروفون) و(داء الصدارة).
* وفي الدعوة الفردية فرصة للتنفيس: حيث يبدى كل واحد ما عنده من وجهات النظر؛ فكثيرا ما يستمع الإنسان إلى قضية جديدة بالنسبة له، ثم يعرض له سؤال هام، ولا يجد في المجال العام من يرد عليه، فيبقى مشغولا به معرضا عما يتلوه إلى أن يفهم تلك النقطة التي ساورته من قبل.
* وفيها الحديث الحر: فإن المرء يستطيع أن يعرض ما عنده من شكوك أو تساؤلات، وأن يأخذ ويعطي بحرية كافية، وهذا لا شك أجدى وأنفع، فضلا عن أنه ينشئ الصداقة والمودة بين الداعية ومن يتصل بهم على هذه الطريقة.
* وفيها دوام الإمكانية: فإنه خلال أحلك العصور التي مرت بالشعوب لم تتوقف الدعوة المحدودة، بل زادت ونشطت، وكأنها التعويض عن الكبت الذي تباشره السلطات أحيانا؛ لأنها حديث النفس لنفس أخرى تعاني مثل ما تعاني تلك، وهو ما تعجز كل قوى الظلم عن السيطرة عليه.
* وفي الدعوة الفردية من بركات النبوة: لأن الأنبياء -صلوات الله عليه- بدأوا بها ولم يتوقفوا عنها، بل كانت من أساليب حياتهم على الدوام.
_____
* المصدر: كتاب “فقه الدعوة الفردية في المنهج الإسلامي”.