د. زينب عبدالعزيز
تعد لقاءات بلدة آسيز، التي يدعو إليها الفاتيكان كل فترة منذ عام 1986م، إحدى وسائل عملية استئصال الإسلام التي تتواصل بإصرار ودأب منذ قرارات مجمع الفاتيكان الثاني (1965م).
فقد أقيم في بلدة آسيز بإيطاليا اجتماع فيما بين 18 – 20 سبتمبر 2016م، بمناسبة الاحتفال بمرور 30 عاماً على هذه الفرية الخبيثة، وقام البابا فرانسيس باتباع خطى من سبقه من باباوات ما بعد ذلك المجمع، بتوسيع نطاق المدعوين؛ إذ دُعي ممثلون عن مختلف الكنائس والشعوب، إضافة إلى ممثلين لمختلف الأديان السماوية وغير السماوية، للصلاة من أجل السلام في العالم.
وكان البابا يوحنا بولس الثاني أول من ابتدع هذه التمثيلية الممجوجة في 27 أكتوبر 1986م، بدعوة قادة مختلف الديانات السماوية وغير السماوية، للصلاة معاً من أجل السلام، وكانت محاولات الحوار بين الأديان في أولى خطواتها، وكان عدد الحضور آنذاك 130 مسؤولاً دينياً.
وتوالت لقاءات هذه البدعة وتكررت عام 1993م، ثم في عام 2002م، وفي عام 2006م بمناسبة مرور 20 عاماً على ابتداعها، ثم في عام 2011م، وآخرها هذا العام.
واختيار المكان عادة ما يكون له معنى يخدم الموضوع في مثل هذا المجال الديني المتعصب، وبلدة آسيز هذه هي موطن القديس فرانسيس الآسيزي، الذي اشتهر خاصة بالدور الذي حاول القيام به أيام الحرب الصليبية الخامسة (1217 – 1221م) ولقاؤه بالسلطان الكامل من أجل تنصيره، وبذلك تكون الحملة الصليبية قد وصلت لهدفها الأساس وهو تنصير المسلمين، و”فرانسيس” هو الاسم الذي اختاره يورج برجوليو يوم اختياره عام 2013م لرئاسة الفاتيكان والكرسي الرسولي، والذي يكشف بوضوح عن حقيقة ومعنى الدور الذي يقوم به باختياره اسم مَن تعتبره الكنيسة “أبو التبشير والتنصير”.
وإذا ما بحثنا عما يقابل تواريخ هذه اللقاءات للصلاة الجماعية لرأينا أن دعوة البابا يوحنا بولس الثاني عام 1986م كان يقابلها الاحتفال بالعام الدولي للسلام الذي دعت إليه منظمة هيئة الأمم، أيام ما كان يطلق عليها “الحرب الباردة” والحرب في لبنان، واللقاء الثاني عام 1993م تم على خلفية الصراع الدائر في بلدان يوغسلافيا سابقاً التي تم تفتيتها استعداداً لتفتيت الاتحاد السوفييتي، أما لقاء عام 2002 فأتى على خلفية التوترات الدولية التالية لأحداث 11 سبتمبر 2011م، وحضره 29 ممثلاً دينياً مسلماً، وتأتي صلاة هذا العام على الخلفية الحالية لتفتيت العالم الإسلامي والعربي تمهيداً لاقتلاع الإسلام، مثلما تم اقتلاع اليسار، والغريب ملاحظة تزايد الحضور الإسلامي في هذه اللقاءات الخادعة رغم كل ما كتبته مدعوماً بالوثائق لكشف لنواياهم.
موقف الكنائس الأخرى
وإن كانت هذه اللقاءات تثير العديد من الانتقادات بين الكنائس المختلفة، فهي بالنسبة للكنيسة الكاثوليكية تندرج أساساً في إطار الإيمان القائل: إن الرب يسوع له خطة خلاص واحدة لكل البشر، مروراً بالإيمان التام بيسوع وكنيسته الممثلة في الكنيسة الكاثوليكية، كما تندرج في المبادئ التي أوضحها مجمع الفاتيكان الثاني في إطار النظام العالمي الجديد الناجم عن مجمع الفاتيكان الثاني (1965م)، إضافة إلى أن يتم البحث عن أي آثار أخرى متعلقة بالله حتى وإن كانت في الديانات الوثنية ومنها الإسلام، مع مراعاة أن نقطتي النظام العالمي الجديد والبحث عن أي آثار لله في الديانات الأخرى يجب أن يتم من منظور التبشير والتنصير.
أما البابا بنديكت 16 أيام الاحتفالية الأولى، وكان لا يزال كاردينالاً، فقد اعترض على ذلك اللقاء الأول، خشية أن يتصور البعض تأكيد نوع من المساواة بين الأديان؛ لذلك رفض حضور الاحتفال الأول؛ لأن الكنيسة في نظره هي منبع السلام والخلاص الوحيد بالنسبة للبشر، وحينما تولى كرسي الباباوية، وكان عليه الالتزام بالإطار العام للكنيسة ومخططاتها، أقام احتفالية آسيز عام 2006م، احتفالاً بمرور 20 عاماً على ابتداعها، وبعد عدة أسابيع من الفضيحة التي أثارها في راتسبون وسبه الإسلام علناً متعمداً، مؤكداً مرة أخرى؛ أن المقصود منها ليس التعبير عن المساواة بين الأديان، وإنما تأكيد للبحث عن السلام مع مراعاة عدم خشية ضياع هويتنا، إذ إن المسيحية هي الطريق الوحيد للخلاص عن طريق المرور عبر الإيمان بربنا يسوع، أما الكاردينال روجيه إتشيجاري، المنظم للاحتفالية الأخيرة هذا العام، فيرى أيضاً أن هذا اللقاء بين مختلف الأديان هي فرصة لاكتشاف جذري لوحدة البشر، وإعادة تأكيد الوجود الغامض للروح القدس في قلب كل إنسان.
ومن أهم الذين اعترضوا على إقامة مثل هذه الصلوات وقبول الجلوس مع عقائد أخرى، “أخوية القديس بيوس العاشر”، التي كان يترأسها الأسقف مارسيل لوفيفر أيام أول لقاء عام 1986م، وأثار خطابه فضيحة كبرى بقوله: “إن مثل هذا اللقاء بمثابة فضيحة تهز أُسس الكنيسة”، واتهم البابا يوحنا بولس الثاني بهدم الإيمان الكاثوليكي علناً بذلك اللقاء البغيض بين الأديان، وتواصل الجمعية هجومها مع كل لقاء يتم في بلدة آسيز.
من وثائق لقاء الفاتيكان الأخير
في نهاية اللقاء الذي تم هذا العام، أصدروا بياناً عاماً تم التوقيع عليه يوم 20 سبتمبر 2016م من جميع القادة الدينيين، وعددهم هذا العام وصل إلى 450، من 9 ديانات وعقائد مختلفة، ومن أهم ما جاء في هذا البيان: “إن القاسم المشترك الذي يحركنا هو تحقيق اللقاء من خلال الحوار، للاعتراض على كافة أشكال العنف واستغلال الدين لتبرير الحرب والإرهاب، ورغمها، فكثير من الشعوب عانت في السنوات الماضية من الحرب، ولم نفهم بعد إن الحرب تفسد العالم وتترك ميراثاً من الآلام والكراهية، فالجميع خاسرون مع الحرب، حتى المنتصرون، فالحرب باسم الدين تتحول إلى حرب للدين نفسه، لذلك نؤكد بقناعة تامة أن العنف والإرهاب يتعارضان مع روح الدين الحقيقية”.
وحول اللقاء الأخير، يقول أندريا ريكاردي مؤسس “جماعة سانت إيجيديو”: “إن الحوار بين الأديان ضرورة لا بد منها، فالبديل هو الحرب”! وهو نفس ما أكدته الفرق الثلاث التي نظمت الاحتفالية: “جماعة سانت إيجيديو”، “جماعة الفرنسيسكان”، وأبرشية بلدة آسيز”، بهدف الاعتراض على استخدام الحرب في الدين وفي الإرهاب، وأكد أندريا ريكاردي في نهاية كلمته أن الحوار هو فن التعايش معاً: “فإما أن نعيش معاً أو أن نموت معاً”!
وإذا ما بحثنا حولنا على نطاق العالم عمن يستخدم “الدين والإرهاب” في الحروب الدائرة، فلن نجد سوى كلمة “الإسلام”، ذلك الدين الذي تمت شيطنته رسمياً بأحداث 11 سبتمبر 2001م، حينما فشل مجلس الكنائس العالمي في تنصير العالم بمناسبة حلول الألفية الثالثة، وفقاً لقرار مجمع الفاتيكان الثاني، فأسند بهذه المهمة إلى الولايات المتحدة في يناير 2001م، وها هي الأيام تثبت ما كتبته حينها من أن الولايات المتحدة هي التي افتعلت أحداث 11 سبتمبر بالهدم تحت السيطرة، وألصقت التهمة بالمسلمين لتتلفع بشرعية دولية لاقتلاع الإسلام ديناً وشعوباً.
أي إن الغرب المسيحي المتعصب هو الذي أجرم في حق الإسلام والمسلمين، وأنشأ فرق المرتزقة التي تولى تدريبها وتزويدها بالسلاح والعتاد والأموال، لتغزو وتقتل باسم الإسلام حتى يبدو الإسلام مدمراً سفاكاً للدماء بناء على تعاليمه، وتتم المسرحية الدائرة منذ بات مشروعاً ومباحاً اقتلاع الإسلام والمسلمين وتدمير بلدانهم للاستيلاء على مواردها، وكل ذلك معلن على الملأ، لكن يبقى السؤال: لماذا نقبل بالتواطؤ وبالصمت؟
ونظراً لتكرار ورود كلمة “الحوار” أو “الحوار بين الأديان” في الفقرات السابقة، فمن الواجب شرح معناها من نفس نصوص الفاتيكان، علنا ندرك الأهداف الحقيقية لهذه المؤسسة المتسلطة.
معنى الحوار بين الأديان
من أهم الوثائق الكنسية التي أصدرها البابا يوحنا بولس الثاني، في 7 ديسمبر 1990م، الخطاب الرسولي المعنون “المسيح فادي البشر”، بمناسبة مرور 25 عاماً على صدور وثيقة مجمع الفاتيكان الثاني بعنوان “التنصير: رسالة الكنيسة بين الشعوب”.
وتتكون رسالة “فادي البشر” من مقدمة و8 فصول وخاتمة، تندرج جميعها تحت 92 بنداً، ومن أهم العناوين الفرعية نطالع: يسوع المسيح هو المنقذ الوحيد، الكنيسة وسيلة الخلاص وعلامته، لا يمكننا الصمت أو الوقوف مكتوفي الأيدي، عملية التنصير ليست إلا في بداياتها، تنصير كافة الشعوب رغم المصاعب، تأسيس الكنائس المحلية، غرس الإنجيل في ثقافات الشعوب، الحوار مع الإخوة التابعين لديانات أخرى، كافة المسيحيين منصّرون بموجب تعميدهم، الله يُعد ربيعاً جديداً للإنجيل! وإذا رأينا متى وأين تم استخدام كلمة “ربيع” دينياً وسياسياً لأدركنا من أين انبثقت عبارات “الربيع العربي” ومن هو المتحكم فيها.
ومن أوضح العبارات الواردة في البند الثاني من المقدمة: “الانطلاقة التنصيرية تنتمي إلى الطبيعة الحميمة للحياة المسيحية”، “ثمار التبشير الناجمة عن المجمع وفيرة، فقد تضاعف عدد الكنائس بأساقفتها وكنسييها”، “هناك مزيد من توغل الجماعات المسيحية في حياة الشعوب والتبادل بين الكنائس كثيف ومثمر”، “اندماج المدنيين المسيحيين في عمليات التبشير متواصل، فالرسالة تخص كافة المسيحيين وكافة مؤسساتها”.
ومن أهم ما نطالعه تحت عنوان “غرس الإنجيل في ثقافات الشعوب”: تعتمد الكنيسة في تنصيرها على الغرس الثقافي، وهو اليوم من الملامح الأساسية؛ إذ يجب غرس القيم المسيحية في مختلف الثقافات الإنسانية، وفي نفس الوقت تستقطب الكنيسة الشعوب الأخرى وتأخذ منها ما تراه صالحاً لها، وهو ما يفيدها في عمليات التنصير وفي اللاهوت والعبادات والأعمال الخيرية، وعلى المنصرين أن يتوغلوا في المجال الاجتماعي والثقافي للبلدان التي يُرسَلون إليها حتى يتمكنوا من غرس الإنجيل، كلٌّ في مجال عمله، والجماعات التي يتم تنصيرها عليها أن تقوم بدورها لغرس الإنجيل.. وخلاصة القول: إن الغرس الثقافي يقع على كافة أفراد شعب الله المسيحي وليس على القساوسة وحدهم (البنود رقم 52، 53، 54).
أما تحت عنوان “الحوار مع الإخوة التابعين لديانات أخرى” فنطالع: “إن الحوار بين الأديان جزء لا يتجزأ من رسالة الكنيسة التنصيرية كمنهج ووسيلة، وهو مرتبط برسالة الكنيسة نحو الشعوب، وإن الحوار لا يمنع عمليات التنصير، ولا يوجد أي تناقض في الحوار بين الأديان وبين التنصير، فعلى الرغم من معرفة الكنيسة بأنه قد يوجد في الديانات الأخرى شذرات خيرة، فذلك لا يقلل من ضرورة إعلانها عن المسيح بإصرار وبلا أي تردد، والحوار ليس ناجماً عن إستراتيجية معينة، وإنما هو نشاط وضرورة لها ما يبررها، فالحوار بين الأديان يهدف إلى التطهر وإلى التحول الداخلي الذي يتم عن طريق الروح القدس، والحوار مجاله واسع، يبدأ من التبادل بين الاختصاصيين أو الممثلين الرسميين في مختلف المجالات حتى ما يُطلق عليه “حوار الحياة”.
إن كافة أتباع الكنيسة وكافة الجماعات والمجالات المسيحية عليها المساهمة في عملية الحوار حتى وإن لم يكن على المستوى المطلوب، فهذه المشاركة أساسية ولا بد منها (البنود 55، 56، 57).