م. محمود صقر
في كنيسة صغيرة داخل الفاتيكان اسمها “سيستين” أمضى مايكل أنجلو خمس سنوات يرسم سقف وبعض حوائط الكنيسة التي أراد لها أن تمثل قصة خلق الكون، مرورا بخلق آدم وحتى طوفان سيدنا نوح عليه السلام، مستلهما إياها من سفر التكوين.
خمسة ملايين من البشر يزورون المكان كل عام لرؤية تلك التحفة الفنية، ولكثرة الرواد الراغبين في الدخول، يتم تنظيمهم في أفواج تليها أفواج، انتظمت ضمن فوج متعدد الجنسيات لمرشدة سياحية تتحدث الإنجليزية، قبل الدخول للكنيسة أخذتنا مرشدتنا السياحية إلى قاعة خارجية تشرح لنا فيها ما سوف نراه في جولتنا لأنه ممنوع عليها الكلام والشرح داخل كنيسة “سيستين”.
بدأت في شرح تاريخ العمل الفني ثم دخلت في تفاصيله، وإذا بها تفجر مفاجأة لي وللمستمعين: إن “مايكل أنجلو” في رسمه لموقف آدم وحواء والشيطان والتفاحة خالف رواية الكتاب المقدس؛ حيث يظهر في رسمه استقبال آدم -وليس حواء- للتفاحة من الشيطان.
وهنا طلبت منها الكلمة وخاطبتها والحضور بأن رواية القرآن لا تضع مسئولية الخروج من الجنة على حواء؛ بل تضعهما على قدم المساواة في المسئولية الإنسانية باعتبارهما روحين متساويين: {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ} (البقرة: 36)، {فَأَكَلاَ مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا} (طه: 121).
ولاقت الكلمة استحسان الحضور من النساء بصفة خاصة.
دخلنا وظللت أبحث بين رسوم السقف والجدران عن هذا المشهد حتى وجدت مشهد التفاحة وتأكدت منه، ولكن للأسف التصوير ممنوع.
في سقف الكنيسة تجد تجسيدا مصورا لله في مشهد خلق آدم، وتجد العديد من صور الأجساد العارية.
بالنسبة لنا نحن المسلمين هذا شيء مُستَغرب أن تجد صوراً عارية في دار عبادة، ولكن ليست تلك الكنيسة وحدها من بين المعابد من تحوي صوراً أو تماثيل عارية؛ ففي معابد قدماء المصريين يصورون وينحتون أجسادا عارية تبدو فيها الأجهزة التناسلية بوضوح فيما يسمى آلهة الخصب، واليونان والرومان تفننوا في نحت الأجساد العارية، وداخل بعض المعابد الهندوسية ليس فيها فقط أجساداً عارية؛ بل تصويرا للممارسة بين الرجل والمرأة. وفي المعابد البوذية رأيت تماثيل لأجساد نصف عارية.
التشابه موجود في كل دور العبادة تلك فيما عدا مساجدنا نحن المسلمين، وقد يشترك معنا اليهود في خلو معابدهم من الصور.
نحن المسلمين فعلا عالم فريد بين مختلف العقائد؛ ففي حين يتشابهون فيما بينهم، لا تجد تشابها بيننا وبين سائر العقائد على الإطلاق، وهذا شأن عقيدة التوحيد.
في كل دور العبادة لغيرنا من المعتقدات تجد تجسيدا لشخصيات محورية (سيدنا عيسي والسيدة مريم في المسيحية، بوذا في البوذية، براهما وراما في الهندوسية…).
أما نحن أصحاب عقيدة التوحيد فالله الواحد الأحد لا ينازع مكانته رسول ولا ملك مُقَّرَب، ولا حتى ينازعه في مكان عبادته تصوير لحدث خالد كغزوة بدر مثلا.
ليس معنى هذا أن مساجدنا تخلو من الفن، بل في مساجدنا عبر العصور آيات باهرات من الفن والجمال؛ فن تجريدي يبدعه خيال الفنان المسلم بوحدات زخرفية نباتية وهندسية، يبدع بتشكيلها ما لا تجد له مثيلا في الطبيعة.
إنه فن مستلهم من عقيدة التوحيد: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (الشوري: 11).