نهال محمود مهدي
الإسلاموفوبيا هو: الخوف المرضي من الإسلام في الغرب.. ويراه المتخصصون في دراسة المشهد السياسي والمجتمعي الغربي: نوعا من الخوف المرضي، وحالة من العنصرية المختلطة بمجموعة أحكام نمطية عن الإسلام والمسلمين تتسبب في التحامل على الدين، وممارسة التمييز ضد أتباعه، وربما يصل الأمر لحد استخدام العنف اللفظي والبدني.
وتزخر المكتبة الإسلامية بكم هائل من المؤلفات التي تناولت تلك الظاهرة وحللتها وبينت مكامن الخطورة فيها، وإلى جانب المؤلفات هناك المئات من المقالات التي تقدم نماذج صارخة لتداعيات الإسلاموفوبيا في دول العالم المختلفة.
ولا شك أن ظاهرة بهذا الحجم تتطلب جهدا من الباحثين والمحللين لدراستها ومن ثم الخروج بحلول مناسبة لعمق الأزمة..
ورغم قناعتي بأن صورة نمطية سلبية صارت خلفية كثير من غير المسلمين عن الإسلام.. فإنني أرى دوما بصيصا من النور في تلك الصورة الحالكة.. أصبحت مع الوقت أتبنى وجهة نظر مخالفة للسائد؛ فعلاج الظاهرة لا يحتاج فقط لخطاب إعلامي إسلامي تنويري موجه، أو قضاء عاجل على الجماعات الإرهابية ذات الفكر المتطرف، أو مؤتمرات هنا ولقاءات هناك تحاضر فيها وجوه إسلامية جاذبة للأنظار أو…
أصبحت أرى أن جزءا غير هين من علاج تلك الظاهرة يكمن داخل عقل وكيان كل مسلم نطق الشهادتين، وأكمل حياته بين غير المسلمين سواء كانوا من بني جلدته أو كان وافدا عليهم مقيما بينهم.
فكل مسلم فَهِم حقيقة الدين ووعى إنسانية مقاصده، وأدرك قيمه العليا وسمو أهدافه الكبرى هو بلا شك نموذجٌ متحرك قادر على التأثير في كل من حوله برُقي سلوكه، ونقاء طباعه.. نموذجٌ مبهر قادر على إحداث تغيير هادئ في نظرة الآخر وقناعاته بلا صخب.
هكذا واجهوا الإسلاموفوبيا
في السنوات الأخيرة التي انشغل العالم فيها بتسليط الضوء الإعلامي على جرائم جماعات إرهابية مختلفة، غفل البعض عن العديد من الشخصيات الإسلامية التي صنعت بأنفسها وبمنتهى السلاسة وبلا ضجيج إطاراً من الفخامة على صورة المسلم الراقي في سلوكه، والمعتدل في توجهه، والمتفاني في إسعاد الآخرين، بل والمضحي بحياته إن لزم الأمر في سبيل الدفاع عن قيم إنسانية رفيعة.
حاولت جاهدة أن أقدم صوراً ونماذج إنسانية لمسلمين – من بين المشاهير ومن غيرهم – كوّنوا حوائط صد منيعة لهجمات وحملات «الإسلاموفوبيا» الممنهجة، كلٌّ بما برع فيه، أو بما حمل داخله من طاقة إنسانية نبيلة، بعض هؤلاء رحل عن عالمنا، وبعضهم مازال حياً بيننا مستمراً في أداء دوره ورسالته.
روجيه جارودي.. المدافع عن القيم الإنسانية
حياة حافلة عاشها «روجيه جارودي» الذي رحل عن عالمنا في عام 2012م، تاركاً ثروة من المؤلفات رغم الصعاب والتضييق الذي واجهه.
فقد كرَّس حياته بعد إسلامه للدفاع عن الدين والقيم الإنسانية، ونبذ العنف والتطرف الصهيوني، ومواجهة الحملات الشرسة من أقطاب الإعلام الغربي، وتصحيح الصور المغلوطة الدافعة لكراهية الإسلام والمسلمين.
«روجيه جارودي» فيلسوف وكاتب فرنسي، حاصل على درجة الدكتوراه الأولى عام 1953م من جامعة السوربون عن النظرية المادية في المعرفة، ثم حصل على درجة الدكتوراه الثانية عن الحرية عام 1954م من جامعة موسكو.
في الثاني من يوليو 1982م أشهر «جارودي» إسلامه، في المركز الإسلامي في جنيف، بعد رحلة حافلة بالمحطات السياسية التي كانت سبباً في تحوله للإسلام الذي قال عنه في أحد حواراته: لقد صوّروا لنا المسلم على أنه متوحش همجي، فإذا بي أمام منظومة قيم متكاملة لها اعتبارها.
محمد علي كلاي.. الأمل والتحدي
«كاسيوس مارسيلوس كلاي»، أحد أعظم الرياضيين في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، أسلم عام 1964م، وأطلق على نفسه اسم «محمد علي»، تربع على عرش لعبة الملاكمة، واعتبر أسطورة اللعبة حتى عام 1967م حينما تم سحب اللقب منه بسبب رفضه الالتحاق بالخدمة العسكرية في جيش الولايات المتحدة أثناء حرب فيتنام؛ اعتراضاً منه على الحرب التي رآها ضد تعاليم القرآن، موضحاً «أننا – كمسلمين – ليس من المفترض أن نخوض حروباً إلا إذا كانت في سبيل الله».
تحمل «كلاي» العقاب القاسي بشجاعة، ولم يُرهبه موقف الحكومة الأمريكية ويثنِه عن الدفاع عن قضايا المسلمين السود ونبذ الكراهية والعنصرية؛ فأصبح الزعيم الروحي لملايين المسلمين وغير المسلمين حول العالم، ورمزاً للأمل والعزة والتحدي، حتى رحل عن عالمنا في عام 2016م.
طارق رمضان.. الريادة في الفكر المعاصر
مفكر إسلامي وأستاذ جامعي سويسري من أصل مصري؛ فهو حفيد مؤسس جماعة الإخوان المسلمين الإمام حسن البنا، يحاضر «رمضان» في جامعة أكسفورد، ويعتبر أحد القيادات الإسلامية البارزة في أوروبا والمؤثرة فيها؛ بسبب ما يمتلك من علم وثقافة وطلاقة لغوية وشخصية اتفق مؤيدوه ومعارضوه على أنها تحمل سمتاً مميزاً.
في عام 1994م أنشأ «رمضان» مؤسسة «مسلمو ومسلمات سويسرا» (MMS)، وهي منظمة كرست نشاطها لمسلمي الجيل الثاني، ومثلت هذه المحطة بداية عمل جماعي تميز بنشاطات مكثفة في مختلف مجالات توضيح صورة الدين النقية، ومحاولات التقريب بين المسلمين وغيرهم، والوقوف في منطقة وسط في عدد من القضايا الشائكة، حتى وُصف بأنه أحد رواد الفكر الإصلاحي المعاصر.
فضل الرحمن خان.. التصالح مع الواقع
معماري مسلم من أصل بنجالي، غادر بلاده متوجهاً إلى الولايات المتحدة الأمريكية عام 1952م بمنحة من برنامج «فولبرايت الأكاديمي للباحثين»؛ حيث التحق بجامعة إيلينوي، ونال درجة الماجستير في الميكانيكا التطبيقية وهندسة المباني والإنشاءات، ثم حصل على درجة الدكتوراه في التخصص نفسه.
تميز «خان» بالإبداع والابتكار والقدرة الفذة على صياغة علاقات تعاون بين المهندسين المعماريين والمهندسين في مجالات أخرى، أثمرت عن اختراقات مشهودة في عالم الصناعة، كان نصيب مدينة شيكاغو منها هو الأوفر.
ويُعد «فضل الرحمن خان» مثالاً حياً ونموذجاً يُحتذى في تفوق العقول المسلمة ونبوغها وتصالحها مع بيئاتها الجديدة في الغرب، ومحاولة إعمار تلك البيئات وتطويرها والنهضة بها على خلاف ما يُشاع عن المسلمين في الكثير من حملات الكراهية التي تستهدف إقصاءهم وإبعادهم عن مجتمعاتهم الجديدة بحجة «الإسلاموفوبيا».
كانت هذه بعض التجارب الناجحة لمسلمين عاشوا حياتهم في الغرب، فتفاعلوا مع الواقع بصورة إيجابية عكست قيم دينهم ورورح شريعتهم، هذا فضلاً عن مئات الأحداث والأخبار الحياتية التي تصب في هذا الاتجاه، ونكتفي منها بهذين المثالين:
زيتون.. الإرهابي البطل
شهدت الولايات المتحدة الأمريكية عام 2005م كارثة طبيعية وُصفت بأنها الأكثر فتكاً في تاريخ الولايات منذ عام 1928م؛ حيث كانت ولاية فلوريدا على موعد مع إعصار «كاترينا» الذي اعتبر الإعصار الأكثر دموية بعد أن خلف وراءه أكثر من 1833 قتيلاً.
كانت التحذيرات متتالية للمقيمين في مدينة نيوأورلينز الواقعة على خليج المكسيك في ولاية لويزيانا من اقتراب الإعصار المدمر، والنداءات متواصلة بضرورة إخلاء المناطق المحتمل مرور الإعصار بها، حينما أسرع «عبدالرحمن زيتون»، الأمريكي من أصل سوري، بإجلاء زوجته وأطفاله عن المنطقة وبقي هو على أمل تمكنه من حماية ممتلكاته، خاصة وأنه تعود على حدوث الأعاصير بشكل متكرر في تلك المنطقة.
لم يدرك «زيتون» خطورة الموقف إلا بعد أن تجاوز الإعصار المعدلات الطبيعية، وتسببت سرعة الرياح في تدمير أحد السدود الحامية للقرية؛ مما أدى إلى ارتفاع منسوب المياه لثلاثة أمتار.
وحينها لم يسارع «زيتون» بالهرب من المكان، بل ظل قرابة أسبوع كامل يتجول في المدينة بقارب صغير مساعداً كل من علقوا في منازلهم أو في الطرق بسبب الإعصار، قاطعاً يومياً أكثر من 25 كم لتقديم المساعدات المختلفة للمنكوبين، والمفارقة الطريفة أن السلطات الأمريكية اشتبهت به واعتقلته بتهمة الإرهاب! بسبب جنسيته العربية وتواجده في المكان وسط مخلفات الإعصار، إلى أن اتضح لهم الدور الرائع الذي قام به، وشهادات العشرات من سكان المدينة المنكوبة.
اعتبر «عبدالرحمن زيتون» بطلاً قومياً في الولايات المتحدة الأمريكية، كتبت عنه العديد من الصحف العالمية، وحصل على عدة شهادات تقدير من منظمات وجهات مختلفة، وألف عنه الكاتب الأمريكي «دايف إيجرز» كتاباً خاصاً وسماه «زيتون»، ويتم الآن التحضير لإنتاج فيلم سينمائي عنه.
سوني.. والميدالية الذهبية
في شهر فبراير 2015م كان محبو رياضة «الريجبي» حول العالم على موعد مع مباراة الدور النهائي لكأس العالم التي انتهت بفوز المنتخب النيوزلاندي على نظيره الأسترالي، ورغم حرارة اللقاء وما شهده من أحداث كافية لإنعاش المجلات والمواقع الرياضية لأيام متتالية بعده؛ فإن الفوز لم يكن محط الأنظار!
دفعت الحماسة طفلاً لاقتحام أرض الملعب محاولاً التقاط صورة تذكارية مع بعض اللاعبين، فما كان من أمن المكان إلا أن طارده محاولاً توقيفه وإبعاده، حتى وقع أرضاً أمام النجم النيوزلندي «سوني بيل ويليامز» الذي ساعد الطفل على النهوض، وطلب من الأمن تركه، ومنحه عدداً من الصور التذكارية، والمفاجأة الكبرى كانت في نزعه لميداليته الذهبية وإهدائها للصبي الذي ملأت الدموع عينيه تعبيراً عن عميق امتنانه للاعب الذي علق قائلاً: «حاولت أن أجعل تلك الليلة لا تمحى من ذاكرته، وأعتقد أن الميدالية على عنقه أجمل بكثير من وجودها على عنقي»، وبدلاً من تسليط الضوء الإعلامي على نهائي بطولة العالم، كانت صور الطفل وميداليته الذهبية تتصدر المشهد!
يُذكر أن «سوني» يعد واحداً من أعظم لاعبي رياضة «الرجبي» على مدى تاريخها في العالم، وكان قد فاجأ الجميع بإشهار إسلامه منذ أعوام، وقال: إنه يكتفي بالحد الأدنى من أرباحه المالية، والباقي ينفقه على أعمال الخير وجمعيات اليتامى.
كانت تلك بعض النماذج التي فعَّلت تعاليم الدين وقيمه في الواقع، وجعلت منها سلوكاً حياتياً لا يمكن لمن يراه أو يعايشه إلا أن يحترم ذلك الدين وينزله حق منزلته، نماذج طبقت ما أمرت به شريعتنا بسلاسة وفي صمت، فالتفتت إليها أنظار العالم أجمع، لا شك أن كل مسلم هو نموذج للدين يمشي على الأرض، فَلنُحسن عرض نماذجنا لننزع الخوف من قلوب مَن شوهت الظروف المختلفة صورة ديننا في أعينهم.
—–
* المصدر: مجلة المجتمع (بتصرف).