القائمة الرئيسية
 الانفصام الدعوي (2 /5).. مع النفس

فنزويلا.. البلد الذي دخله الإسلام مرتين

د.أحمد عبده*

فنزويلا جمهورية اتحادية مكونة من 21 ولاية، واللغة الإسبانية هي اللغة الرسمية للبلاد، ويبلغ تعداد سكانها حوالي ٣٠ مليون نسمة، ويبلغ تعداد المسلمين فيها حوالي مائة ألف.

فنزويلا

دخل الإسلام فنزويلا من خلال رحلات الإسبان

فكيف وصل الإسلام إلى فنزويلا؟ وما واقع المسلمين هناك وأماكن انتشارهم؟ وما أبرز الأنشطة الدعوية التي تقام هناك؟

وما أهم المشكلات التي تواجه العمل الدعوي هنا؟ وما الحلول المقترحة لمواجهة هذه المشكلات؟

دخول الإسلام فنزويلا

كما هي حال معظم دول أمريكا الجنوبية وأمريكا الوسطى، فقد دخل الإسلام إلى تلك البلاد في نهاية القرن الخامس عشر، وتحديدا مع الرحلات الإسبانية لاكتشاف العالم الجديد، حيث اصطحب المكتشفون معهم المسلمين من أبناء الأندلس، كما جلب الإسبان إلى فنزويلا آلاف العبيد المسلمين من قارة أفريقيا.

إلا أن الوجود الإسلامي في بلاد فنزويلا التي خضعت للاستعمار الإسباني سرعان ما اختفى بفعل عمليات الاضطهاد الواسعة التي مارسها الإسبان ضد المسلمين ومحاكم التفتيش والقتل والإبادة الجماعية والتنصير الإجباري الذي أدى في النهاية إلى اختفاء المسلمين من هناك.

لكن بلاد فنزويلا استطاعت أن تتحرر في القرن التاسع عشر من الاستعمار الإسباني، وخلال القرن العشرين بدأت الرحلات العربية تفد إليها من بلاد الشام (سورية ولبنان ومن فلسطين)، وكان لهذه الرحلات النواة الرئيسية لعودة الإسلام مجددا إلى فنزويلا، التي جاء إليها المسلمون العرب في منتصف القرن العشرين باعة فقراء، وسرعان ما استطاعوا بمواهبهم المتعددة أن يصبحوا رجال أعمال وتجار وأطباء ومهنيين، يشاركون في بناء ذلك البلد،

وهذا ما ساعد في بداية السبعينيات والثمانينيات على تكوين الجالية الإسلامية في عدة مناطق في فنزويلا، وهو ما تمثل في إنشاء بعض المصليات الصغيرة في عدة مدن، والتي تم توسعتها بشكل كبير قبل سنوات قليلة كما تم بناء بعض المساجد والمدارس الإسلامية والمقابر الإسلامية في بعض المدن الفنزويلية.

وينتشر المسلمون في عدة مدن في فنزويلا أهمها كراكاس العاصمة التي تضم العدد الأكبر من المسلمين، كما ينتشر المسلمون في مدينة فالنسيا وبونتوفيهو ومارغريتا وباركيسيميتو وغيرها من المدن، ويوجد في فنزويلا حوالي ١٥ مركزاً إسلامياً لأهل السُّنة والجماعة.

تجدر الإشارة إلى أن العاصمة الفنزويلية “كراكاس” تحتوي على مسجد الشيخ “إبراهيم بن عبدالعزيز الإبراهيم”، الذي أطلق عليه المسجد الإبراهيمي، ويُعدُّ هذا المسجد معلمًا من المعالم الإسلامية في أمريكا اللاتينية، كما أنه يحتوي على أطول منارة في أمريكا اللاتينية ويحتوي أيضًا على مرافق كثيرة من فصول دراسية ومكاتب إدارية وصالة للألعاب الرياضية.

كما يوجد في مدينة مارغريتا مصلى كبير ويوجد فيها أكبر مدرسة إسلامية في فنزويلا وأكبر مقبرة إسلامية في فنزويلا والتي تبلغ مساحتها 30.000 متر مربع، وتم افتتاحها قبل أشهر قليلة، كما تضم مدينة فالينسيا مسجداً ومدرسة ومقبرة إسلامية، وتتركز هناك الجالية الفلسطينية، كما تضم المدن الفنزويلية الأخرى بعض المصليات والمساجد وبعض المدارس الإسلامية.

الأنشطة الدعوية في فنزويلا

شهدت فنزويلا قبل سنوات قليلة صحوة إسلامية دعوية تمثلت في اهتمام بعض المنظمات الإسلامية بالعمل الدعوي هناك، كما تمثل ذلك أيضاً في إنشاء مركز دعوي متخصص بالتعريف بالإسلام هو “مركز تواصل فنزويلا”، الذي يقوم على التركيز الفعلي والمباشر على نشر الإسلام بما يحمله من معان سامية بالحكمة والموعظة الحسنة، وذلك بالاشتراك مع التجمع الإسلامي الفنزويلي في مدينة مارغريتا في فنزويلا، وله العديد من الأنشطة، منها:

١- توزيع الأوراق والكتب الدعوية يومياً وبشكل مستمر ودائم في عدة مدن في فنزويلا، وهذه الكتب الدعوية المترجمة للإسبانية تصلنا من الإخوة في جمعية تبليغ الإسلامي في مصر، وتخضع للتدقيق من الأزهر الشريف فجزاهم الله كل خير.

٢- التحدث بالراديو والجرائد المحلية عن سماحة الإسلام وعدله وإحسانه.

٣- عقد الدورات التعليمية للمسلمين الجدد بشكل مستمر لتعليمهم اللغة العربية وتعاليم الإسلام الحنيف، وتهييئهم للعمل الدعوي داخل المجتمع الفنزويلي.

٤- عقد الندوات الإسلامية التعليمية والثقافية ودعوة المسلمين وغير المسلمين لحضورها.

٥- عقد الدورات الصيفية التعليمية للأطفال المسلمين خلال العطلة الصيفية لتعليمهم اللغة العربية والتربية الإسلامية.

وهناك نتائج طيبة في إقبال الناس على اعتناق الإسلام في السنوات القليلة الماضية، وهناك تحسن ملموس في المستوى العلمي للمسلمين الجدد ولله الحمد.

أبرز المشكلات والتحديات

‎ولكن يبقى أن كل جالية مسلمة في أي بلد من بلدان أمريكا اللاتينية تعاني مشكلات كثيرة، بعضها يكون همًا مشتركًا وعامًا ومن هذه المشكلات:

‏‎١- الانفلات الأمني الذي تعانيه فنزويلا، فلقد ألقت هذه المشكلة بظلالها على الجالية الإسلامية فأثرت على العمل الدعوي وأصبحت تحركات الجميع محدودة ومقيدة.

٢- الوضع الاقتصادي المتدني والمتدهور، حيث تنتشر البطالة ويكثر الفقر، وتفتقد فنزويلا اليوم إلى المواد الغذائية الرئيسة، وذلك أثر سلبًا على وضع المسلمين في فنزويلا وأعاقهم على المشاركة في كثير من المناشط الدعوية وذلك بسبب انشغالهم لتأمين حاجاتهم الضرورية.

‏‎٣- ذوبان كثير من أبناء المسلمين في المجتمع الفنزويلي؛ حيث إن كثيرًا منهم ضيع دينه ولغته، وهناك كثير من المسلمين قد تنصَّر أولادهم بسبب عدم الاهتمام الديني بالأولاد منذ الصغر ولعدم وجود مدارس إسلامية في السابق، فلو كان المسلمون يهتمون بتقوية الروابط وكان هناك وعي لما حصلت مثل هذه المشكلة.

‏‎٤- يعتبر التواصل بين المراكز الإسلامية في فنزويلا خجولاً وذلك لبعد المسافات وفقدان روح المبادرة وعدم عقد المؤتمرات والندوات والاجتماعات بين المراكز المنتشرة في عدة مناطق ولهذا تأثير سلبي على الجاليات الإسلامية هناك فلا يوجد تبادل للخبرات وتنسيق في العمل الدعوي بين المراكز.

‏‎٥- قلة المنح الدراسية للطلاب المسلمين في البلاد العربية الإسلامية لتعليمهم العلوم الشرعية واللغة العربية لكي يصبحوا دعاة مؤثرين في بلدانهم ومجتمعاتهم.

٦- توافد الشيوخ الدعاة إلى فنزويلا من الخارج غير الناطقين باللغة الإسبانية وقلة معرفتهم بمشكلات الجاليات الإسلامية في فنزويلا، وهذا يسبب عقبة كبيرة أمامهم للتفاعل والتأثير المباشر والتواصل مع كل طبقات الجالية الإسلامية في فنزويلا.

٧- وجود الكثير من المسلمات العزباوات داخل الجالية الإسلامية وعدم إقبال الشباب المسلم على الزواج منهن؛ فالكثير من هؤلاء الشباب يذهب للزواج في بلدانهم العربية أو يتزوجون من غير المسلمات.

٨- وجود حاجز كبير بين العرب المسلمين وبين المسلمين من أصول فنزويلية، يتمثل في عدم التواصل معهم وعدم الاهتمام بهم وبمشكلاتهم.

٩- عدم وجود المدرسين المتخصصين في تعليم اللغة العربية في المدارس الإسلامية في فنزويلا.

الحلول المقترحة

ومن الحلول المقترحة للتغلب على هذه التحديات أو الحد منها:

‏‎١- توفير منح دراسية للطلاب المسلمين من فنزويلا إلى الدول العربية، بشكل مستمر لكي يتعلموا العلوم الشرعية واللغة العربية، ويكونوا مصدر تأثير في مجتمعهم الذي يعيشون فيه.

‏‎٢- إنشاء المزيد من المدارس الإسلامية في فنزويلا، وهذا يساعد على حفظ الأولاد من الضياع والذوبان في المجتمع الفنزويلي ويحفظ لهم الهوية الإسلامية.

‏٣- ‎أن يقوم المركز الإسلامي على تشجيع الشباب المسلم على الزواج من المسلمات وتقديم الدعم المادي والمعنوي لهم، وهذا يساعد على تحصين المسلم والمسلمة.

٤- زيادة حبل التواصل بين المراكز الإسلامية في فنزويلا عن طريق إنشاء هيئة إدارية مشتركة تجتمع بشكل منتظم لبحث مشكلات الجاليات المسلمة المنتشرة في معظم المدن الفنزويلية وتقديم الحلول المناسبة وتبادل الخبرات الدعوية.

‏٥- ‎أن تهيأ معاهد لتعليم الشيوخ الوافدين إلى فنزويلا اللغة الإسبانية وتعريفهم بأحوال الجاليات الإسلامية في فنزويلا.

٦- عقد نشاطات وندوات إسلامية باستمرار داخل المركز الإسلامي بهدف زيادة الوعي بين المسلمين وبهدف فتح مجال التفاعل والتواصل بين المسلمين العرب وغيرهم.

٧- تدريس اللغة العربية والتربية الإسلامية للمسلمين الجدد بشكل مستمر أسبوعياً داخل المركز الإسلامي، ووضع إحصاء للمسلمين الجدد لمتابعتهم وتفقد أحوالهم وسبب غيابهم.

٨- وضع إحصاء لجميع المسلمين في كل مدينة والتعرف على أحوالهم وتقديم المساعدة لهم وزيارتهم والتركيز على الذي ابتعد عن الإسلام أو تنصر أو ذاب في المجتمع الفنزويلي.

9- الاهتمام بتقديم الإفطار الجماعي للمسلمين في رمضان لتقوية روح الأخوة بينهم وتشجيعهم على الصوم.

١٠- جلب المدرسين المتخصصين في تعليم اللغة العربية إلى فنزويلا للعمل في المدارس الإسلامية وإيجاد الطريقة المناسبة لدفع رواتبهم.

معظم هذه الحلول نقوم بها نحن كتجمع إسلامي في مدينة مارجريتا في فنزويلا ونحاول تطبيق بعض الحلول الأخرى قريباً إن شاء الله.

_____

(*) نائب رئيس التجمع الإسلامي الفنزويلي، ومدير مركز تواصل فنزويلا.

مواضيع ذات صلة