د. علي عمر بادحدح
وهذا أساس لا بد منه حتى يجد الناس عند الداعية إجابة التساؤلات، وحلول المشكلات إضافة إلى ذلك هو العدَّة التي بها يعلِّم الداعيةُ الناس أحكام الشرع، ويبصرهم بحقائق الواقع، وبه أيضاً يكون الداعية قادراً على الإقناع وتفنيد الشبهات، ومتقناً في العرض، ومبدعاً في التوعية والتوجيه.
((وإذا كانت الدعوة إلى الله أشرف مقامات العبد وأجلها وأفضلها فهي لا تحصل إلاَّ بالعلم الذي يدعو به وإليه، ولا بد من كمال الدعوة من البلوغ في العلم على حد يصل إليه السعي)) مفتاح دار السعادة(1/154).
والخوض في غمار الدعوة وميادينها فيما لا علم للداعي به، تترتب عليه آثار وخيمة لأن ((العامل على غير علم كالسالك على غير طريق، والعامل على غير علم ما يفسد أكثر مما يصلح)) مفتاح دار السعادة (1/130) ((ولا يكون عمله صالحاً إن لم يكن بعلم وفقه، وكما قال عمر بن عبد العزيز: ((من عبَد الله بغير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح))، وكما في حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه ((العلم إمام العمل والعمل تابعه))، وهذا ظاهر فإن القصد العمل، والعمل إن لم يكن بعلم كان جهلاً وضلالاً واتباعاً للهوى)) مجموع فتاوى ابن تيمية (28/136،135).
وطبيعة مهمة الداعي خطيرة ونظرة الناس إليه، واعتدادهم به، وأخذهم عنه يجعل أمر العلم ((أشد ضرورة للداعي إلى الله لأن ما يقوم به من الدين، ومنسوب إلى رب العالمين، فيجب أن يكون الداعي على بصيرة وعلم بما يدعو إليه، وبشرعية ما يقوله ويفعله ويتركه، فإذا فقد العلم المطلوب اللازم له كان جاهلاً بما يريده ووقع في الخبط والخلط، والقول على الله ورسوله بغير علم، فيكون ضرره أكثر من نفعه، وإفساده أكثر من إصلاحه وقد يأمر بالمنكر وينهى عن المعروف لجهله بما أحلّه الشرع وأوجبه وبما منعه وحرَّمه)) أصول الدعوة (ص:135) ومن أكثر الأمور التي يفتن بها عوام الناس التصرف الخاطئ الذي يصدر من بعض الجهلاء من أهل العبادة والصلاح لأن ((الناس يحسنون الظن به لعبادته وصلاحه فيقتدون به على جهله)) مفتاح دار السعادة (2/12)، فهذا يقتدون به من أثر حاله، فكيف بالداعية الذي يوجههم بحاله ومقاله، إن افتتانهم به أكبر وأشد.
فضل العلم وثمرته:
لابد للداعية أن يوقن أن ((العلم أشرف ما رغب فيه الراغب، وأفضل ما طلب وجد فيه الطالب، وأنفع ما كسبه واقتناه الكاسب)) أدب الدنيا والدين (ص:40) والآخذ بالعم آخذ بالبداية الصحيحة إذ العلم مقدم على القول والعمل كما قال تعالى ]فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك[ محمد [19].
وبالعلم يحوز الداعية الرفعة في الميزان الرباني وفق قوله تعالى ]يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات[ المجادلة[11]، والسعي في طلب العلم تحقيق للغاية التي أرادها الله ووجه إليها في قوله ]فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون[ التوبة [122]، فقد جعل الله الأمة فرقتين ((أوجب على إحداهما الجهاد في سبيله وعلى الأخرى التفقه في دينه، لئلا ينقطع جميعهم عن الجهاد فتندرس الشريعة، ولا يتوفرا على طلب العلم فتغلب الكفار على الملة، فحرس بيضة الإسلام بالمجاهدين، وحفظ شريعة الإيمان بالمتعلمين، وأمر بالرجوع إليهم في النوازل ومسألتهم عن الحوادث فقال عز وجل ]فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون[ النحل [43] وقال تعالى ]ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم[ النحل [43].
وإذا سلك الداعية طريق العلم حظي بالخيرية الربانية الثابتة في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ((من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهّل الله به طريقاً من طرق الجنة)) سنن أبو داود، كتاب العلم، باب الحث على العلم (3641)(4/57).
وإذا نال الداعية حظاً وافياً من العلم واندرج في سلك طلبة العلم فإنه يكون في مجتمعه نبراساً يُهتدى به كما قال ابن القيم عن الفقهاء ((إنهم يكون الأرض بمنزلة النجوم في السماء، بهم يُهتدى في الظلماء، حاجة الناس إليهم أعظم من حاجتهم إلى الطعام والشراب، وطاعتهم أفرض عليهم من طاعة الأمهات والآباء)) إعلام الموقعين (1/9)، وعندما يتحرك الداعية ناشراً علمه ساعياً بين الناس بالإصلاح ناعياً عليهم الغفلة والفساد فإنه يحظى بشرف الوصف الذي ذكره الإمام أحمد حين قال: ((الحمد لله الذي جعل في كل فترة من الرسل بقايا من أهل العلم يدعون من ضلَّ إلى الهدى ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله تعالى الموتى، ويبصرون بنور الله أهل العمى، فكم من قتيلٍ لإبليس قد أحيوه، وكم من ضال تائه قد هَدوه، فما أحسن أثرهم على الناس وما أقبح أثر الناس عليهم)) إعلام الموقعين (1/9)، وأهل العلم والبصيرة من الدعاة شهد التاريخ أنهم ((هم من اهتدى بهم الحائر، وسار بهم الواقف، وأقبل بهم المعرض، وكمُل بهم الناقص، ورجع بهم الناكص، وتقوى بهم الضعيف)) مدارج السالكين (3/304).
ولأهل العلم في بيان شرف العلم وفضيلته مقالات رائعة منها: قول الخطيب في الفقيه والمتفقه: ((قد جعل الله العلم وسائل أوليائه، وعصم به من اختار من أصفيائه)) الفقيه والمتفقه (2/71).
وأسند قبل ذلك عن محمد بن القاسم بن خلاد قال: ((يقال العقل دليل الخير، والعلم مصباح العقل، وهو جلاء القلب من صدى الجهل، وهو أقنع جليس، وأسرُّ عشيق، وأفضل صاحب وقرين، وأزكى عقدة، وأربح تجارة، وأنفع مكسب، وأحسن كهف، وأفضل ما اقتني لدنيا واستظهر به لآخرة، واعتصم به من الذنوب، وسكنت إليه القلوب، يزيد في شرف الشريف، ورفعة الرفيع، وقدر الوضيع، أنس في الوحشة، وأمن عند الشدة، ودال على طاعة الله تعالى وناه عن المعصية، وقائد إلى رضوانه، ووسيلة إلى رحمته)) الفقيه المتفقه (2/71).
وقال أبو هلال العسكري في ((الحث على طلب العلم)): ((فإذا كنت – أيها الأخ الكريم – ترغب في سمو القدر، ونباهة الذكر، وارتفاع المنزلة بين الخلق، وتلتمس عزاً لا تثلمه الليالي والأيام، ولا تتحيَّفه الدهور والأعوام، وهيبة بغير سلطان، وغنى بلا مال، ومنعة بغير سلاح، وعلاء من غير عشيرة، وأعواناً بغير أجر، وجنُداً بلا ديوان وفرض، فعليك بالعلم فاطلبه في مظانه تأتك المنافع عفواً وتلق ما يعتمد منه صفواً )) الحث على طلب العلم (ص:43).
وقال ابن إسحاق بن أبي فروة: ((أقرب الناس من درجة النبوة أهل العلم وأهل الجهاد فأما أهل العلم فدلوا الناس على ما جاءت به الرسل، وأما أهل الجهاد فجاهدوا على ما جاءت به الرسل)) الفقيه والمتفقه (1/35).
العلم المطلوب:
ليس بالضرورة أن يكون الداعية عالماً جامعاً لكل العلوم، وليس من شرط الدعوة تمام العلم واستيفاء قدر بعينه منه، وليست الدعوة مختصة بالعلماء وحدهم دون غيرهم بل كل من علم من أحكام الإسلام شيئاً دعا إليه، وكل من علم منكراً وعرف دليل حرمته نهى عنه، وإذا لم يكن الأمر كذلك تعطلت الدعوة ومات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وسبق أن أوضحنا أن الدعوة ((مشروط لها العلم ولكن العلم ليس شيئاً واحداً لا يتجزأ ولا يتبعض، وإنما هو بطبيعته يتجزأ ويتبعض فمن عَلم مسألة وجهل أخرى فهو عالم بالأولى جاهل بالثانية، وبالتالي يتوفر فيه شرط وجوب الدعوة إلى ما علم دون ما جهل، ولا خلاف بين الفقهاء أن من جهل شيئاً أو جهل حكمه أنه لا يدعو إليه لأن العلم بصحة ما يدعو إليه الداعي شرط لصحة الدعوة، وعلى هذا فكل مسلم يدعو إلى الله بالقدر الذي يعلمه)) أصول الدعوة (ص:302)، وفعل الصحابة الكرام يدل على ذلك، فالطفيل بن عمرو الدَّوسي، وأبو ذر الغفاري، وهما من السابقين إلى الإسلام قاما بمهمة الدعوة بما معهما من أصل التوحيد وبعض ما نزل من القرآن، وهدى الله بهما فئاماً من الناس، ولم يصل أبو ذر الغفاري إلى المدينة ويلحق بالرسول صلى الله عليه وسلم إلاّ في العام السابع للهجرة وكان معه قبيلة أسلم، وقبيلة غفار قدم بهما مسلمتين، ونحن نعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ((بلغوا عني ولو آية)) أخرجه البخاري في كتاب الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل (الفتح)(6/572) وقال أيضاً: ((نضر الله امرءاً سمع مقالتي فوعاها وحفظها وبلِّغها، فربِّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه)) أخرجه الترمذي في كتاب العلم، باب: ما جاء في الحث على تبليغ السماع (2658)(5/34).
ومع هذا البيان إلاّ أننا ندرك أن الداعية وقد تصدر للوعظ والإرشاد والتربية والتعليم مطالب بقدر من العلم والثقافة يعينه على مهمته ويؤهله لها وتلخيص المهم من ذلك يتركز في جانبين: –
الأول: الجانب الشرعي:
لا بد للداعية أن يعرف ((أن أولى العلوم وأفضلها علم الدين، لأن الناس بمعرفته يرشدون وبجهله يضلون)) أدب الدنيا والدين (ص:44)، وهنا لا بد أن تفرق بين ما يجب تعلُّمه ولا يسع أحداً أن يجهله، وبين ما يكون تعلمه فرضاً كفائياً، وقد قيل في بيان معنى كون العلم فريضة على كل مسلم أنه ((على كل أحد أن يتعلمه ما لا يسعه جهله من علم حاله. .. وقال ابن المبارك: ((إنما طلب العلم فريضة أن يقع الرجل في شيءٍ من أمر دينه يسأل عنه حتى يعلمه)) الفقيه المتفقه (1/45) ثم أوضح الخطيب البغدادي ذلك فقال: (( فواجب على كل أحد طلب ما تلزمه معرفته مما فرض الله عليه على حسب ما يقدر عليه من الاجتهاد لنفسه، كل مسام بالغ عاقل من ذكر وأنثى حر وعبد تلزمه الطهارة والصلاة والصيام فرضاً، فيجب على كل مسلم تعرف علم ذلك.
وهكذا يجب على كل مسلم أن يعرف ما يحل له وما يحرم عليه من المآكل والمشارب والملابس والفروج والدماء والأموال فجميع هذا لا يسع أحداً جهله)) الفقيه المتفقه (1/46).
وأرى للداعية أن يكون عنده الحد الأدنى من العلوم الشرعية الأساسية وأقترح له ما يلي:
علم العقيدة الإسلامية: أن يتعلم أصول العقيدة من كتاب معتمد مختصر على مذهب أهل السنة والجماعة ككتاب ((لمعة الاعتقاد)) لابن قدامة، أو ((العقيدة الواسطية)) لابن تيمية ونحوها.
علم التفسير: أن يطلع على تفسير موجز موثوق يشتمل على معاني الكلمات وأسباب النزول والمعنى الإجمالي، ويفيد في ذلك بعض المصاحف المطبوع على هامشها أسباب النزول ومعاني الكلمات، ثم يجعل له زاداً في دراسة متأنية لتفسير بعض السور والأجزاء المكية والمدنية من كتاب معتمد متوسط مثل ((تفسير ابن كثير)).
علم الحديث: أن يدرس كتاباً من كتب الحديث الجامعة المختصرة مثل ((مختصر صحيح البخاري)) أو ((مختصر صحيح مسلم))، ويمكن أن يطالع كتاباً من كتب الحديث العامة المصونة في جملتها من الأحاديث الضعيفة والمشتملة على أهم الأبواب التي يحتاج إليها في الإيمان والفضائل والآداب مثل كتاب ((رياض الصالحين))، ويحسن أن يطلع على بعض كتب الحديث المختصة بموضوعات معينة ففي أحاديث الأحكام ((بلوغ المرام)) وفي الأذكار ((أذكار النووي)) وفي الشمائل ((شمائل الترمذي)) ونحو ذلك.
علم الفقه: – أن يدرس مختصراً في فقه العبادات والمعاملات وقد يضيف ما يحتاجه من الأبواب على مذهب من المذاهب الأربعة المشتهرة.
علم السيرة والتاريخ: – أن يدرس مختصراً في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم مثل ((تهذيب سيرة ابن هشام)) ومن الكتب المعاصرة النافعة ((الرحيق المختوم)) للمباركفوري، وأن يطالع على الأقل تاريخ الخلفاء الراشدين.
مفاتيح العلوم: – أن يدرس مختصراً في أصول الفقه مثل ((مختصر الأصول)) للشيخ ابن عثيمين أو ((أصول الفقه للمبتدئين)) للأشقر، وكذلك يدرس مختصراً في علوم الحديث مثل ((تيسير مصطلح الحديث)) للطحان أو ((مختصر علوم الحديث)) لابن عثيمين، وفي علوم القرآن ((مباحث علوم القرآن)) للقطان، وفي أصول التفسير ((مقدمة شيخ الإسلام ابن تيمية))وذلك بحسب الطاقة.
علوم اللغة: – أن يدرس مختصراً في النحو ((كالآجرومية)) أو((ملحمة الإعراب))، وكذا في البلاغة والأدب يحتاج إلى دارسة موجزة في مثل كتاب ((البلاغة الواضحة)) لعلي الجرام (يمكن النظر في برامج ومناهج لعلم وثقافة الداعية في كتاب ((ثقافة الداعية)) للدكتور يوسف القرضاوي، و ((جند الله ثقافة وأخلاقاً)) لسعيد حوى، و ((العلم فضله وطلبه)) لأمين الحاج أحمد محمد وغيرها).
وهذه العلوم الأساسية يحتاج الداعية فيها إلى إرشادات عامة أهمها: –
1- التدرج في كل علم من الأدنى إلى الأعلى، ومن الأيسر إلى الأصعب، وليَعلم ((أن للعلوم أوائل تؤدي إلى أواخرها، ومداخل تفضي إلى حقائقها، فيبتدئ طالب العلم بأوائلها لينتهي إلى أواخرها، وبمداخلها ليفضي إلى حقائقها، ولا يطلب الآخر قبل الأول، ولا حقيقة قبل المدخل، فلا يدرك الآخر ولا يعرف الحقيقة، لأن البناء على غير أساس لا يبني، والثمر من غير غرس لا يجني)) أدب الدنيا والدين (ص:55).
وهذا ابن خلدون يوضح لك الطريق فيقول: ((اعلم أن تلقين العلوم للمتعلمين إنما يكون مفيداً إذا كان على التدرج شيئاً فشيئاً وقليلاً قليلاً)) مقدمة ابن خلدون (ص:533) وأفاض في بيان ذلك بما فيه الوفاء.
وقال ابن شهاب الزهري المحدث الإمام: ((من رام العلم جملة ذهب عنه جملة، ولكن الشي بعد الشيء مع الأيام والليالي)) جامع بيان العلم وفضله (ص:138).
2- الحرص على التلقي عن الشيوخ كل في فنه وألاَّ يعتمد على الاطلاع المجرد وحده، فهذه العلوم ليست كالصحف والمجلات يُكتفي فيها بالقراءة والاطلاع، وكما قيل: ((من كان شيخه كتابه فخطؤه اكثر من صوابه)) وصدق الشاعر حيث يقول:
يظن الغمرُ أن الكتب تَهـدي *** أخـا جهل لإدراك العلـوم
ومـا علم الجهول بأن فيهـا *** مدارك قد تـدق عن الفهيم
ومن أخذ العلوم بغير شيـخ *** يضل عن الصراط المستقيـم
وكم من عائب قولاً صحيحاً وآفتـه من الفهـم السقيـم
وكتب السلف وتراجم العلماء مليئة بأسماء شيوخهم، وسيرتهم مع من تلقوا عنهم، وكتب أهل العلم طافحة بآداب الطالب مع شيخه مما يدل على بدهية ذلك عندهم.
وقال الشاطبي: ((من أنفع طرق العلم الموصلة إلى غاية التحقيق به أخذه عن أهله المتحققين به على الكمال والتمام)) الموفقات (1/9) وقد أفاض رحمة الله في تقرير ذلك وأفاد فليرجع إليه في موضعه.
3- الصبر والملازمة، وترك الانتقال من علم إلى علم قبل تمامه، ومن شيخ إلى شيخ قبل الاستفادة منه، ومن كتاب إلى كتاب قبل إحكامه، قال الزرنوجي: ((ينبغي أن يثبت ويصبر على أستاذ، وعلى كتاب حتى لا يتركه أبتر، وعلى فن حتى لا يشغل بفن آخر قبل أن يتقن الأول، وعلى بلد حتى لا ينتقل إلى بلد آخر من غير ضرورة فإن ذلك كله يفرق الأمور ويشغل القلب ويضيع الأوقات ويؤذي العلم)) تعليم المتعلم (ص:44).
الثاني: الثقافة الإسلامية:
إضافة لتحصيل العلوم الشرعية وآلاتها فإن الداعية يحتاج بشكل ملح إلى ثقافة الإسلامية العامة، وكذلك الثقافة المعاصرة، ولا شك ((أن حركة الداعية حركة واسعة، وانتشاره كبير واتصالاته كثيرة وهو ولا شك يلتقي أنواعاً كثيرة من البشر كل له مزاجه وثقافته واطلاعه فلا بد للداعية أن يشبع هذه الثقافات ويلم بشيء منها حتى يشارك من يخاطبه كل حسب ثقافته كمدخل من مداخل الدعوة)) الدعوة قواعد وأصول (ص:71).
ولا بد من الاعتراف بوجود الخلل في هذه الثقافة عند كثير من الدعاة ((فهناك عجز في المعرفة بالحاضر المعيش والواقع المعاصر، فهناك جهل بالآخرين نقع فيه بين التهويل والتهوين مع أن الآخرين يعرفون عنَّا كل شيء وقد كشفونا حتى النخاع، بل هناك جهل بأنفسنا فنحن على اليوم لا نعرف حقيقة مواطن القوة فينا ولا نقاط الضعيف لدينا، وكثيراً ما نضخم الشيء الهيّن، وما نهون الشيء العظيم، سواء في إمكانياتنا أم في عيوبنا)) أولويات الحركة الإسلامية (ص:21).
ولهذا فلا بد من العناية بهذا الجانب وإعطاءه الأهمية اللازمة له، وأسلط الضوء هنا على الموضوعات المهمة في هذا الجانب من خلال الآتي:
1- الثقافة العامة:
وأعني بها ما يتصل بإبراز محاسن الإسلام، ومعرفة مقاصد الشريعة، وتفنيد ورد مزاعم خصوم الإسلام وشبهاتهم، وإظهار الكمال في أنظمة الإسلام الاجتماعية والاقتصادية وغيرها، وبيان أنها ترعى جميع المصالح وتسد أبواب الفساد، وأنها صالحة لكل زمان ومكان وأمثال هذه الموضوعات.
وهذه الثقافة يمكن تحصيل جزء جيد منها من خلال تحصيل العلم الشرعي سيما إذا توسع الداعية في طلبه وتحصيله، ومع ذلك فهناك كتب جمعت مثل هذه المقاصد وهي كثيرة منها ((نحو ثقافة إسلامية أصيلة)) لعمر الأشقر، و ((الخصائص العامة للإسلام)) للدكتور يوسف القرضاوي، و ((المداخل إلى الثقافة الإسلامية)) لمحمد رشاد سالم ونحوها.
2- الثقافة المعاصرة:
وأعني بها عدداً من الجوانب منها:
أ- المذاهب الفكرية المعاصرة: – كالشيوعية والرأسمالية، والقومية، والبعثية، والماسونية ونحوها والكتب فيها كثيرة ومن أوسعها كتاب ((المذاهب الفكرية المعاصرة)) لمحمد قطب، ومن أجمعها مع الاختصار ((الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة)) من إصدارات الندوة العالمية للشباب الإسلامي.
ب- الواقع المعاصر: – من جهة الأعداء بدراسة الغزو الفكري، والدور العلمي للصهيونية والماسونية ومخططاتهم وأسالبيهم، والتنصير ومؤسساته وأدواره وهناك كتب نافعة في مثل هذه الموضوعات مثل((الغارة على العالم الإسلامي)) تأليف أ.ل. شاتليه، وترجمة محب الدين الخطيب ومساعد اليافي، وكتاب ((أفيقوا أيها المسلمون))لعبد الودود شلبي، وكتاب ((بروتوكولات حكماء صهيون)) ترجمة خليفة التونسي، و((أساليب الغزو الفكري)) للدكتور علي جريشة ومحمد شريف آل زيبق.
ومن جهة المسلمين بمعرفة أحوالهم ومتابعة أخبارهم وأوضاع أقلياتهم وهذا موفور في ((حاضر العالم الإسلامي)) للدكتور علي جريشة، وكتب الأقليات وأحوال بلاد المسلمين.
وإذا توفر للداعية رصيد علمي مناسب وزاد ثقافي جيد كان ذلك عوناً له في دعوته ورافداً من روافد نجاحه.
المصدر: كتاب مقومات الداعية الناجح للدكتور بادحدح.