فيصل بن علي البعداني
نجاح المرء في الحياة مرهونٌ بقدرته على الاتِّصال الفعَّال؛ إذ أثبتتِ الدراسات أنَّ 85% من النجاح يُعزَى إلى مهارات الاتصال، و15% منه فقط تعزى إلى إتقان مهارات العمل، ولكي نتواصلَ مع الآخرين ببراعة لا بدَّ لنا من إتقان أساسيات التواصُل، والقيام ببناء المكوِّن الرئيس للاتصال الفعَّال، وهو كسْب المصداقية والثِّقة لدَى الآخرين، إذ لن يتواصلَ المستمع أبدًا مع المتكلم إذا لم يَثقْ به، ويعتقد أنَّ لكلامه مصداقية، ولن يكون الشخص ناجحًا في حديثه حتى يستطيعَ باستمرار بناءَ الثقة والمصداقية بما يقول، ولعلَّ من أبرز مهارات الاتصال التي تعطيك قوةً في هذا المجال ما يلي:
1-تعرَّف على مكونات الرسالة الكلامية:
توجد ثلاثةُ عناصرَ نتواصل بها حين نتكلم: عنصر لفظي، وهو: الكلمات التي نقولها، وعنصر صوتي، وهو: رنين الصوت وحماسته وبروزه، وعنصر بصري، وهو: سِيمَا الوجه وحَرَكة الجسم، ولا بدَّ من انسجام هذه الثلاثة العناصر وتكاملها؛ إذ يعدُّ التناقض بينها الحاجزَ الأكبر دون وقوع الاتصال الفعال، وهذه العناصر حين تتلاحم يتساوى وزنُها في إعطاء المصداقية والثِّقة، لكن حين تتناقض فيما بينها، فإنَّ العنصر اللفظي يأخذ فقط من الثِّقة والمصداقية: 7%، والعنصر الصوتي: 38%، والعنصر البصري: 55 %.
2- خاطِبْ العاطفة أولاً:
تعدُّ العاطفة حارسةَ بوَّابة الذِّهْن؛ إذ يقتنع جُلُّ الناس بعواطفهم، ويبررون بعقولهم، والاتصال الفعال يعني ارتباطَ المتكلم مع المستمع على مستوى عاطفي، وليس فقط على مستوى فِكري، فاحرصْ على أن تتواصلَ مع الآخرين بالبُعد العاطفي وإثارة المشاعِر، الذي يمكنك القيامَ به عبرَ الجاذبية الشخصية، والارتكاز على عناصر الاتصال الصوتيَّة والبصرية.
3-اتصل بالعين:
نظرتك الحانية حين تتحدَّث إلى المستمع شعاعٌ يُبهِج قلبه، ويُشعره بالألفة والارتياح والمشاركة، ويجعله يحسُّ بأنك تتحدَّث إليه مباشرة، فركزْ نظرك إليه وقتًا كافيًا قبل أن تصرفَه – إن كنت محتاجًا إلى ذلك – وواصل نظرَك بصِدق وثبات عند المحادثة.
وتوجيه النظر إلى قُرْب العينين أمرٌ مقبول، والأفضل أن يتمَّ التركيز على إحدى العينين، وحين تشعر بالانزعاج من شخصٍ ما، ركِّزْ نظرك على أنفه أو جبينه؛ فإنَّ ذلك سيشعره بأنَّ لديك تواصلاً فعَّالاً بالعين، وفي المقابل لن تشعر بأنك على اتصال معه على الإطلاق.
وإذا كنت تتحدَّث إلى مجموعة، فقُمْ في بداية حديثك بإجراء مسْح عيني لمدة قصيرة لجميع الحاضرين، ثم بعدَ ذلك ابدأ بالاتصال العيني مع كلِّ فرد على حِدَة، ولا تنسَ الأشخاص الذين يقعون في الحافَّات البعيدة.
4-قف منتصبًا:
تعلَّم أن تقف منتصبًا، مع مَيْل قليل بكافَّة جسمك إلى الأمام، وأن تتحرَّك بصورة طبيعيَّة، فذلك سيعطيك مظهرَ الثقة الكاملة بالنفس، وإيَّاك أن تنكمش وتكون في حالة انحناء، أو ترجع جُزْأك الأعلى إلى الخَلْف، أو تعتمد على إحدى رجليك؛ لأنَّ ذلك سيجعلك تبدو مترددًا، وفي حالة متوتِّرة، كما عليك ألاَّ تتكئ على جدار، وألاَّ تضع رِجلاً على رجل؛ إذ يُعطي ذلك انطباعًا غير جيِّد عنك، ويؤثِّر على وضعية جسمك، ومن الأفضل أن تقوم بالمبالغة بإشاراتك الإيجابيَّة نحوَ المتلقي، ولا تقلق من ذلك؛ لأنَّك مهما بالغتَ فستكون في حالة قريبة من الحالة الطبيعيَّة، ويحسن أن تتحرَّك دائمًا بوعي ضمن مستوى طاقتك الطبيعيَّة؛ لأنَّ الحركة الدائمة تعكس الثِّقةَ بالنفس، وتقوِّي الطاقة، وتُدخل لمسةَ تنويع في طريقة الاتصال.
ويُفضَّل أن تجعل يديك بجانبيك عندما لا تُريد تأكيدَ الكلام عبرَ حركاتك، وعندما تريد ذلك إرادةً نابعةً من الحماسة الطبيعية، فإنَّ ذلك سيحدث عفويًّا، لكن ذلك لا يمكن أن يحدث بحال حينما تكون يداك ضحيَّة إشارات عصبية بشكل مستمرٍّ؛ ولذا فمِن المستحسن أن تتعرَّف على حركاتك حين تتكلَّم، وبخاصَّة حين تكون مضطربًا أو في حالة عصبية؛ ليعينَك ذلك على التخلُّص منها.
5- تبسَّم:
ما يدركه الآخرون من خلال الظاهِرِ عنك هو الحقيقةُ بالنسبة لهم، فكن مبتهجًا محافظًا على ابتسامتك، واجعل ملامحَك وتعابيرَ وجهك طبيعيَّة حين تتكلم، فإنَّ ذلك يُعزِّز من قدراتك على التأثير، ودَعِ النظرات الحادَّة والجدية الزائدة في اتصالك، فإنَّ ذلك سيجعل منك متصلاً متميزًا، وسيعتقد الناس بأنَّك قريب منهم، ومحبوب لهم، وعندها سينفتحون على أفكارك ويحترمونها، وسيتحمَّلون مخالفتك، ويقبلون منك ما لا يقبلون من غيرك؛ ولذا فمِن المهمِّ أن تتدرب على البسمة الودود السهلة، من خلال الممارسة، ورَفْع عَظْمَي الفَكِّ، وتحريك عضلات الوجه، مع ضرورة تذكُّر أنَّ الابتسامة الحقيقيَّة هي دائمًا تلك التي تنبع من داخلك.
6- جمِّل مظهرك:
للمظهر الحسن دورٌ رئيس، وتأثير أكبر ممَّا نعتقد في إحداث انطباع جيِّد عنا حين نتواصل مع الآخرين، وهذا ما يُحتِّم علينا إدراكَ أثر المظهر في نجاح عملية الاتصال، ولا توجد وصفَاتٌ صحيحة أو خاطئة للمظهر الحسن، ولكن هناك طريقة ملائِمة للنَّفْس والبيئة، فإذا شعر المتكلِّم بالانزعاج وعدم الراحة بسبب مظهرِه، فلن يستطيعَ الاتصال مع الآخر بشكل فعَّال، وإذا لم يكن مظهره محقِّقًا لتوقعات المستمع، ومراعيًا لمتطلبات المكانِ والزمان، والحالة القائمة، والوضعية الاجتماعيَّة، فسيحول ذلك بالتأكيد دونَ نجاح عملية الاتِّصال.
ومن الأهمية بمكان: العنايةُ أكثر بمظهر الوجه والرأس؛ لأنَّها المنطقة التي ينظر إليها الناسُ غالبَ الوقت، والعناية أكثر بالمظهر في أوَّل عملية اتصال يتمُّ إجراؤها مع آخر؛ نظرًا لكون الانطباع الجيِّد الذي من الممكن ترْكُه من خلالها لا يمكن تَكْراره، ولا الحصول على فرصة ثانية لعمله مرَّة أخرى.
7- استثمر صوتك:
الصوت هو الوسيلة الرئيسة التي تحمل رسائِلَنا للآخرين؛ ولذا فهو ثروة ضخمة، ورأس مال رابِح، متى ما كان جذَّابًا لطيفًا، واستُعْمِل بطريقة ثرية ملائمة، إذ ليس هناك مِن سهم يمكنه النَّفاذ إلى القلْب كالصوت العَذْب، فأثره أكبر ممَّا نعتقد، فهو الذي يُعطي المتلقِّي فكرةً عن مزاج المُلْقِي الحقيقي، ومدى قناعته بما يقول، ونغمة الصوت ورنينه تشكِّل 84% من الثقة والمصداقية عندما لا يتمُّ التمكُّن من رؤية الملقي، ويتم الاكتفاء بسَماع صوته فقط، فأبرِزْ وتيرةَ صوتك، ونوِّعه، وتحكَّم في نغمته، وضمِّنْه ابتسامتك، وكرِّر بعض الجمل، وأكِّد بعض المقاطع المهمَّة بتغيير نمط الصَّوْت، ولا تكن حبيسَ أنماطك الصوتية، ولا تجعلْ صوتك حاجزًا دون تأثيرك وحيوية أفكارك، وابتعدْ عن القراءة من ورق حين تُلْقي، بل حدِّد أفكارك الرئيسة، وتكلَّم عنها؛ لتخرجَ عن الرتابة، وتُجبر ذِهنك على اختيار الكلمات المنتقاة آنيًّا؛ ليجعل ذلك صوتك مليئًا بالحيوية، والحركة باستمرار.
8-حسِّن لغتك:
نَمِّ لُغتك، وارقَ بمستوى حديثك، من خلال استعمال كلمات مباشِرة، ولغة واضحة وملائمة، وتعلَّم باستمرار مفرداتٍ جديدة، وتجنَّب المصطلحات واللغة الخاصَّة مع مَن لا يفهمها، وأثناء كلامك قُمْ بإدخال وقفات طبيعيَّة، وابتعدْ عن إيراد الكلمات والأساليب والأصوات غير المفهومة، التي تُقلِّل من قيمة الكلام، وتقف عائقًا دون حدوث اتصال فعَّال.
9-اجعل مستمعك مهتمًّا بحديثك:
حافِظْ على تفاعل مستمعك واهتمامه بحديثك، ولا تَكتفِ بإشراكه في الجانب الفِكري فقط، بل اجعلْه يقع تحتَ تأثير المؤثِّرات المختلفة، حتى تتمكنَ من تحريك المشاعر والعقول معًا؛ لأنَّ المستمع كلَّما كان منهمكًا معك أكثر، ومشاركًا بصورة أكبر، كلَّما زادتْ فُرَصُك في إقناعه والتأثير عليه.
ولذا فلا بدَّ من تجنُّب ما يعوق المحافظةَ على ذلك، والحِرْص على القيام بتطبيق مهارات تجذب المستمع، وتجعل رُوحَ التفاعل تسري في نفسه، من مثل إيراد القصص والأمثلة والأشعار، وطَرْح الأسئلة والألْغاز والطُّرَف، والقيام بحركات هادفة وجذَّابة، وإشراك المستمع ببعض الأنشطة، وطلب رفْع الأيدي حين الموافقة أو المخالفة، واستخدام بعضِ وسائل العَرْض، واستثمار الصوت، وتعزيز عملية الاتصال بالعَيْن، ونحو ذلك من الأمور التي تُبقي مستمعك دومًا في حديثك.
10- كن مرحًا:
يُحبُّ الناس الفُكاهة، ويتعلَّمون أكثرَ من خلالها، ويزداد ارتباطُهم بالشخص المَرِح، وتتنافى ثقتهم وتعاطفهم معه، وقَبولهم لأفكاره أكثرَ مما لو قام بطَرحها بطريقة جادَّة، فابتعدْ عن جفاف الأحاسيس، وزِدْ من مرحك، وابذلْ جهدًا واعيًا؛ لتجعل مَن تتواصل معه يستمتع بحديثك، ويقضي وقتًا جميلاً معك.
ومن أبرز ما يُعينك على ذلك: تعبيراتُ وجهك المبتسمة، وإيرادُ بعض القصص والمواقف الطريفة، ذات الصِّلة بالمستمعين وموضوع الحديث، قيامك بالاستفادة من تعليقات الآخرين في إدْخال جوِّ الطُّرْفة والمَرَح على حديثك.
11-دع الافتعال:
كن طبيعيًّا، صادقًا مع نفسك، عفويًّا، هادئًا، سامحًا لمشاعرك بالظهور، متحدثًا من أعماقك، مبتعدًا عن اصطناع المواقف، وافتعال العبارات، فذلك سيُشعر مستمعيك بالبهجة، ويجعلهم يعتقدون بأنَّهم يتواصلون مع شخصية غير متكلِّفة.
12- اضبط أحاسيسك:
قد يصدر من مستمعك ما يستفزُّك، فعندها دَعِ الغضب، واضبطْ أحاسيسك، وسيطر على انفعالاتك، وإيَّاك أن تفقدَ القدرة على التركيز في تفكيرك، فإنَّ ذلك سيدمِّر تواصلَك، ويفقدك الإيجابية وامتلاك رُوحِ المبادرة، والسيطرة على انفعالاتك، ويَحُول دون نُضْج طرْحك وتميُّز حديثك.
——–
المصدر: موقع الألوكة.