د. ليلى بيومي
ينظر المسلمون في جميع أنحاء العالم إلى الجنرال محمد بخاري الرئيس المسلم الفائز في الانتخابات الرئاسية النيجيرية الأخيرة، بكثير من الإعجاب والأمل، الإعجاب بما حققه من فوز صعب، بعد أن أصبحت نيجيريا في العقود الأخيرة لا تحكم إلا برئيس مسيحي، رغم أغلبيتها المسلمة!، والأمل في أن يتمكن بخاري من التمكين لمسلمي نيجيريا وإنصافهم من أجل أن يحصلوا على حقوقهم الضائعة.
ومبدئيًا فإن فوز بخاري برئاسة نيجيريا جاء ليفتح الباب واسعًا أمام أن يختفي التزوير من الانتخابات النيجيرية، وأن تدار العملية الانتخابية بحياد ونزاهة وشفافية، وإذا حدث هذا وتكررت الشفافية في عدة انتخابات متوالية فمعنى ذلك تأصلها في المجتمع والمؤسسات النيجيرية وعدم سماح المجتمع بالتزوير مرة أخرى، وإذا حدث ذلك فمعناه أن المسلمين هم المستفيدون الرئيسيون من ذلك، لأنهم الأغلبية، حيث تبلغ نسبتهم 65% من عدد النيجيريين.
ومعنى ذلك أيضًا أن المسلمين يمكنهم، في حالة اليقظة، أن يحتكروا الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والمحلية، وأن يتمكنوا من مد جذورهم والتوغل في مؤسسات الدولة والسيطرة على مفاصل القرار فيها، وإصلاح أوضاعهم التعليمية والإعلامية عبر امتلاكهم لمدارس ووسائل إعلام، ومن حيث أن يتمكنوا اقتصاديًا بإلحاق أعداد كبيرة منهم بسوق العمل الحكومي والخاص، ومن حيث تقوية المؤسسات الدينية والدعوية الإسلامية والتصدي لموجة التنصير العاتية التي تستهدفهم.
ومما يفسر هذا التغير في توجيه نتيجة الانتخابات.. أن الناخب النيجيري يئن بشدة تحت وطأة الأزمة الاقتصادية وسوء الأحوال المعيشية، رغم أن نيجيريا هي أكبر منتج للبترول في إفريقيا وصاحبة أكبر اقتصاد، لكن الطبقات العريضة من الشعب النيجيري لم يشعروا بمردود ذلك، حيث يعيش قرابة نصف عدد السكان تحت خط الفقر، فضلا عن استمرار الفساد الذي ينحى عليه باللائمة في إهدار موارد البلاد وعدم استغلالها لتحقيق النمو الاقتصادي والاجتماعي المطلوب.
لكننا لا يمكننا أن نتجاهل سببًا رئيسيًا من أسباب غضب النيجيريين على الرئيس السابق جوناثان، وهو تدهور الوضع الأمني بفعل العمليات التي تقوم بها جماعة “بوكو حرام”، حيث قتل أكثر من 20 ألف شخص وأجبر 3 ملايين شخص آخر على النزوح من منازلهم، ونتيجة لهذا التدهور الأمني تم تأجيل الانتخابات لمدة 6 أسابيع لإفساح الوقت أمام تحسن الحالة الأمنية، لكن على الرغم من استعادة السيطرة على أغلب المناطق التي سبق وأن سيطرت عليها “بوكو حرام”، إلا إن الجماعة عادت وأثارت الاضطراب واستولت على مناطق أخرى.
ويرى العديد من النيجيريين أن الخلفية العسكرية لبخاري ميزة قد تمكنه من هزيمة “بوكو حرام” التي أصبحت الشغل الشاغل للحكومة والمجتمع النيجيري على السواء.
من هو بخاري؟
والرئيس محمد بخاري هو الحاكم العسكري السابق لنيجيريا، فقد قاد انقلابًا عام 1983م أطاح بأول رئيس مدني منتخب هو شيخو شاجاري، وفي 27 أغسطس 1985م أطاح به الجنرال إبراهيم بابنجيدا بانقلاب آخر، ليحيل بخاري إلى الإقامة الجبرية التي قضى فيها فترة طويلة.
وشارك بخاري في جميع الانتخابات الرئاسية بعد عام 1999م، حيث شهد عودة الحكم إلى المدنيين واتجاه النخب السياسية نحو الانتخابات كوسيلة للتداول على السلطة بدلاً من الانقلابات العسكرية.
وفى عام 2003م حظي أوباسانجو بمنافسة قوية من غريمه بخارى، وشكل الأخير تكتلاً سياسيًا من عدد من الأحزاب السياسية لرفض نتائج الانتخابات والضغط على أوباسانجو لإعادتها.
وعرف محمد بخارى بالنزاهة والاستقامة في بلد ينتشر فيه معدلات الرشوة والفساد، واشتهر خلال فترة حكمه بقوته وصرامته وقبضته الحديدية، ويحظى بشعبية كبيرة في الشمال ذي الغالبية المسلمة، لكنه يتمتع بشعبية أقل في مناطق المسيحيين الذين يساورهم الخوف جراء صرامته العسكرية وانتمائه الديني، علمًا بأن الانطباع السائد عنه هو أنه من أنظف ساسة وجنرالات نيجيريا.
ويواجه الرئيس محمد بخاري تحديات صعبة في دولة لم تدخر شيئا أيام الرخاء في عهد ارتفاع سعر النفط، وقد استند بخاري في فوزه بالانتخابات على وعوده بمكافحة الفساد في واحدة من أكثر بلدان العالم فسادا، وهنا نشير إلى أن الرئيس السابق جودلاك جوناثان استند إبان انتخابه أيضًا على وعود كتلك، وانتهى به الحال إلى أن بات مضرب الأمثال في كيفية عدم إدارة اقتصاد نفطي، وانخفض الاحتياطي النقدي النيجيري بشكل خطير في ظل توقعات بانخفاض الناتج المحلي الإجمالي في البلد للعام الجاري إلى ما دون نسبة 5% من نسبة 6.5% العام الماضي.
تحديات
وهكذا فإن أكبر تحد أمام الرئيس بخاري هو النهوض بالاقتصاد النيجيري المنهار، حيث يعتمد الاقتصاد النيجيري على النفط وما لحقه من انخفاض كبير في أسعاره، مما ترك البلاد عرضة لتلقي الصدمات من الخارج؛ فبانهيار سعر النفط في 2014م جفّ احتياطي البلاد سريعًا من العملة الأجنبية كما هبطت قيمة العملة (النيرة)، وهو الأمر الكفيل في أية دولة أكثر تنوعا في روافدها الاقتصادية بدعم الصادرات والاستقرار المالي في البلاد.
وإذا كان بخاري قد سبق أن أعلن أنه إذا ما تم انتخابه فإنه سيقوم بفرض الشريعة الإسلامية في جميع أنحاء البلاد، فإن هذا أمر مشكوك فيه، لأنه حينئذ سيواجه بمعارضة مسيحية كاسحة، داخليًا وإقليميًا ودوليًا، كما أن بخارى تعهد قبل نجاحه بالقضاء على تمرد جماعة “بوكو حرام”، وهو ما دفع به إلى الانتصار التاريخي، فالرئيس المسلم لم يحظ فقط بتأييد الأغلبية المسلمة التي تقطن في الشمال ولكنه حظي أيضا بتأييد المسيحيين في جنوب البلاد.
وكانت جماعة “بوكو حرام” قد حاولت استمالة بخاري إليها في عام 2013م، وأعلنت اختياره مفاوضها المفضل، لكنه رفض العرض ووجه انتقادات شديدة للجماعة ومنهجها وأفعالها، وتعرض بعد ذلك لمحاولة اغتيال فاشلة من خلال هجوم استهدف موكبه ما أدى إلى مقتل 42 شخصًا، واتهم بخاري “بوكو حرام” بالوقوف وراء التفجير، لكنها لم تتبناه.
وإذا كان بخاري قد وعد بتطبيق الشريعة في جميع أنحاء نيجيريا، فإنه بذلك يكون كمن يسبح ضد التيار وكمن يطلق مجرد تصريحات ووعود لا يستطيع الوفاء بها، فهناك حالة رعب بين المسيحيين من الوضع الإسلامي في شمال البلاد، سواء من حيث درجة انتشار الإسلام أو نمو المطالب بالعودة إلى تحكيم الشريعة الإسلامية، فالمخاوف من توسيع دائرة الشريعة إلى ولايات أخرى في منطقة الجنوب الغربي أو الحزام الأوسط مثلا كانت من أقوى دوافع الحملات الهجومية على الوجود الإسلامي في المنطقة، فتجربة الديمقراطية كانت في صالح الكثافة الإسلامية.
بل إننا نستطيع أن نقول إن الواقع التنصيري الذي يهيمن على نيجيريا، وحملات التنصير التي أصبحت تتحرك بشكل علني ومتغطرس في أرجاء البلاد، وأصبحت من خلالها مدينة لاجوس المركز الرئيسي للنشاط التنصيري في وسط وغرب أفريقيا كلها، هذا الواقع جاء ردًا على تطبيق الشريعة الإسلامية في الولايات الشمالية ذات الأغلبية المسلمة.
وإذا كان الرئيس محمد بخاري يريد أن ينجح حقًا، فإنه مطالب بحل المشكلات التي على أساسها نشأت جماعة “بوكو حرام”، فهذه الجماعة نشأت نتيجة مظالم حقيقية يتعرض لها المسلمون، وقد طرحت نفسها على أنها الحل لهذه المعضلات، وطالبت جموع المسلمين النيجيريين بمبايعتها لتحقيق آمالهم والانتصار لمظالمهم والتمكين لهم، لكن أسلوب الجماعة، واعتمادها العنف والقتل في مواجهة الخصوم، ومبايعتها لتنظيم “القاعدة”، كل ذلك أفقدها صفة أن تكون الواجهة التي تدافع عن المسلمين وتسعى لتصحيح أوضاعهم.
وإذا كانت “بوكو حرام” قد نشأت نتيجة لتدهور الأوضاع الاقتصادية، وتدني مستوى المعيشة، وانتشار البطالة، واتساع الفجوة بين الطبقات، وانتشار الفساد في هياكل الدولة، وسوء توزيع عائدات النفط .. واحتكارها لصالح فئة قليلة العدد مرتبطة المصالح بالشركات الأمريكية مما أدى إلى قيام العمال بإضرابات كثيرة، وقيام مسلحين نيجيريين بشن هجمات على أنابيب النفط وخطف رهائن من العاملين الأجانب في هذه الشركات، وكذلك تجذر الفقر، وتفشي الأمية، وتدني الأجور بشكل مرعب، وشيوع الدعارة التي أصبحت تشكل ظاهرة مع ما تستتبعه من أمراض مثل الإيدز، وانتشار آفات أخرى كالاغتصاب والسرقة والسطو والقتل خاصة في المدن الكبرى … الخ، فإن محمد بخاري إذا أراد النجاح، فإن عليه أن يواجه هذا الواقع المعقد ويفككه وينتصر عليه، بمواجهة الفساد أولاً، وبإدارة اقتصاد وطني مستقل بعيد عن استغلال الشركات متعددة الجنسيات.
وإذا أراد بخاري أن يحظى بثقة مسلمي نيجيريا ودعمهم لكي ينجح في دورة رئاسية جديدة من أجل أن يتمكن من تنفيذ خطط تنموية حقيقية، فإن عليه أن يمنع استخدام العنف المفرط تجاه الحركات السياسية المناوئة، خاصة جماعة “بوكو حرام”، ووقف عمليات القتل البشعة والخارجة على القانون، التي ارتكبتها الشرطة النيجيرية في حق أعضاء الجماعة.
وعلي بخاري أيضًا أن يعقد تصالحًا اجتماعيًا بالبلاد، بين قبيلة “الهاوسا” في شمال البلاد، وأغلبهم مسلمون، وقبيلة “الإيبو” في الجنوب وغالبية أفرادها مسيحيون، وأن يمنع الاشتباكات الدينية والعرقية بينهما، وهذا لن يتحقق إلا بترسيخ مؤسسات القانون والتمكين لدولة العدالة، ورفع المظالم عن المقهورين الذين أغلبهم من المسلمين.
——-
المصدر: مفكرة الإسلام (بتصرف يسير).