حاورته أمينة سعيد
الأحاديث الضعيفة والموضوعة من الأمور التي فشت في الأمة بكثرة على ألسنة بعض الدعاة، وجرى الكذب على رسول الله، وتداول الناس هذه الأحاديث وعملوا بها وسعوا في نشرها رغم أنها ليس لها أصل من الصحة؛ وهو ما أثار قلق كثير من الدعاة والعلماء الغيورين على هذا الدين فنشر الأحاديث الضعيفة ليس بالأمر الهين، فكان لا بد من أن ننبه الناس إلى خطورة تداول ونشر هذه الأحاديث بين الناس.
وتوضيحا لهذا الأمر كان لـنا هذا اللقاء مع فضيلة الدكتور نادر بن نمر بن عبد الرحمن وادي -أستاذ الحديث الشريف من فلسطين- الذي أكد أن الخطورة تتمثل في كون هذه الأحاديث الضعيفة افتراء على الله عزَّ وجلَّ، وكذبا على الرسول صلى الله عليه وسلم، إضافة إلى أنها تزوير للدين، وتضليلٌ للناس وتعمية الحق عليهم.
فإلى نص الحوار:
-
لنتطرق في البداية إلى تعريف السنة النبوية الشريفة؟
السنة كما عرَّفها علماء الحديث: هي كل ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خلقية أو خلقية قبل البعثة أو بعدها ويطلقها البعض على معان أخرى: يطلقها البعض على ما يقابل القرآن، ومن ذلك قول الرسول – صلى الله عليه وسلم – “يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة” [صحيح مسلم: 1113].
ويطلقها البعض على ما يقابل البدعة فيقال: أهل السنة وأهل البدعة، ويطلقها البعض على ما سوى الفرض. وغير ذلك.
-
من الضروري أن نعرف القارئ بأهمية دراسة السنة النبوية وأهمية التمسك بها.. فماذا تقول في ذلك؟
تتمثل أهمية دراسة السنة النبوية كونها المصدر الثاني للتشريع الإسلامي بعد القرآن الكريم، بل هي التطبيق العملي للقرآن الكريم، حيث فصَّلت مجمله، وبيَّنت مبهمه، وقيَّدت مطلقه، وخصَّصت عمومه، وحلَّت مشكله، ووضَّحت مراد الله تعالى منه، وأتت بأحكام زائدة عليه، كتحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها، وتحريم أكل كل ذي ناب من السباع، وغير ذلك.
وهي الطريق المستقيم، الذي من سار عليه هُدِيَ، ومن تمسك به عُصِمَ، ومن عمل به نجا، وهي الطريق الوحيد لمن أراد دخول الجنة، كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم: “كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ يَأْبَى؟ قَالَ صلى الله عليه وسلم: “مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى” [البخاري: 6872].
وقد جاء كثير من الآيات والأحاديث في الحث على لزوم السنة والتزامها، ومن ذلك: طاعة الرسول من طاعة الله تعالى، قال تعالى: {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ} (النساء: 80).
وطاعته والاحتكام لشرعه شرط الإيمان: قال تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (النساء: 65).
وطاعة الرسول من أسباب الرحمة: {وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (النور : 56)، كما أن طاعة الرسول سبب الهداية: {وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ } (النور: 54).
وطاعته صلى الله عليه وسلم سبب محبة الرحمن تبارك وتعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } (آل عمران 31).
وعن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ”.
وغيرها كثير من الآيات والأحاديث، نسأل الله أن يرزقنا طاعته والسير على هداه.
* ما السبب وراء استشهاد بعض المثقفين والدعاة خلال كلامهم بالأحاديث الضعيفة؟
السبب في ذلك يعود إلى أمرين: الأول: الجهل، والثاني: الكفر والزندقة.
أما الجهل: فهو عامل أساسي من عوامل انتشار الأحاديث الضعيفة، ومنه يتفرع أمور كثيرة، منها التهاون والتعصب ونصرة البدع وحب الأهواء والحرص على الدنيا، وغيرها.
فالجهل من أعظم الأسباب التي تجعل الناس ينشرون الأحاديث الضعيفة ويتداولونها؛ حيث إنهم لم يتعلموا أصول هذا العلم، ولم يعرفوا كيف تؤخذ الأحاديث، ولم يتلقوا العلم عن أهله من العلماء المحدثين المحققين، وإنما يقتصرون في الأخذ نقلا عن بعضهم البعض في المجالس العامة، أو يأخذون من أفواه الدعاة حاطبي الليل، أو يأخذون عن الإنترنت والمنتديات ومواقع التواصل والشاشات التلفزيونية والفضائيات ونحوها.
وكذلك الجهل بتحريم نسبة الحديث للرسول إذا لم يكن ثابتا عنه، وعدم إدراكهم لخطورة هذا الأمر، وعدم استشعارهم بخطورة حديث النبي صلى الله عليه وسلم “إن كذبًا علي ليس ككذب على أحد من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار” [البخاري، ورواه مسلم في مقدمة صحيحه].
والجهل يسوق البعض للاستدلال بالأحاديث الضعيفة لتأييد رأي فقهي، أو توجُّه سياسي، أو تعصب مذهبي، أو تأييد بدعة، أو أطماع شخصية مادية وتزلف للحكام والسلاطين، أو حب التودد للناس وتحديثهم بالغرائب والمناكير لتشويقهم وإثارتهم، نحو قول بعضهم: نحن نكذب له لا عليه !! ومثل أحاديث بعض فضائل السور يقول من كذبها: “رأيت الناس انشغلوا بفقه ومغازي ابن إسحاق فأردت إرجاعهم إلى القرآن”!!.
والناس العوام مساكين، عندهم قاعدة ذهنية مستقرة، مفادها: “كل ما يقال في المحراب فهو صواب”، ومن هنا يقع كثير من الناس في الخطأ.
* ما عوامل انتشار الأحاديث الضعيفة؟
التهاون لدى بعض العلماء أو الدعاة، فهو ليس جاهلاً بالأمر، بل هو يعلم، لكنه يتهاون ويميل إلى رأي من يقول بجواز الأخذ بالحديث الضعيف في الفضائل، ولا يعلم أن لهذا الرأي ضوابط وشروطًا عديدة، لا تسمح لأي كان أن يتداول هذه الأحاديث، وهي باختصار: ألا يشتد ضعفه، وألا يجزم بصحته عند روايته، وأن يندرج تحت أصل صحيح، وأن يكون في الفضائل لا في الأصول.
وإن الناظر في هذه الشروط يرى أنه لا يكاد يستطيع التحقق منها إلا العالم المحقق المشتغل بالحديث، فضلاً عن عامة الطلاب، أو عامة الناس؛ فمن الذي سيعرف مقدار ضعف الحديث؟ أهو شديد أم خفيف؟ وهل الضعف صادر عن سوء حفظ الراوي أم عن تهمة فيه؟ من يعلم بالفرق بينهما؟ هذا لا يستطيعه إلا العلماء؛ لذا رجع الأمر للعلماء، وعلى العامة الاكتفاء بالحديث الصحيح، خوفًا من الوقوع في الكذب على رسول الله، واكتفاءً بالعلم اليقيني المتضمن في الأحاديث الصحيحة، فإن الضعيف غاية ما يفيده هو الظن، وقال تعالى: {إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [يونس: 36].
ومن عوامل انتشار الأحاديث الضعيفة والموضوعة: الكفر والزندقة، حيث يقوم بعض الكفار والملاحدة والحاقدين بالكذب متعمدًا على النبي صلى الله عليه وسلم لتشويه صورة الإسلام وتحقيق مآرب عدائية، ولكن كل هذا مكشوف ومعروف لدى العلماء، وهناك أصول وعلوم تبين ذلك مهما كان، وهي علوم الحديث ومصطلحه وقواعده.
-
هل نلحظ تزايدا في عدد الأصناف التي تستشهد بالأحاديث النبوية؟ وكيف يمكن الأخذ بيدهم للطريق الصحيح؟
الواقع أن دواعي انتشار هذه الأحاديث متوفرة في كل مكان وزمان، وهي كما قلنا الجهل والهوى والبدع والمصالح الشخصية والميول الفقهية والتوجهات السياسية أو الكفر والزندقة والمكر والكيد للإسلام، ولكن بعض الأزمان أو البلدان يكون فيها تفاوت في نسبة العلم والمتعلمين، وتفاوت في مدى وجود العلماء المستبصرين.
وفي الحقيقة أن هذه الثورة المعلوماتية الرهيبة وشبكات التواصل الاجتماعي، ساهمت في انتشار هذه الأحاديث.
ورغم ذلك فإنه يلاحظ -بفضل الله سبحانه وتعالى- أن هناك انحسارا لهذه الظاهرة وتراجعا عما كانت عليه قبل هذه الثورة المعلوماتية الهائلة، حتى أن بعض العامة وغير المتخصصين أصبحوا يتكلمون في هذا الأمر، ويعرفون أن هناك روايات ضعيفة، وذلك بفضل الله أولاً، ثم بفضل العلماء والدعاة وطلاب العلم، وبفضل جهود الجامعات والكليات والمراكز العلمية والمواقع المتخصصة والخدمات الإلكترونية المقدمة في هذا الجانب.
*ما خطورة تداول وانتشار الأحاديث الضعيفة على مسار الدعوة الإسلامية؟
تتمثل خطورة هذا في أنها:
- افتراء على الله عزَّ وجلَّ: قال تعالى {انظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُّبِينًا} [النساء: 50]، وقال تعالى: {قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ} [يونس69].
- كذبٌ على الرسول صلى الله عليه وسلم: وقد سبق حديث “من كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار”.
- تزويرٌ للدين، وتضليلٌ للناس وتعمية الحق عليهم.
- جلبُ المشقة على الناس بإيجاب ما لم يوجبه الله تعالى عليهم، أو إعفاء الناس من واجبات افترضها الله عليهم.
- إيقاع الناس في البدع والضلالات ببناء الأحكام على الأحاديث الضعيفة والموضوعة.
- تغييب ضمير الأمة واستهلاك قدراتها واستنفاد طاقاتها.
- هل ساهم التطور في وسائل الاتصال بنشر الأحاديث الضعيفة وتداولها بين الناس؟
هذا التطور سلاح ذو حدين، ففي الوقت الذي ساعد فيه على انتشار هذه الأحاديث، فإنه أيضًا ساهم بشكل كبير في انحسار هذه الأحاديث، حيث قرَّب العلماء من الناس، وأصبح بالإمكان التواصل مع أي عالم أو فقيه أو مفتٍ من خلال موقعه أو صفحته الإلكترونية، كما سهَّل على الناس سبل الكشف عن الأحاديث الموضوعة من خلال مواقع وتطبيقات سهلة ميسرة يستطيع الإنسان العادي استخدامها والبحث فيها، مثل موقع (الدرر السنية) وملتقى أهل الحديث، وموقع الألوكة، وغيرها.
-
ما الوسائل اللازمة للحد من الاستشهاد بالأحاديث الواهية؟ وما الطرق التي تمنع من انتشارها؟
يمكن ذلك من خلال:
- التوعية بخطورتها الشرعية والفقهية والمنهجية والسلوكية، وإخضاع المؤلفات والمنشورات العلمية للمراقبة العلمية من قبل لجان من العلماء والمتخصصين.
- حثّ طلبةَ العلم في الجامعات والكليات الشرعية على تحقيق الكتب القديمة التي تحتوي على الأحاديث وتمييز الصحيح من السقيم.
- عقد دورات في أصول الحديث وقواعد التعامل مع السنة وتعميمها على طلاب العلم المتخصصين وغير المتخصصين والمهتمين والمثقفين، حتى على العوام، في الجامعات والكليات والمساجد والجمعيات والمراكز العلمية، تمامًا كما تُدرس أحكام التلاوة والتجويد.
- إبراز مصادر السنة الأصلية والصحيحة، وتأخير الكتب المشتملة على الضعيف والموضوع والتحذير منها.
- نشر الوسائل الحديثة وتعميمها كالبرامج والتطبيقات والمواقع المختصة، للكشف عن الحديث الضعيف أو الموضوع.
- إعمال مبدأ الجرح والتعديل مع من يصر على رواية الأحاديث الضعيفة والموضوعة ولا يتحرى فيها، بعد تحذيره وإقامة الحجة عليه من قبل أهل العلم، وبعدها لا بد من بيان حاله للناس بوضوح لئلا يلبس على الناس دينهم؛ فإن بعض الدعاة حلو اللسان وظريف الكلام، لكن كلامه محشو بالأباطيل والروايات الواهية والمكذوبة، ومن هنا يجب التحذير منها، وهذا يعتبر نصيحة للدين وليست غيبة، وفي هذا روى الخطيب في “الكفاية” قال: عن يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قال: سَأَلْتُ شُعْبَةَ وَسُفْيَانَ وَمَالِكَ بْنَ أَنَسٍ وَسُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ، عَنِ الرَّجُلِ، يُتَّهَمُ فِي الْحَدِيثِ أَوْ لَا يَحْفَظُ، قَالُوا: “بَيِّنْ أَمْرَهُ لِلنَّاسِ”.