القائمة الرئيسية
 الانفصام الدعوي (2 /5).. مع النفس

5 أسس إيمانية في تربية الأبناء

خالد روشه

نحتاج من أجل القيام بالعملية التربوية الصائبة الدقيقة أن نبدأ بشكل منهجي علمي، كما نحتاج إلى دقة متناهية في اختيار الوسائل والأساليب المتناسبة مع كل شخصية على

التربية الإيمانية للأولاد

التربية الإيمانية للأولاد

حدة، ولقد أسس الإسلام منهجه التربوي العظيم بشكل يناسب كل إنسان مهما كانت صفاته، فقط نحتاج معه للبحث والتدبر في أعماقه ومعانيه لنصل إلى حل لكل مشكلة تربوية وعلاج لكل مرض عند أبنائنا بل وعند أنفسنا..

لقد أسس النبي محمد صلى الله عليه وسلم منهجا تربويا ومدرسة أسرية فريدة في تنشئة وتربية الأبناء، وقعّد قواعد نظرية تربوية أثبتت نجاحها تطبيقيا، ولا يزال العالم يشهد له بالتفوق التربوي الذي لم يسبق ولم يلحق.

ونستطيع أن نميز أهم الأسس التي ربى عليها النبي صلى الله عليه وسلم أبناءه وأمر بتربية أبناء أمته عليها في عدة أسس عامة:

أولها الأساس العقائدي: يمثل الأساس العقدي العمود الفقري الأساسي لأي فكرة، والخلفية اللازمة لأي سلوك، بل ويمثل السند الرئيس في تقلبات الحياة وتغيرات الظروف المختلفة، لذلك جعله النبي صلى الله عليه وسلم الأساس الأول في منهجه في تربية الأبناء لأن الوهن والضعف حينما يصيب القلب والاعتقاد تهتز تبعا له أجزاء الفكر والسلوك والتصور، ورأى النبي صلى الله عليه وسلم أنه يجب أن تستقر العقيدة في قلوب الأبناء منذ صغرهم حتى إذا ما تربوا نشؤوا على ثبات منهجي وفكري متميز راسخ.

ونقصد هنا بالأساس العقدي ما يمكن أن يستقر في قلب الأبناء من الإيمان بربهم وصفاته وأسمائه ومعنى العبودية والإيمان بالنبوات والكتب السماوية واليوم الآخر والقدر والغيب، فهو معنى إذن يحيط بالحياة من أطرافها وهو الذي سبق أن جاءت به الرسل أجمعون عليهم السلام في دعوتهم إلى توحيد ربهم والإيمان به.

 وقد حرص النبي صلى الله عليه وسلم أن يغرس العقيدة الإيمانية السليمة بالله والإيمان به في قلوب أبنائه وأمته ولا يتركهم نهبا لأهواء خاصة قد تتلقفهم أو أفكار قد تتصيدهم فتبعد بهم عن الهدي المستقيم، فقد نراه يسير في الطريق راكبا دابته مردفا عليها من خلفه صبيا صغيرا هو ابن عمه عبد الله بن عباس رضي الله عنه ثم يلقنه دروسا في الاعتقاد الإيماني الصافي فيقول له: “يا غلام إني أعلمك كلمات، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك” (الترمذي)، فهو يزرع في قلب الغلام العلاقة الوطيدة بربه والتوكل عليه والإيمان بمعيته وضرورة حفظه وعدم الخوف من البشر أيا كانوا إذا قام بحق الله.

والأساس التربوي الثاني هو العلم: وتأتي أهمية هذا الأساس تربويا في كون العلم يمثل المفتاح الأكبر للفهم وبناء الدوافع السلوكية، ونوعية العلم المتلقى للمرء تشكل ميوله وقناعاته تجاه ما حوله من الكون والأحياء.

وقد حرص النبي صلى الله عليه وسلم أن يعلمهم العلم النافع لهم ويؤكد عليهم أن حاجتهم إليه لا تقل عن حاجتهم للطعام والشراب، فيقول لهم مرغبا: “العلماء ورثة الأنبياء” (أبو داود)، وعلمهم أن يتعوذوا بالله من العلم الذي لا ينفع حيث يرتجي المرء من علمه علوا في الأرض أو تكبرا على الناس فيقول في دعائه الذي يعلمه لهم: “اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع” (مسلم).

والأساس الثالث هو العبودية المخلصة لله والتبرؤ من الآثام والذنوب: فالتربية المنتجة لا بد لها من تكوين داخلي صادق، وصفات ذاتية متميزة تستطيع بناء الداخل الشخصي لدى الأبناء، فيواجه حياته مخلصا غير مزور، ونظيفا طاهرا غير ملوث ولا مدنس، ويرتبط دائما بإلهه ويشعر بمراقبته له فيستقيم سلوكه وفكره بل وتستقيم آماله وطموحاته.

فيصلي بجانبه يوما معاذ بن جبل فإذا به ينظر إليه ويقول له: يا معاذ والله إني لأحبك، فلا تدعن في دبر كل صلاة أن تقول: “اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك” (أبو داود), فهو يعلمه أن العبادة فضل منه سبحانه, ونعمة منه عز وجل وتكرم وجود, وهي ليست باجتهاد إنساني أو نشاط جسدي فحسب بل هي بتوفيق رباني أيضا؛ فالجميع فقير إلى توفيق ربه كي ييسر له العبودية المقبولة، كما يعلمه أن العبادة تحتاج دوما إلى الاستعانة بالله دوما؛ لأنها بغير استعانة قد تفضي بالإنسان أن يفرح بعمله ويعجب به فيهلك، فهو يرسخ في قلبه أنه يجب على المؤمن إذا عبد ربه أن يستعينه ويتوكل عليه في عبادته له؛ إذ إنه سبحانه هو الموفق لطاعته.

والأساس الرابع هو العملية أو التطبيقية: يعني تطبيق العلم، فالتربية المحمدية تربية عملية لا تكتفي بالكلمات، بل تدعو دوما للعمل والتطبيق فلا علم بلا عمل، ولا نصيحة بغير قدوة، ولا تصور بغير تنفيذ، إنه حرص على أن تكون تعاليمه لأبنائه تربية تتحول بها الكلمة إلى عمل بناء أو إلى خلق فاضل أو إلى تعديل في السلوك نحو الأصلح.

والعمل في نظرية محمد التربوية شرف وحق وواجب وحياة، وهو سبب الجزاء، ووسيلة التفاضل بين بني البشر، {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} (الزلزلة: 7، 8)، وإتقان الإنسان لعمله قيمة إيمانية عليا كما في الحديث: “إن الله يحب أحدكم إذا عمل عملا أن يتقنه” (الطبراني)، والمنزلة التي احتلها العلماء في الإسلام لم يحتلوها لمجرد علمهم؛ بل لما يترتب على هذا العلم من آثار حيث يكون العالم أقدر على القيام بمهام الإصلاح في الأرض.

كما علمهم أن العمل المطلوب هو ما يعمر الآخرة ويصلح الدنيا، لا العمل الذي يفسد في الدنيا أو يخربها، فلكل فرد دوره كي تنتفي البطالة والركون والتواكل والقعود عن المعالي، فإذا به يقول لهم: “لأن يأخذ أحدكم بأحبله، ثم يأتي الجبل فيأتي بحزمة من حطب على ظهره فيبيعها فيكف الله بها وجهه خير له أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه” (البخاري)، ويقول لهم: “لو أن في يد أحدكم فسيلة يود غرسها وقامت الساعة فلا يبرح مكانه حتى يتم غرسها” (أحمد).

والأساس التربوي الخامس هو الأخلاقية: فعلمهم أن الخلق الحسن هو القيد الذي يقيد السلوك عن الانحراف والجنوح والشطط، ومن لا خلق له لا صحبة له ولا أخوة, وينفض الناس من حوله, ويبغضه أقرب الناس إليه..

وعديم الأخلاق الحسنة تسيطر عليه نفسه فتدفعه إلى هواها فيقع في الأخطاء، وقليل الخلق لا يبدو عليه العلم مهما تعلم، وإذا كانت المناهج الأخرى تبني المواطن الصالح الذي لا يهمه ما يفعله الآخرون، فإن منهج الإسلام قد حاول أن يبني الإنسان الصالح صاحب الأخلاق الذي يحب للآخرين ما يحب لنفسه، حتى إن النبي -صلى الله عليه وسلم- ذاته يرى أن رسالته بأجمعها قد تتبلور في معنى واحد هو حسن الخلق والتربية عليه فيقول: “إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق” (أحمد)، ويدفعهم للخلق الحسن بقوله: “إن أحبكم إلي وأقربكم مني منزلا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا” (أحمد).

——-

المصدر: موقع المسلم.

مواضيع ذات صلة