الانفصام الدعوي (2 /5).. مع النفس

أساسيات الدعوة ومقوماتها.. وخطيب الجمعة

مخلد بن عقل الرزيني المطيري

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا photo_54636هادي له، وأشهد ألاَّ إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا.

أما بعد:

فلعل من المناسب التذكير والإشارة إلى بعض أساسيات الدعوة ومقوماتها، وإلى جملة من الأحكام المتعلقة بخطبة صلاة الجمعة، وبما أن خطيب الجمعة يعتبر داعية، فإن عليه مراعاة أسس الدعوة وهي:

1- تعلم أصول الدعوة إلى دين الله تعالى، والطريق الموصل إلى رضاه، وهي: الإخلاص، والعلم، والمتابعة؛ انطلاقاً من قوله تعالى: ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾[1].

2- العلم بأوليات الدعوة، و مراعاة حال المخاطبين؛ لحديث معاذ رضي الله عنه لما بعثه رسول الله – صـلى الله عليه وسلم – إلى اليمن قال: (إنك ستأتي قوماً أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة ألاَّ إله إلا الله وأن محمداً رسول الله…). الحديث[2].

3- العلم بطرق الدعوة الثلاثة المذكورة في قوله تعالى: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ [3]. فلا بد من معرفة المراد بالحكمة والموعظة الحسنة وصفة المجادلة؛ لتجنب طريقة المتكلمين الذين يفسرون الحكمة بالبرهان، والموعظة بالخطابة، والمجادلة بالجدل، فعلى الداعية والخطيب مراعاة النقاط التالية:

1- النصح كما لا تخفى النصوص الدالة على فضله.

2- الوضوح ببيان الخطأ وبيان أثره.

3- بيان العقيدة الصحيحة [عقيدة أهل السنة والجماعة].

4- بيان الآثار المترتبة على المتابعة المنطلقة من عقيدة أهل السنة والجماعة.

ولأهمية صلاة الجمعة وخطبتها، ولما للخطيب من أثر في البيان والنصح والدعوة فإن كل خطيب مفتقر إلى العلم بمنهج خطب الرسول – صـلى الله عليه وسلم – والصحابة وما قاله علماء المسلمين في خطبة الجمعة ومتطلباتها من الأركان والشروط والمستحبات والأهداف.

قال الشيخ عبدالرحمن بن محمد بن قاسم رحمه الله في كتابه الإحكام شرح أصول الأحكام:

“وقال أحمد: لم يزل الناس يخطبون بالثناء على الله والصلاة على رسول الله – صـلى الله عليه وسلم -؛ لأن كل عبادة افتقرت إلى ذكر الله تعالى افتقرت إلى ذكر رسوله – صـلى الله عليه وسلم – كالأذان، وذكره مع ذكر ربه هو الشهادة بالرسالة. وقال ابن القيم رحمه الله: “وهو الواجب في الخطبة قطعا”. وأوجب شيخ الإسلام وغيره رحمهم الله: حمد الله والثناء عليه والشهادتين والموعظة في الخطبة. وقال ابن القيم في خصائص الجمعة: الثانية والعشرون: أن فيه الخطبة التي يقصد بها الثناء على الله وتمجيده، والشهادة له بالوحدانية، ولرسوله – صـلى الله عليه وسلم – بالرسالة، وتذكير العباد بأيامه، وتحذيرهم من بأسه ونقمته، ووصيتهم بما يقربهم إليه وإلى جِنَانه، ونهيهم عما يقربهم من سخطه وناره، فهذا هو مقصود الخطبة والاجتماع لها.

وقال الشيخ عبدالرحمن بن قاسم أيضاً:

“قال شيخ الإسلام وغيره: لا يكفى في الخطبة ذم الدنيا وذكر الموت؛ لأنه لا بد من اسم الخطبة عرفا بما يحرك القلوب ويبعث بها إلى الخير، وقال الزركشي وغيره: أركان الخطبة: حمد الله، والثناء عليه، والشهادتان، والصلاة على النبي – صـلى الله عليه وسلم -، والقراءة والموعظة.

وقال:

“وذكر ابن القيم وغيره: أن خطبه صلى الله عليه وسلم إنما كانت تقريراً لأصول الإيمان: من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله ولقائه، وذكر الجنة والنار، وما أعد الله لأوليائه وأهل طاعته، وما أعد لأعدائه وأهل معصيته، ودعوة إلى الله، وتذكيرا بآلائه التي تحببه إلى خلقه، وأيامه التي تخوفهم من بأسه، وأمراً بذكره وشكره الذي يحببهم إليه، فيملأ القلوب من خطبه إيمانا وتوحيدا، ومعرفة بالله وآياته وآلائه، ومحبة لشكره، وذكره فينصرف السامعون وقد أحبوا الله فأحبهم. ولمسلم وغيره: (إذا دعا رفع السبابة وأشار بها)، وله عن عمار مرفوعا: (إن طول صلاة الرجل) يعني بالنسبة إلى خطبته، ليس المراد بالتطويل المنهي عنه (وقصر) بكسر القاف وفتح الصاد، أي تقصير (خطبته) (مئنة من فقهه) بفتح الميم وكسر الهمزة أي: علامة ودلالة يستدل بها على فقه الرجل،(فأطيلوا الصلاة واقصروا الخطبة)؛ أي: حتى لا يملوها، ويكون قصــرها معتدلا، فلا يبالغ بحيث يمحقها. ولمسلم عن جابر: (كانت صلاته قصداً وخطبته قصداً). وكون قصر الخطبة علامة على فقهه؛ لأن الفقيه هو المطلع على حقائق المعاني، وجوامع الألفاظ، فيتمكن من التعبير بالعبارة الجزلة المفيدة”.

وقال الإمام النووي رحمه الله في المجموع شرح المهذب:

“يسن أن يقبل الخطيب على القوم في جميع خطبته ولا يلتفت في شيء منها”.

وقال صاحب الحاوي وغيره رحمهم الله:

“ولا يفعل ما يفعله بعض الخطباء في هذه الأزمان: الالتفات يميناً وشمالاً، لا في الصلاة على النبي – صـلى الله عليه وسلم – ولا غيره؛ فإنه باطل لا أصل له، واتفق العلماء على كراهة هذا الالتفات وهو معدود من البدع المنكرة”.

وقال العلامة علي بن خلف المنوفي المالكي المصري رحمه الله في كتاب: كفاية الطالب الرباني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني:

والمطلوب أن يكون الذي خطب هو الإمام، فإن طرأ ما يمنع إمامته كحدث أو رعاف، فإن كان الماء بعيدا فإنه يستخلف اتفاقا، وإن قرب فكذلك عند مالك، وحيث يستخلف ففي المدونة يستخلف من حضر الخطبة.

وقال في حاشية هذا الكتاب:

قوله: “والمطلوب أن يكون الذي خطب هو الإمام”. أي: يجب على سبيل الشرطية كما صرح بذلك في العشماوية.

وقال سيف الدين أبوبكر الشاشي القفال رحمه الله في كتاب حلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء:

ذكر القاضي حسين رحمه الله أن الخطبة لا تصح إلا بالعربية على ظاهر المذهب إذا كان هناك من يحسنها، وفيه وجه آخر: أنها تجوز بسائر اللغات. ويرفع صوته بقدر ما يسمعه العدد المعتبر في الجمعة، فإن لم يسمعوا؛ لبعدهم، أو لصمم بهم لم يجز. وفيه وجه آخر: أنه يصح.

وقال الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله عند تفسيره لقوله تعالى: ﴿‹ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾[4]. أي: ليكن دعاؤك للخلق مسلمهم وكافرهم، إلى سبيل ربك المستقيم، المشتمل على العلم النافع والعمل الصالح.

﴿ بِالْحِكْمَةِ ﴾: أي: كل أحد على حسب حاله وفهمه وقبوله وانقياده، ومن الحكمة الدعوة بالعلم لا بالجهل والبدأة بالأهم فالأهم، وبالأقرب إلى الأذهان والفهم، وبما يكون قبوله أتم، وبالرفق واللين.

فإن انقاد بالحكمة، وإلا فينتقل معه إلى الدعوة بالموعظة الحسنة، وهو: الأمر والنهي المقرون بالترغيب والترهيب.

إما بما تشتمل عليه الأوامر من المصالح وتعدادها، والنواهي من المضار وتعدادها.

وإما بذكر إكرام من قام بدين الله، وإهانة من لم يقم به.

وإما بذكر ما أعد الله تعالى للطائعين من الثواب العاجل والآجل، وما أعد للعاصين من العقاب العاجل والآجل، فإن كان المدعو يرى أن ما هو عليه حق، أو كان داعية إلى الباطل، فيجادل بالتي هي أحسن، وهي: الطرق التي تكون أدعى لاستجابته عقلا ونقلا، ومن ذلك الاحتجاج عليه بالأدلة التي كان يعتقدها؛ فإنه أقرب إلى حصول المقصود، وأن لا تؤدي المجادلة إلى خصام أو مشاتمة تُذْهِب مقصودها، ولا تحصل الفائدة منها، بل يكون القصد منها هداية الخلق إلى الحق لا المغالبة ونحوها. وقوله: أي: علم السبب الذي أداه إلى الضلال، وعلم أعماله المترتبة على ضلالته وسيجازيه عليها. علم أنهم يصلحون للهداية فهداهم، ثم مَنَّ عليهم فاجتباهم.

وقال عبدالحق بن عطية الأندلسي رحمه الله في تفسيره الموسوم بـ المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز عند كلامه على قوله تعالى: ﴿‹ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ الآية. قال رحمه الله: “أمره الله تعالى أن يدعو إلى دين الله وشرعه بتلطف، وهو أن يسمع المدعو حكمة: وهو: الكلام الصواب القريب الواقع في النفس أجمل موقع: التخويف والتوجيه والتلطف بالإنسان بأن يُجِلَّه ويُنَشِّطهَ، ويجعله بصورة من يقبل الفضائل ونحو هذا، فهذه حالة من يدعى وحالة من يجادل دون مخاشنة فتظهر عليه دون قتال، والكلام يُعطي: أن جدَّك وهمَّك وتعبَك لا يغني؛ لأن الله تعالى قد علم من يؤمن منهم ويهتدي، وعلم من يَضِل، فجملة هذا المعنى: اسْلك هذه السبيل، ولا تلجأ للمخاشنة، فإنها غير مجدية؛ لأن علم الله قد سبق بالمهتدي منهم والضال”.

وقال سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله[5]:

“أما كيفية الدعوة وأسلوبها فقد بينها الله عز وجل في كتابه الكريم وفيما جاء في سنة نبيه عليه الصلاة والسلام، ومن أوضح ذلك قوله جل وعلا: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾[6]، فأوضح سبحانه الكيفية التي ينبغي أن يتصف بها الداعية ويسلكها، يبدأ أولا بالحكمة، والمراد بها: الأدلة المقنعة الواضحة الكاشفة للحق، والداحضة للباطل، ولهذا قال بعض المفسرين: المعنى: بالقرآن، لأنه الحكمة العظيمة؛ لأن فيه البيان والإيضاح للحق بأكمل وجه، وقال بعضهم معناه: بالأدلة من الكتاب والسنة. وبكل حال فالحكمة كلمة عظيمة معناها: الدعوة إلى الله بالعلم والبصيرة، والأدلة الواضحة المقنعة الكاشفة للحق والمبينة له، وهي كلمة مشتركة تطلق على معان كثيرة: تطلق على النبوة، وعلى العلم والفقه في الدين، وعلى العقل، وعلى الورع، وعلى أشياء أخرى، وهي في الأصل كما قال الشوكاني رحمه الله: الأمر الذي يمنع عن السفه. هذه هي الحكمة، والمعنى: أن كل كلمة وكل مقالة تردعك عن السفه، وتزجرك عن الباطل فهي حكمة، فالآيات القرآنية أولى بأن تسمى حكمة، وهكذا السنة الصحيحة أولى بأن تسمى حكمة بعد كتاب الله، وقد سماها الله حكمة في كتابه العظيم كما في قوله جل وعلا: ﴿ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾[7]يعني السنة، وكما في قوله سبحانه: ﴿’ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾[8] فالأدلة الواضحة تسمى حكمة، والكلام الواضح المصيب للحق يسمى حكمة كما تقدم. إلى أن قال حفظه الله: هكذا ينبغي لك أيها الداعية، أن تتحمل وتصبر ولا تتشدد؛ لأن هذا أقرب إلى الانتفاع بالحق وقبوله، وتأثر المدعو وصبره على المجادلة والمناقشة”.

وقال الشيخ محمد جمال الدين القاسمي رحمه الله في كتاب: إصلاح المساجد من البدع والعوائد:

“أبلغ الخطب ما وافق حال المستمعين حسب الزمان والمكان والحال، فإن كان في رمضان مثلا: علمهم الخطيب أحكام وآداب الصيام والمقصود منه، وينهاهم عن البدع التي تحدث فيه؛ مبيناً ضررها، وفي عيد الفطر يبين أحكام صدقة الفطر، ولا يحسن به أن يستبدلها ببيان أحكام الأضحية أو غير ذلك ويتركها بتاتاً، وفي مكان تفرق أهله يخطب فيهم بالاتحاد، أو تكاسلوا عن طلب العلم حثهم عليه، أو أهملوا تربية أولادهم حثهم أيضا عليها، إلى غير ذلك مما يوافق أحوالهم ويلائم مشاربهم ويناسب طباعهم (أي: طباعهم السليمة). يخطب في كل مكان بحسبه مراعياً أحوال العالم بصيرا بمقترفاتهم الواقعة خلال أسبوع، فينهاهم عنها وينبههم عليها متى رقى منبر الخطابة عسى أن يهتدوا طريقا قويماً”.

وقال الشيخ القاسمي رحمه الله أيضا في الكتاب المذكور:

“يشترط في الخطيب أن يكون عالما بالعقيدة الصحيحة متمسكاً بها حتى لا يزيغ، ولا يؤذي الناس بسوء عقيدته في درك ظلمات الضلال فتسوء العقبى”.

وقال العز بن عبدالسلام رحمه الله في فتاويه:

“ولا ينبغي للخطيب أن يذكر في الخطبة إلا ما كان يوافق مقاصدها من: الثناء والدعاء، والترغيب والترهيب بذكر الوعد والوعيد، وكل ما يحث على طاعته أو يزجر عن معصيته، وكذلك تلاوة القرآن، وكان النبي – صـلى الله عليه وسلم – يخطب بسورة [ق] في كثير من الأوقات؛ لاشتمالها على ذكر الله والثناء عليه، ثم على علمه تعالى بما توسوس به النفوس، وبما تكتبه الملائكة على الإنسان من طاعةٍ وعصيان، ثم يذكر الموت وسكرته، ثم يذكر القيامة وأهوالها والشهادة على الخلائق ثم يذكر الجنة والنار، ثم يذكر الصيحة والنشور، والخروج من القبور، ثم الوصية بالصلوات. فمن خرج عن هذه المقاصد فهو مبتدع. ثم أكد بأنه لا يذكر في الخطبة ما ليس من مقاصدها فقال: “وعلى الخطيب اجتناب الألفاظ التي لا يعرفها إلا الخواص؛ فإن المقصود من الخطب نفع الحاضرين بالترغيب والترهيب، فإذا لم يفهموا ما يقوله الخطيب لم يحصل مقصود الخطبة للأكثرين، وهذا من البدع القبيحة”. ا.هـ

ثم قال أيضاً:

“لا تذكر الأشعار في الخطب؛ لأنه من أقبح البدع، وكذلك لا يذكر سلع[9] ولا حاجرا أي: وما في معناه من أماكن اللهو، لأن ذكر ذلك فسوق مذكِّر للهوى المكروه والمحرَّم والمباح، وأكثر الناس يطربون على ذلك، ويحثهم الطرب على ملابسة ما يهوونه – أقول: ومثله مما لا ينبغي ذكره ذكر أوصاف النساء المتساهلات بالأمور الشرعية – وليست الخطبة موضوعة للحث على الأسباب المباحة فضلا عن الأسباب المكروهة والمحرمة، وهذا من أقبح البدع التي لم نعلم أن أحداً سبق إليها” ا.هـ.

ولخطبة الجمعة أوصاف مجمع على مشروعيتها في الجملة، باعتبار أنها ركن أو شرط أو سنة مؤكدة أو مستحبة، وهذه بعض النقول من كتب الفقهاء:

قال في كشاف القناع عن متن الإقناع: “ومن شرط صحة كل منهما،أي: الخطبتين: حمد الله بلفظ: الحمد لله، فلا يجزئ غيره؛ لحديث أبي هريرة مرفوعا: (كل كلام لايبدأ فيه بالحمد لله فهو أجذم). رواه أبوداود.

والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم بلفظ: الصلاة؛ لأن كل عبادة افتقرت إلى ذكر الله تعالى افتقرت إلى ذكر رسوله كالأذان، قال في المبدع: ويتعين لفظ الصلاة، أو يشهد أنه عبدالله ورسوله، وأوجبه الشيخ تقي الدين؛ لدلالته عليه، ولأنه إيمان به، والصلاة دعاء له، وبينهما تفاوت.

وقراءة آية كاملة؛ لقول جابر رضي الله عنه: (كان صلى الله عليه وسلم يقرأ آيات ويذكر الناس) رواه مسلم.

والوصية بتقوى الله تعالى؛ لأنه المقصود، قال في التلخيص: ولا يتعين لفظها، أي الوصية، وأقلها: اتقوا الله، وأطيعوا الله، ونحوه.

والموالاة بينهما، أي: بين الخطبتين.

والموالاة بين أجزاء الخطبتين.

والموالاة بينهما وبين الصلاة؛ لئلا يطول الفصل بينهما، أي: الخطبتين وبين الصلاة فيبطلها.

ومن شرط الخطبتين النية؛ لحديث: (إنما الأعمال بالنيات)، وإن كان بعض أهل العلم لم يصرح باشتراطها في الخطبة، لأن الخطبة إنما شرعت للأذكار والدعاء والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونحو ذلك فكان الحال مقتضياً للنية.

ورفع الصوت، بحيث يسمع العدد المعتبر إن لم يعرض مانع من السماع.

ولا تصح الخطبة بغير العربية مع القدرة عليها بالعربية.

ومن شرط الخطبة حضور العدد المعتبر للجمعة.

وقال في كشاف القناع عن متن الإقناع:

“ولا تشترط لهما الطهارتان، أي: طهارة الحدث الأصغر والأكبر، فتجزئ خطبة محدث وجنب؛ لأنه ذكر تقدم الصلاة أشبه الأذان، ونصه: تجزئ خطبة الجنب، وظاهره: ولو كان بالمسجد؛ لأن تحريم لبثه لا تعلق له بواجب العبادة، كمن صلى ومعه درهم غصب”، وقال في المغني: “والأشبه بأصول المذهب اشتراط الطهارة من الجنابة”.

————

[1] سورة يوسف، الآية [108].

[2] متفق عليه، رواه البخاري 1/265 برقم (1496) في كتاب الزكاة، باب أخذ الصدقة من الأغنياء، ومسلم 1/51 برقم (419) في كتاب الإيمان، باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام.

[3] سورة النحل، الآية [125].

[4] سورة النحل، الآية [125].

[5] مجموع فتاوى ومقاولات متنوعة 340/1.

[6] سورة النحل، الآية [125].

[7] سورة البقرة، الآية [129].

[8] سورة البقرة، الآية [269].

[9] سَلْع: جبل في المدينة، وحاجر: الأرض المرتفعة ووسطها منخفض، وما يمسك الماء، ويظهر أن هذه الأماكن كانت مما تنشد عندها الأشعار. (انظر: لسان العرب لابن منظور، وديوان محي الدين بن عربي).

المصدر: موقع دعاء الإسلام.

مواضيع ذات صلة