الانفصام الدعوي (2 /5).. مع النفس

المرونة الدعوية.. آثارها وتطبيقاتها

د. محمود جمعة

البرمجة العصبية اللغوية تعلمنا أن الجزء المرن في أي منظومة، يكون غالبا هو الأكثر تأثيرا في قيادتها وتوجيهها.. ولا يقتصر ذلك على المنظومات البشرية والاجتماعية، بل هي قاعدة صحيحة حتى في المنظومات الآلية.. فالسفينة الضخمة العملاقة التي تمخر العباب حاملة آلاف الأطنان، لها في مؤخرتها السفلى أجزاء مرنة متغيرة منها الدفة والمراوح، هذه الأجزاء الصغيرة المرنة هي المتحكمة في تحريك وتوجيه هذا الكيان الضخم الكبير.. والطائرات العملاقة التي تحمل مئات الأطنان وتسبح بها في الفضاء لها جنيحات صغيرة هي عبارة عن أجزاء مرنة في مؤخرة جناحي الطائرة ومؤخرة ذنبها، وهذه الأجزاء الصغيرة المرنة هي المتحكمة في توجيه هذا الطائرة العملاقة ارتفاعا وانخفاضا وانعطافا إلى اليمين أو اليسار.

لنكن جميعا -والدعاة خاصة- مثل دفة السفينة، لم يضرها أن تكون صغيرة، ولم يضرها أن تكون في المؤخرة، ولم يضرها أن تكون مغمورة تحت سطح الماء لا يراها أحد، فهي بحركتها ومرونتها العالية هي المحرك والدافع والموجه لهذا الكيان الضخم العملاق، ولو تصلبت أو توقفت، لتوقفت حركة الفلك وتعطلت فائدتها بل ربما غرقت بمن فيها وما فيها في لجة الخضم.

وأود أن أشير هنا إلى أننا نعني بالمرونة القدرة على التكيف الإيجابي المقصود والمحسوب مع الظروف والأحوال والمواقف المختلفة، بناء على الفقه العميق للسياقات والأطر، والحساب الدقيق للمصالح والمفاسد.

وعلى الداعية أن يكون مرنا بهذا المفهوم (التكيف الإيجابي المحسوب)، لا بمفهوم المجاراة السلبية، التي هي لون من الضعف والتبعية، إذ المقصود أن يكون قائدا قدوة موجها مؤثرا، لا أن يكون إمّعة يعطي الدنية في دينه، وسأحاول تلخيص أهم الجوانب التي ينبغي أن يكون فيها الداعية مرنا مرونة عالية يستطيع بها التغيير نحو الأفضل:

1- لتكن لدى الداعية المرونة العالية في الصبر والتحمل والاحتساب.

2- لتكن لدى الداعية المرونة العالية في الرفق ولين الجانب.

3- لتكن لدى الداعية المرونة العالية في التعامل مع الشرائح و الأنماط والفئات المختلفة في ثقافاتها و اهتماماتها وطرق تفكيرها وسلوكياتها المختلفة كل بحسبه.

4- لتكن لدى الداعية المرونة العالية في فهم واستيعاب وجهات النظر المخالفة ومعرفة مقاصدها ومنطلقاتها والتعامل الإيجابي معها.

5- لتكن لدى الداعية المرونة العالية في استيعاب متغيرات عصره ومستجدات حياة الناس وفهمها الفهم الدقيق الذي يستطيع معه القياس والاجتهاد على بصيرة.

6- لتكن لدى الداعية المرونة العالية في إدارة الذات بما يضمن ضبط النفس في التفكير والانفعالات والتصرفات والتجرد من حظ النفس والانتصار للحق وحده.

7- لتكن لدى الداعية المرونة العالية في إدارة الوقت بما يضمن إيتاء كل ذي حق حقه.

8- لتكن لدى الداعية المرونة العالية في التلوين في الأساليب والطرق والإستراتيجيات والاجتهاد في التجديد والابتكار فيها بما يكون هو الأنسب للموقف الذي هو فيه.

9- لتكن لدى الداعية المرونة العالية في الإفادة من علوم وتجارب الآخرين، وتقنيات العصر المختلفة، بما يخدم رسالته السامية، و ليكن دائم البحث عن الحكمة التي هي ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أولى بها.

10- لتكن لدى الداعية المرونة العالية في التعلم الدائم والإفادة من الأخطاء ومن نقد الآخرين.

——

* المصدر: موقع منارات (بتصرف)

مواضيع ذات صلة