الانفصام الدعوي (2 /5).. مع النفس

حاجتنا إلى الدعوة الفردية

رقية بنت محمد المحارب

كما أننا بحاجة إلى نشر الدعوة وإيصالها إلى أكبر عدد ممكن من الناس عن طريق الشريط والمطوية والكتاب والمقالة وغيرها، فإننا أشد حاجة إلى نشرها untitledعبر الدعوة الفردية. هذه الدعوة التي تتوجه إلى الفرد؛ تخاطب قلبه فتنمي فيه حب الخير والصلاح، وتجعله يحمل هم الإسلام في كل مكان يذهب إليه.

عن طريق الدعوة الفردية يكون للعين كلام، وللوجه تعبيرات، وترسل رسائل كثيرة في وقت قصير أحياناً دون قول كلمة واحدة! قد يكون الكلام المكتوب مؤثراً، وقد تصل الكلمة المسموعة الصادقة إلى القلب، ولكن الأثر الكبير هو ما تحدثه العلاقة المباشرة المخلصة التي تتحدث في الشؤون كلها، وتتداول الهموم الاجتماعية والدراسية والعملية وحتى النفسية!

صحيح أن الدعوة الفردية لا تتوجه إلى الآلاف مرة واحدة، ولكنها من جهة أخرى: كثيرة الحدوث وسهلة التحصيل وعظيمة التأثير. تعرّف كثير من الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ على الدين بسبب الدعوة الفردية، وثبتوا أثناء التعذيب بسبب التواصل الشخصي معهم، وتأملوا في الكلمة النبوية الخالدة: “صبراً آل ياسر.. فإن موعدكم الجنة” كيف اشتملت على مفاتح عديدة للقلوب؛ فالمبشَّر به الجنة، والمبشِّر رسول الأمة صلى الله عليه وسلم؟! فالتبشير بالجنة فيه تذكير بعاقبة الصبر الجميلة اللذيذة، وتحقير للحياة الدنيا، والنداء بـ “آل ياسر” وما فيه من الرحمة والشعور بالمعاناة التي يعيشها ياسر وسمية وابنهما عمار، رضي الله عنهم.. هذا التواصل من الداعية لمن حوله وتفقده لشؤونهم له كبير الأثر على التأثر بالدعوة والتعاطف مع قضاياها.

كلنا تمر علينا مواقف صعبة في حياتنا من موت حبيب أو مرض أو ضيق نفسي، ونحتاج حينها حاجة ماسة إلى من يعبر لنا عن حبه، عن عاطفته، عن إحساسه بآلامنا، نحتاج إلى شحنات عاطفية تخفف بعض المعاناة، وعندما نجدها عند من يدعونا إلى الخير ويحثنا عليه، فإننا نتأثر ولا بد بهذا الخلق العظيم والعاطفة الصادقة.

السخاء بالكلمات الطيبة في كل حين عنوان توفيق وعلامة نجاح في الدعوة الفردية؛ فإن النفس مجبولة على حب المديح، وعندما يأتي المديح الصادق في موضعه وبالقدر المناسب تقبل القلوب وتشرق الأرواح وتنفتح العقول.

الهدوء في الحوار وإعطاء الفرصة لإبداء وجهة النظر سبب لفهم طريقة التفكير وإقبال النفوس، وتأملوا في قصة “عتبة بن ربيعة” عندما أراد أن يضع حداً لنجاح الدعوة بعد إسلام “حمزة بن عبدالمطلب” و”عمر بن الخطاب” ـ رضي الله عنهما ـ وأخذ يعرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم الملك والمال وغيرهما، فما كان من الرسول صلى الله عليه وسلم إلا أن قال الكلمة المشهورة: “أو قد فرغت يا أبا الوليد؟” فما كان من عتبة إلا أن استمع بكل حواسه؛ لدرجة أنه رجع إلى أصحابه بغير الوجه الذي ذهب به!

فذكر الاسم.. ومناداة المدعو بأحب الأسماء إليه.. مفتاح للقلب، وأي مفتاح؟!

والرفق في التوجيه وبذل النصح بطرائق غير مباشرة يسوق النفوس إلى الخير سوقاً، والتجربة خير برهان.

الدعوة الفردية تنتج قلوباً قوية ونفوساً ثابتة على الخير مهما تعرضت للفتن.

———

المصدر: موقع إسلاميات.

مواضيع ذات صلة