الانفصام الدعوي (2 /5).. مع النفس

أخلاقيات الربح والخسارة.. الإتقان

علي حسين عبيد

قيمة الإتقان

الإتقان قيمة إسلامية هامة

كي نحقق الربح بشقّيْه المادي والمعنوي، لابد من الالتزام بضوابط أخلاقية لا مناص منها، وفي حالة إهمال هذه الضوابط والأخلاقيات لأي سبب كان، فإننا سوف نكون عرضة للخسارة الحتمية، علما أن قيمة الخسارة ودرجة تأثيرها سوف تتحدد وفقا لدرجة الإهمال والتقاعس في الأداء، بالإضافة إلى درجة أهمية المشروع المتَّفق على إنجازه بين طرفيّ العرض والطلب، علما أن المشاريع لا تنحصر في مجال محدد، ولا تقتصر على التعامل المادي الربحي فقط، وهكذا نفهم وجوب التمسك الحتمي بأخلاقيات الربح حتى نتجنب حجم الخسارة المتوقَّعة والتداعيات التي ستنعكس عنها بصورة مؤكَّدة.

وتعد قيمة الإتقان إحدى أهم الأخلاقيات التي تضاعف الربحية، في حالة التمسك بها واعتمادها في التعاملات المادية والمعنوية المتبادَلة، وتضاعف من مخاطر الخسارة في حالة إهمالها، والتقاعس عن الالتزام بها، وينطبق هذا على طرفي المنتِج، والمتعاقِد على استقبال الإنتاج، بمعنى ينبغي على الأطراف المتعاملة والتي تتبادل عمليات البيع والشراء، أن لا تفرط بالإتقان، لاسيما أن التجارب التي خاضتها أمم وشعوب وجماعات وأفراد في مجالات الربحية بأنواعها كافة، أثبتت بما لا يقبل الشك، قدرة الإتقان على ضمان ربحية عالية، ويحدث العكس تماما عندما يتم التعامل مع هذه القيمة بازدراء وعدم اهتمام، حيث ستكون الخسائر جسيمة على جميع الأصعدة، لهذا تم التمسّك بالإتقان كعامل لا يمكن التفريط به من اجل تحقيق ربحية عالية.

ولعل الأمر لا يحتاج إلى كثير من العناء أو الذكاء، لمعرفة الأسباب التي تجعل من هذه القيمة ذات تأثير فعال في تحقيق الربحية المضمونة المتصاعدة أو عكسها، فالإتقان يعني تفكيرا مسبقا للطرف المنتِج، بما سوف ينعكس من السلع المنتَجة على التسويق، وعلى الزبائن، أفرادا أو شركات أو دول، بمعنى – أمر بديهي- كلما كانت درجة الإتقان عالية، كانت نتائج الربحية المادية والمعنوية والفكرية عالية أيضا، وعندما يهمل الطرف المنتِج – صاحب العرض- هذه القيمة، ولا يحسب حسابها، أو أنه يفهمها ويقدّر مدى تأثيرها، ولكنه يتعامل بطريقة الخداع مع الزبائن، كأن يستخدم مواد أولية فاسدة أو أقل جودة في تصنيع سلعته، مع أنها تحمل نفس المواصفات التي تحملها السلعة المتقنة، ولكن هذا التشابه يكون في المظهر فقط، بمعنى تكمن نقطة الخداع هنا، في تصنيع سلعة مزيفة، قد يظنها الزبون أصلية، فيقتنيها، ويقع بالفخ، ولكن هذا الأسلوب في المخادعة والتزييف لا ينجح في استغفال الزبون سوى مرة واحدة، بعده سيكون واعيا وفاهما للعبة، فيستغني ويمتنع عن اقتناء السلع المزيفة ويكشف لعبة الخداع، فيتعرض أصحاب مثل هذا النمط من التعامل إلى خسائر فادحة، بسبب عدم الإتقان، على العكس تماما ممن يضع قيمة الإتقان شرطا لا مناص منه في تصنيع سلعة ما، وهذا ما يجعله محط ثقة الزبون، فيحقق له ربحية عالية تتضاعف مع مرور الوقت، فيجني أرباحا متصاعدة وهائلة، مع تصاعد سمعته الطيبة بين الزبائن بمختلف أحجامهم (أفرد، شركات، دول)، ومثالنا هنا الصناعة اليابانية التي لم تجافِ قيمة الإتقان في الإنتاج، إلا ما ندر، لهذا اكتسبت الصناعة اليابانية سمعة لا تضاهيها أقوى الصناعات العالمية وأكثرها تطورا.

هذا الجانب في الإتقان الذي يتعلق بالمنتَج المادي، ينطبق تماما على المنتج المعنوي والفكري بالدرجة نفسها، فعندما تريد أن تكون شخصا مؤثرا في المجتمع والمحيط الذي تنشط بها، ليس أمامك سوى أن تتقن علاقاتك بما يجعل منك إنسانا مقبولا لدى الجميع ومحط ثقتهم، وهذا لا يمكن أن يتحقق ما لم يتقن الإنسان علاقاته المتنوعة مع الجميع، ويبتعد عن الزيف والخداع والكذب، وكل الصفات التي تسيء للإنسان، وتنفّر الآخرين من الاقتراب منه والتعامل أخلاقيا أو إنسانيا معه، وهكذا يمكن لقيمة الإتقان أن تسهم بصورة فعالة في تحديد درجة مقبولية الإنسان في المحيط الاجتماعي الذي يتحرك فيه، وكلما كان ملتزما في إتقان سلوكه وأفكاره وتعاملاته الإنسانية المختلفة، كلما ازداد رصيده الربحي في الجانب المعنوي، فيتضاعف مركزه في المجتمع ويصبح ذا جاه كبير، ومحط احترام الجميع كونه أتقن الخصال والصفات التي تجعل من تعاملاته الإنسانية مع الناس مضبوطة ومتقنة بدرجة عالية، هنا ستكون ربحيته المعنوية عالية جدا، وغالبا ما ينعكس هذا على علاقاته المادية اذا كان تاجرا أو صاحب إنتاجية مادية في مجال ما، وهنا يحدث تداخل بين المادي والمعنوي، يدعم أحدهما في الآخر، فيكون الفرد ذا ربحية مجتمعية ومادية، وينطبق هذا على الجماعات والشركات والدول، تماما مثلما ينعكس عدم الإتقان ماديا (لا ربحية) ومعنوية (قلة الاحترام وفقدان الثقة).

بهذا الوضوح يمكن أن يكون للإتقان تأثيره الكبير في مساري (الربح والخسارة) على الإنسان، فردا أو جماعةً، فمن يلتزم بهذه القيمة سوف يحقق ربحية متصاعدة، (مادية معنوية)، ومن يتهرّب منها، ويبتعد عنها، ويضربها عرض الحائط، فسوف ينعكس ذلك عليه بصيغة خسائر مادية ومعنوية، تساوي بالضبط درجة إهماله ولامبالاته للإتقان، في تعاملاته مع الطرف الآخر!!..

——-

المصدر: شبكة النبأ

مواضيع ذات صلة