الانفصام الدعوي (2 /5).. مع النفس

هنا القدوة الحسنة

نزيه مطرجي

الرسول خير قدوة

أمرنا الله تعالى بالاقتداء بالأنبياء والمرسلين

إن الدعوة إلى الاهتداء بالسّالفين، والاقتداء بالصّالحين، واتخاذهم قدوةً حسنة وأُسوةً صالحة.. هَدْي رباني، ونهجٌ قرآنيّ، والله تعالى يقول: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: 90].

إن الله تعالى المنفرد بالخَلْق والاجتباءِ قد اختارَ نبيَّه محمدا صلى الله عليه وسلم سيّدا على الأنبياء، وجعله حُجةً على العالمين، والأُسوةَ الحسنة للناس أجمعين، فأقام به المِلَّة العَوْجاء، وفتح به أَعينا عُمْيا، وآذانا صُمّا، وقلوبا غُلْفا..

قال الجُلَنْدي ملكُ عُمَان لما بلغته رسالةُ النبي محمد صلى الله عليه وسلم: «لقد دلَّني على هذا النبيّ الأُميّ أنه لا يأمرُ بخيرٍ إلا كان أَوّلَ آخذٍ به، ولا ينهى عن شَرّ إلا كان أوّلَ تاركٍ له، وأنه يَغْلب فلا يَبْطر، ويُغْلَب فلا يَضْجَر، ويفي بالعَهد، ويُنْجز الموعود، وأشهد بأنه نبيّ».

وكان صحابة رسول الله الأُسوةَ الحسنة في تأسِّيهم برسول الله صلى الله عليه وسلم.. وقد دعا ابنُ مسعود إلى الاقتداء بهم فقال: «من كان متأسِّيا فليتأسَّ بأصحاب محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنهم كانوا أبرَّ هذه الأمة قلوبا، وأعمقَها عِلما وأقلَّها تكلّفا، وأقومَها هَدْيا.. اختارهم الله لصحبة نبيّه، وإقامة دينه، فاعرفوا لهم فَضْلَهم واتَّبعوهم في آثارهم فإنهم كانوا على الهَدْي المستقيم».

وبعد أن فُجِعت الأمة بفقد قُرَّة العيون، نعمت بظهور خَيْر القرون؛ ثم تقلَّبت الأيام وساءت الأزمان، ومالت النجوم الزاهرة نحو الأفول، وأوشك تشييخُ الصحيفة أن يُصبح خيرا من التأسّي بمن جعلهم الله خَيْر طائفة!.

ويَبحث الناس في زماننا الحاضر بلَهْفَة وشَوق عن أُناس تتجلّى فيهم القدوة الصالحة، يأكلون الطعام، ويمشون في الأسواق، ويَعْمرون المساجد، ويتزيَّنون بالفضائل والمحامد، يتجسّد الإسلام في أقوالهم وأفعالهم، وفضائلهم وأخلاقهم، وكأنهم مصاحفُ تدبّ على الأرض.. ولكنّ سعيهم يخيب، وبحثَهم قلما يُصيب.. فالدنيا أدوار، والناس أطوار، وقَرْنُنا يدور بين الجافي عن الأوائل، والسّائر نحو الأراذل.

إن على من نصَّب نفسه للناس إماما أن يكون تعليمُه بسيرته أبلغَ من تعليمه بلسانه، فإن معلّم نفسه ومؤدِّبَها أحقّ بالإجلال والتكريم من معلِّم الناس ومؤدِّبهم! وقد قيل: حَالُ رجلٍ في أَلْفِ رجل أبلغُ من أقوالِ ألفِ رجلٍ في رَجُل!.

كيف يكون حالُنا إذا فُقِدت القدوة الحسنة أو ضلَّت طريقَها إلى الناس؟! كيف أنتم إذا تولىّ إمامتكم أُولو فساد في الأرض يَقْتَنون العلوم ثم لا يَقْنُتون، والناس من حولهم يُفْتَنون؟

كيف أنتم إذا رأى أولياؤكم المعروفَ مُنكرا، والمنكرَ معروفا؟

وكيف إذا أَمروا بالمنكر ونَهَوا عن المعروف؟

جاء في الحديث: «إن مَثَل العلماء في الأرض كمثل النجوم في السّماء يُهْتَدى بها في ظلمات البرّ والبحر، فإذا طُمِست النجومُ أوشك أن تَضِلَّ الهُداة» رواه أحمد.

إن على حملة الدعوة إلى الله أن يكونوا أُمناء في قدوتهم وسيرتهم وسلوكهم، فإن الأمانة والقدوة كفَرَسَيْ رِهان يتلازمان تلازُمَ الحقّ والبُرهان، ولن تجد على دعوة الإسلام أمينا إلا من كان بالقدوة الحسنة قمينا.

فلن تُفلحَ جماعةٌ ما لم يتقدَّم صفوفَها قادةٌ قُدوة، وسادةٌ أُسوة، يسترشدُ المتَّبِعون بسيرتهم وسلوكهم، ويستضيئون بنور فَضائلهم، ويَسْتقون من مَعين محاسِنهم.

———

* المصدر: موقع إسلاميات.

مواضيع ذات صلة