الانفصام الدعوي (2 /5).. مع النفس

الصناعة الغربية الزائفة لصورة الإسلام

أ.د. محمد عمارة

 إذا كانت مقاصد الاستعمار والإمبريالية قديما وحديثا هي‏: ‏احتلال الأرض‏,‏ ونهب الثروات؛ ‏أي small920081013536تحقيق المصالح المادية من وراء هذا الاستعمار‏.. ‏فإن المصالح لا تسير وحدها عارية مجردة من الأفكار والأيديولوجيات والعقائد والفلسفات.. وإنما لا بد لهذه المصالح المادية التي هي المقاصد الحقيقية للاستعمار من فكر يغلفها, وتقنع به شعوب البلاد الاستعمارية, كي تضحي هذه الشعوب في سبيل النهب الاقتصادي, الذي تمارسه الرأسمالية المتوحشة في تلك البلاد.

لقد غلف الإغريق والرومان والبيزنطيون غزوتهم القديمة للشرق تلك التي دامت عشرة قرون قبل ظهور الإسلام بدعاوى تفوق، ومن ثم سيادة العنصر اليوناني والروماني, فهم وحدهم السادة والأشراف والأحرار ومن عداهم برابرة وعبيد!.. وبمزاعم تفرد حضارتهم في الفلسفة وفي الثقافة الهلينية وفي القانون، ومن ثم حاولوا تغليف المقاصد والمصالح المادية لاستعمارهم وقهرهم شعوب الشرق وحضاراتها بهذا التفوق الفكري المزعوم!..

وكذلك صنعت الغزوة الصليبية الغربية في العصور الوسطى, تلك التي دامت قرنين من الزمان (489ـ690هـ1096ـ1291م).. فحتى تستر الكنيسة الكاثوليكية وتغلف المطامع الاستعمارية المادية ومعها فرسان الإقطاع الأوروبيون والتجار والمرابون في المدن التجارية الأوروبية (جنوة ونابلي وبيزا) الذين مولوا الحملات الصليبية ليستولوا على تجارة الشرق, وطرق التجارة الدولية حتى يستروا المقاصد والمصالح المادية من وراء غزوهم للشرق المسلم الذي تدر أرضه عنبا وعسلا. والتي تحاكي خزائنها التي لا تحصى الأملاك السماوية! بتعبير البابا الذهبي أوربان الثاني (1088ـ1099م),الذي أعلن تلك الحروب وصنعت الكنيسة الأغلفة الفكرية والدينية التي تحدثت عن تخليص الأرض المقدسة, وتحرير قبر ابن الله من اغتصاب العرب البدو المتوحشين. غير المؤمنين!!..

بل لقد صنعت هذه الكنيسة وقساوستها وشعراؤها الصورة الزائفة والعجيبة والغريبة للإسلام ورسوله -صلى الله عليه وسلم- وللمسلمين؛ وذلك لتهييج مشاعر الغوغاء في البلاد الأوروبية المسيحية, وشحن غرائزهم, وحشد جموعهم وراء القساوسة لمحاربة أقوام بينهم وبينهم الآلاف المؤلفة من الأميال!

لقد صور القساوسة الشعراء في ملامحهم الشعبية المسلمين: عبدة لثالوث:

1- أبوللين..

2ـ وتير فاجانت..

3ـ وحوميت (محمد)!!..

وذلك على الرغم من أن التوحيد الإسلامي قد بلغ أعلى مراتب التنزيه والتجريد. وصوروا رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم كاردينالا كاثوليكيا, رسب في انتخابات البابوية, فأحدث أخطر الانشقاقات في تاريخ الكنيسة المسيحية!!..

واستباح كبار فلاسفتهم حتى القديسين منهم!. مثل توما الأكويني (1225ـ1274م) ,ومارتن لوثر (1483ـ1546م) كل المحرمات الأخلاقية، وتعدوا كل حدود اللياقة, عندما صوروا رسول الإسلام -صلى الله عليه وسلم- فقالوا عنه: إنه خادم العاهرات, وصائد المومسات!!.. وإنه قد أغوى الشعوب من خلال وعوده الشهوانية وإنه عاش حياة داعرة!!.. ولم يؤمن إلا البدو المتوحشون!!

بل لقد صنع مارتن لوثر زعيم الإصلاح الديني: الصور الأسطورية حتى للقهوة التركية؛ فسمي حبتها حبة محمد، وحرمها على الجنود المسيحيين المحاربين للأتراك العثمانيين, بدعوى أنها مخدرة لهؤلاء الجنود!!..

كل ذلك وغيره كثير وكثير ليصنعوا الصورة الزائفة عن الإسلام ورسوله صلى الله عليه وسلم كي يتم التحريض الغوغائي, والشحن لغرائز الدهماء الأوروبيين في حربهم ضد عالم الإسلام. وبعبارة مارتن لوثر التي تحاكي فلسفة الإعلام النازي عند جوبلز (1897ـ 1956م)؛ فإن على القساوسة أن يخطبوا أمام الشعب عن فظائع محمدـ (كذا) حتى يزداد المسيحيون عداوة له، وأيضا ليقوي إيمانهم بالمسيحية، ولتتضاعف جسارتهم وبسالتهم في الحرب ضد الأتراك المسلمين, وليضحوا بأموالهم وأنفسهم في هذه الحروب!!..

وكذلك صنع دانتي (1295ـ 1321م) شاعر النهضة الأوروبية، وصاحب الكوميديا الإلهية عندما صور رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم وعلي بن أبي طالب في صورة أهل الشقاق, مقطعة أجسامهم, ومشوهة أجسادهم, في الحفرة التاسعة في ثامن حلقة من حلقات الجحيم!!..

وهكذا أصبحت صناعة الصورة الزائفة والجاهلة هي بضاعة الجهالة الكنسية في الحقبة الصليبية لتثبيت إيمانهم وأقدامهم في الحرب الصليبية التي شنوها لاغتصاب الشرق وأرضه التي تدر لبنا وعسلا, والتي تحاكي خزائنها وكنوزها فردوس السماء!!..

ولقد ظل هذا هو ديدن الغرب الاستعماري حتى في القرن الواحد والعشرين؛ فلتبرير الغزو الغربي المعاصر لعالم الإسلام، وتسويغ إقامة القواعد العسكرية الغربية على أرض الإسلام, ونشر الأساطيل في بحارنا ومحيطاتنا.. لتسويغ ذلك وتبريره تتم صناعة الصورة الزائفة التي تجعل الإسلام إرهابا!. والتي تجعل المجاهدين في سبيل تحرير أوطانهم إرهابيين متوحشين!!..

إذن.. هي صناعة الصورة الزائفة الجاهلة, التي تتخذ شكل الفكر.. والأيديولوجية.. وحتى عقائد الدين والتي وصلت في مواعظ أحد قساوسة اليمين الديني في أمريكا حد المساواة بين رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم والشيطان!!..

كل ذلك لشحن الغرائز, وتجييش الجيوش الزاحفة لاحتلال الأرض ونهب الثروات..

ولكشف حقيقة هذه الصناعة الغربية صناعة الصورة الزائفة والجاهلة للإسلام ورسوله وأمته وحضارته التي تقوم عليها اليوم مؤسسات وخبراء.. يجب أن نولي هذه القضية المزيد والمزيد من الاهتمام.

 

المصدر: صحيفة الأهرام.

مواضيع ذات صلة