الانفصام الدعوي (2 /5).. مع النفس

الدعوة الإسلامية في مواجهة التحويل القسري الهندوسي

محمد جلال (خاص بموقع مهارات الدعوة)
مسلمون هنود

يعاني مسلمو الهند من التحويل القسري للهندوسية

بدأت بعض الجماعات الهندوسية في الهند محاولات لتحويل بعض المسلمين إلى الهندوسية، ووزعت كتيبات من طرف بعض المنظمات الهندوسية تدعو الناس إلى المساهمة السخية للإنفاق في تنفيذ هذه المهمة، وكان هناك اهتمام كبير في الأوساط السياسية والدينية في الهند في الأسبوع الماضي، وربما يتوهم أعضاء هذه المنظمات الهندوسية المتطرفة أنهم سينجحون في هذا المجال كما نجح الدعاة المسلمون في دعوة الهندوس إلى الإسلام سابقا، وأود أن ألقي الضوء على مدى نجاح هذه المهمة أو فشلها في ضوء معطيات تاريخ الدعوة الإسلامية حول العالم.

ربما تعيش مثل هذه المساعي لبعض الوقت لقوة المال والسلطة وتحمس بعض الأفراد، ولكنها ستفشل بل ستؤدي إلى الفتنة الطائفية وتضر بالوحدة الوطنية في الهند؛ وذلك للأسباب التالية:

أولا- يشهد تاريخ الهندوسية بخلوها عن فلسفة الدعوة، ومصادرها الدينية لا تشتمل على أي تصور أو فكرة للدعوة كما نجد فكرة مفصلة وأصولا وضوابط في غاية من السمو والكمال في الإسلام.

ثانيا- تشتمل الديانة الهندوسية على معتقدات غريبة وطقوس وثنية غير معقولة، انظر على سبيل المثال عبادة السلحفاة والثعبان والتماثيل وتقديس البقر واعتقادها في طهارة بول البقر وروثها، وووجود مثل هذه العقائد والأفكار يكفي لتنفير الناس من الهندوسية، وكيف يتصور من مسلم أن يقبل مثل هذه العقائد بعد ما اطلع على محاسن الإسلام وعقائده الطاهرة.

ثالثا- الديانة الهندوسية قائمة على نظام الطبقات منذ قديم الزمان، وهذا النظام يفرق بين الناس، ويجعل الناس بعضهم رفيعا وعاليا بمجرد كونه برهميا وإن كان جاهلا وسفيها، ويجعل شودرا وغيرهم من المنبوذين وضيعا وخسيسا وإن كان عالما وصاحب معرفة لكونهم مولودين بين أبوين وضيعين. والسؤال: إذا أصبح شخص هندوسيا فهل يسمحون له بقراءة الفيدا مع أن قراءة الفيدا محرمة على شودرا كما ذكرت في منوشاستر إحدى الصحائف الهندوسية المقدسة؟.

رابعا- انكشف في الآونة الأخيرة تورط كثير من الرجال والزعماء الهندوس في قضايا الفساد المالي والخلقي والجنسي الذين كانوا بمثابة آلهة للهندوس، وتم القبض عليهم بعد كثرة الشكاوى من الهندوس الزائرين، ولهذا قلت ثقة الناس في الديانة الهندوسية ولا أحد يرغب في الدخول في الهندوسية؟

خامسا- ليس في الهندوسية نظام العبادات بصفة إلزامية ومحددة بوقت مثل الذي نجده في الإسلام كالصلوات الخمس وصلاة الجمعة والعيدين، والناس في هذا الزمان متفتحون ومتيقظون فكريا وذهنيا، ولا أحد يترك دين التوحيد ويقبل عبادة الثعبان والذكر والفرج والنار.

سادسا- تفترق الهندوسية إلى فرق كثيرة وطوائف شتى، وكل طائفة لها دين خاص وعقائد خاصة ومعاملات خاصة تجعلها متناحرة ومتنافرة فيما بينها، ووجود مثل هذه الطوائف الكثيرة مع غياب المصدر الديني الموثوق يؤكد فشل جهود المنظمات الهندوسية المتطرفة في التحويل القسري لبعض ضعاف المسلمين.

سابعا- نجد الوثنية متغلغلة في الهندوسية منذ زمن سحيق، ولا يمكن للصحائف الهندوسية أن تكون فيصلا في أمر العقيدة، وعلى سبيل المثال هناك اختلافات كثيرة حول الخالق: من هو؟ هل برهما؟ هل الطبيعة؟ هل مايا؟ وهل الديانة الهندوسية أصلها التوحيد أم الوثنية؟ كل هذه الأمور المهمة يكتنفها غموض وإبهام واختلاف، وهذه السلبيات كفيلة بفشل مهمة هذه المنظمات الهندوسية المتطرفة.

ثامنا- مساعي هذه المنظمات قائمة على الإغراءات المادية للناس البسطاء والفقراء الذين لا يملكون شيئا من حطام الدنيا، ويدورون حول لقمة العيش، ويمكن لهم أن ينضموا إلى المسيحية إذا وجدوا لديهم لقمة العيش؛ بل يمكن لأحدهم أن يكون اليوم هندوسيا وغدا مسيحيا وغدا بوذيا ثم هندوسيا مرة أخرى لأنهم لا يعلمون عن الإسلام شيئا ويحتاجون إلى توعية. وبخلاف ذلك نجد كثيرا من المتعلمين وميسوري الحال يدرسون الإسلام، ويقتنعون برسالته، ثم يعتنقون الإسلام، وعدد هؤلاء يفوق الحصر والعد.

تاسعا- إن القائمين على هذه مهمة التحويل القسري لبعض المسلمين طماعون وسياسيون، وليست حالهم في الصفاء والنقاء والتقوى والطهارة مثل الدعاة المسلمين قديما وحديثا، وقد افتضح أمر كثير من الزعماء الهندوس والقادة الروحيين الذين تم القبض عليهم في الآونة الأخيرة بسبب سلوكياتهم الفاسدة.

عاشرا- قامت مثل هذه الدعوات في القرن الماضي باسم شُدْدهي ولكنها باءت بالفشل، وهذا هو المتوقع من الحركات الهندوسية في هذا العصر.

حادي عشر- ليست لدى هذه الحركات رؤية واضحة عن الدعوة، وليست لديها أصول ومناهج دينية، وعلى سبيل المثال: هل لدى هذه الحركات رؤية دينية عن التحول القسري إلى الهندوسية؟ هل هذا جائز في الهندوسية أم محرمة في ضوء النصوص الدينية؟ أظن أنه لا توجد أصول في الهندوسية في هذا الباب مثل الذي نجده مفصلا ومبسطا في الدعوة الإسلامية.

ثاني عشر- هذه الحركات قامت على رد فعل للدعوة الإسلامية، ومن المعلوم أن رد الفعل عامة لا يستمر طويلا بل يتوقف سريعا لأنه ليس أمرا ذاتيا وإنما هو شيء مستعار بخلاف الدعوة الإسلامية فإنها نابعة ذاتيا من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.

ولا مجال هنا لسرد الدلائل والشواهد والأمثلة لما سبقت الإشارة إليها لأن ذلك مبسوط في الكتب المعنية بتفصيل مقنع. ولكن ينشأ هنا سؤال: كيف نجحت الدعوة الإسلامية في العالم عبر العصور؟ وما هي الأسباب والمقومات التي أدت إلى نجاح الدعوة الإسلامية في بلاد العالم وخصوصا في شبه القارة الهندية عبر تاريخها الطويل؟

أسباب انتشار الإسلام

في الحقيقة نحن نملك أدلة تاريخية واضحة على انتشار الإسلام في العالم بصفة أساسية بجهود ومساعي الدعاة الفردية، وسنشير في هذه العجالة إلى بعض الأسباب والدوافع التي أدت إلى انتشار الإسلام في العالم خصوصا في شبه القارة الهندية:

أولا- من المعلوم أن الإسلام دين دعوي منذ طلوع نوره في الجزيرة العربية، والنصوص القرآنية المختلفة وتطبيقاتها العملية في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم وبعدها تؤكد هذه الحقيقة بوضوح، وقد نجحت الدعوة الإسلامية في جذب الناس من أنحاء العالم، وانتشرت رسالتها ما بلغ الليل والنهار، والإسلام يقدم رؤية كاملة عن أصول الدعوة والمنهج العملي والتطبيقي لهذه الفريضة الديينة، وكانت هناك أسباب كثيرة لهذا النجاح الباهر: منها: الدعوة الإسلامية في مصادرها المتمثلة في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة تشتمل على نصوص كثيرة تجعل الدعوة من باب فرض الكفاية في معظم الأحوال بل فرض عين في بعض الأحوال. بخلاف الهندوسية فإن مصادرها الدينية خالية تماما من فكرة الدعوة.

ثانيا: يشتمل الإسلام على عقيدة صافية وواضحة في غاية الوضوح وتصور بين عن الكون والإله وعلاقة الإنسان بالإله وبما حوله من كائنات. ويكفي لمعرفة ذلك الرجوع إلى الكتب العامة تتناول موضوع العقيدة الإسلامية، ويمكن الرجوع إلى كتاب العقائد الإسلامية للسيد سابق.

ثالثا: وقد ذكرنا أن الديانة الهندوسية قائمة على التمييز العنصري، ومؤسسة على نظام الطبقات. وبمجرد ولادة طفل في أسرة برهمية يكون أعلى وأشرف، ولا يمكن لشخص من طبقة شودرا -مهما كان عالما وفاضلا- أن يساوي شخصا برهمي الأصل مهما كان شريرا وجاهلا. أما الإسلام فقد هدم بنيان هذا التفريق العنصري والتمييز الطبقي وأقام المجتمع الإسلامي على أساس العدل والمساواة بين جميع البشر.

وأظن أن غياب المساواة في الديانة الهندوسية بل تكريس التمييز العنصري والطبقي ووجود مبدأ المساواة في الإسلام وتطبيقه في الواقع العملي المعيش كان من أهم العوامل والدوافع التي أدت إلى نجاح الدعوة في شبه القارة الهندية، لأن الناس من الطبقات المنبوذة نعموا بسعادة المساواة في ظل الإسلام، وقام الإسلام بتحطيم جميع الفوارق الطبقية الجائرة وقام بتحرير الإنسان من كل قيود الطبقات.

رابعا- كان الدعاة المسلمون من أوائل الدعوة من أهل الله تعالى ومن الرجال الصلحاء، وكانوا يضحون بكل شيء في سبيل الدعوة، ولم تلههم تجارة ولا بيع عن ذكر الله تعالى، وكانوا مثالا يقتدى وقدوة تحتذى في التمسك بالأخلاق العالية والسلوك الطيب، وكان هذا من أهم عوامل نجاح الدعوة في شبه القارة الهندية، وبخلاف ذلك نجد الزعماء الهندوس متورطين في قضايا الفساد المالي والفضائح الجنسية، وقد تم القبض على كثير منهم ويقبعون الآن في غياهب السجون كما سبق آنفا.

خامسا- تتميز الدعوة الإسلامية بنظام رباني للعبادات المختلفة من الصلوات الخمس وصلاة الجمعة وصلاة العيدين، وصيام شهر رمضان والحج والزكاة، وعلى سبيل المثال تحمل فريضة الزكاة في طيها جانبا تعبديا وفي نفس الوقت هي جانب خيري متميز لمساعدة الفقراء والمساكين، وكذلك يتميز الإسلام بالعبادات الجماعية وصلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة، وكأن الإسلام دين يشجع على التقارب والالتقاء والاجتماع ومشاركة بعضهم بعضا في الفرح والترح والسراء والضراء، ولا يخفى دور العبادات في بث الطمأنينة في قلوب الناس، وكل ذلك في إطار عقيدة التوحيد بعيدا عن الوثنية والشرك، وعلى عكس ذلك نجد الديانة الهندوسية مبنية على الوثنية في أبشع صورها، وليست فيها عبادة إلا مشوبة بالرقص والغناء وضرب الطبول، ولا يمكن لها أن ترقي إلى روحانية العبادات في الإسلام بحال من من الأحوال.

سادسا- تقدم المصادر الإسلامية رؤية واضحة عن الدعوة الإسلامية، ومن أهم تلك المبادئ عدم إكراه أحد على اعتناق الإسلام، وهذ المبدأ يعتبر معلما أساسيا في حرية العقيدة أتى به الإسلام قبل أكثر من أربعة عشر قرنا من الزمان، وقد قام الدعاة الأوائل بتطبيق هذا المبدأ ويطبقه الدعاة المعاصرون خير تطبيق حتى في العصر الراهن، وإنما كانت الوسيلة الأولى لنشر الإسلام هي وسيلة الحوار والجدال بالتي هي أحسن كما جاء الترغيب به في القرآن الكريم. وبخلاف ذلك نجد المنظمات الهندوسية في الهند تسعى من خلال الإغراءات المادية والوعود البراقة بإتاحة فرص العمل بل بالتهديد بالضرب والقتل لبعض المسلمين المستضعفين وفقرائهم.

ولا شك أن مثل هذه المحاولات ستبوء حتما بالفشل، وكذلك يدل هذا على استفزاز بعض الهندوس من إقبال الناس على اعتناق الإسلام بمحض الإرادة والحرية واقتناعا منهم بصدق العقيدة الإسلامية بعد الاطلاع عليها، وبعد معرفتهم بمحاسن الإسلام في العقيدة والعبادة والشريعة والمعاملات والأخلاق.

توصية

يقيننا الراسخ هو أن مساعي المنظمات الهندوسية ستفشل بإذن الله تعالى، لكن لا ينبغي الاستهانة بها، ولأن المسلمين مأمورون بأخذ الأسباب والتدابير اللازمة لمنع مثل هذه الأحداث مستقبلا. وبذالك يجب على المؤسسات الدينية في الهند وخارجها وعلى المهتمين بأمر الدعوة العناية بالمناطق الفقيرة المأهولة بالمسلمين المستضعفين. وذلك من خلال عمل التالي:

1- تعيين الوعاظ والخطباء والمدرسين في هذه المناطق، ليقوموا بالتوعية الدينية وتعليم القرآن الكريم ومبادئ الإسلام لكل الأعمار من الرجال والنساء.

2- تأسيس المساجد والكتاتيب.

3- عقد الاجتماعات الدينية بصفة دورية لبيان عقائد الإسلام وأحكام الطهارة و الصلوات الخمس وغيرها.

وفقنا الله تعالى لما فيه رضاه.

مواضيع ذات صلة