الانفصام الدعوي (2 /5).. مع النفس

الهندوسية.. دراسة مقارنة (2)

سلسلة دعوية متخصصة في دعوة غير المسلمين

الباحث: عمرو عبد المولى

الكتب الهندوسية

غلاف الفيدا

يعد الفيدا دائرة معارف عن الهندوس

حول الكتب الهندوسية

كان للمستوطنين الآريين الأولين دينهم الذي عُرف من خلال أناشيدهم المقدسة وطبيعة آلهتهم، وتلك الأفكار الدينية مُضمرة في كُتبهم المقدسة القديمة، وهو ما يطلق عليه “الفيدا” حيث صاغ المفكرون المتأخرون أفكارًا في نظام مُتلاصق، وما تزال هذه الكتب المقدسة المصدر الذي يلجأ إليه المفكرون ورجال الدين.

ومع أن دين الكتب المقدسة قد اندثر تمامًا في بلاد الهند، فإن الكتب ذاتها ما برحت تُتلى بعض نُصُوصها في العبادات والحفلات.

وإذا كانت الهندوسية ليس لها مؤسس مُعين فإن “الفيدا” كذلك ليس لها واضع مُعين، ولم تُنسب النصوص المقدسة عند الهندوس إلى شخص بعينه.

ونذكر هنا أن الأدبيات الهندوسية هي ثمرة تراث لشعوب عديدة انصهرت في كينونة واحدة وتمازجت تقاليدها وثقافاتها معًا، لتُشكل ديانة حضارية وتاريخية واحدة هي الهندوسية.

ولكي نُعطي صورة أقرب إلى الدقة عن الفيدا الذي يعد بحق دائرة معارف عن الهندوس، نلجأ إلى كاتب هندي قدير هو الأستاذ “محمد عبد السلام” لنُلخص بحثه عن “الفيدا” ضمن أبحاثه القيمة عن الهند؛ إذ يقول: “للفيدا قيمة تاريخية كبرى، إذ تنعكس في هذا الأدب الديني حياة الآريين في الهند في عهدهم القديم ومقرهم الجديد، ففيه أخبار حلهم وترحالهم، دينهم وسياستهم، حضارتهم وثقافتهم، معيشتهم ومعاشرتهم، مساكنهم وملابسهم ومطاعمهم ومشاربهم، مِهَنهم وحِرفهم، وترى فيه مدارج الارتقاء للحياة العقلية من سذاجة البدو إلى شُعور الفلاسفة، فتوجد فيه أدعية ابتدائية تنتهي بالارتياب، وأُلوهية تترقى إلى وحدة الوجود”(1).

مراحل تدوين وتصنيف الكتب الهندوسية

بعدما وصل الآريون إلى الهند، اشتغل جماعة من عُلمائهم بالتصنيف والتأليف، واستمرت فترة تصنيف الكتب الهندوسية الأساسية أكثر من ألف سنة تقريبًا، ولقد تم تدوين الكتب المقدسة على مراحل مُختلفة في تاريخ البشرية، وإليكم بيانًا بالأدوار التي مر بها التصنيف في تلك الفترة.:

– الدور الأول: يؤكد العلماء أن “الفيدا “دُونت في الفترة بين 900 إلى 300 ق.م. وتحتوي على الأناشيد والمفاهيم اللاهوتية حول التقمص والملاحم والتواريخ “الآرية” و”الهندية”، “فالريغ فيدا”، مثلًا والتي هي من أقدم الكتب المقدسة، يعود إلى 2500 ق.م، أما التقاليد الشفهية التي تعد البدايات الأولى للكتاب المقدس الهندوسي الطوطمي فهي تعود إلى ما قبل 4000 ق.م، كما ظهرت الكتب الملحمية “الآرية” الممتزجة بالتقاليد المحلية التي أدت إلى تكوين كُتبها الخاصة وأساطيرها البطولية الجميلة، وكانت تُسمى قديمًا “الدهارما” أو”السانتاآنا”، وهي تشمل الحضارة والدين والعادات والتقاليد والأشعار والتواريخ.

و”الفيدا” قبل أن تُدون كان معناها التأمل، لكن بعد أن دُونت وسجلت تاريخ الهند وتراثه، ومفاهيم الهندوس الدينية.. أصبحت هي التي تُنظم حياة أتباعها وصولًا إلى المعرفة المنشودة، ويرجح “ديورانت” أن أول من قام بمهمة التدوين للمرة الأولى بعض التجار الهنود من طائفة “الدرافيديين” ما جعل هذه الكتابة لا تُستخدم إلا لأغراض تجارية، وهذا يعني أن التجار لا الكهنة هم الذين ارتقوا بهذا الفن.

وبناء على ذلك يصل “السحمراني” إلى نتيجة مفادها أن تدوين “الفيدا” تطور مع تطور اللغة السنسكرتية نفسها، ولعل هذا التأخر في التدوين هو الذي حرم الباحثين من مصادر عن تاريخ الهند القديم. ويبدو أن الكهنة الهندوس قد شجعوا فيما بعد هذا التدوين لتكون “الفيدات” في أيديهم سلاحًا دينيًا يضمن لهم السيطرة والموقع المتقدم، خاصة بعد أن وطدوا أُسس النظام الطبقي في الهند وأعطوه بُعدًا دينيًا، وفي هذا الدور تم استكمال تأليف الفيدات الأربعة – الريج فيدا – ياجور فيدا – وسام فيدا –وأتور فيدا.

الدور الثاني: عصر المتكلمين الهندوس، حيث توجّه جماعة من العلماء المتكلمين إلى تأليف كُتب “ابانشاد”، وهي في الحقيقة خلاصة لفلسفة “الفيدا”، وتشتمل كُتب “ابانشاد” على مبادىْ التصوف من الذكر إلى الفناء.

يقول البرفسور “روئيس”: جميع أحكام التصوف دُونت في هذه الكتب. وكذلك تشتمل كُتب “أبانشاد” على حضارة “الآريين” الثقافية والأدبية.

الدور الثالث: عصر الفقهاء الهندوس, ودور الفقهاء الذين وجهوا عنايتهم إلى تدوين الفقه الهندوسي من أحكام الطهارة والعبادة والمعاملات والعلاقات وأحكام الزواج والفراق, وكان اعتماد هؤلاء الفقهاء على الروايات المنتشرة على ألسنة الرهبان والزهاد والنساك، وبجهودهم ظهرت كُتب “إسمرتي ” يعني المذكرات، ويبلغ عددها أكثر من خمسين كتابًا، والمعروف منها “منو إسمرتي ” أو” أو شرع منو”، وقد نقله إلى العربية “إحسان حقي”، وفي تقديمه للكتاب يُبين ما في نصوص الكتاب من تشويش وعدم انسجام، فيقول: “وإذا شئنا أن نصف “منوسمرتي” قلنا إنها مجموعة مُتناقضة، إذ نراه يرتفع بتشريعه إلى أعلى درجات العقل والإدراك وسلامة الذوق والتفكير، ثم نراه ينحدر فجأة إلى درجة من السخافة والإسفاف المخجل، وإن دلّ هذا على شيء فإنما يدل على أن هذا الكتاب كُتب في أوقات مُتباعدة، وبأيدي أناس مُختلفين اختلاقًا كبيرًا في العلم والعقل والإدراك”.

الدور الرابع: بعد امتزاج أهل الهند “الآريين” ذهبت آلهة “الآريين” إلى الخفاء، وهم “إندرا” إله الرعد “واغْني”، إله النار، و”أرونا” إله السماء، و”أوشا” إله الصبح، وبدأت تظهر آلهة الهند وهم “فشنوا” إله الرزق “وسيفا” إله التدمير، فمن هنا بدأت حركة التصنيف للثناء على الآلهة الجديدة، فأُلفت كُتب “بُرَان ” ومعناها القصص والأساطير القديمة.

الدور الخامس: وفي هذا الدور تم تدوين الكتب المقدسة الأخرى للهندوسية، وتمت على أكثر تقدير بين الفترة 600 ق م إلى 300 ميلادية. وهي في معظمها كُتب ملحمية وأسطورية، ومن أهمها ملحمتا “الأماينا” “والماهابهارتا”، وهما تُجسدان تاريخ الهند وآدابها وفلسفاتها، وتأليف كتب الملاحم والحروب، والتي تتحدث عن زعماء “الآريين” الذين خاضوا الحروب الطاحنة ضد أعدائهم إلى أن تم لهم النصر، وهذه الكتب هي “مهابهرات ” “كيتا” “رامايان”، وتشهد تلك الفترة الزمنية نشوء المذاهب الجديدة التي انشقت عن الهندوسية وهي “البوذية” و”الجنية “.و”للفيدا” تأثير قوي على الديانات “البوذية” و”الجينية” و”السيخية” التي كانت تتناقلها الأجيال شفهيًا إلى أن دُونت لتبقى كنزًا مُقدسًا للشعوب التي تؤمن بها، ومن أهم هذه الكتب وأشهرها والتي تُرجمت إلى العديد من اللغات العالمية ” بهافاغات جيتا” “براهما سوترا”، وقد دُونت كلها إلى اللغة السنسكريتية القديمة، التي هي اللغة الطقسية والروحية للهندوس إلى يومنا هذا، ولا يزال الباب مفتوحًا لقبول النصوص المقدسة الجديدة في الهندوسية، لأن القانونية الكتابية التي تعتمد عليها في قبول ورفض النصوص المقدسة لم يُغلق بعد كما حدث في المسيحية.

الفيدا

“الفيدا” هي عبارة عن مُدونة كبرى أو موسوعة تحوي الكثير عن بلاد الهند وشعبها على امتداد قرون عديدة، وهي من أقدم الكتب في تاريخ الأديان، وهي عبارة عن مجموعة هائلة من الكتب التي تتكلم عن الآلهة والتناسخ والعادات والقوانين، والتي كانت بالأصل تعاليم شفهية دُوّنت باللغة السنسكريتية القديمة في الفترات المتفاوتة من الزمن, وقد أنشأته أجيال من الشعراء، والزعماء الدينيين، والحكماء الصوفيين والكهنة الهندوس عقبًا بعد عقب وفق تطورات الظروف، ويعتقد الهندوس أنه أزلي لا بداية له، وإن كانت في مُعظمها عسيرة الفهم غريبة اللغة.

و”الفيدا” معناه بالسنسكرتية العلم والحكمة ويُعتبر “الفيدا” من أهم الكتب المقدسة لدى الهندوس، الذي يجمع العقائد والعادات والقوانين، و”الفيدا “مجموعة من الكتب يبلغ عددها أربعة هي ” الريج فيدا” و “ياجور فيدا”و “سآم فيدا” و”آتور فيدا”, والفيدا ليست اسم كتاب مؤلف من الأبواب والفصول، وإنما هو مجموعة من الأجزاء المنتشرة من تعليمات الزهاد والنساك في القرون المظلمة قبل الميلاد، وحرص النساك على حفظ التعليمات المبعثرة ثم أملوها على تلاميذهم وقيدوها على اللوحات الحجرية والجلدية. ويُقال لهؤلاء الحفاظ “شاستري”, ويَدعي الهندوس أن الفيدا أزلي وقديم كقدم العالم. ألهمه رجل يُسمونه “منو” ويقول العالم الهندوسي “بهاري لال”: إن الفيدا ليس اسم كتاب بل هو مجموعة من أفكار النساك الهندوس، وجمعت فيها شتى العلوم الروحانية، وفيها الأناشيد للعبادة، ويقول عالم هندوسي آخر وهو “البندت شري رام ” في مقدمة تفسير “ريج فيدا”: إن هذا الكتاب يشتمل على أفكار ثلاثمائة ناسك.و”الفيدا” ينقسم إلى قسمين أحدهما: “سنهتا” أي المتون وهو إلهامي، وثانيهما: “بَراهمن” أي الشروح وهو غير إلهامي, وتكمن بدايات الفلسفة الهندية في التأملات المسجلة في نصوص الفيدا، وهي نصوص الحكمة التي تعود في أجزائها الأقدم إلى المرحلة التي تبدأ من عام 1500ق م.وقد شكّلت هذه النصوص مصدر إلهام للفلاسفة الهنود على امتداد العصور، واستمرت كتابة الشروح على مُتونها حتى العصر الحالي. وأقدم نصوص “الفيدا” هي نصوص “الريج فيدا” التي تُعني “أشعار الحكمة”، وتعد المصدر الأدبي الأكثر أهمية في الديانة والثقافة الهندية، وقد ألحقت بالفيدا كأجزاء ختامية لها مجموعة من النصوص تعرف “بالأوبانيشاد”, وتعتمد فلسفة “الفيدا” على أن طبيعة وتكوين المخلوقات إلهية الطابع. وأن “براهما” يوجد داخل كل كائن حي – أي البحث عن الكيان الإلهي داخل الإنسان-.وتشكل نصوص الفيدا جوهر الطقوس الهندية المقدسة، وتحدثنا الفيدا ذاتها بأن هذه الأشعار عندما تُرتل، وتُنشد، ويتغنى بها، فإنها تُمكن الخلق جميعًا من المشاركة في الحكمة الإلهية, ويُنظر إليها-الفيدا- على أنها نوع من المعرفة المرتبطة بالعمل القادر على قهر الاغتراب في إطار عملية توحيد كل الكائنات، وملء الحياة بطاقة مُقدسة.

أما التراث فهو ينظر إلى الحكمة الفيدية, على أنها تتجلى لأفئدة أشخاص عِظام، امتدت تجربتهم إلى جوهر الوجود، وهي تتجاوز الزمن لأنها تجلت للبشر الأوائل أنفسهم ،كما تتجلى اليوم لكل من تغوص تجربتهم في أغوار الحياة، غير أنه لابد أن يكون مفهومًا أنه رغم قدم نصوص الفيدا، فإنها ليست تعبيرات صادرة عن شعب بدائي، فالأفكار المعبر عنها في نصوص “الفيدا” و”الأوبانيشاد” تجمع بين العمق والصقل، وهي نتيجة لقرون من الفكر التأملي فيما يتعلق بأعمال أسرار الحياة، وهي تُقدم استبصارات حول مسار الحياة، وتُشكل شهادة تتجاوز كل الأزمان على الحكمة الإنسانية تحفل بالفكر التأملي والتصوري فيما يتعلق بطبيعة النفس والواقع، وتُقدم الأسس التي قام عليها التفكير الفلسفي فيما بعد، الأمر الذي مكنّ هذه النصوص من أن تُلهم الثقافة الهندية وتُغذيها حتى العصر الحالي.وهناك اختلاف فيمن وضع هذا الكتاب، فالبعض يرى أن وضعه قد تمَّ على أيدي فريق من حُكماء الهند القدامى يُطلق عليهم “الريشيين” أي العارفين، الذين دونوا بأيديهم الحكمة التي وصلت إليهم عن طريق الإلهام الشخصي وقالوا: إن تأليفه كان على أيدي رجال الدين “الآري” وتدوينه كان باللغة السنسكريتية, وبهذا لم يكن للفيدا مؤلف واحد، ولا يمكن تحديد أسماء مؤلفيه، ويرجع الهندوس سبب ذلك أن الفيدا لا يكشف عنها أشخاص، وإنما الواقع ذاته.

أقسام الفيدا

الفيدا عبارة عن أربعة كُتب دينية هي:

  • الريج فيدا: أي معرفة الترانيم, وهي مجموعة من التراتيل تألفت من امتزاج بين قبائل “الآريين” و”الهند “, وهو الذي يصف الحياة الاجتماعية الأولى لطائفة “الآريين الهنود” وآراءهم البسيطة في الكون والإنسان, وهي وثيقة ذات أهمية تاريخية لا تُقدر، فهي ليست أقدام عمل أدبي في لغة من لغات الهند- أوروبية فحسب، وإنما هو أقدم الكتابات الدينية الحية في العالم, وهو أم الكتب الهندوسية، والهندوس يُقدسون هذا الكتاب ويتغنون بأناشيده، ويرتلونها في الصلوات صباحًا ومساءً، ويتبركون بتلاوتها في حفلات زواجهم ويقرؤون أبياته على موتاهم عند تحريق جثثهم، وينفرد الهنود من بين شعوب العالم بأنهم يدينون بعقيدة انحدرت بشكل مُباشر من ديانة الثقافة الأم، كما أن كتاباتهم الدينية القديمة بدءًا من “الريج فيدا” غنية على نحو مُذهل بالقياس إلى ذلك الغياب شبه الكلي للكتابات الدينية من اليونان وروما القديمتين، ويُنظر إليها على أنها منبع النزعة الروحية الهندية، وشكلت مصدر إلهام للتراث الهندي.

ومُعظم الأشعار موجهة إلى الآلهة والإلهات، ولها وظيفة مركزية في تأدية الطقوس، لكن ذلك لا يُعني أنها مُجرد ترانيم للعبادة، أو تراتيل للطقوس، فبعضها أعمق من ذلك بكثير فهو يُقدم رؤية عميقة ودقيقة للواقع. بل إن الآلهة الذين تتم مُخاطبتهم في هذه الأشعار ليسوا موجودات ذات سمات بشرية، بل هي رموز للقوى الأساسية للوجود، فالخطاب، والوعي، والحياة، والماء، والنار تلك من بين القوى المباركة التي يرمز إليها كآلهة في “الفيدا”، وهي تُمثل القوى التي تخلق الحياة وتُدمرها، والتي تُسيطر على فيض الوجود وغيضه، و يَدعي علماء الهندوس أن “ريج فيدا” من أقدم المؤلفات في العالم، ولكنهم يختلفون في تحديد زمان تأليفه.

ويجزم علماء الغرب أن تأليفه كان على مراحل ما بين 1000- 1500 قبل الميلاد، و يقول العالم الغربي “منترتان”: إن تأليفه كان في زمان يُقارب 2500 ق م، وهذ العهد أقرب إلى ما يُقدره علماء الهندوس، وهو يُنافي قولهم: إنه أزلي كقدم العالم. وتحتوي المجموعة “1017 أنشودة دينية ” وُضعت ليتضرع بها أتباعها أمام الآلهة أو يتغنون بها، وأشهر الآلهة الذين ورد ذكرهم فيها هو الإله “اندرا “إله الآلهة، ثم يأتي بعده الإله “أغْنى” إله النار وراع الأسرة، فالإله “فارونا”، فالإله “سوريْه – الشمس-“، والكتاب يشتمل على عشرة “مندل أي الأجزاء “، وعلى أربعة وستين “أدهيايا أي الأبواب”، وعلى 1017 “سوكت أي عناوين الأبواب”، و10552 “منترًا أي الأبيات”.

2- ياجُور ويدا: أي معرفة الصيغ والقوانين الخاصة بالقرابين، وهو مكتوب بالنثر, ويصور الحياة المتطورة “للآريين”، بعد نضوجهم الفكري, بعد أن حدثت تغيرات شتى في حياتهم البسيطة، ويتضمن تفاصيل دقيقة عن الطقوس الدينية للقرابين والذبائح التي يُقدمونها للآلهة. وتشتمل كذلك على الطرق والتعليمات المختلفة للصلوات والعبادات النثرية التي يتلوها عند تقديم القرابين, ويبلغ حجمه ثلثي حجم “ريج فيدا “، وكثير من العلماء الهندوس ينكرون أن يكون “ياجو فيدا” من الفيدات المقدسة لديهم.

3- سامافيدا: أي معرفة الأنغام، معناه أيضًا الأمن والراحة، وقد أُلف لأداء المراسيم الدينية، وفيه نجد أغاني كثيرة تؤدي بنغمات مُختلفة، كذلك نجد فيه إشارات إلى أهمية الرقص, والألحان المعروفة في الموسيقى الهندية مصدرها هذا الكتاب، وهو يشمل 1810 بيتًا، والهندوس يتغنون بهذه الأبيات عند إقامة الصلوات، ودعوة آلهتهم لنجدتهم.

4- آتور فيدا: يعني الرقية السحرية، وهي تتميز عن المجموعات الأخرى من حيث إنها تشتمل على العديد من الأبيات في الرقية والتعاويذ لأغراض طبية، وعلى طلاسم سحرية تُساعد على الانتصار في المعركة، ولإبعاد الشياطين والأغوال، وفيه أدعية للحفظ من الحيوانات المفترسة، كما أن فيه أدعية لحصول الراحة والأمن والربح في التجارة والقمار.

وهي مجموعة من الترانيم والمزامير تُستعمل من قِبل الكهنة والرهبان الهندوس أثناء الأدعية الدينية والقرابين التي تُقدم للآلهة، ويحتوي على مقالات وتعاليم التناسخ والتقمص والحوارات المتعلقة بالتجسد الآلهي والتوهمات الخرافية المصبوغة بالصبغة الهندية القديمة ، فالحياة الهندية كما يُصورها ” آتور فيدا “مملوءه بالآثام، والكون حافل بالشياطين والأغوال، والآلهة كفت أيديها عن الخير، ولم تعد تدفع الشر، ويروي “آثار فيدا” لجوء الناس للخرافات والسحر ليحموا أنفسهم، وفيه نلمس بين الحين والحين العناصر اللازمة للمسرحية، مثل الغناء والموسيقى والرقص.وهذه الأسفار تحوي طائفة كبيرة من الأساطير, حملها أريو الهند من موطنهم الأول، وأضافوا إليها ذكريات الحروب التي خاضوها مع سكان البلاد.

واكتسبت الفيدا بتقادم العهد قداسة عند الهنود، فصاروا يعتقدون أنها وحي مُنزل من السماء، وتبناها البراهمة، وآلوا على أنفسهم صيانتها، وإن “آتور فيدا” من آخر الكتب الفيدية، وكل من هذه الفيدات الأربعة يشتمل على أربعة أجزاء “سَمْهتا – برَهْمَن – أرَنْيك – أبانيشاد”، وهي بهذا الترتيب من حيث قدمها التاريخي وسنتحدث عن كل منها فيما يلي:

1- سَمْهتا وهي مجموعة من المنظومات، وأهمها منظومات الريج فيدا ، وقد تكرر أكثرها في ساما فيدا, وهذه المنظومات يُتغنَّى بها عند تقديم القرابين، ويشمل سمهتا من ياجورفيدا بعض الأدعية التي تُقرأ عند تقديم القرابين كذلك، وأما منظومات “آتور فيدا” فأدعية كان يُقدمها سكان الهند الأقدمون لآلهتهم قبل زحف الآريين، ولذا فلها قيمة تاريخية ودينية عظيمة، وتُمثل السمهتا مذهب الفطرة في التفكير الهندوسي.

2- البَرَاهمن : 600- 800 ق م أو الهدايات التي يُقدمها البراهمة للمقيمين في بلادهم وبين أهليهم، وتشمل بيان أنواع القرابين وتفاصيلها ومواسمها، وشرح للترانيم وتطبيقها في الطقوس الدينية، وتُبين أن إرضاء البراهمة ضروري لقبول القرابين، ويُمثل البراهمن مرحلة أقرب إلى التحضر في التفكير الهندوسي.

3- أرَنَيك -600ق م -أو الغابَّيات أو الهدايات: وهي الإرشادات التي تُقدم للشيوخ المعمرين الذين يتركون أهليهم في الربع الرابع من أعمارهم، ليقيموا في الكهوف والغابات، والأرنيك تهدي أمثال هؤلاء إلى أعمال سهلة ،يقومون بها بدلًا من القرابين التي أصبحوا يعجزون عن تقديمها.

4- أبانيشادات: ومعناه : الجلوس عند الشيخ لتلقي العلم، وهي الأقسام الختامية من الفيدا، وهي الأسرار والمشاهدات النفسية للعرفاء من الصوفية، ويُقدم إرشادات للرهبان والمتنسّكين الذين مالوا إلى باطن الحياة وتركوا ظاهرها، ويتضمن علوم وتجارب الرهبان والنساك من الهندوس الذين مارسوا حياة الرهبانية، واتخذوا الغابات والجبال الشامخات مقر للرياضة لكشف أسرار الكون والتغلب على حقيقة الموت، ليحصل لهم السرور السرمدي بعد الحياة المادية، وحتي قالوا عنها إنها خلاصة تجربة الحكماء.

الأبانشاد

تمثل الأبانيشادات مذهب الروح الذي هو المرتبة العليا في سلسلة الارتقاء الديني، وتُعتبر الأبانيشادات خُطوة جريئة في سبيل الحرية الدينية وتخليص الدين من الرسوم البرهمية، وبها أُبعدت الآلهة أو قل الاهتمام بها، وهدأت الأدعية وندرت القرابين، وانحطت المراقبات اللاهوتية، وحل العلم والعرفان محل ذلك، ويغلب عليها الطابع الفلسفي، ولولا بقايا من الشعور الديني لكانت الأبانيشادات فلسفة محضة.

عدد الأبانشاد

يبلغ عدد هذه الكتب ما يُقارب من مائة وثمانية كتب حسب ما ذكر فهرس “آديار” في مدينة “مدراس”، وقامت هذه المكتبة بنشر واحد وسبعين كتابًا باسم أبانشاد، وبذلك بلغ عدد أبانشاد مائة وتسعة وسبعين كتابًا ،كما طبع في مدينة “بريلي” ثمان ومائة كتاب بتعليق “باندت شري رام “، وقسمه إلى ثلاثة أقسام : باب العلم و علم البرهما وعلم اليوجا. ولكن الكتب المعتبرة والمعروفة باسم “الأبانشاد” هي اثنا عشر كتابًا. وقد قام بتفسير هذه الأبانشاد كل من “شنكرا جاريا” “رامانج” “نمبارك” “ماديا” “بلاب” وغيرهم كل حسب أصوله ونظرياته حسب ما ذكر -كتاب قاموس الهند ص 117-.وتكتمل مجموعات الفيدا بسلسلة من الكتب الهندسية المقدسة نذكر منها:

  • البران : وهو الكتاب الذي يتحدث عن أساطير الأولين وقصة الخلق ، و الفترة التي تستغرق بين التدميرين للكائنات فإن هذه الدنيا دمرت ملايين المرات، ثم أُعيد خلقها، ويستمر هذا العمل إلى مالانهاية ، لأنها قديمة وأزلية حسب عقيدتهم, ويُعتبر البران الفيدا الخامس عند جماهير الهندوس، لأن فهم الفيدا موقوف عليه. ويدعي علماء الهندوس أنه موجود منذ القدم كوجود الفيدا، فالذي يُريد أن يعرف حقيقة الفيدا فعليه بالبران، لأنه يوضح كل حكاية رمزية في الفيدا بالتمثيل والرواية القصصية، ويشتمل البران على علم الكائنات وعهود منو أي الملوك, والحوادث التاريخية لعهد كل واحد منهم .يظهر من مُطالعة البران أنه كان يشمل أولًا أكثر من مائة وثماني بابًا، ولكن المعتمد عند علماء الهندوس ثماني عشر فأخذ كل باب على حدة، وألف عليه البران مستقلًا وأعظمه رُتبة، وأكثر تداولًا بين الناس “البهطفت البران”، فالهندوس يتلونه كل يوم صباحًا بكل أدب واحترام. والمقاصد الكبرى لكتب البران إثبات عقيد “أفتار” وهو نزول الإله إلى الأرض بصورة بشر، .وقد وقع خلاف شديد بينهم في مؤلف هذه الكتب، فذهب جلهم إلى أن مُصنفه هو مُصنف الفيدات, يجزم العالم الهندوسي الدكتور “هربر شاد” أن جميع البرانات ما عدا “فشنوبران” و “امان بران” مُحرفة ومكذوبة.وينكر “سوامي ديانند” مؤسس “آريا سماج” أن تكون البرانات من المصادر الأساسية للهندوسية.
  • مهابهارت: واسم هذا الكتاب من كلمتين “مها” أي العظيم، و”بهارت” أي الهند وعنوان الكتاب يُعبر عن مُحتواه، وهو تاريخ الحرب الكبرى التي وقعت في الهند.واشترك في تأليفه ثلاثة من المؤلفين الهنود وهم “وياس” “ويشمبايان” و”سوتي” وكان اسم الكتاب أولًا “جي” يُعني الفتح ثم سُميّ باسم “بهارت”، ولما اشتهر لقب باسم “مهابهارت” والكتاب لم يصل إلينا كما أُلف، بل طرأ عليه عدة تغييرات بالزيادة والنقصان، ويقول أحد علماء الهندوس “شري بال ” في كتابه “تاريخ الحضارة والثقافة في الهند” : مما هو معروف أن “مهابهارت” أُلف قبل الميلاد بثلاثمائة سنة، وكان يحتوي على مائة ألف بيت. وسبب تأليفه كثرة الفرق والأديان في الهند، وكثرة الاختلاف بينهم، وأخذ كل مُنهم يُهاجم الآخر، فتم تأليف هذا الكتب من أجل توحيدهم وتقليل حِدة الاختلاف بينهم وتوحيد كلمتهم، والكتاب عبارة عن قصة تاريخية لا ندري صدقها، وقعت بين أُسرة ملكية بسبب امرأة تُسمى “دروبدي” وانتهت بفوز أحد الفريقين. ولكن هذه القصة تتخلّلها الأفكار الفلسفية في الدين والسلوك على لسان أحد الأبطال وهو كرشنا، مما جعل هذا الكتاب قِمة في الأخلاق والآداب والسلوك عند الهنودس. لذا وتُرجم إلى عدة لغات عالمية..
  • الكيتا: يعد الكيتا من أهم الكتب الهندوسية. وكان له أثر عميق في التفكير الهندي، وهو يشتمل على تعليمات ونصائح ألقاها البطل الهندي “كرشنا” أمام قائد الجيش “أرجن” فمن جملة هذه النصائح، ذكر وظائف الجيش وهي الدفاع عن الوطن، حتى ولو كان المحاربون من أقرب الأقربين، وفيه التأملات في الذات الإلهية، إذ إن كرشنا حسب زعمهم كان أفتار برهما –أي أنه الإله الذي نزل إلى الأرض بصورة البشر – وفيه تعليمات لحصول النجاة بالطرق الثلاث وهي : طريق العلم – طريق التعبد- طريق العمل – فطريق العلم : هو أن ترى جميع المخلوقين في الروح الأعلى، والروح الأعلى في جميع المخلوقين، فإذا وصلت إلى هذا العلم ترفع عنك التكاليف الدينية.

وأما طريق التعبد: فهو أن تعبد الله وتفني حياتك في عبادته، فالمقصود أن تُعذب نفسك في هذا السبيل لا غير, وأما طريق العمل: فهو أن تمكث في الأرض وتؤدي الواجبات الدنيوية بدون تطلع إلى ثمراتها، حتى تتطهر نفسك من جميع العلائق وتسمو إلى الملأ الأعلى، وهنا تتحد بالجزء الأكبر. بالإضافة إلى ذلك, يتضمن الكيتا التعليمات التالية: الروح أزلية، والإنسان لا يموت ولا يحيى، بل إن جسمه يتغير كما يتغير لباسه، الإنسان عدو نفسه وصديقها، وفيه فلسفة “كرما” يُعني قانون الجزاء، وفيه واجبات الزهاد والنساك، والعلوم السياسية، والأحكام السلطانية، وطريق النجاة من جولان الروح, وفي الحقيقة أن الكيتا جزء من كتاب مهابهارت ، ومع هذا فإن كبار علماء الهندوس يرون أن هذا الكتاب تخيلي وتمثيلي، وهم لا يؤمنون بوجود بطل اسمه “كرشنا” ولا وقوع الحرب الهندية الأهلية الكبرى التي أهلكت آلاف البشر، وأفنت أموالًا طائلة كما ذكر في هذا الكتاب. ويقول الدكتور “رادها كلاشنا”: إن أفكار الكيتا مجموعة من المتناقضات، ولا نجد فيه مشعل العلم والهداية، وقد اشترك في تصنيفه مؤلفون كثيرون. وقد طعن بعض المحققين الجدد على هذا الكتاب، لأنه لا يزال يُنادي بالحرب والجدل، وهذا يكون مُنافيًا لأصل الديانة الهندوسية القائلة في أصولها” أفضل الدين الابتعاد عن الإيذاء”، هذه هي حقيقة كتاب الكيتا وبطله كرشنا الذي نال شُهرة عالمية، فمن يمر بالهند يجد في كل معبد ومطار تمثال كرشنا.

  • رامايان: هذا الكتاب عِبارة عن قصة تاريخية وقعت بين رجل اسمه “راما” وبين ملك اسمه “رافان” وقعت حرب بينهما، وانتهت القصة بفوز راما، ولكن القصة تُشير إلى أمر هام جدًا وهو الحرب بين الخير والشر، وهذه القصة التاريخية وإن لم تكن صحيحة ولكن انتشرت في أنحاء الهند ولا تزال هذه الرواية تأخذ مكانة عظيمة في قلوب الهندوس.

وبعبارة أخرى: هذا الكتاب يعد من الكتب الشعبية التي تحظى بأعظم تقديس واحترام لدى جماهير الهندوس، وتُرجم إلى جميع اللغات الهندية، وانتشر في خارج الهند في بلاد إندونيسيا، والهند الصينية، وبورما، والتبت وغيرها، وهو أكثر انتشارًا من كتاب الكيتا؛ لأن الكيتا يحتوي على فلسلفة مُعقدة، بينما كتاب رامايان كتاب قصص روائية يجذب القارئ العادي إلى قراءته. لم يتفق علماء الهندوس على زمن تصنيف “رامايان”، فمنهم قال: إنه أُلف بعد الفيدات بقليل، ومنهم من ادعى أنه ألف بين 500 الى 200 ق م، وإن كانوا قد اتفقوا على أن “بالاميكي ” هو مؤلف هذا الكتاب، فمرة قالوا: إنه كان في عهد “راما”, ومرة قالوا: إن بالاميكي ألف رامايان بعد قرون من عهد راما. ويظهر من هذا أنه لم يؤلف في وقت واحد بل زاد فيه مؤلفون آخرون أشياء مثل الباب الأول الذي يُسمي عهد الطفولة، ويرى المحققون الغربيون أن رامايان ألفه رجال من أسرة “أشوواكوا” الملكية بالأبيات، والمتسولون الهنادك يتغنون به عند السؤال ويزيدون عليه قدر حاجتهم ومذاقهم حتى زاد حجم “رامايان” أضعافًا مُضاعفة. إلى أن جاء “تلسي داس1532-1623” في القرن السادس عشر الميلادي فترجمه إلى اللغة الهندية، فانتشر في جميع القطاعات الهندية، وأقبل الناس على قراءته، ولكن “تلسي داس” لم يؤد الأمانة فخان في ترجمته وزاد على بالاميكي ماشا، كما جعل راما مقام الألوهية الكبرى بينما هو في بالاميكي رجل حازم عظيم القدر، ولذا لم يرض علماء الهنادك على تصرفات تلسي داس وانتقدوه أشد انتقاد وخاصة في ضرب النساء والاستهزاء بالمنبوذين، ولكن بعد فوات الأوان لأن “تلسي رامايان ” وقع موقع القبول عند جماهير الهنادك.

  • الفيدانت أو زبدة الفيدات: يُعتبر الفيدانت من الكتب الفلسفية والأخلاقية لدى الهندوس. وهو أصغر حجمًا، وأكبر تأثيرًا على الفكر الهندي الفلسفي والصوفي من أي كتاب آخر من الكتب الهندوسية, وهذا الكتاب يُقال له أيضًا “برهما سوتر”، ويدعي بعض علماء الهندوس أنه تأليف “ويد وياس” المؤلف المشهور، ولكن اتفقت كلمتهم فيما بعد على أنه من تأليف “بادارايان” الذي عاش في فترة بين بوذا والمسيح.

والكتاب يشتمل على أربعة أبواب، وستة عشر فصلًا، ويحتوي الباب الأول على عبادة البرهما وطريقتها. والباب الثاني على وحدة الوجود، والرد على المبادئ البوذية الإلحادية. والباب الثالث على طريقة حصول النجاة وهي طريقتان، طريقة العبودية الكاملة والفناء فيها، وطريقة العلم الإلهي المتصل بمبدأ الفيض. والباب الرابع على جزاء المجتهد في العبادة، وعلى أحوال الأرواح التي اتحدت بالروح العليا.

وبالإجمال فإن كتاب الفيدانت يشتمل على عشر مقالات تُعتبر من أُمهات المسائل الفلسفية الهندوسية وهي معرفة الإله، والروح، والأحوال بعد الممات، وقانون الجزاء، والعبودية المطلقة، والعلم الإلهي، والمغريات، والنجاة. كما تحدث هذا الكتاب عن أزلية الروح وقدمها, والكون هو الإله وأنه يتجلى بالصورة البشرية لأنها أكمل وأجمل، والتستر بالحقائق.

  • اليوجافاسشتا: يُعتبر هذا الكتاب من أُمهات الكتب الهندوسية، ومؤلفه أيضًا مجهول كسائر الكتب المقدسة لدى الهندوس، ويرجع عهد تأليفه إلى القرن السادس وما بعده قبل الميلاد، وفي هذا الكتاب دروس فلسفية لاهوتية وأخلاقية. و يحتوي على أربعة وستين ألف بيت، وفيه قصة الراهب “فاسشتا” وهو يُعلم تلميذه البار “رام جندار” العلوم اللاهوتية، والعلوم الروحانية وعلوم المراقبة، التي توصل الإنسان إلى العالم الروحاني، والملأ الأعلى حتى يتصل “برهما” على حد زعمهم.

وهذا الكتاب يُصور الحياة كأنها مليئة بالخطايا، وفيه ثلاث طرق لليوجا: الاعتقاد بالوحدة، طمأنينة القلب، مُخالفة النفس. وبالإجمال فإن أكثر الرهبان الهنود قد تأثروا بهذا الكتاب، فقطعوا علاقاتهم الدنيوية، واتخذوا الكهوف والغابات مقرًا للرياضة والمجاهدة. وكان الراهب “سوامي رام” خير مثال للرهبنة في العصر الحاضر ولكنه صار مجذوبًا في آخر حياته. وكان يدعي ما ألف كتاب تحت أديم السماء أعظم من كتاب “يوجا فاسشتا”.

7- دهرم شاسترا: وهي مجموعة من الكتب الفقهية للديانة الهندوسية، وهي أصل الفيدانت وفقهها، إلا أن أغلب هذه الكتب ضاعت ولم يبق منها إلا ستة عشر كتابًا وأشهرها “منواسمرتي” أي شريعة منو، وتحتوي هذه الكتب على ثلاثة عناوين رئيسة وهي: الأحكام لأدوار حياة الإنسان -الحدود والجنايات- العقاب إذا لم يخضع الهندوسي لقوانين وأحكام الشريعة. وفيه أساطير عن خلق العالم، وكيفية وجود الحياة في الكون، ويتحدث عن أحكام النكاح، وأقسامه، وتقديم القرابين لبرهما، ويتحدث عن أحكام الزوجين، وثواب المرأة الوفية لزوجها، ويتحدث عن أحكام قائد الجيش، وحالة الحزن والألم في حياة الإنسان, يتكون من  2694 بيتًا.

الاتجاهات التفسيرية للفيدا

اتجه مفسرو الفيدات إلى ثلاثة اتجاهات مُختلفة:

أحدها تفسير “ستارام سايان” وهو من المفسرين القدماء الذين فسروا الفيدات الأربعة على أساس الطقوس الدينية، التي كانت سائدة في عصره، كما فسر الفيدات بالأدلة التاريخية مُقتبسًا من كتاب “مهابهارت ” والعلماء الهندوس يقدرون هذا الرجل، ويجعلونه قمة في الذكاء والفهم لمعاني الفيدات، ويقواون : لولا “ستارام سايان” لما فهمنا أسرار الفيدات.

ثانيها: تفسير “ماكس مور ” هذا الأوروبي الإنجليزي له مكانة كبيرة عند الهندوس, لأنه أول من حاول فِهم الفيدات على منهج الغربيين, وقام بنشر تعليمات الفيدات في أوروبا وأمريكا حتى لُقب عند الهندوس جولان الروح.

ثالثها: تفسير “ديانند” وهو المصلح المعروف لدى الهندوس الذي دعا إلى إحياء الحضارة الآرية بالهند في القرن التاسع عشر، وأنكر الطقوس والرسوم التي كانت معروفة منذ أقدم العصور. كما أنكر الوقائع التاريخية التي جاء ذكرها في الفيدات، وانتهج بذلك منهجًا خاصًا لم يسبقه أحد قبله.

وأوَّل كل شيء يُخالف توحيد الربوبية مثل: الأصنام والأوثان التي يكثر ذكرها في الفيدات. أوّلها إلى مظاهر قدرة الخالق لتحقيق الوحدة الإلهية، ففي رأيه أنها الأعداد المتفرعة منه، ولا وجود إلا وجوده المطلق. وأكثر من استعمال الاستعارات والمجازات والتشبيهات في تفسيره. وهذا الرجل له تأثير كبير في الشعب الهندوسي المعاصر، وهو مؤسس جمعية “آريا سماج” وهي جمعية هندوسية مُتعصبة أُسست عام 1875م، لإحياء الدعوة الهندوسية من منابعها الأساسية وهي الفيدات وشروحها.

ولله الحمد انتهينا من فصل الكتب المقدسة للهندوس، وأفضل خاتمة هو ما قاله أحد الهندوس الذي هداه الله للإسلام فلندعه يُخبرنا عنها حيث يقول: “لم أجد فيها إلا أساطير الأولين عن عبادة الجمادات والبهائم، كما يُعلل خلق الكون فيها أحيانًا بصورة شنيعة قبيحة تنبعث منها رائحة مُنتنة يفر منها الإنسان اللبيب”.

نماذج من الريج فيدا

“تقول الملائكة يا إندرا إن فشنو يطبخ لك مائدة من الجاموس –الريج فيدا 6\11\17،وفي موضع آخر هم يطبخون الثور، وأنت تأكله-10\28\30 وفي موضع آخر أن إندرا مع العباد يطبخ الثور السمين- 10\27\30 ،وفي موضع آخر يقول إندرا: اطبخ لي خمسة عشر ثورًا، وأنا آكله فأكون سمينًا -10\86\14”.

والباب الثاني والعشرون إلى الخامس والعشرين من الياجور فيدا مملوء بأضحية الحيوان. كما أنهم اكتفوا بعبادة إله واحد مع أن الفيدات تدعو إلى الإيمان بآلهة كثيرة مثل إندرا, وأغني, وسوم، وورن، والرجابتي، وفشنو, ويم، وغيرهم إلا أن تُؤول هذه الفقرات كما فعل ديانند، وجعل للفيدات ظاهرًا وباطنًا، ولكن جماهير الهندوس لم يقبلوا تأويله.

–  ترجمة من السنسكريتية الأستاذ “محمود على خان” أغنية لإندرا إله الآلهة هو الأعلى من كل شيء، وهو الأسنى إله الآلهة ذو القوة العليا الذي أمام قدرته الغالبة ترتعد الأرض والسماوات العالية، أيها الناس استمعوا لشعري إنما هو إندرا إله الكون. هو الذي قهر الشياطين في الحساب، وأجرى الأقمار السبعة الصافية الكبار واقتحم كهوف الكآبة والأكدار، وأخرج البقرات الجميلة من الأرحام وأضاء النار القديمة من البرق في الغمام، ذلك هو إندرا البطل الجسور الجيش المتقدم للهيجاء يُناديه للنصرة يوم الحرب الأعزاء بصيته الذائع يهتفون، والأذلاء يذكرون اسمه بشفاههم ويهمسون وقائد الجيش على العجلة الحربية يدعوه يُستنصر إندرا إله الحرب الأرض والسماء تعترفان بسلطانه وكماله، والجبال المرتعدة تخر له وتسجد لجلاله، هو الذي يُرسل صواعق السماء على أعدائه، فلتُهْد إليه السكائب المقدسة فإنه يقبل هذه الخمر ويمنحنا رضاه، ويستمع للشعر وأغاني الولاء له البقرات وأفراس الوغي له القرى والمساكن وعجلات الحرب، هو يرفع الشمس بيده اليمنى، ويفتح الأبواب السحاب الأحمر تمزيقًا، ويرسل شآبيب المطر لتصدق به تصديقًا أغنية للشمس يجيء بالشمس جيادها الحمر، فيصل الفجر العظيم الجميل الذي ينعش الجميع بضيائه، ويأتي الإله على مركبة فخمة توقظ الإنسان ليقوم بعمل نافع. أغنية لأغني إله النار حينما أرى هذا الكائن المنير في قلبي تدوّى أذناى وتختلج عيناي، وتتيه نفسي في ارتياب، فماذا أقول وماذا أفكر؟ فيا أغنى مجدتك جميع الآلهة واجفة ما تواريت في الظلام.

========

المصادر والمراجع

  • أديان الهند الكبري 37-44.
  • الإسلام والأديان 46.
  • المعتقدات الدينية لدى الشعوب 110.
  • الفكر الشرقي القديم 41.
  • تاريخ المعتقدات والأديان 11-12لم.
  • نصوص في أديان الهند17-54.
  • الحج في الهندوسية 322.
  • الموجز في الأديان والمذاهب 27- 30.
  • مُعتقدات أسيوية 153-156.

——–

* المصدر: مجلة البشرى.

مواضيع ذات صلة