الانفصام الدعوي (2 /5).. مع النفس

تبشير الإنجيل بمحمد صلى الله عليه وسلم

الباحث: حفيظ بن محمد إسليماني

إنجيل لوقا

سجل إنجيل لوقا الكثير من حكم وتعاليم المسيح

يعد نبي الإسلام محمد- عليه الصلاة والسلام- خاتم الأنبياء كما أخبرنا القرآن الكريم والسنة والآثار بذلك، ولنبوته- صلى الله عليه وسلم- عُمق تاريخي ضارب في القِدم، إذ حكى الله- سبحانه وتعالى- في القرآن الكريم ما تضمنته الكتب السماوية المنزلة والرسل المرسلة من التبشير بمقدمه عليه الصلاة والسلام، ودون الدخول في تفاصيل ذلك فإني سأقتصر في هذا المقال على إحدى بشارات الإنجيل التي بشرت بمجيء نبينا صلى الله عليه وسلم.

من خلال قراءتنا للقرآن الكريم تستوقفنا آية كريمة يُخبرنا الله -عز وجل – فيها بأن المسيح -عليه السلام- جاء مُبشرًا بسيدنا محمد- صلى الله عليه وسلم، يقول الحق تبارك وتعالى على لسان -عيسى عليه السلام-: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ} (سورة الصف الآية 6).

قال ابن كثير -رحمه الله- في تفسير هذه الآية: “يعني التوراة بشرت بي، وأنا مصدق ما أخبرت عنه، وأنا مُبَشّر بمن بعدي وهو الرسول النبي الأمي العربي المكي أحمد، فعيسى -عليه السلام- وهو خاتم أنبياء بني إسرائيل، وقد أقام في ملأ بني إسرائيل مُبشرًا بمحمد- صلى الله عليه وسلم- وهو أحمد خاتم الأنبياء والمرسلين الذي لا رسالة بعده ولا نبوة”(1)، ويشهد على ما جاء في الآيات على لسان عيسى- من أن أحمد من أسماء الرسول الكريم -عليه الصلاة والسلام-  ما رواه البخاري عن الزهري قال: “أخبرني محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: إن لي خمسة أسماء: أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله به الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب”(2) ، وروي كذلك أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: ” اسمي في التوراة أحيد لأني أحيد أمتي عن النار واسمي في الزبور الماحي محا الله بي عبدة الأوثان، واسمي في الإنجيل أحمد، واسمي في القرآن محمد لأني محمود في أهل السماء والأرض”(3).

إذًا فحسب الآية الكريمة  يكون الإنجيل قد بشَّر بمحمد -صلى الله عليه وسلم- إلا أن المسيحيين يرفضون هذا الأمر رفضًا باتًا لكونهم لا يؤمنون بالقرآن الكريم، ولا يعترفون به أصلًا، الأمر الذي يفرض علينا نحن- المسلمين- البحث في نصوص الإنجيل من أجل بيان تلك الحقيقة التي أخبر بها القرآن الكريم.

والبحث في ذلك لا يعني أننا نحن -المسلمين -لم نقتنع بعد بوجود سيدنا محمد صلى الله عليه؛ وإنما يدخل هذا في إطار دعوة الآخر غير المسلم إلى اتباع الرسالة التي جاء بها خاتم المرسلين، أو على الأقل صد تلك الهجمات الشرسة ضد الإسلام ونبيه محمد عليه أزكى الصلاة والتسليم.

نص البشارة كما هي في إنجيل لوقا

سجل إنجيل لوقا الكثير من حكم وتعاليم المسيح، وقد روي أيضًا قصة الذين كانوا يرعون أغنامهم قُرب بيت لحم في الليلة التي ولد فيها المسيح -عليه السلام- إذ ظهر أمامهم ملاك لكي يعلن لهم مولد السيد المخلص، ثم ظهر حشد من الملائكة في السماء ينشدون بأصوات عالية الترنيمة الواردة في إنجيل لوقا 2: 14 “المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام، وبالناس المسرة”، وهذه الترنيمة – حسب عبد الأحد داود – مؤلفة من ثلاث فقرات:

  • موضوع الفقرة الأولى هو الله، “Allaha” بالآرامية، وقد تُرجم إلى “theas” باليونانية.
  • موضوع الفقرة الثانية هو “شلاما” بالآرامية، وتُرجمت إلى اليونانية بكلمة “Eirins”.
  • موضوع الفقرة الثالثة هو “Eudokia” باليونانية”(4).

وقد فُسرت هذه التسبيحة حسب اعتقاد النصارى أن “المراد “المجد لله” هو إعلان تسبيحي لحضور العظمة في ملء السموات العلا “أما السلام على الأرض” فهو لنزول رب السلام لحظة لمس جسد المولود أرض الشقاء ليملأ أرضنا سلامًا لا ينزع منها إلى الأبد، و”في الناس المسرة” يعني الفرح، فالقدير صنع بنا عظائم، وأحزان البشرية أشرق عليها سلام”(5)، لكن أين السلام “وتاريخ المسيحية بحار من الدماء، وأكداس من رماد الذين أحرقوا، ويُتم ودموع، وأنين ووحشية، وهو ما فعله المسيحيون بالمسلمين في الحروب الصليبية، وفي الأندلس، وكذلك الاستعمار المسيحي لأقطار المسلمين، ليتبين أن المسيحية كانت جرحًا أليمًا أصاب الإنسانية”(6).

وهذا يدل على عدم تحقيق تسبيحة “على الأرض السلام وفي الناس المسرة” في سلوك المسيحيين.

فالسلام الحقيقي إذن لا يُمكن الحصول عليه بالوسائل المصطنعة، “إذ إن هُناك ثلاث وسائل فقط – حسب عبد الأحد داود- يُمكن الحصول بواسطتها على السلام الحقيقي التام، وهي: الاعتقاد المبين بوحدانية الله المطلقة، والخضوع الكامل والاستسلام لمشيئته المقدسة، وأن يكون- سبحانه -هو مُحور التأمل والتفكير باستمرار”(7).وفعلًا فإن من لم يمتثل لأمر الله ونهيه، فإنه لن يقوم بالعدل ويُحقق السلام.

فالسلام على الأرض لم يكن سوى تأسيس مملكة الله على الأرض ألا وهو الإسلام. وذلك “أن كلمة  Eiriny اليونانية مُرادفة للكلمات السامية شالوم في العبرية و”شلاما” – في الآرامية – وإسلام – في العربية-، وقد قصد عيسى المسيح هذا المعنى الإسلامي للكلمة عندما ألقى موعظته البليغة على الجبل “طوبى لصانعي السلام متى 5:9″(8).

-أصل كلمة يودوكيا:

كلمة يودوكيا Eudokia- حسب عبد الأحد داود- الحرف الأول منها Eu معناه: جيد، حسن كما فيeudokimos  التي تعني عظيم الاحترام، ذائع الصيت والمجد، وحسب القاموس الإغريقي تحمل كلمة  Eudokia معنى: لطيف، حسن”(9)، ولفهم معنى كلمة يودوكيا أكثر قام عبد الأحد داود ببيان الأصل اللغوي للكلمات العبرية “مَحْمد” و”حمدة” وهي كالتالي:

أ- “حَمَدْ” يتألف هذا الفعل من الحروف الساكنة السامية “ح م د”، وحيثما جاءت هذه الحروف في الكتابات المقدسة اليهودية فإنها تُعني (يحب، يشتاق، يرغب).

ب- حَمِد بالمذكر، وحمدة بالمؤنث يدلان على الرغبة، الرضى، البهجة، الجمال.

ج- مَحْمَد، مَحْمُد: هاتان الصيغتان مُشتقتان من الفعل حَمَد ومعناها: المرغوب فيه جدًا، البهيج، الرائع، الجذاب، القيم، المحبوب.

د- الكلمة اليونانية يودوكيا  تعطي حرفيًا معنى الاسم العبري “حِمْدَه” يودوكسوس، وهي بمعنى الشيء الذي يشتاق إليه والمتطلع إليه”(10).هكذا يبدو جليًا أن “الكلمة اليونانية  ترتبط بما هو لطيف وحسن، وبهذا التفسير اللغوي تكون

الأنشودة الملائكية في معناها الحقيقي:

المجد والحمد لله في الأعالي

أوشك أن يجيء الإسلام للأرض

يُقدمه للـناس أحمد”(11).

فأجد إذًا ولادة عيسى -عليه السلام- مُعجزة عظيمة، فبالإضافة إلى ولادته من غير أب، جاء مُبشرًا بملكوت الله على الأرض، وحتى عبارة الأنشودة التي قالت أوشك أن يجيء الإسلام إلى الأرض وحددت صاحب الرسالة باسمه “أحمد” تدل على أنه ليس هناك نبي بين عيسى والرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا يتطابق مع قول الحبيب المصطفى في الحديث: “أنا أولى الناس بابن مريم والأنبياء أولاد علات، ليس بيني وبينه نبي”(12).

أخيرًا وليس أخيرًا، إن الإنجيل رغم تعرضه للتحريف والتغيير والتبديل؛ فإن تبشيره بنبي الإسلام محمد- عليه الصلاة والسلام- ما زال شاهدًا، وهذا يعد إعجازًا تأكيديًا لما أخبرنا به الله في كتابه المبين، وهذا يُحتم علينا نحن- المسلمين -إيصال ذلك إلى الآخر المختلف عنا عقديًا، فهل نحن فاعلون؟.

—-

المصادر والمراجع :

1-ابن كثير، (ط 2، 1999 ).”تفسير القرآن العظيم”،  تحقيق سامي بن محمد سلامة، دار طيبة للنشر والتوزيع، ج 8، ص: 189.

2- رواه البخاري، كتاب المناقب، باب ما جاء في أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم، ج 4، ص: 185.

3-القرطبي.(2003).”الجامع لأحكام القرآن”، تحقيق هشام سمير البخاري، نشر دار عالم الكتب، الرياض، ج 8، ص: 109.

  • عبد الأحد، داود.(ط 3، 1985).”محمد في الكتاب المقدس”، ترجمة فهمي الشما، مراجعة وتعليق، أحمد الصديق محمد، دار الضياء للنشر والتوزيع، قطر، ص: 150.

5- الأب متى المسكين.(ط 1، 1998).”الإنجيل بحسب القديس لوقا:دراسة وتفسير وشرح” نشر مطبعة دير القديس أنبا مقار، القاهرة، ص: 130.

6- شلبي أحمد.(ط 9، 1990).”المسيحية”، نشر مكتبة النهضة المصرية، ص: 86.

7-محمد في الكتاب المقدس، مرجع سابق، ص: 153.

8-نفسه، ص: 154.

9-داود عبد الأحد، محمد في الكتاب المقدس، مرجع سابق، ص: 162

10-نفسه، ص: 163.

11-العامري، سامي.(ط1 2006).”محمد صلى الله عليه وسلم في الكتب المقدسة عند النصارى واليهود والهندوس والصابئة والبوذيين والمجوس والسيخ”، مركز التنوير الإسلامي للخدمات المعرفية والنشر، ص: 180.

12-رواه البخاري، كتاب الأنبياء، باب واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها، ج 5، ص: 168.

——-

المصدر: صحيفة البشرى.

مواضيع ذات صلة