إيمان فهيم وليلى الصيفي
الحمد لله الكريم الرحمن، ذي العطايا الجزيلة والإحسان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الهادي إلى أعظم سبل الخير والرضوان وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. وبعد:
إن الإشراف التربوي جهد بشري بين شخص وآخر لا يقف عند حد التشخيص والعلاج والتقويم والمتابعة بل يتجاوز إلى ما هو أسمى ذلك فهو وسيلة دعوية بالإحسان تنال به الدرجات وتضاعف به الحسنات بإذن الله – تعالى -. والمعلمة مرآة للدعوة تعكس التوجيه مترجماً أفعلاً على سلوك الطالبات. لذلك فهي بحاجة إلى مشرفة داعية ترشدها وتثبتها على طريق الصواب بالتوجيه والدعوة والمتابعة.
أختي المشرف: اسعي إلى أن تكوني داعية لدين الله وسنة المصطفى – صلى الله عليه وسلم – ولا تقولي ((للدعوة أهلها)) فإنه من واجبات كل مسلم ومسلمة أن يقوم بواجب الدعوة إلى الله فالدعوة لم يحدد لها نوعية بشر عملاً بأمر الله قال -تعالى-: { ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (النحل: 125).
وأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- “بلغوا عني ولو آية” أخرجه البخاري.
فابذلي الغالي والنفيس لتوجيه سلوك أو تعديل خطأ، وحاولي استكشاف طاقات وإمكانيات معلماتك لتوظيفها في المكان المناسب والوقت المناسب وارتقي بها من أن تكون مدعوة إلى أن تكون داعية، ومن أن تكون مقودة إلى أن تكون قائدة، ولا تنسي أننا خير أمة أخرجت للناس.
قال – تعالى – { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ} (آل عمران: 110).
وقبل البداية لا بد من محاسبة نفسك ومراقبتها والالتزام بصفات ضرورية ترتقين بك لتكوني مؤهلة للقيام بواجب الدعوة ومن تلك الصفات:
1 – الإخلاص لله -تعالى-:
أخيتي لا يكن همك من عملك الرقي في الدنيا ونيل الشرف والثناء؛ فكل ذلك مصيره إلى زوال قال – تعالى – {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا} (الفرقان: 23)، ولكن ابتغي بعملك وتوجيهك ودعوتك رضاء الله -عز وجل- ونيل الأجر قال -صلى الله عليه وسلم- “إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه”.
2 – القدوة الحسنة:
· (خير من القول فاعله، وخير من الصواب قائله، وخير من العلم حامله) مقولة تدعونا إلى تلمس طيب فحواها والسير على هداها، وهي من أهم الصفات لمثلك، ويجب أن تجعليها كالتاج للرأس؛ فبدونها لن يكون لقولك القبول أو لدعوتك صدى فالالتزام بما تدعين إليه أهم من الدعوة إليه قال – تعالى – {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللهِ أَن تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ} (الصف: 2، 3). وقال – تعالى – { أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} (البقرة: 44)، كوني قدوة لمعلماتك ليصبحن بدورهن مربيات بالقدوة. يقول الشافعي: “من وعظ أخاه بفعله كان هادياً”.
ولا تنسي قول الشاعر:
لا تنه عن خلقٍ وتأتي مثله *** عار عليك إذا فعلت عظيم
3 – التحلي بالأخلاق الفاضلة والحميدة:
أختاه: تزيني بجواهر الأخلاق الفاضلة؛ تعكس منك ابتسامة صادقة وكلمة طيبة تتغلغل في القلوب وتأسر النفوس وقبل ذلك ترضي الرب المعبود وقدوة لكي في ذلك خير الأنام المصطفى – صلى الله عليه وسلم – وأعظم الناس خلقاً قال – تعالى – { وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (القلم: 4)، والخلق الحسن وسيلة لزيادة الأجر، قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – “إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجة قائم الليل وصائم النهار”، والتحلي بالأخلاق الفاضلة مع الناس عموماً والمعلمات خاصة يزيل الحواجز النفسية فيكون من السهل الاتصال وتبادل الحوار.
4 – التواضع:
إذا ما أردت بذراً سريع الإنبات ونبتاً سريع الإيناع وثمراً سريع القطاف فلتسقيه بماء التواضع.
عن قيس بن مسعود – رضي الله عنه – أن رجلاً كلم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يوم الفتح فأخذته الرعدة فقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((هون عليك فإنما أنا ابن امرأة من قريش تأكل القديد)) وقال – صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله أوحى إليَ أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد))؛ فهذا شأن قائد الأمة شرفه الله لأعظم دعوة، وكان أكثر الناس تواضعاً أحبه الناس فأقبلوا على دعوته، فليكن لك القدوة الحسنة.
5 – الصبر:
أختي المشرفة الداعية: إذا رفعت الدرجات فعليك بالصبر رداء يكن لك وقاء في مقابل الصدود والنفور؛ فلا بد أن تضعي في اعتبارك أن المعلمات طباعهن وأفكارهن وتقبلهن ونشاطهن وقدراتهن تختلف من واحدة لأخرى؛ لذلك لن تكون ردة الفعل واحدة وبالتالي جهودك ودعوتك لن تكون بنفس الأسلوب؛ فذلك يستدعي منك الصبر والتحمل والتوجيه، واستعيني بالدعاء وطلب العون من الله.
أختي: أيضاً عند قيامك بالدعوة لا بد من مراعاة بعض القواعد التي تعينك في أداء الدعوة وتسهيل المهمة ومن ذلك:
1 – الاستزادة من العلم:
لابد أن تكون ركيزة الدعوة معرفة كتاب الله وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم – لكي تكون الدعوة على بصيرة وبذلك أمر الله نبيه المصطفى – صلى الله عليه وسلم – قال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (يوسف: 108) فالعلم يزيدك ثقة وثباتاً ويبعدك عن القول بدون علم.
2 – تحسين مهارات الاتصال لبناء العلاقات:
أختي المشرفة الداعية: كلما كنت قادرة على التأثير في المعلمات، واستخدمت أساليب متعددة وأحسنت التصرف معهن وتمكنت من إقناعهن باستخدام أساليب الاتصال اللفظي وغير اللفظي.. أصبحت قادرة على تحقيق أهدافك، وحصد نتائجك متمثلة في قبول المعلمة دعوتك للخير، وترجمت قبولها بقيامها هي أيضاً بواجب الدعوة نحو طالباتها.
3 – طلب المشورة من أهل العلم:
عندما يتشاور أكثر من شخص في أمر معين تتنوع الأفكار وتتعدد وجهات النظر للموضوع الواحد، وبعد التحليل والتفصيل يسهل اختيار الأفضل وتوقع النتائج؛ لذلك يجب أن تحرصي على طلب المشورة ممن هم أهل لها حلاً لمشكلة أو مواجهة لعقبة وذلك أمر الله -تعالى- في قوله {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ} (آل عمران: 159)، وعن ابن عباس – رضي الله عنه – قال: لما نزلت (وشاورهم في الأمر) قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – “أما إن الله ورسوله غنيان عنهما، ولكن الله جعلها رحمة لأمتي. فمن استشار منهم لم يعدم رشداً ومن تركها لم يعدم غيًّا” (ذكره الشوكاني).
4 – مراعاة أحوال المعلمة:
ينبغي على المشرفة الداعية أن تكون متيقظة لحال معلماتها في حين إقدامها على دعوة ما، فقد تمر المعلمة بظرف عائلي أو صحي يمنعها من الاهتمام بما يلقى عليها، فتخيري الأنسب لحالها من التوجيه والدعوة مع عدم الإطالة أو التأجيل.
5 – التخطيط وترتيب الأولويات:
مما يساهم في تشتت الجهود وتخبط المسير عشوائية الهدف وعدم التخطيط له بالتركيز بشكل مهم على ترتيب الأوليات. فالتخطيط يوفر الوقت والجهد ويوجه النشاط والإمكانيات نحو تحقيق الأهداف مما يمهد الطريق للنجاح مع ضرورة الأخذ في الاعتبار عند تحديد الأهداف واختلاف المعلمات في أمور كثيرة.
أختي الداعية: هناك بعض الأمور التي يجب أن تحذري منها عند قيامك بالدعوة ومن ذلك:
1 – التسلط وفرض الإرادة:
قد تُصطدمين بمعارضة معلمة لموضوع ما عند توجيهك أو دعوتك لها، فلا بد عندها من الحنكة في التصرف بالبحث عن الأساليب والآداب الملائمة لتوضيح وجهة نظرك إن كان الصواب جانبك دون تسلط أو جدال، يقول الله – تعالى – لرسوله – صلى الله عليه وسلم -: {وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} (آل عمران: 159)، ويقول – تعالى – { فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} (طه: 44).
2 – استعجال النتائج:
إيّاك واستعجال النتائج قال تعالى: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} (الرعد: 7)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “التأني من الله، والعجلة من الشيطان” (أخرجه البيهقي). فالعجلة في الدعوة طريق الفتور والركون، ولكن أبذري وتابعي ولا تنتظري إلا الأجر من الله.
3 – أن يكون دور المعلمة متلقية فقط:
فمن المهم أن تدفعي المعلمة للعطاء؛ بحيث لا يبقى دورها مستقبلاً فقط، فلا بد من حفزها وزرع الثقة في نفسها لكي تقدم على دعوة طالباتها للتمسك بما أمر به الله، والابتعاد عما نهى عنه، وهنا نلقي الضوء على بعض الأساليب التي تفيد في أداء مهمة الدعوة:
من المهم أن تحرصي في الأساليب المستخدمة:
• ترجمتها للأهداف المخطط لها من قبلك.
• مناسبتها لطبيعة المعلمة.
• موافقة المضمون للكتاب والسنة.
ومن هذه الأساليب:
1 – الهدايا: وسيلة محبة وطريقة دعوة يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: “تهادوا تحابوا” (أخرجه البخاري) تخيري المناسب منها كشريط أو كتيب… إلخ.
2 – التوجيه للقراءة: وذلك بتوجيههن لقراءة كتاب أو موضوع للاستفادة منه بشرط وثوق مصدره وسلامة معتقد كتابه.
3 – تخول المعلمات بالنصيحة: سبيلك للمتابعة ومد جسور الدعوة مع تخير أفضل القول وأيسره وعدم إطالة الكلمة وخذي من الرسول -صلى الله عليه وسلم- القدوة.
4 – الإنترنت: من أكثر الوسائل إقبالاً من جميع فئات المجتمع، فأمدي المعلمة بأسماء مواقع تفيدها في دينها وعلمها وإرشادها إلى أفضل المنتديات في ذلك.
5 – المطويات: إمداد المعلمات بالمطويات المعدة من قبلك بأفضل شكل وأطيب مضمون.
6 – حفزهن للبحث: طرح موضوع بحثي لا يتجاوز الصفحة تجنباً لإرهاق المعلمة بما يتناسب مع طبيعة عملها ويرتقي بدينها، مثل البحث في الربط بين موضوع الكتاب وإعجاز الله في ذلك.
7 – تفعيل الدعوة في الحلقات التنشيطية: توجيه المعلمات للتّخطيط للحلقات التنشيطية، وتحديد أهدافها يسهم في رقي مستواهن العلمي والتربوي، ومن الجميل أن يدرج ضمن الأهداف حلقة تفعيل الدروس في الدعوة.
وفي نهاية المطاف ليس لنا إلا التنبيه بأنك داعية في جميع أحوالك:
• فإخلاصك في عملك الوظيفي وحرصك عليه دعوة تستقي منه المعلمة إتقان العمل والحرص عليه والدقة في إتمامه وإنجازه.
• انضباطك في مواعيد العمل دعوة تؤدي بالمعلمة إلى مراعاة الله في السر والعلن واستثمار دقائق الحصص.
• مظهرك عامة حجاباً وزينة ولباساً دعوة به القدوة ترسم للمعلمة.
• حديثك وأقوالك دعوة تتعلم منها المعلمة الأدب وحسن إرادة الحوار واحترام الغير.
• نقدك المتوازن بين المدح والقدح دعوة تستقي منها المعلمة التوازن في أقوالها وأفعالها مع الطالبات وتستشعر ضرورة الموازنة في الثناء.
• عدلك بين المعلمات معاملة وتقييماً دعوة طريق لعدلها مع الطالبات.
• مشاركتك في الأنشطة دعوة تتعلم منها المعلمة عدم الركون والتغيير النافع.
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
__________________
المصدر: موقع المختار الإسلامي.