الانفصام الدعوي (2 /5).. مع النفس

وقفات دعوية مع تألق اللاعب محمد صلاح

د. رمضان فوزي (خاص بموقع مهارات الدعوة)

“محمد صلاح”.. اسم أصبح له صداه وتأثيره واكتسب مكانة في قلوب الملايين حول العالم.. إنه اللاعب المسلم المصري الذي تمكن بجهده وإصراره وعزيمته –بعد توفيق الله عز وجل- أن يحجز لنفسه مكانا بين الكبار في كرة القدم على مستوى العالم؛ حتى كلل الله جهده بأن يتم اختياره أفضل لاعب في الدوري الإنجليزي لكرة القدم.

وفي بداية الحديث عن هذا الأمر نؤكد أن من خصائص الدين الإسلامي الشمولية؛ فهو دين شامل لكل مظاهر الحياة، ومن هذه المظاهر شمولية تربية المسلم؛ حيث تشمل تربية الروح والعقل والجسم؛ فقد وضع من التوجيهات والضوابط ما يحول دون طغيان أحد هذه الجوانب على الآخر.

وما يهمنا في هذا السياق هو التربية البدنية أو الجسمانية أو الرياضية؛ فمن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: “المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير” (رواه مسلم)، وقوله أيضا: “وإن لجسدك عليك حقا” (رواه مسلم).

وقد روى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمر “أن النبي صلى الله عليه وسلم سابق بين الخيل وراهن”، وفي رواية “سابق بين الخيل وأعطى السابق”، وفي إتحاف المهرة: “سابق بين الخيل والإبل”.. وفي الصحيح قال صلى الله عليه وسلم: “لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر” (رواه الترمذي وهو حسن).

بل إن الأمر تعدى ممارسة الرياضة إلى مشاهدتها والفرجة عليها، وهذا كما ورد في الحديث الذي رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: “وكان يوم عيد يلعب السودان بالدرق والحراب. فإمّا سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإمّا قال: “تشتهين تنظرين؟” فقلت: نعم. فأقامني وراءه، وخدي على خده، وهو يقول: “دونكم يا بني أرفدة”، حتى إذا مللت قال: “حسبك؟” قلت: “نعم”. قال: “فاذهبي”.

لكن قبل أن نغادر الحديث عن الرياضة في الإسلام نؤكد أنها (الرياضة) لا بد أن يراعى فيها –سواء في ممارستها أم مشاهدتها- الضوابط والآداب الإسلامية التي يقصر السياق عن التطرق لها.

وقفات مع تألق صلاح

يعد محمد صلاح نموذجا للمسلم الملتزم –هكذا نحسبه والله حسيبه- بآداب دينه وقيمه، والحريص على إظهار ذلك والتمسك به وعدم الاستنكاف منه كما هو حال البعض ممن خطفت أضواء الغرب أبصارهم فتنكبوا لدينهم وأمتهم وعروبتهم؛ فحرصه على السجود بعد إحرازه هدفا دليل على هذا الانتماء القوي لدينه.

وفيما يلي بعض الوقفات التي يمكن اعتبارها خواطر دعوية عامة استثمارا لهذا الحدث دعويا، خاصة في الغرب:

  • تفوق صلاح جاء في وقت يعاني فيه كثير من الشباب في الوطن العربي –الذي خرج منه صلاح- من الإحباط واليأس وفقدان الأمل وقلة الحيلة؛ نظرا للظروف السياسية والاجتماعية التي تعاني منها المنطقة؛ فكان تفوق صلاح بعثا للأمل، وتجديدا للهمم، ودفعا للعمل.
  • جاء تفوق محمد صلاح في وقت يتم فيه وصم الإسلام بالإرهاب والتطرف والعنصرية وبأنه دين التفجير والدماء، فشاء الله تعالى أن يأتي تألقه في ملاعب الغرب ليجعل بعض المنصفين هناك يراجعون الصورة الذهنية “السلبية” لديهم عن الإسلام وأهله، ويفرقون بين مفجري القنابل ومفجري الطاقات والمواهب.
  • جاء تألق صلاح بهذه الصورة ليؤكد أن الدعوة بالحال تفوق في بعض الأحيان الدعوة بالمقال، كما ورد في بعض الآثار “حال رجلٍ في ألف رجل خير من قول ألف رجلٍ في رجل”؛ فالدعوة الآن ليست في حاجة إلى المزيد من الوعاظ والمتكلمين بقدر حاجتها للقدوات والمصلحين؛ فسجدة صلاح بعد إحرازه هدفا يفرح الملايين من جماهيره ربما يكون طريقا لقلوب الكثير منهم، إذا وجد من يحسن اقتناص الفرصة، وقد تسربت بعض الأخبار –غير المؤكد- عن إسلام بعض الجماهير أو نيتهم ذلك تأثرا بتفوق صلاح.
  • ربما شاء الله تعالى أن يكون تفوق صلاح في مجال له الكثير من المتابعين والمتعصبين له من كل الديانات والملل، والأعراق والأعمار -خاصة من شريحة الشباب- ليكون تأثيره متعديا ونافذا إلى آفاق رحبة في العالم.
  • جاء تألق محمد صلاح في المجال الرياضي بهذا التأثير العالمي ليؤكد على أن كل مسلم هو على ثغر من ثغور الدعوة، وأنه مهما كان مجالك ومكانك تستطيع خدمة دعوتك ودينك وقيمك إذا ما حققت القوة والأمانة {إن خير من استأجرت القوي الأمين}؛ فليحرص كل منا على تحقيق القوة المهنية بكل ما يستطيع، وليسيج ذلك بأمانة المهنة بما تقتضيه من صدق وإخلاص وتواضع، وهو ما يمكن ملاحظته بوضوح على اللاعب المسلم المصري الذي جمع كل هذه الخصائص.
  • يجب أن يكون تألق صلاح دافعا للكثير من الدعاة والوعاظ إلى الانفتاح على المجتمع وشرائحه المتعددة، خاصة الشرائح التي لها تواصل مباشر وتأثير قوي في الشباب مثل لاعبي الكرة والفنانين… فهؤلاء تأثيرهم على المجتمع نافذ، وطريقهم للقلوب مفتوحة.
  • لعل تفوق صلاح فرصة لبعض الدعاة وأبناء الأقليات المسلمة بالغرب ليستثمروها مادة دعوية لغير المسلمين، ليغيروا بعضا من الغبش عن الإسلام والالتزام الذي تسبب فيه المتشددون والمتنطعون وأصحاب التدين المغشوش. وقد بدأ البعض من أبناء الغرب المسلمين في هذا الأمر.
  • ليكن تألق صلاح أيضا فرصة للآباء والأمهات في ربط أبنائهم الذين تاهت بوصلتهم بين الفنانين وأصحاب المجون والخلاعة بهذا النموذج الذي يعد بديلا طبيعيا ومناسبا لهذه الشريحة.
  • يعد تألق محمد صلاح وتفوقه مع فريق ليفربول الإنجليزي بهذه القوة والاندماج، مع احتفاظه بقيمه الدينية والاجتماعية فرصة لفتح موضوع التعايش الحضاري؛ حيث هناك الكثير من المبدعين والنابغين من أبناء حضارتنا الذين ظهر نبوغهم في حضارات أخرى، وفي مجالات متنوعة، وربما استفادت هذه الحضارات من نبوغهم أكثر من حضارتهم الأم.
  • في المقابل فإن تقبل الجماهير الغربية وتفاعلهم معه –بهيئته التي استنكف منها للأسف بعض أهل دينه ووطنه- دليل على إمكانية هذا التعايش والتفاعل الحضاري الشعبي.

في النهاية هذه بعض الوقفات التي حاولت من خلالها توظيف حالة نجاح في الدعوة إلى الله تعالى، ولتقديم قدوة صالحة لشبابنا وأبنائنا في الغرب والشرق.

مواضيع ذات صلة