الانفصام الدعوي (2 /5).. مع النفس

الدعوة النسائية.. العقبات وسبل الارتقاء بها

عفاف عبدالوهاب الكبيسي

الدعوة النسائية

كما هو معلوم من الأدلة الشرعية في الكتاب والسنة أن الدعوة إلى الله من الفرائض، والأدلة في هذا كثيرة، منها قوله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104]، وقوله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف: 108]، فبَيَّن سبحانه أنَّ منهج الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- وطريقه هو الدَّعوة إلى الله تعالى، وأنَّ قيمة المسلم تكون باتِّباع رسوله، والسَّيْر على مِنْهاجه.

الدعوة النسائية

تحتاج الدعوة النسائية لجهود كبيرة للارتقاء بها

وقد بيَّن العلماء أنَّ الدَّعوة إلى الله وإلى النَّشاط فيها فرضُ كفاية على الرَّاجح، وللدَّعوة النسوية مكانَتُها في هذا الجانب؛ إذْ تُشكِّل أهميَّة قُصْوى؛ لِكَونِها تسدُّ ثَغْرة عظيمةً لا يستطيع الدُّعاة من الرِّجال القيام عليها بالصُّورة التي تستطيعها الدَّاعيات، وفي وقتنا الحاضر يسَّرَ الله تعالى أمْرَ الدَّعوة بأكثرَ مِن طريق لَم تتيسَّر لمن قَبْلنا في السابق، فكان لزامًا على الداعيات استِغلالُ هذه الوسائل والطُّرق الدعوية بصورةٍ مُثْلى؛ للارتِقاء بالعمل الدَّعوي النسوي، لكن مع هذا فقَدْ وجَدْنا خللاً ونقصًا في أداء الدعوة إلى الله في الجانب النسوي تحديدًا؛ لِوُجود عقبات كثيرة تَعْترض طريق الدعوة النسوية، وتنقص من شأنها، وتقلِّل من قيمتها، وتَقْطع عليها طريقَ تحقيق الأهداف الدعويَّة، وفيما يأتي بعضٌ من هذه العقبات، مع اقتراح سبُلٍ للعلاج، أحببتُ أن أخوض فيها بيانًا من حيث الواقِعُ والتَّجربةُ العمَلية.

عقبات الدعوة النسائية

من العقبات التي تعاني منها الدعوة النسائية:

1- انخِفاض مستوى كَفاءة الداعيات اللَّواتي يعمَلْن في الساحة الدعويَّة؛ إذْ يلزم في هذا الجانب الوقوفُ على متغيِّرات الواقع المعاصر التي تتطلَّب رفْعَ كفاءة الداعية؛ لِمُواكَبة هذه المتغيِّرات عِلميًّا وعمَليًّا.

2- عدم الرغبة في التجديد للوسائل الدعويَّة، وهي من الأهمية بِمَكان في هذا الوقت، وترجع عدم الرَّغبة إلى تلافي تَبِعة التَّجديد في الوسائل.

3- قلَّة الإمكانِيَّات (المادَّة والوسائل) في ظِلِّ وجود التَّخطيط والأهداف لِبَعض الأنشطة الدَّعوية، وأكبر مُشْكلة تَكْمن في الإمكانيَّات المادِّية والبشريَّة؛ حيث لا توجد القُدْرة عند المؤسَّسات الدَّعوية على رَفْد المُجتمَع المُسلِم بالداعيات ذَوات الكفاءة الدعويَّة.

4- المشغلات الحياتيَّة والاجتماعيَّة، فأكبر عقَبةٍ تقف أمام المرأة الدَّاعية الانشِغالُ بالواجبات الاجتماعيَّة في داخل أُسْرتِها، وفقدانها للقدرة على المُوازَنة بين الجانب الدعويِّ والجانب الاجتماعي.

5- قلَّة العلم الشرعيِّ والفقه بالواقع لدى الدَّاعيات؛ مِمَّا سبَّب ضعف الدَّعوة القائمة في صفوف النِّساء، فأصبحَ الجانب النسوي هو الحلقة الأضعف في الدَّعوة بشكلٍ عام، فسَهُل بذلك اختراقُ الشُّبهات والشَّهوات من قِبَل أدعيائها.

6- تسلُّط بعض الآداب الاجتماعيَّة السلبية التي تَجْعل المرأة الدَّاعية قاصرةً عن أداء عمَلِها الدعوي؛ كالخوف والخجَل والخشية من الفشل والمُحاباة للمُخاطَبات بالدَّعوة.

7- جَعْل الجانب الدعويِّ فضلةً، قياسًا بالجوانب الحياتيَّة الأخرى؛ إذْ تَجْعل المرأةُ الداعيةُ الدعوةَ آخِرَ اهتمامات؛ إذْ تُعطيها فضولَ أوقاتِها.

8- عدم الشُّمولية في وَضْع الأطُرِ الكلِّية لاستيعاب مشكلات الدَّعوة، وضَعْف التَّخطيط والتنظيم والتقويم من قِبَل المسؤولين عن الدَّعوة النسوية، وترك الجزئيَّات وتفاصيل الدعوة إلى الدَّاعيات حسب ظروف البيئة المُحيطة بهنَّ؛ مِمَّا سبَّب انعدام المرجعيَّة النِّسائية، وانتِشار العشوائيَّة والتخبُّط في الأعمال الدَّعوية.

9- عدم المنهجيَّة السَّليمة والضَّوابط الواقعيَّة والأهداف الواضحة للعمل الدَّعوي النِّسوي، ضمن المؤسَّسات الدعويَّة النسوية.

10- تقديم الأعمال الشخصيَّة على الأعمال الدعوية العامَّة، والاهتمام بالجزئيَّات الفرديَّة والشخصيَّة، وإعطاؤها الأولويَّة على الأعمال العامَّة، مِمَّا أضعفَ الجانب الدعوي النسويَّ في جانبها الأهم.

سُبل الارتقاء

هناك بعض المُقترَحات التي أقدِّمها من خلال التجربة الشخصيَّة والواقعيَّة في الجانب الدعوي؛ إذْ تُمثِّل خلاصةً لبعض الآراء والأفكار المستخلَصة من التجربة العمليَّة، وكذلك الاستفادة من بعض الاستبيانات من قبل المتخصِّصين في الجانب الإحصائي:

1- الاهتمام بالأعمال الدعويَّة القائمة، وذلك بِحَصْرها وتصنيفها إلى: أعمال دعويَّة – ثقافية – إعلامية – تربويَّة، وترشيدها والاستفادة من الأعمال والنَّماذج المطروحة في السَّاحة الدعوية، وتطوُّر الدعوة النسوية، بحيث يُمكِن الوقوفُ على مكامن الضَّعف فيها، والدَّواعي وسُبل العلاج، وأي المناطق متقدِّمة على غيرها، وكيفيَّة دَعْمها واستِمْراريَّتها.

2- توظيف الطَّاقات المبدعة والمبرزة العاملة في السَّاحة الدعوية، حسب مُيولها العِلميِّ والعمَلي، وإبداعاتها، وَفْق التَّصنيفات السابقة؛ إذِ الدعوة إبداعٌ وابتكار، لا تتوقَّف على وسيلة معيَّنة.

3- تَعْميم بعض الأعمال النَّاجحة المُقامة في السَّاحة، سواءٌ على الصَّعيد العِلمي والثَّقافي والإعلامي والتَّربوي والدعوي، وذلك بِتَنفيذها عمَليًّا، وبتوحيد الجهود المَبْذولة حسب الإمكان.

4- الاهتمام بِمَدارس التَّحفيظ النِّسوية، باعتبارها قَنواتٍ قائمةً للدَّعوة، تستقطب شرائحَ كبيرة ومتنوِّعة من النِّساء، وذلك بتسهيل التَّوصيل الدعويِّ عن طريق التركيز على الجوانب الأهمِّ على حساب غيرها، من باب التدرُّج بالأهم فالمهم.

5- الاهتمام بالمُحاضرات العامَّة، وتفعيلها، ورَبْطها بالأنشطة الإحصائيَّة التي من خلالها يتعرَّف القائمون على الدعوة على موطن اهتمامات النِّساء، والسَّلبيات الحاصلة بسبب ذلك، ومعالجتها عن طريق ترتيب محاضراتٍ حسب الحاجة المتعلِّقة بالجانب النسوي.

6- إيجاد السُّبل التَّوعوية للأُسَر وأولياء الأمور، أوَّلاً من جهة تنظيم الأُسرة، وربطها بالقيم الإسلاميَّة النبيلة، وثانيًا من أَجْل الاهتمام بالمَحاضن الدَّعوية والعِلميَّة النسوية، ورفدها بالفتيات بُغْية تنشئتهنَّ على الأخلاق والآداب الإسلاميَّة، وثالثًا مِن جِهَة ترسيخ الوَعْي والشُّعور بالمسؤولية لدى الآباء، وأولياء الأمور؛ للتفاعل مع الأنشطة الدعوية النسوية المختلفة.

وفيما يأتي خلاصةٌ لاستبيان قامتْ به الباحثةُ لمجموعةٍ من الدَّاعيات المستهدَفات، على تفاوتهن في المستوى العلمي والدعوي؛ بغيةَ الوقوف على تحسين المخرجات الدَّعويَّة النسوية:

أوَّلاً – في الجانب النفسي:

هناك جملةٌ من المُحفِّزات التي تُساعد على تحسين مخرجات الدَّعوة النسوية:

  • شَحْذ الهِمَم من خلال الاطِّلاع على ما يَقوم به النَّصارى في مجال دعوتهم، مع كونِهم على ضلالٍ وانحراف.
  • الشُّكر على المعروف، والثَّناء على الأمر الحسَن في جانب الدعوة النسويَّة.
  • صِدْق العزيمة والإيمان بِجَدوى العمل الدعويِّ النسوي.
  • دَعْم الأهل وتشجيعهم للداعيات في مجالهن.
  • استشعار الأجر والثَّواب عند الله تعالى، وهذا ما يُسمَّى بالجانب التَّطوعي.
  • الاهتمام بالعمل النَّاجح ومتابعته والدَّفع به إلى الاستمراريَّة.

ثانيًا – في الجانب التربوي:

  • إقامة الدَّورات التربويَّة، وتأهيل وإعداد الداعيات تربويًّا، ومن الدورات المقترَحة: كيفية اكتِشاف الطاقات وتفعيلها • تربية الأبناء – تربية الذَّات – فنُّ الإلقاء – الخطابة المؤثِّرة – الحوار بالآيات، والحوار بالعِبْرة والحوار بالقصص – الهَدْي النَّبوي في الجانب التربوي.
  • القراءة المستمِرَّة والمتراكِمة بصورة يوميَّة، وخاصة كتب السِّيَر، وعلى وجه الخصوص سِيَر الصحابيَّات والتابعيات وأمثالهن.
  • اللِّقاء بالقدوات ومحاولة تلَمُّس خبراتهن الشخصيَّة في المجال الدعوي.

ثالثًا – في الجانب العلمي:

  • التأكيد على البناء العلميِّ والفقهي للدَّاعية.
  • اختيار الموضوعات المناسبة التي تتَوافق مع متطلَّبات المرحلة الزمنيَّة.
  • استخدام الوسائل التي تُساعد على جَذْب المدعُوَّات، مثل: العارض الضَّوئي – الفلاشات الإلكترونيَّة – الإعلانات الجذَّابة – العبارات الحسَنة – الشبكة العنكبوتيَّة – الرسائل الوُدِّية بين الدَّاعية والمدعوَّة.

_____

* المصدر: الألوكة.

مواضيع ذات صلة