الانفصام الدعوي (2 /5).. مع النفس

الكعبة تتحدث مع الطائفين.. فماذا تقول لهم؟

 فيصل الزامل

الكعبة تتحدث مع الطائفين.. فماذا تقول لهم؟

الكعبة تتحدث مع الطائفين.. فماذا تقول لهم؟

تهدمت أجزاء من الكعبة المشرفة قبيل البعثة، وعندما جمعت قريش المال لإعادة بنائها استبعدت من أموال التبرعات ما كان مصدره السرقة أو النهب والغصب، واستبعدت الكسب من الربا، والصدقة من  بغي، وقالوا: “هذا بيت الله الطاهر، لا يبنى إلا بمال طاهر”، وقد أدى ذلك إلى نقص المال اللازم لإعادة البناء، فقرروا أن يكتفوا ببناء ثلثي الكعبة، وأن يحيطوا الثلث المتبقي بجدار منخفض، يتم الطواف من خلفه، وقالوا: “لئن تبنى الكعبة ناقصة خير من أن تبنى بمال  حرام”.

وبعد أن استتب الأمر للنبي -صلى الله عليه وسلم- قرر أن يبقيها على حالها وقال: “يا عائشة،  لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية لهدمت الكعبة وبنيتها على ما بناه أبي إبراهيم”.

ثم، في فترة حكم ابن الزبير للحجاز، تعلقت نار بأستار الكعبة فاحترقت، فلما أعاد بناءها أخذ بالحديث الشريف الذي روته خالته عائشة رضي الله عنها، فأدخل الحجر فيها، ورأي أن العهد قد بعد بالجاهلية، وانتفى سبب تأخير إعادة البناء، ثم إن الحجاج انتصر على ابن الزبير، ودخل مكة ورأى ما صنعه في الكعبة، فكتب إلى الخليفة عبد الملك وأعاد الكعبة إلى بنائها السابق، فذهب نفر من التابعين إلى الخليفة في دمشق، وأخبروه بأن ما فعله ابن الزبير صحيح، فلما سألهم الرأي، في أن يهدمها ويعيدها إلى بناء الزبير رفضوا وقالوا: “حتى لا يكثر الهدم والبناء بهذا البيت العتيق”.

إذن.. بقي بناء الكعبة ناقصا إلى يومنا هذا، يطوف به الملايين، ومن يسمع بخبر إعراض قريش عن المال الحرام، ومال الربا لبناء البيت المشرف، لا بد أن يتوقف مليا، فقد رفض “كفار مشركون” أن يبرروا، لأخذ ذلك المال، ولم يقبل أحد منهم أن يدخل في ذمته تلويث البيت العتيق، وأن يحمل معه هذا الوزر في قبره  إلى أبد الدهر، وها نحن نرى بين المسلمين من لا يتورع عما تورع عنه كفار قريش.

إنها حكاية يسمعها كل مسلم زار وطاف واستقبل القبلة، ترويها جدران البيت الشريف لأجيال تتلوها أجيال.

مواضيع ذات صلة