الانفصام الدعوي (2 /5).. مع النفس

حاجة البشرية للدين.. حاجة اجتماعية (2 / 5)

د. رمضان فوزي بديني

إذا كان الحاجة إلى الدين ضرورة روحية وفطرية كما أوضحنا فيما سبق فإنها في الوقت نفسه ضرورة اجتماعية؛ ذلك أن الفرد الذي زكَت نفسه وسمت روحه

التعاون مظهر اجتماعي إسلامي

التعاون مظهر اجتماعي إسلامي

وارتقى سلوكه في ظلال الدين الوارفة.. يكون لبنة صالحة في بناء متكامل الأركان متناسق الألوان، يسرُّ الناظرين، ويسعد المتأملين.

فالدين هو الدرع الواقية والدواء الشافي للمجتمع من أدوائه التي عجزت كل الدساتير والمذاهب الأرضية عن التصدي لها؛ فالحياة الاجتماعية هي مجموعة من العلاقات المتبادلة بين أعضاء المجتمع، ولا بد لهذه العلاقات من ضوابط وقواعد حاكمة يحدد لكل طرف واجباته وحقوقه، وهنا يأتي دور الدين المنزل من الخالق سبحانه وتعالى الذي يعلم ما يصلح عباده؛ فالدين هو الضمانة الحقيقية لضبط العلاقات الاجتماعية بين أعضاء المجتمع.

 يقول د.محمد عبد الله دراز: “ليس على وجه الأرض قوة تكافئ قوة التدين أو تدانيها في كفالة احترام النظام، وضمان تماسك المجتمع واستقرار نظامه، والتئام أسباب الراحة والطمأنينة فيه. والسر في ذلك أن الإنسان يمتاز عن سائر الكائنات الحية بأن حركاته وتصرفاته الاختيارية يتولى قيادتها شيء لا يقع عليه سمعه ولا بصره، ولا يوضع في يده ولا عنقه ولا يجري في دمه ولا يسري في عضلاته وأعصابه، وإنما هو معنى إنساني روحي، اسمه الفكرة والعقيدة” (كتاب الدين لدراز: 98).

ثم يقول: “أجل إن الإنسان يساق من باطنه لا من ظاهره، وليست قوانين الجماعات ولا سلطان الحكومات بكافييْن وحدهما لإقامة مدينة فاضلة تُحترم فيها الحقوق وتؤدى الواجبات على وجهها الكامل؛ فإن الذي يؤدي واجبه رهبة من السوط أو السجن أو العقوبة المالية، لا يلبث أن يهمله متى اطمأن إلى أنه سيفلت من عقوبة القانون” (كتاب الدين لدراز: 99).

 

الجانب الاجتماعي في الإسلام

إن من أهم ما تميز به الدين الإسلامي على غيره من الأديان ذلك الاهتمام الكبير بالبعد الاجتماعي، سواء من خلال التشريعات والأحكام التي توجه وتضبط حركة الفرد مع المجتمع حوله بمختلف دوائره، سواء الدائرة الضيقة التي تضم زوجته وأولاده وبقية أفراد أسرته أو الدوائر الأكثر اتساعا التي يحتك بها من خلال علاقاته الاجتماعية سواء الجيران أو أصدقاء العمل أو غيرهم؛ حيث وضع له تشريعات وآداب تضبط علاقته بكل دائرة من هذه الدوائر.

بل تعدى الأمر إلى ضبط العلاقة بين الفرد وغيره من أبناء الديانات الأخرى، من خلال توضيح ما لهم من حقوق وما عليهم من واجبات، تكفل لهم حياة طبيعية ومستقرة داخل المجتمع المسلم.

وإذا نظرنا إلى الحدود التي شرعها الإسلام فإننا نجد فيها ضمانة وحماية للمجتمع من الكثير من الآفات والأمراض التي تصيب أفراده فتصيب بنيان المجتمع كله، وتجعله معرضا للتدمير والهدم، فجاءت هذه الحدود لتحول بين الأفراد ونوازع النفس والشيطان التي تفعل الأفاعيل إذا ترك لها الحبل على الغارب.

وإذا نظرنا إلى جانب الأخلاق فإننا نجد أن الشريعة الإسلامية جاءت لترسخ في الأرض الأخلاق الفاضلة التي تضبط العلاقات الاجتماعية بين الأفراد، وهو ما عبر عنه القرآن الكريم في إخباره عن الرسول الكريم {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (القلم: 4)، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم عن نفسه: ‏”إنما بُعثت لأتمم صالح الأخلاق” (مسند أحمد). وجاءت الآيات القرآنية والأحكام الشرعية كلها لتصب في هذا الاتجاه.

والمتأمل لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: “اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن” (رواه الترمذي).. يجد أنه حدد علاقة الفرد بثلاث دوائر هامة لا ينفك عن أحدها؛ أولها دائرة علاقته بالله تعالى، وهي مبنية على التقوى وإتيان الأوامر واجتناب النواهي، ثم دائرة النفس والنجاة بها وهي مبنية على فعل الحسنات ليمحو الله بها السيئات حتى ينقذ نفسه من العذاب يوم الدين، ثم الدائرة الثالثة وهي علاقة الفرد بالناس حوله، وهي مبنية على التخلق بالأخلاق الحسنة الفاضلة، ويلاحظ هنا أن هذه الأخلاق مأمور بها مع الناس كل الناس بغض النظر عن دياناتهم وأجناسهم.

أمة الجسد الواحد

إذا كانت هذه هي فلسفة الإسلام في التعامل مع المجتمع بكل طوائفه وملله؛ فإن الأمر يكون آكد وأولى في التعامل مع أبناء الدين الإسلامي؛ ذلك التعامل الذي يعد شعاره هو “أمة الجسد الواحد”، انطلاقا من قول الرسول صلى الله عليه وسلم: “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى” (متفق عليه).

ورتب الرسول صلى الله عليه وسلم للمسلم حقوقا على أخيه المسلم فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: “حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ . قِيلَ مَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ، وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ، وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَشَمِّتْهُ، وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ، وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعْهُ” (رواه مسلم).

وحرص الإسلام أيضا على العناية بالضعفاء في المجتمع فرتب لهم حقوقا يتميزون بها عن غيرهم بحيث تجبر ضعفهم؛ فرتب حقوقا للفقراء والمساكين وأبناء السبيل والغارمين من خلال الزكوات التي تؤخذ من الأغنياء وترد عليهم، ثم أولى عناية خاصة باليتيم والمرأة، وهو ما لم يتحقق في أي دين آخر سوى الإسلام.

والواقع يشهد بأنه ما من زمان أو مكان طبقت فيه الشريعة الإسلامية بصورة صحيحة إلا عمت مظاهر الترابط والتراحم والتكافل والتواد بين أفراد المجتمع، وخلت منه مظاهر العنف والجريمة والإرهاب التي تقف كل القوى الأرضية عاجزة عن محاربتها والقضاء عليها.

مواضيع ذات صلة