الانفصام الدعوي (2 /5).. مع النفس

دعاة بالغرب يرفضون التحريض على الإسلام بحجة محاربة الإرهاب

تحقيق: هاني صلاح

أكد عدد من رموز الأقليات المسلمة في ثلاث دول بثلاث قارات أن الإسلام مع مبدأ محاربة الإرهاب الذي ينشر الخوف والدمار في أوساط الآمنين، إلا أنهم أبدوا تحفظهم على التطبيق الذي يتعارض مع هذا المبدأ؛ حيث استغلته كثير من الجهات والحكومات لمحاربة الإسلام والتضييق على المسلمين بها.

د. غزالي بن مد

فمن أقصى الغرب، ومن دولة اشتهرت بالتعايش السلمي بين شرائح مجتمعها المتعدد الأعراق، أوضح حسين علي الصيفي، الناشط في مجالات الدعوة والإعلام في البرازيل، في تصريحات لـ”المجتمع»، أن الحرب على الإرهاب أصبح حديثاً، من أولويات الدول الكبيرة والصغيرة، بعدما كان قديماً وحديثاً من أولويات الشريعة الإسلامية.

وأكد الصيفي، وهو مدير مكتب هيئة الإعجاز العلمي في القرآن والسُّنة في البرازيل، أن الإسلام حارب القتل بالقصاص، والسرقة وقطع الطرقات وغيرها من أمور إرهاب الناس بالحدود، مؤكداً أن هذا لا يستطيع أن ينكره أحد؛ حيث إن مجابهة الفساد والإرهاب وتحقيق الأمن والسلام للناس هو من أصول ديننا الحنيف وأهدافه.

وحول موقفهم في البرازيل خاصة وفي أمريكا اللاتينية عامة من شعار «الحرب على الإرهاب» الذي يتداوله كافة الرؤساء والسياسيين ووسائل الإعلام العالمية والمحلية في مختلف دول العالم، قال الصيفي: نحن المسلمين في البرازيل أو الجالية الإسلامية في قارة أمريكا اللاتينية نسعى جاهدين من أجل أمن أوطاننا ومجتمعاتنا، والمشاركة في محاربة أي فساد قد يؤدي إلى إرهاب الناس، مشيراً إلى أن هذا هو موقف المسلم الصحيح في أي مكان من العالم.

وعلى الرغم من إشارته إلى أنه ليس في أمريكا اللاتينية أعمال إرهابية، فإنه قال بأسف: أساءت إلينا كثيراً، وأرهقتنا تصريحات كثيرة من المسؤولين في الفترة الأخيرة تحرّض على الإسلام والمسلمين بحجة محاربة الإرهاب.

واستنكر مثل هذه التصريحات التي فيها كثير من الدعوة إلى الظلم والتمييز العنصري والإرهاب، مشدداً على رفضهم للتصريحات العشوائية سواء أكانت على المستوى الإقليمي في قارتنا أو المستوى المحلي في دولتنا البرازيل.

وبديلاً عن التصريحات العشوائية، أكد الصيفي أنهم دائماً مع الحق والعدل وأمن الناس، ومع كل تصريح أو عمل يصل بنا إلى منع إرهاب الناس وتحقيق أمنهم.

حق يراد به باطل

وحذر الصيفي من أن الجالية الإسلامية أصبحت مستهدفة تحت هذا العنوان الكبير الذي هو حق أريد به باطل في كثير من الأحيان، وضرب مثالاً على ذلك بوجود حملة عشواء ضد المسلمين في البرازيل عبر شبكات التواصل الاجتماعي وحتى من خلال الإعلام، موضحاً أن سببها اعتزام الحكومة البرازيلية استقبال مليوني لاجئ مسلم شردتهم الحرب في سورية في السنوات القليلة القادمة.

ولفت إلى أن تلك الحملة تنشر شائعات باطلة عن هؤلاء اللاجئين الذين تعتزم البرازيل استضافتهم، حيث يدعي أنصار هذه الحملة أن هؤلاء اللاجئين إنما هم إرهابيون وسيقتلون الناس في البرازيل ويدمرون البلاد، مشيراً إلى أن الأمور تطورت بشكل خطير ووصلت إلى حد تهديد كثير من المسلمين من أبناء الجالية المسلمة في أمريكا اللاتينية بالقتل عبر “الفيسبوك” أو “البريد الإلكتروني”.

وإزاء تصاعد هذه الحملات المحرضة على المسلمين تحت شعار محاربة الإرهاب، شدد الصيفي على أنه أصبح الآن من واجب الجالية الإسلامية أولاً وضع نظام إعلامي يعرّف بحقيقة الإسلام للناس، حتى يتبين لهم الحق من الباطل، ويمكن أن تبدأ الجاليات المسلمة في العالم بالتعاون مع مكاتب الإعلام المحلية وتحقيق أهدافها من خلالها.

وأكد أن هذا الأمر أصبح فرض عين على كل مسلم أن يشارك فيه، مؤكداً ضرورة أن تبين الجاليات والمؤسسات أعمالها الاجتماعية والخيرية والثقافية بالإعلام المحلي، بالإضافة إلى أهمية تأليف كتاب لكل دولة يبين فضل المسلمين في إعمار هذه الدولة وأهميتهم فيها.

ألمانيا.. 5 نقاط

ومن قلب أوروبا، ومن دولة تقود قاطرة الاتحاد الأوروبي السياسية والاقتصادية معاً، أكد سمير فالح، رئيس التجمع الإسلامي في ألمانيا، أمين عام اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا، أن الإرهاب وما يتعلق به أصبح اليوم من الموضوعات الأكثر تناولاً على عديد الأصعدة والمستويات، وأوضح أنه لفهم هذه الظاهرة وشكل التعامل معها لا بد من الوقوف عند عدد من النقاط المهمة، وأجملها في خمس:

1- موضوع الإرهاب اليوم يرسم السياسات ويبني المواقف ويحدد التحالفات، لقد أصبح مدار الحياة اليوم أو هكذا أُريد له، ولعل تاريخ 11 سبتمبر 2001م هو العلامة الفارقة في ذلك.

2- كلما ذُكر الإرهاب ذُكر معه الإسلام، إما تلبيساً له به أو نفياً للعلاقة به، والثابت أن المسلمين ضحية مرتين للإرهاب؛ العمليات الإرهابية لا تفرق بين المسلم وغيره، والإحصاءات أثبتت أن المسلمين يمثلون نسبة كبيرة من ضحاياه، كما أن أصابع الاتهام سريعاً ما توجه إلى المسلمين، وهم متهمون حتى يثبت العكس.

3- التعامل مع مقولة «أولوية الحرب على الإرهاب» لها وجهان؛ الأول مبدئي، والثاني سياسي، أما المبدئي فلا يمكن لذي فهم سويّ أن يقف مع الإرهاب أو يعتبره شيئاً عابراً فضلاً عن أن يتبناه، وأما السياسي فهو تقدير الموقف في كل شكل من أشكال التعامل مع هذه المقولة: ما حجم التعامل؟ مع أي الشركاء يكون هذا التعامل؟ ماذا يُرجى من هذا التعامل؟ وما مآلاته؟

4- القول بهذه الأولوية يجب ألا يصرف نظرنا عن الأسباب الحقيقية وراء هذه الظاهرة، فلا نعالج عوارض المرض ونترك المرض نفسه، إن واقع الظلم من جهة والجهل (وخصوصا بالدين) من جهة أخرى يعتبران عاملان أساسيان في وجود هذه الظاهرة، والانتصار في هذه الحرب لن يتحقق بدون معالجة هذين العاملين.

5- في انعكاسات هذا الموضوع على مسلمي أوروبا؛ منذ انطلقت هذه «الحرب على الإرهاب» وما صاحبها من تسويق إعلامي لنظرة أحادية تضع الإسلام والمسلمين في دائرة الاتهام، وأوضاع الحريات عامة وللمسلمين خاصة في تردٍّ مستمر، فكم من القوانين والتشريعات وجدت طريقها إلى الاعتماد والمصادقة، ولم تكن هذه الحرب في ذلك إلا مسرعة في هذه الخطوات ومبرّرة لها، كما أن الاعتداءات على الأشخاص والممتلكات قد زادت بشكل واضح ومثير للانتباه.

ظلم وجهل

وحول الدور الإيجابي المطلوب من مسلمي أوروبا للتعامل مع هذه القضية، قال فالح: الواضح عندي أن موقف الصمت والانسحاب ليس هو الأصح وإن كان هو الأسهل والأقل تكلفة، والقول: إننا كمسلمين غير معنيين بهذا الأمر مجانب للصواب، صحيح أن المسلمين هم ضحية للإرهاب، صحيح أن هناك أنواعاً أخرى من الإرهاب لا بد من التركيز عليها ومنها ما يجد دعماً من دول، لكن الصورة الطاغية على الإنسان العادي هي ربط الإسلام والمسلمين بالإرهاب، وعلينا القيام بما في الوسع لتغيير هذه الصورة.

وشدد على أنه كما يجب علينا اختراق الحواجز والحجب التي يضربها حولنا الإعلام للوصول إلى المواطن العادي، ولكن أيضاً للوصول إلى أصحاب القرار وصناع الرأي، واستطرد: أن توجَّه إليك تُهم أنت على يقين أنها باطلة لا يعني أن تصمت وتترك الساحة لغيرك لكي يزيد هذه التهم تثبيتاً، هي نفس صور الصراع تتكرر عبر العصور والأزمنة؛ تشويه وكذب وتُهم باطلة في مقابلها صبر ومصابرة ومحاججة، هي سنة التدافع.

وختاماً؛ شدد فالح على أنه لا بد من إيجاد وسائل مبتكرة لتوضيح المواقف ودفع التّهم، وأن نكون في ذلك أصحاب المبادرة نبحث عن الوسائل الأكثر تأثيراً وعن المساحات الأكثر أهمية، ونركز على الأسباب العميقة لهذه الظاهرة ونبتعد عن معالجة الأعراض.

تايلاند.. تعارض المبدأ مع التطبيق

ومن أقصى الشرق، ومن منطقة جنوب شرق آسيا، وتحديداً من دول متعددة الأعراق تعيش بها أقلية مسلمة على أراضيها، أكد د. غزالي بن مد، عميد كلية الدراسات الإسلامية والقانون، جامعة فطاني، جنوب تايلاند، أنه مبدئياً موقفنا متناسق مع أصل الفكرة التي ترى أن الإرهاب يعد ظاهرة خطيرة على الأسرة الإنسانية جمعاء، ونؤمن بأنه يجب على كل الدول التعاون معاً للقضاء على ظاهرة الإرهاب بكل صورها حتى تنمو الأخوة الإنسانية بين الشعوب جميعاً ولخير الجميع.

وتابع: هذه الفكرة (محاربة الإرهاب) تطابق القيم الإسلامية في الأصل؛ لأن أمن المجتمع من مقاصد الشريعة والتي حددتها في حفظ النفس والمال.

لكن المشكلة ليست في المبدأ وإنما في التطبيق – حسب د. مد – حيث إن الدول العظمى تفكر بعقلية المستعمر، وتستخدم مصطلح محاربة الإرهاب لوصف الشعوب التي تقاوم الاستعمار، كما أنها تفعل عكس هذا المبدأ بدعم حركات إرهابية بالدول العربية والإسلامية لزعزعة استقرارها؛ ومن ثم السيطرة عليها عبر التدخل في شؤونها بزعم محاربة الإرهاب؛ لذلك تصريحاتهم ضد الإرهاب تفقد المصداقية عند عقلاء العالم.

وحول الموقف العملي المطلوب من المسلمين إزاء هذه الظاهرة العصرية، أكد د. مد أنه ليس أمام المسلمين سوى التمسك بالمبدأ الإسلامي في محاربة الإرهاب وهو يتوافق مع التصريحات المعلنة، ثم على المسلمين في كافة أنحاء العالم توضيح مبادئ دينهم للشعوب الإنسانية، ومواصلة دعوتهم للإسلام، وهو أسرع الرسالات السماوية انتشاراً الآن في العالم بالرغم من كافة الحملات سواء السياسية أو الإعلامية المغرضة والمحرضة عليه بزعم الإرهاب.

—–

* المصدر: مجلة المجتمع.

مواضيع ذات صلة