الانفصام الدعوي (2 /5).. مع النفس

الإسلام والأمن الروحي للإنسان

أبو عبد الرحمن الإدريسي

الأمن الروحي

اطمئنان القلوب بذكر علام الغيوب

كثيرةٌ هي الكتب النّفسية والاجتماعيّة التي تطرقت لعلاقة الدين بالأمن الروحي والنّفسي la paix spirituelle et psychologiqueللإنسان، وتتّفق كلّها على أنّ القلق هو السبب الرئيسي في اضطربات الحياة النّفسيّة للشخص، وافتقاده للأمن الروحي الذي يحقق له نوعاً من الاندماج والتحصين أمام الأمراض النّفسيّة المختلفة، ويمدّنا الإسلام بطرق تنمّ عن نجاح الإيمان بالله في شفاء مختلف الأمراض التي تعتري الشخصيّة، وتحقيق الشعور بالطمأنينة والسكينة، فالإنسان إن تشرّب العقيدة الإسلاميّة منذ الصغر يكتسب مناعةً قويّة ضد هذه الأمراض، فمن نتائج الإيمان في القرآن الأمن الروحي وذلك في قوله تعالى: {الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب} (الرعد: 28).

هذه الطمأنينة القلبيّة نابعةٌ من كون المسلم يعتقد في عون الله ورعايته وحمايته، فهو دائم التوجّه إليه سبحانه، يأنس بالله في وحشته، فما أسوأ شيء يمكن أن يحدث له؟ أن يموت؟ فالموت هو انتقالٌ إلى الرفيق الأعلى حيث الجنّة التي طمح إليها سنينَ عديدة، ونظرة المؤمن إلى المصيبة تختلف عن نظرة الملحد، فالأول يعلم يقيناً أنها جوهر الحياة القائم على الامتحان والابتلاء الذي يؤجر عليه حين صبر، في حين أن الثاني يجزع ويغتمّ فهو يعتقد في هذه الحياة فقط إن ضيّعها ولم يعشها في رخاء لم تكن له فرصةٌ أخرى وكان مصيره الزوال.

فالمسلم يؤمن بقول الله تعالى: {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون} (الأحقاف: 13)، وفي قوله تعالى: {إن الله لا يغفر أن يُشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما} (النساء: 48) .. فيكفي أن الإنسان يستقيم على الصراط المستقيم فيضمن الجنة، وقد جاء في الحديث: أن رجلا سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم – فقال: أرأيت إذا صليت المكتوبات – أي الصلوات الخمس -، وصمت رمضان، وأحللت الحلال، وحرمت الحرام، ولم أزد على ذلك شيئا، أأدخل الجنة ؟ قال: (نعم) رواه مسلم.

فتنتابُ المسلم ثقةٌ في الله تعالى تريح قلبه ووجدانه، ومن ذلك قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: “جعل اللَّه الرّحمة في مائة جُزء، فأمسك عنده تسعة وتسعين جُزءًا، وأنزل في الأرض جزءًا واحدًا، فمِنْ ذلِك الجزء يتراحم الخلق حتى ترفع الفرس حافرها عن ولدها؛ خشيةَ أن تصيبَه” رواه البخاري.

إن من مقتضيات الإسلام أن يعلم المؤمن أنه في هذه الدنيا عابر سبيل، لا يلبث إلا أن ينتقل إلى الحياة الآخرة، فتكون دنياه مبنيّةً على هذا المفهوم، ويكون مهيّأ للعمل الصالح، لا يخاف مصائب الدّهر، ودواهي الأيّام، في مختلف الجوانب، ويؤمن بالقضاء والقدر وأنه لن يصيبه إلا ما كتب الله له.. وبالتالي لا يعيش مهموماً أسير الماضي أو يقول: “لو فعلتُ كذا لما أصابني هذا”، ولا يحمّل نفسه خطأ مرضيّاً كما يُلاحظ عند الغرب، وتأمّل معي الوصيّة النبويّة: “المؤمنُ القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى اللَّهِ منَ المؤمنِ الضَّعيفِ، وفي كلٍّ خيرٌ، احرِص على ما ينفعُكَ، واستِعِن باللَّهِ ولا تعجِزْ، وإن أصابَكَ شيءٌ، فلا تقُل: لو أنِّي فعلتُ كان كذا وَكَذا، ولَكِن قل: قدَّرَ اللَّهُ، وما شاءَ فعلَ، فإنَّ لو تَفتحُ عملَ الشَّيطانِ” رواه مسلم .

فالإنسان المسلم لا يخاف من الأشياء التي يخاف منها الناس عادةً: كالموت والمرض والفقر ومصائب الدّهر (راجع مقال: “الانفعالات النفسية في القرآن وتوجيهها فيما ينفع” على الشبكة الإسلامية) فيكون أجلد من غيره على تحمّل المصائب والنوائب؛ لأن الابتلاءات في حقيقتها منحٌ تثقل ميزان العبد بالحسنات. وفقدان الإيمان بالله يجعل الحياة خالية المعاني، وينحرف عن مقصد خلقه، فتتلقّفه الهموم والمشاعر المزعجة، كالإنسان الذي يخرُّ من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق: {ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق} ( الحج: 31).

إن اتباع المنهج الإسلامي لكفيلٌ بتحصين الإنسان من الآفات النّفسية، والأمراض التي قد تتطوّر إلى عقليّةٍ، فإن كان علماء النّفس يقرّون بأهميّة الدين في علاج تلك الأمراض والمشاكل، فماذا سنقول عن الدين الحق والرسالة الخاتمة، بامتيازاتها العقديّة والتشريعيّة، وخصائصها العبادية والنّفسية؟

اليوم ندعوك أيها الشاكّ من هذا المنبر، أن تقف وقفةً مع نفسك، وتفكّر مليّاً في كلام هذه المقالة أعلاه، وتيقّن أنه حان الوقت لأن تقول: كفى ! كفى من الحيرة والشكّ، وكفى من الضياع والتيه، قل للقلق كلاّ، وللاكتئاب قد اكتفيتُ من مهالكك ووساوسك، وأقبل على الله، تجده اتجاهك، وارتق في مراتب الإيمان تفز بالأمن الروحي الدنيوي والأخروي .

______________

المصدر: موقع إسلام ويب.

مواضيع ذات صلة