الانفصام الدعوي (2 /5).. مع النفس

الشعر ومناصرة الدعوة في رأي د.عبدالمنعم يونس

حوار: إحسان السيد مصطفى

يترأس د.عبدالمنعم يونس- أستاذ الأدب والنقد بجامعة الأزهر- جمعية رابطة الأدب الإسلامي العالمية، وهي هيئة أدبية عالمية تضم أدباء وشعراء إسلاميين، وتلتزم بالبعد الديني بعيدا عن الصراع الديني والحزبي.

الأدب الإسلامي

الشعر له دور في نصرة الدعوة عبر التاريخ

وقد نشأت رابطة الأدب الإسلامي العالمية عام 1985، وأقامت الكثير من الندوات الأدبية في بلدان عربية وإسلامية، مثل مصر والأردن والهند وتركيا والمغرب وغيرهم؛ لحث الأدباء والشعراء والكتاب على تأصيل المعاني والمفاهيم الأدبية وتوظيفها لخدمة قضايا العالم العربي والإسلامي..

«الوعي الإسلامي» التقت د.عبدالمنعم يونس الذي أكد أنه لا خصومة بين الإسلام والشعر، وأن الإسلام ارتقى بالشعر والشعراء، وأوجد تماثلا تاما بين ما يقول الشعراء المسلمون وما يفعلون، وأوضح أن الأدب الإسلامي قادر من خلال المؤمنين به والملتزمين بقيمه وأصوله على الدفاع عن قضايا الأمة وحماية مصالحها في شتى المجالات والميادين، وقال: إن الشعر الإسلامي لم يتوقف عن مناصرة الدعوة الإسلامية منذ عصر النبوة حتى الآن، وأوضح أن الإيمان دخل قلوب الشعراء المسلمين فالتزموا بمبادئ الإسلام وتعاليمه وخرجوا من دائرة الإفساد والإغواء، وجاءت أشعارهم منسجمة تماما مع أخلاق الإسلام..

وإليكم نص الحوار..

* ما الدور الذي قام به الشعر في خدمة الدعوة الإسلامية خلال عصر النبوة والعصور التي تليه؟

– لقد قام الشعر في صدر الإسلام بدور رائد في نصرة الدعوة الإسلامية؛ فقد وقف الشعراء المسلمون خلف رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ينصرونه بأسنتهم كما نصروه بألسنتهم.

والتاريخ الإسلامي يشهد بأن شعراء عظاما أمثال حسان بن ثابت وكعب بن مالك وعبدالله بن رواحة استطاعوا أن يدافعوا بشعرهم عن أعراض المسلمين التي حاول شعراء المشركين سلبها، كما نجح الشعراء المسلمون في تسجيل الأحداث التي تعرضت لها الدعوة الإسلامية، فأذكوا حرارة الوطنية بألحانهم وحماس الفدائية وأمتعوا أحاسيس الأمة.

ولا يستطيع أحد أن يحيط بجميع الشعراء الذين كان لهم دور فاعل في خدمة الدعوة الإسلامية، والتصدي لشعراء المشركين الذين هاجموا الإسلام والمسلمين، بل لا يستطيع أن يحيط بشاعر واحد من هؤلاء.

وإذا كان الله سبحانه وتعالى قد نفى عن رسوله الشعر في قوله تعالى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} (يس: 69)، فإنه –صلى الله عليه وسلم- اتخذ من الشعر سلاحا لنصرة الدعوة الإسلامية؛ لأن المشركين في أول معاركهم الكلامية مع المسلمين ما كانوا يؤمنون بالقرآن أو يتأثرون بما وصفهم به من سمات المروق عن الدين، وعبادة الأصنام والأوثان، فلابد إذن والأمر كذلك من قيام الشعراء المسلمين بالرد على المشركين بنفس الأسلوب الذي إستخدموه ضد رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ومن معه من المسلمين، خاصة أن الرسول –صلى الله عليه وسلم- أفهم هؤلاء الشعراء أن القرآن لم يعارض الشعر من حيث هو شعر، وإنما أنكر على المشركين استخدامهم ذلك اللون من الكلام في الهجوم على أعراض المسلمين وصدهم عن الدعوة الإسلامية، فقام حسان بن ثابت رضي الله عنه ومن معه من شعراء المسلمين بدورهم الذي سجله لهم تاريخ الشعر العربي ورصدته لهم كتب السيرة.

الشعر وخدمة الدعوة

* هل توقف دور الشعر الإسلامي في مجال خدمة الدعوة على عصر النبوة فقط؟

– لم يتوقف دور الشعر الإسلامي في خدمة الدعوة عند تلك الفترة فحسب، بل استمر يؤدي دوره في مختلف العصور بداية من الفتوحات الإسلامية التي قام بها سيدنا أبوبكر الصديق رضي الله عنه، وسيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى عصرنا هذا، والذي يتتبع دور الشعر في الحروب الصليبية يجده قد حرك همم الأمة الإسلامية، ودفعها إلى الوقوف صفا واحدا أمام الصليبيين.

وعندما توحد المسلمون بقيادة صلاح الدين الأيوبي، وهزم الصليبين في حطين قام الشعراء يرصدون ذلك الحدث، ويهنئون الأمة الإسلامية بهذا النصر المبين.

ويستمر الشعر يؤدي دوره في خدمة الدعوة الإسلامية، ما دام هناك لسان ينطق، وعقل يعي، وقلب ينبض، ولقد رأينا الشعر في العصر الحديث يؤدي دوره أيضا في خدمة الدعوة وقضايا الأمة، فيلهب حماس الجند في حرب فلسطين وفي المعارك التي خاضتها الأمة الإسلامية من أجل تحرير أرضها من الاستعمار الأوروبي.

* في رأيكم.. كيف يمكن إحياء التراث الشعري الإسلامي للأمة، والاستفادة به في مناصرة قضايا الأمة في واقعنا المعاصر؟

– الشعر هو جوهر التراث الفكري والثقافي للأمة العربية والإسلامية، وهو الفن الذي صدح به الشعراء تخليدا لمآثر أمتهم، وتمجيدا لعظمة أبطالهم، وحفزا لهمم رجالهم وفرسانهم، والشعر عنوان حضارة الأمة، والنافذة التي ترى من خلالها نهضتها ورقيها، وإحياءً هذا التراث ومحاولة عرضه بصورة لائقة رائعة يمثل إحياءً لتراث أمة وبعثًا لدور أجيال عديدة.

ولا يمكن لأمة أن ترقى وتنهض وتساير تطورات الحاضر وتطلعات المستقبل إلا إذا استلهمت من ماضيها دليل حاضرها، وأخذت من تراثها مشعلا يضيء لها طريق مستقبلها، وقد وقف الشعر الإسلامي مسجلا لأهم الأحداث العظيمة والاجتماعية.

* هناك من يزعم أن الإسلام يعارض الشعر والشعراء استنادا إلى نفي الله تعالى الشعر عن رسوله في قوله تعالى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ}.. فما رأيكم في ذلك؟

– إن موقف الإسلام من الشعر عبرت عنه آيات القرآن بوضوح، فعندما أعلن الرسول –صلى الله عليه وسلم- الدعوة الاسلامية، وجهر بها في ربوع الجزيرة العربية لم يتقبلها العرب طواعية، وإنما قاوموها مقاومة شرسة، والشعر أيضا لم يقف بمعزل من هذه الخصومة التي دارت بين المشركين ورسول الله –صلى الله عليه وسلم-، فوقف الإسلام من هؤلاء الشعراء موقفا تردد كثيرا في القرآن الكريم.. مرة يرمي هؤلاء الشعراء بالغي والضلال، وأخرى ينفي الشعر عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وعن القرآن، وذلك في قوله تعالى: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ}(الشعراء: 224).

ولقد حاول العرب في مقام التعمية على القرآن الكريم للتقليل من قدر رسول الله –صلى الله عليه وسلم- حتى يستطيعوا التوصل من ذلك إلى رميه بالجنون، كما كان يحدث منهم عندما يتقدم بشعرائهم الزمن، وتختلط الأفكار في عقولهم، فيصابون بالجنون، فيحبسونهم حتى الموت.

ولكن هذا لا يفضي بالإسلام إلى طرد الشعراء الذين دخل الإيمان في قلوبهم، فالتزموا بمُثله ومبادئه وتعاليمه، وهذا الالتزام يخرجهم من الإفساد والإغواء، وينأى بهم عن أودية الشر والضلالة، ويخلق تماثلا بين ما يقولون وما يفعلون.

فالإسلام لم يعارض الشعر من حيث هو شعر، وكيف يصنع ذلك وهو يعلم أن الشعر أرقى ما وصل إليه العرب من فنية القول وجمالية التعبير؟

وقد انطلق رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في تقييمه للشعر من منطلق إسلامي أخلاقي، ذلك أنه –صلى الله عليه وسلم- يعلم أن الشعر سلاح فعال يحتاج إليه كل صاحب دعوة، وهو يعلم أن هذا السلاح استمر قرونا مسيطرا على قلوب العرب وأفكارهم، وأنهم يتأثرون بأنغامه، وجميل منسجه، وأن القرآن أتى ليخاطب هؤلاء العرب بقوة بيانه، وإحكام بنائه، فحاجهم بالإتيان بمثله، فلم يستطيعوا، فكان لا بد من توجيه ذلك الفن توجيها يخدم الدعوة الإسلامية، ويدافع عن أعراض المسلمين، ويقف موقفا مناقضا لذلك أمام ذلك الشعر الذي سخره المشركون لمهاجمة رسول الله –صلى الله عليه وسلم-.

* ما دور رابطة الأدب الإسلامي العالمية؟

– ينبغي أن ندرك أن الرابطة تركز على الاهتمام بكافة قضايا الأمة العربية والإسلامية وأزماتها المتلاحقة، لكنها تنتهج منهجا خاصا لمعالجة مشاكلها وقضاياها المستجدة، وتعمل على الدفاع عن مقدساتها الدينية عبر التعريف بالأصول والثوابت الإسلامية، وعدم الدخول مع الغير في قضايا خلافية أو قضايا يمكن أن تُفسد على الرابطة قيامها بنشر الأدب الهادف في سبيل مواجهة الأدب المنحرف دون صراع.

___

* المصدر: الوعي الإسلامي.

مواضيع ذات صلة