الانفصام الدعوي (2 /5).. مع النفس

منهج الإسلام في حفظ الحياة

سمر عصام

الإسلام والحق في الحياة

قيمة الحياة في الإسلام تسع الجميع

الحقوق والحريات دليل إنسانية البشر، وهي التي تفرقهم عن الحيوان وسائر المخلوقات، وهي تعد مقياساً للحضارة، ومعياراً للرقي.

ومن الأمور الثابتة أن الإسلام عرف فكرة الحقوق والواجبات الإنسانية منذ القرن السابع الميلادي، وقد قرر لها الضمانات التي تكفل حمايتها من استبداد الحكام واعتداء المحكومين.

والحقوق والحريات الإنسانية وعلى رأسها حفظ الحياة قد تقررت للمسلمين أينما كانوا ولغير المسلمين المقيمين في دار الإسلام، وذلك عملاً بالإخاء الإنساني وقواعد العدل والمساواة التي تقوم عليها الدولة الإسلامية.

هذا، وإن قائمة الحقوق والحريات الإنسانية للمحكوم في الإسلام تشمل أنواعاً عديدة: منها ما يتعلق بوجود الإنسان كحق الحياة، ومنها ما يرتبط بشخصيته واطمئنانه كالحرية الشخصية وحرمة المنزل، ومنها ما يتصل بفكره وثقافته كحرية الرأي وحرية التعليم، ومنها ما يختص بماله كحق الملكية، ومنها ما يرتبط بمعاشه وتأمين احتياجاته كحق العمل والتضامن الاجتماعي معه.

ومن البديهي أن يكفل حق الإنسان في الحياة، لكن هذا الحق لم يكن قبل الإسلام معترفاً به لجميع الناس، فقد كانت بعض الشرائع القديمة تجيز قتل الأرقاء وتولي رئيس العائلة حق الحياة والموت على أفرادها لما كان الحال عند الرومان، أو قيام الوالد بوأد بناته عند الولادة، كما كان الحال في عصر الجاهلية، أما الإسلام فقد صان الحق في الحياة، فمنع قتل الغير بدون حق، ومنع قتل النفس بالانتحار.

وذلك في الآيتين الكريمتين {وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ} (الإسراء : 33)، {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُم} (النساء: 28).

وقد رأى الإسلام في حماية الإنسان من القتل حفاظاً على النوع البشري بأسره، والاعتداء عليه بالقتل كأنه إفناء للبشرية جمعاء، وذلك عملاً بقوله تعالى: {مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً} (المائدة: 32).

والحق في الحياة في الإسلام ليس مقصوراً على المسلمين فقط، بل هو مكفول لغير المسلمين الذين يقيمون في دولة الإسلام، فقد جاء في صحيح البخاري مرفوعا :”مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا”.

ففي الحديث عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (لزوال الدنيا أهون علي الله من قتل رجل مسلم) أخرجه النسائي.

ولا يجوز للحاكم المسلم أن يعذب أحداً أو يعذره سواءً أكان مسلماً أم غير مسلم، في غير حد شرعي أو تعزير فقد ورد أَنَّ هِشَامَ بْنَ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ وَجَدَ رَجُلًا وَهُوَ عَلَى حِمْصَ يُشَمِّسُ نَاسًا مِنْ الْقِبْطِ فِي أَدَاءِ الْجِزْيَةِ فَقَالَ: مَا هَذَا؟ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: “إِنَّ اللَّهَ يُعَذِّبُ الَّذِينَ يُعَذِّبُونَ النَّاسَ فِي الدُّنْيَا” (أخرجه أبو داود).

وقد جاء النهي عن حمل السلاح ضد المسلمين، فعن  أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: “مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا” (أخرجه الترمذي وابن ماجه).

قال ابن دقيق العيد: “فيه دلالة على تحريم قتال المسلمين والتشديد فيه”.

وعن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ومن قتل نفسه بحديدة عذب به في نار جهنم” (أخرجه البخاري ومسلم).

والإسلام لا يعترف بالإقرار تحت الضرب والتخويف لما رواه أزهر بن عبد الله الجرازي أن قوما، من الكلاعيين سرق لهم متاع، فاتهموا أناسا من الحاكة، فأتوا النعمان بن بشير صاحب النبي صلى الله عليه وسلم، فحبسهم أياما ثم خلى سبيلهم، فأتوا النعمان، فقالوا: خليت سبيلهم بغير ضرب، ولا امتحان، فقال النعمان: «مَا شِئْتُمْ، إِنْ شِئْتُمْ أَنْ أَضْرِبَهُمْ فَإِنْ خَرَجَ مَتَاعُكُمْ فَذَاكَ، وَإِلَّا أَخَذْتُ مِنْ ظُهُورِكُمْ مِثْلَ مَا أَخَذْتُ مِنْ ظُهُورِهِمْ»، فَقَالُوا: هَذَا حُكْمُكَ؟ فَقَالَ: “هَذَا حُكْمُ اللَّهِ، وَحُكْمُ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ”. قال أبو داود: إنما أرهبهم بهذا القول أي لا يجب الضرب إلا بعد الاعتراف.

____

* المصدر: موقع إسلام أون لاين.

مواضيع ذات صلة