الانفصام الدعوي (2 /5).. مع النفس

من مظاهر الاستبداد الدعوي!

د.حمزة بن فايع الفتحي

من أنكى الأسقام التي تغلغلت في الجسد الدعوي، وكان لها عميق الأثر السلبي، والتداعيات الكارثية على الدعوة، مرض العصور والأمم والأفراد istibdaaadوالمثقفين والمبدعين، ألا هو “الاستبداد”…! وهو المشار إليه بحديث “وإعجاب كل ذي رأي برأيه”،،! وهذا الإعجاب يمنعه التراجع والتفاهم، وإيثار الحق، بل يصر ويعاند ويكابر! وإذا استشار فإنما هي مسرحية لتسويق رأيه القاطع، وبيانه الساطع!

وهذا الاستبداد يأخذ أشكالا شتى منها:

1/المركزية المطلقة: المتجاوزة للأمور الإدارية والتنظيمية والفنية إلى أعمال النظافة والصيانة، ومتابعة كل هين دقيق، وإلغاء مبدأ التفويض الإداري، وتوزيع المهام، بحيث تُكمّم الأفواه، وتخنق الجوارح، وتحاصر من كل عمل، أو مشاركة، إلا بإذن مسبق، وترضية مستذلة!.

2/ الحوار المُجتزأ: بحيث لا يحاور كثيرا، لكيلا تنكشف بضاعته، ولا تُرى فهامته، أو يبرز غيره برأي لماح، أو موظف بسيط بحل مقنع، يحوز به ثناء المشاهدين،،،! فيحاور باختصار، أو يطبخ المحاورة قبل المجيئ، بحيث لا يناقش إلا فلانا وعلانا،، وكُتبت النتيجة والتوصيات،، وانتهى الموضوع،،!!

وقد يتزيا بزي الشورى ومحبة النقاشات والإصغاء، ولكنه لا يفي بأكثر ذلك، وقد يسهب تقديما وتحليلا في فضل المشاورة وعدم الاستعجال الإداري،،،! وعند التطبيق تتبخر كل الزهور الجميلة،،،!

وكما قيل:

ومن قلة الإنصاف أنك تبتغي *** المهذب في الدنيا ولست المهذبا ..!!

3/تقليدية العمل: خطط قديمة، لم يحاولوا تطويرها أو تجديدها، ولذلك يمارسون أعمالهم بشكل من التقليدية الحرفية، الناصة على أن ليس في الإمكان أبدع مما كان؛ ولذلك يكره المستبد التجديد، ويضيق من الابتكار أو التطوير، ويرى أن في عمله المتكرر السلامة وحسن الخروج من أي تبعة؛ بمعنى انتهاج البيروقراطية، التي تفتقد للرؤية والمرونة وحسن الوعي الاجتماعي والمهني،،! لأنه ضيق الفكر، جبان التحرك، يخاف من كل شيء، ولا يستطيع الإقدام والمبادرة،،! حتى الحلم قد يكون مقتولاً عنده،،،!

4/نبذ التطوير: بحيث يكتفي بالوضع القديم، بما أن العمل ماش والأمور متناسقة في الجملة، ولذلك لا يستحب أي فكرة تجديدية من شأنها الإبداع والتطوير؛ لأنها ستنخل عمله السابق، وتكشف مدى التقهقر المعيش، وتنتج ثمارا قد لا تُحسب عليه.

5/إقصاء الكفاءات: لأنها تعرّيه عملا وفكرا وجهدا ومنشطا، ولذلك لا يهتم بتوظيف الكفء، وإنما توظيف القِن والتابع والضعيف، حرصا على خصائصه، وليس خصائص الدعوة وإبراز مكانتها عند الأمة؛ لأنه لا ينشرح بإنجازات الآخرين، ويضيق بالعباقرة المتقنين.

6/التفاعل الجزئي: مع صفوة مختارة له، على المزاج المحبوب، والمسلك المطيوب، وصفاتهم تنفيذيون، لا محاورون، ومطواعون، لا مستفهمون، وتقليديون، لا مجددون، وجامدون لا مفكرون،،،!

فإذا ظفر بفريق كذا صفته، لم يسأل عن سواهم، واعتمدهم طوال الأيام،،،!

7/التسلط الاجتماعي: بحيث يجهد أن يصل إلى جوهر القيادة، ليأمر وينهى، ويجعل من الناس أتباعا وخدما له يسخرهم كيف يشاء، فيجعل من الإدارة طريقا إلى التسلط، وبخس الناس حقوقهم، وتحويلهم أدوات لا قيمة لها ولا اعتبار، والتاريخ يشهد أن غالب المستبدين من المحدودين فكرا وذكاء، بل أحيانا تجدهم جماعات من الحمقى والمغفلين، سادوا لمال أو وجاهة، أو معرفة وعلاقة، ولا صلة لهم بفنون الإدارة والقيادة المحكمة.

8/الجهل الحاسم: بحيث يستمع الآراء ويصغي للمداولات، ولكنه يؤثر الرأي الخاطئ، ويفرض ما فيه نفرة واستهجان، لأنه راق له، واستطاب شكله ولونه؛ فكيف تقنعه، وهو لا يملك قابلية الحوار، وإن ملكها لا يستطيع الرجوع إلى الحق؟.

قال الكواكبي رحمه الله: “من أقبح أنواع الاستبداد استبداد الجهل على العلم، واستبداد النفس على العقل”.

وهما جناحان طائران في ذهنية المستبد،،

والله المستعان،،،، والسلام..

———–

المصدر: صيد الفوائد (بتصرف يسير).

مواضيع ذات صلة