الانفصام الدعوي (2 /5).. مع النفس

موقف الإسلام من الديانات الأخرى

محمد الغزالي

ما هو موقف الإسلام من الديانات الأخرى.؟ هل يقف منها موقف السكوت عليها والإغضاء عنها اكتفاء بالأمر الواقع؟…الإسلام والديانات الأخرى

أم هل يقف موقف المحارب المقاتل، لا يهدأ له بال حتى يطهر الأرض منها ومن أهلها؟.

قليل من الكتاب الغربيين يجيبنا بالشق الأول. حتى قال قائل، منهم “جوتييه” في أخلاق المسلمين وعوائدهم : إن المسلم أناني، وإن الإسلام يشجعه على هذه الأنانية.

فالمسلم لا يعنيه ضل غيره أم اهتدى، سعد أم شقى، ذهب إلى الجنة أم إلى السعير.

وأكثر الكاتبين يجيبون بالشق الثاني: فالإسلام في نظر هؤلاء يريد أن يفرض نفسه على الناس بحد السيف.

والقرآن -في نظرهم- يأمر المسلم بأن يضرب عنق الكافر أينما لقيه..

الواقع أن كلا الفريقين لم يصب كبد الحقيقة في تصوره لموقف الإسلام.

ليس الإسلام فاترا ولا منطويا على نفسه، كما زعم الأقلون.

فالدعوة إلى الحق والخير ركن أصيل من أركان الإسلام.

والنشاط في هذه الدعوة فريضة مستمرة في كل زمان ومكان.

يأمر الله نبيه بتبليغ كلامه، وبأن يبذل جهده في هذا التبليغ {وجاهدهم به جهادا كبيرا}

والقرآن يحرض المؤمنين على هذه الدعوة: {ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله}.

بل يجعل الفلاح والنجاة وقفا على هؤلاء الدعاة.

{ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون}.

{إن الإنسان لفي خسر * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر}.

ولكن الإسلام -في الوقت نفسه- ليس كما يزعم الأكثرون عنيفا ولا متعطشا للدماء.

وليس من أهدافه أن يفرض نفسه على الناس فرضا حتى يكون هو الديانة العالمية الوحيدة.

فنبي الإسلام هو أول من يعرف أن كل محاولة لفرض ديانة عالمية وحيدة هي محاولة فاشلة.. بل هي مقاومة لسنة الوجود، ومعاندة لإرادة رب الوجود.

{ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين}.

{وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين}.

{ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين}.

{إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء}.

ومن هنا نشأت القاعدة الإسلامية المحكمة المبرمة في القرآن في قاعدة حرية العقيدة  “لا إكراه في الدين”..

ومن هنا رسم القرآن أسلوب الدعوة ومنهاجها، فجعلها دعوة بالحجة والنصيحة في رفق ولين.

{ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن}

على أن الإسلام لا يكتفي منا بهذا الموقف السلمي السلبي، وهو عدم إكراه الناس على الدخول فيه، بل يتقدم بنا إلى الأمام فيرسم لنا خطوات إيجابية نكرم بها الإنسانية في شخص غير المسلمين.

هل ترى أسمى وأنبل من تلك الوصية الذهبية التي يوصينا بها القرآن في معاملة الوثنية التي هي أبعد الديانات عن الإسلام فضلا عن الديانات إلى تربطنا بها أواصر الوحى السماوي؟ اقرأ في سورة التوبة: {وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه}.

فأنت تراه لا يكتفى منا بأن نجير هؤلاء المشركين ونؤويهم ونكفل لهم الأمن في جوارنا فحسب..

ولا يكتفى منا بأن نرشدهم إلى الحق ونهديهم طريق الخير وكفى..

بل يأمرنا بأن نكفل لهم كذلك الحماية والرعاية في انتقالهم حتى يصلوا إلى المكان الذي يأمنون فيه كل غائلة.

ثم هل ترى أعدل وأرحم وأحرص على وحدة الأمة وتماسكها من تلك القاعدة الإسلامية، التي لا تكتفي بأن تكفل لغير المسلمين في بلاد الإسلام حرية عقائدهم أو عوائدهم وحماية أشخاصهم وأموالهم وأعراضهم.. بل تمنحهم من الحرية والحماية، ومن العدل والرحمة قدر ما تمنحه للمسلمين من حقوق العامة ” لهم ما لنا وعليهم ما علينا لمه.

هل ترى أوسع أفقا، وأرحب صدرا، وأسبق إلى الكرم، وأقرب إلى تحقيق السلام الدولي والتعايش السلمى بين الأمم، من تلك الدعوة القرآنية التي لا تكتفى في تحديد العلاقة بين الأعم الإسلامية وبين الأمم التي لا تدين بدينها، ولا تتحاكم إلى قوانينها.

لا تكتفي في تحديد هذه العلاقة بأن تجعلها مبادلة سلم بسلم {وإن جنحوا للسلم فاجنح لها}.

{فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا}.

بل تندب المسلمين إلى أن يكون موقفهم من غير المسلمين موقف رحمة وبر، وعدل وقسط {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين}.

ليس هذا هو كل شيء في تحديد الموقف الإنساني النبيل الذى يقفه الإسلام عمليا من غير أتباعه..

ولضيق المقام نكتفي بكلمة واحدة: إن الإسلام لا يكف لحظة واحدة عن مد يده لمصافحة أتباع كل ملة ونحلة في سبيل التعاون على إقامة العدل، ونشر الأمن وصيانة الدماء أن تسفك، وحماية الحرمات أن تنتهك، ولو على شروط يبدو فيها بعض الإجحاف.

ناهيك بالمثل الرائع الذى ضربه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المعنى حين قال في الحديبية: ” والله لا تدعوني قريش إلى خطة توصل فيها الأرحام وتعظم فيها الحرمات إلا أعطيتهم إياها”.

فهذا هو مبدأ التعاون العالمي على السلام.. يقرره نبي الإسلام.. ورسول السلام” أ. هـ.

——

المصدر: موقع برهانكم.

مواضيع ذات صلة