الانفصام الدعوي (2 /5).. مع النفس

التحفيز ودوره في العملية التربوية

إعداد د. رمضان فوزي بديني

التحفيز في اللغة هو: حَفْزًا حثَّةُ وحرَّكةُ ودفعهُ من خلفِه… والليلُ النهارَ ساقهُ… وعن الأمر أعجلهُ وأزعجهُ”([1]).

التحفيز ينمي الدافعية ويقود إليها

وأما المعنى الاصطلاحي للتحفيز فلا يبعد كثيرا عن المعنى اللغوي؛ إذ عرفه بعضهم قائلا([2]): “التحفيز يطلق على التحريك للأمام، وهو عبارة عن كل قول أو فعل أو إشارة تدفع الإنسان إلى سلوك أفضل، أو تعمل على استمراره فيه.

والتحفيز ينمي الدافعية ويقود إليها، إلا أن التحفيز يأتي من الخارج؛ فإن وجدت الدافعية من الداخل التقيا في المعنى، وإن عدمت صار التحفيز هو الحث من الآخرين على أن يقوم الفرد بالسلوك المطلوب”.

وعرفه بعضهم بأنه([3]) “إحساس أو شعور أو عامل يثير المربَّى لخيارات سلوكية محددة؛ فما يختار المربَّى  من أهداف للإنجاز أو التحصيل وأنواع وكيفيات السلوك التي يتبناها في تحقيق هذه الأهداف تتأثر مباشرة بطبيعة ودرجة التحفيز والحوافر الإنسانية التي يخبرها”.

فالحوافز والتحفيز ذاتيا من المتعلم للتعلم والتحصل كرغبته الشخصية في المعرفة والتقدم، أو ماديا اجتماعيا من البيئة -أسرة أو مدرسة أو أقرانا- إذا كانت قوية دفاقة –ليست طاغية طبعا- ثم موقوتة وصالحة للمناسبة أو الحالة السلوكية. فإن السلوك والنشاطات الناجمة تكون بالنتيجة حيوية وفاعلة للتعلم والتحصيل.

أما إذا كانت هذه الحوافز والتحفيز خاملة ضعيفة؛ فإنها لا تحرك في المتعلم شيئا من همته أو قدرته الفردية للإنجاز التربوي المطلوب.

إن الحوافز والتحفيز هي باختصار وقود الإرادة أو/والقدرة الفردية في التحرك لتحقيق الهدف المنشود في الوقت والفعالية والأنشطة المناسبة لذلك.

مبادئ تحقيق الحوافز الاجتماعية

يمكن للمعلم تنمية وتفعيل الحوافز الاجتماعية للمتعلمين بمراعاة المبادئ الإجرائية التالية([4]):

  • أن يحافظ على جو اجتماعي متفاعل ومتعاون للفرقة الصفية تسوده الألفة والاهتمام المشترك، مبتعدا بذلك عن التسلط والأوامر والنواهي والتعنيف.
  • أن يتمتع بشخصية دافئة ودودة ومنفتحة؛ فقد أشارت الكثير من الدراسات التربوية والنفسية إلى أن المعلم الذي يتمتع بالدفء والمرونة والتسامح والاهتمام بمصالح تلاميذه الصابر العطوف عليهم يحفز فيهم غالبا هذه الصفات ويشجع الرغبة على استعمالها عند تعاملهم اليومي مع أقرانهم ومعلميهم وأسرهم.

وأضافت دراسات أخرى أيضا أن أسلوب المعلم غير المباشر في تفاعله مع طلابه وتوجيهه لهم يعتبر من العوامل المهمة المحفزة اجتماعيا وإدراكيا في الغرف الصفية. وعلى عكس ما سبق فإن المعلم المتجهم الناقد والعصامي في طبعه، غير المهتم برغبات ومصالح تلاميذه، والسلطوي المباشر في تعامله معهم يثير في نفوس التلاميذ الشعور بالنفور والمقاومة، ويزيد من فروص حدوث المشاكل الصفية؛ حيث من الممكن أن يقود كل هذا إلى تنمية ميول سلبية نحوه، وتجاه التعلم بشكل عام.

  • أن يتصف بالدفء والمرونة والأسلوب غير المباشر والاهتمام بمصالح التلاميذ؛ حيث تشجع هذه الصفات بوجه عام التلاميذ اجتماعيا وتحصيليا.
  • أن يلعب الدور الاجتماعي المناسب لنوع التلاميذ الذين يتعامل معهم كأن يكون نموذجا لقائد عادل لين الأسلوب والمعاملة، أو حازما مع التلاميذ الذين يتميزون بالإذعان والتبعية للآخرين والتعلم من خلال الأوامر والتوجيهات المباشرة.
  • أن يساعد المتعلمين على تحديد أهدافهم الشخصية وتخطيط أنشطة تنفيذية، تقوم على استثمار طاقاتهم الذاتية والجماعية المشتركة لأقرانهم، لا يشجع هذا التعلم فقط التحصيل الفردي للتلاميذ، بل يحفز كلا منهم أن يرى نفسه عضوا هاما في مجموعته، شاعرا بأن هذه العضوية ضرورية لهم جميعا لما تعود عليهم من نفع متبادل وتكامل تحصيلي ونفسي واجتماعي.
  • أن يشجع بين أفراد المتعلمين القبول الاجتماعي لبعضهم، موفرا لهم جوا من التفاعل المفتوح القائم على التعاون المثمر، والاهتمام والاحترام المتبادل، البعيد عن المشاحنات والنزاعات الشخصية بوجه عام.

ضوابط نظام التحفيز

هناك بعض الضوابط والعوامل المؤثرة في فعالية نظام التحفيز مثل([5]):

1- التبعية: وهو أن يكون التحفيز تاليا مباشراً للعمل قدر المستطاع.

2- الحجم والنوع: من المناسب أن يكون حجم الحافز ونوعه وحجم العمل ونوعه بينهما تناسب.

3- إدراك سبب التحفيز: وهو أن يدرك المحفز لم حفز.

4- الثبات: فإذا حفز أحد التلاميذ في مجال ولم يحفز الآخر في المجال نفسه فالحافز يكون غير ثابت.

5- مراعاة مستوى المتعلمين: لا يصح أن يطالب التلميذ إلا بما هو قادر عليه.

 مؤثرات على حافز التحصيل

يؤثر في حافز التحصيل لدى المتعلم إيجابا أو سلبا العديد من العوامل، وذلك حسب إيجابية أو سلبية هذه العوامل بخصوص رعاية وتشجيع حافز التحصيل، من هذه العوامل ما يلي([6]):

  • ثقافة المجتمع وقيمه العليا: فإذا كانت مركزية مباشرة كثيرة اللاءات والإملاءات والتعلمات؛ فإن حافز التحصيل يميل إلى الضعف لدى التلميذ لأنها تستهلك جل إدراكه وتركيزه ووقته في اتباع هذه الأطر الثقافية وبذل أقصى الجهد في عدم الانحراف خوفا من العقاب غالبا.

أما إذا كان المجتمع وثقافته وقيمه متنوعة متسامحة ومرنة وغير مباشرة وغير مركزية، تسمح للتلميذ في التفكير والتصرف ضمن أطر عامة واسعة ليست مفصلة من المعقول والممنوع وتشجع لديه التعبير وصناعة قرارات الدراسة والتحصيل والنجاح.. فإن الرغبة والطموح للنجاح والإبداع تبدوان عاليتين بدون شك.

  • دور الفرد المتعارف عليه في المجتمع.. فإذا كان الفرد يتمتع بقيمة ذاتية عالية؛ أي أولوية في التخطيط والتعامل والإدارة والتربية والصحة والوظيفة والحياة اليومية؛ فإن التلميذ بها يمتلك الرغبة والفرص للتحرك، ولإنجاز ما يطمح إليه بفعل حافز التحصيل. أما إذا كان المجتمع مركزيا جماعيا تقليديا في نظرته لدور الفرد وتعامله مع حاجاته؛ فإن مشاعر من القهر والكبت والتذمر، وعدم التحصيل تبدو عالية وصعبة في آن.
  • مفهوم الذات لدى التلميذ؛ فإذا كان غنيا قويا يكون حافز التحصيل لدى التلميذ عاليا وفاعلا. أما إذا كان مهزوزا ضعيفا فإن التلميذ يفتقر على الأرجح إدراكا وميولا وتركيزا لحافز التحصيل.
  • الأسرة وأساليب تربيتها وتعاملاتها اليومية مع الأبناء: إن التعلمات الزائدة وتعدد “النعمات” و”اللاءات” والتوجيهات والممنوعات والمرغوبات والمركزية والإرهاب الأسري أحيانا تحرم الأبناء ليس فقط الحافز للتحصيل بل الحوافز العديدة الأخرى والضرورية لمسيرة وحيوية الحياة لهؤلاء الأبناء في الأسرة والحي والمدرسة والتعامل مع الأقران. أما إذا كان الأسرة مستنيرة وواعية ومشجعة في أساليب تعاملها وتربيتها؛ فإن الأبناء ينشؤون محفزَّين فيما يقومون به من دراسة وتعلم وتحصيل.
  • البيئة المدرسة والمعلمون: إذا كان هؤلاء منفتحين ومتنوعين غنيين في خبراتهم ومتسامحين في تعاملاتهم ومحاسبتهم لأخطاء أو فشل أفراد التلاميذ؛ فإن الرغبة في الدراسة والتعلم والتحصيل تكون قوية، أما إذا غلب على البيئة المدرسية التزمت والرأي الواحد والجماعية في التعامل والتعلم فإن التلاميذ تذوب شخصياتهم في هذه الجماعية دون فرص مثمرة لممارسة فروقهم الفردية في التعلم والتحصيل كما هو مطلوب.

الأقران.. يمارس الأقران دورا فاعلا في تغيير حافز التحصيل للأفضل أو الأسوأ لدى بعضهم؛ فالأقران المتحفزون يزيدون من حافز التحصيل لدى أقرانهم، والعكس يكون صحيحا.

 

[1] – لسان العرب، مادة: حفز.

[2] -التحفيز وإيجاد الدافعية وأثرهما في الميدان التربوي، ص2، إعداد رشيد بن عبد العزيز أبو رشيد وآخرين، دورة المشرفين التربويين – كلية التربية – جامعة الملك سعود، الفصل الدراسي الثاني 1422 -1423 هــ..

[3] – تحفيز التعلم والتحصيل.. مفاهيم ونظريات وتطبيقات تربوية، ص7، أ.د.محمد زياد حمدان، من إصدارات دار التربية الحديثة بجدة.

[4] – انظر: تحفيز التعلم والتحصيل.. مفاهيم ونظريات وتطبيقات تربوية، ص13.

[5] -التحفيز وإيجاد الدافعية وأثرهما في الميدان التربوي، ص3، بتصرف.

[6] – تحفيز التعلم والتحصيل.. مفاهيم ونظريات وتطبيقات تربوية، ص15.

مواضيع ذات صلة