الانفصام الدعوي (2 /5).. مع النفس

الحوار في حياة الداعية

. رمضان فوزي بديني (خاص بموقع مهارات الدعوة)

لقد عني الإسلام بالحوار عناية كبيرة؛ لما له من أهمية كبيرة في تبليغ الدعوة والتواصل بين كل البشر، وتتضح عاية الإسلام بالحوار في حديث القرآن عن الحوار ونقله لنا حوارات كثيرة نتعبد بقراءة نصها إلى الله تعالى حتى يرث الله الأرض ومن عليها.

وقد تعددت سياقات هذه الحوارات القرآنية وأوقاتها؛ فالحوار ممتد قبل الخليقة كما في حوار رب العزة مع ملائكته حول خلق آدم عليه السلام، ثم حواره جل في علاه مع إبليس حينما تمرد على الأمر الإلهي بالسجود لآدم، ثم حواره جل وعلا مع آدم عليه السلام بعد خلقه.. وهكذا تتعدد الحوارات حتى مع العصاة والمطرودين من رحمة الله تعالى.

ولا يتوقف الحوار حتى بعد انتهاء الخليقة؛ فقد نقل القرآن بعض الحوارات التي تتم يوم القيامة بعد أن يقضي الله بين الخلائق؛ فهذا حوار بين رب العزة وأهل النار، وهذا حوار بين أهل الجنة وأهل النار، وهذا بين أهل النار وبعضهم البعض في جو من الحسرة والندامة، وهذا حوار بين إبليس اللعين وأتباعه في النار، إلى آخر هذه الحوارات التي يضيق المقام عن التفصيل فيها، والتي تدل في مجملها على استمرارية الحوار حتى بعد فقد الأمل في نتائجه يوم القيامة.

وقد نقل القرآن أيضا الكثير من الحوارات بين الرسل الكرام وأقوامهم على مر العصور والأزمان يدعونهم فيها إلى طريق الله رب العالمين؛ فهذا حوار العاطفة والحرص على الإنقاذ من النار بين نبي الله إبراهيم عليه السلام وأبيه آذر، وهذه عاطفة من نوع آخر في حواره مع ابنه إسماعيل لإقناعه بأمر غريب وهو ذبحه إنفاذا لأمر الله، وهذا حوار القوة والإفحام  بينه وبين النمرود.. إلى آخر هذه الحوارات لجميع الأنبياء والمرسلين مع أقوامهم.

الحوار سلاح الداعية

فالحوار هو السلاح الأول والأمضى في يد الرسل ومن بعدهم الدعاة إلى الله؛ ذلك أن الدعوة في حقيقتها قائمة على التبليغ والتوضيح والإفهام، وهذا ما لا يتم إلا بفتح قنوات التواصل البناء والحوار الهادف بين الأطراف المختلفة.

والحوار في أحد معانيه يعني المراجعة في الكلام؛ فكل طرف يلقي حجته ويوضح رأيه وعلى الطرف الآخر استقبال هذا الرأي واستيعابه جيدا ثم النقاش والأخذ والرد فيه ومقابلة الحجة بالحجة والبرهان بالبرهان والدليل بالدليل، وبعدها يترك الأمر للعقل للقبول أو الرفض.

والحوار في هذا الإطار غايته إقامة الحجة، ودفع الشبهة، وإزالة الريبة، ودحض الفاسد من القول والرأي حتى يصل الطرفان إلى نقطة التقاء وتفاهم وتعاون بناء ومثمر، وحتى يتحقق هذا الأمر لا بد من أسس وأصول للحوار يتفق عليها الطرفان، ولا بد من آداب يتحلى بها كل طرف حتى يؤتي ثماره المرجوة. وفي هذا السياق فإنني أنعى على بعض إعلامنا ما يدور فيه من برامج حوارية لا تراعي آدابا ولا أسسا للحوار، حتى ينقضي البرنامج على غير هدى أو نقطة اتفاق واحدة بين المتحاورين؛ بل إن بعض البرامج مهمتها التحريض والتحريش بين المتحاورين ومحاولة الإبعاد بينهما؛ حتى إن معيار نجاح البرنامج يكون بناء على ما أحدثه من افتراق وخلاف بين المتحاورين، وهذا في حد ذاته يتناقض مع غاية الحوار التي أرساها الإسلام.

وعلى الدعاة إلى الله تعالى أن يتقنوا فن الحوار كما أراده الله عز وجل من مجادلة بالتي هي أحسن، وترك المراء الذي يورث الضغائن، وقبل ذلك معرفة مفتاح قلب المدعو ويحسنوا التأتي له؛ فإذا انفتح لهم قلبه سهل الطريق إلى عقله. وعليهم أيضا أن ينفتحوا على الدراسات والعلوم الحديثة بالمعنية بهذا الأمر؛ فيتقنوا فن التواصل والتأثير والإقناع والتفاعل وغيرها من مهارات لازمة للتبليغ، سواء عير وسائل الإعلام المختلفة أو بصورة مباشرة مع الناس.

فالداعية لا يستغني عن الحوار؛ سواء بينه وبين مدعويه، أم بينه وبين إخوانه من الدعاة للاتفاق على السبيل الأقوم للدعوة، أم بينه وبين عائلته وأهل بيته لإقناعهم بطريقه وفكرته حتى يعينوه عليها، أو بينه وبين حكومته ودولته حتى تطمئن لفكره ولا تضع العراقيل أمامه.

 

مواضيع ذات صلة