د.علاء محمد سعيد (رئيس الاتحاد الإسلامي للأئمة والمرشدين بإسبانيا)
احتل الحوار مكانة فريدة في الإسلام، فقد ورد ذكر الحوار في القرآن الكريم في أكثر من موضع، قال تعالى: {… فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَرًا} (الكهف: 34)، كما أن هناك عديدًا من الحوارات المتضمنة للآيات القرآنية، فهناك الحوار بين موسى عليه السلام وفرعون، والحوار الذي كان بين خليل الله إبراهيم -عليه السلام- ورب العزة عز وجل حين طلب منه إبراهيم عليه السلام أن يريه كيف يحيي الموتى.
ويهدف الحوار إلى التوصل إلى الحقيقة وإقامة الحجج عليها، ودفع الشبهات، والوصول إلى الحق، ويحقق التوازن بين حاجة الإنسان في اتخاذ القرار والتفاعل والمشاركة مع الآخرين من خلال الحوار البناء، ولما كان العمل الدعوي خاصة مع غير المسلمين قائما على التعارف والتعريف والحوار والجدال البعيد عن المراء والمناظرات للوصول إلى الحقيقة، فقد رأينا أن نقدم موجزًا لـ«فن الحوار الدعوي» الذي يشتمل على أربعة محاور:
المحور الأول: الدعوة إلى الإسلام مع بداية القرن الحادي والعشرين. حاجة الدعوة الإسلامية للتطوير . أهمية مواكبة المستجدات الحديثة والاستفادة منها في ميدان الدعوة.
المحور الثاني: الحوار أقوى من السلاح. أهمية الحوار، الحوار في القرآن الكريم، الحوار في السنة النبوية نماذج من محاورات النبي صلي الله عليه وسلم، نماذج من محاورات الأئمة والعلماء.
المحور الثالث: الحوار الدعوي الناجح هل هي موهبة مقصورة على البعض؟ أوقات الحوار الجيد أركان عملية الحوار، ما بعد الحوار.
المحور الرابع: كيف نوظف حواراتنا؟ مع النفس، والأهل، والمسلمين ، وغير المسلمين.
المحور الأول
الدعوة إلى الإسلام مع بداية القرن الحادي والعشرين وفضل الدعوة إلى الله تعالي: يتجلى ذلك في تلك الآيات: – {وَلْتَكُن مِّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (آل عمران: 104). {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (يوسف: 108). {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (النحل: 125). {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ } (فصلت: 33).
وفي الأحاديث النبوية: قال صلى الله عليه وسلم: “لأن يهدي الله بك رجلا واحدًا خير لك من حُمْرِ النعَم. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَن رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لاَ يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئا، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا”.
واقعنا الدعوي
لا يخفى على مطلع على واقعنا الدعوي أفرادًا ومؤسسات ما نعاني منه من انحراف في التصور، واضطراب في المنهج، وأخطاء في الأساليب، وضعف في الوسائل، وتقصير في الدعوة، وخلل في المعالجة؛ وهو ما أثّر على الساحة الدعوية سلبًا، وسبب أحداثًا كثيرة وخطيرة، أحدثت تراجعات في مجال الدعوة إلى الله؛ الأمر الذي يدفع المُصلحين لتلمُّس دوافع الانحراف، ومعرفة أسباب الاضطراب، ودراسة أبعاد التقصير والخلل، دراسة جِدية واقعية لتقويمها ثم معالجتها، فإن مشكلة الدعوة الإسلامية اليوم مشكلةٌ داخلية ذاتية قبل أن تكون مشكلة خارجية.
حاجة الدعاة إلى التطوير
هناك حاجة ملحة لهذا التطوير؛ وذلك لأنه عمل خلاق يحاكي العقل والعاطفة، وبسبب التطور التكنولوجي الذي شهدته كل المجالات المختلفة، والمنافسة مع الجهات التنصيرية الأخرى، وزيادة الوعي في المجتمعات المسلمة، والجمود الطويل الذي لحق بالعمل الدعوي.
الداعية في القرن الحادي والعشرين
إنه الداعية الذي يستطيع الاستفادة من أي إمكانيات متاحة في تحقيق أفضل النتائج في عمله، الداعية الذي يستطيع توظيف أسلوبه الشخصي وسلوكه العملي في الدعوة إلى الله، الداعية الذي يظهر تفوقًا خلال عمله في معظم الظروف، ووفقًا لأي إمكانيات متاحة، والذي يظهر قدرات إبداعية عالية ومتجددة..
المصدر: مجلة البشرى (بتصرف)