الانفصام الدعوي (2 /5).. مع النفس

“الأقليات المسلمة”: مصطلح “الأقلية” أطلق لأغراض سياسية

هاني صلاح

أعرب عدد من رموز الأقليات المسلمة في 14 دولة أسيوية وأوروبية وأمريكية وأفريقيا، عن رفضهم لمصطلح “الأقلية المسلمة” الشائع في وسائل الإعلام العربية والإسلامية..

المسلمون في الغرب

المسلمون في الغرب

واعتبروه مصطلحا “سياسيا” ظهر في فترة ضعف العالم الإسلامي، وأن هدفه كان لإظهار المسلمين في الدول غير الإسلامية بأنهم قلة مستضعفة، وهو ما انعكس في أذهان أبنائهم وترك تداعايته على اندماجهم في المجتمع ومشاركتهم في النهوض به..

وفي ذات الوقت أثر على مطالبتهم بحقوقهم كـ”مواطنين” في بلدانهم لهم كامل الحقوق وكافة الحريات التي يكفلها دستور وقوانين البلاد..

هذا التحقيق الذي نطرح فيه وجهات نظر رموز الأقليات المسلمة/المسلمون في العالم؛ يمثل بداية لتغطية منهجية متميزة معمقة ومتواصلة لشئون الأقليات المسلمة “المسلمون في العالم”..

وتتزامن مع انطلاق الإصدار الثاني لموقع جريدة “الأمة” الإلكتروني، وانطلاق صفحته الجديدة على شبكة الفيسبوك، والخاصة بـ”المسلمون في العالم/الأقليات المسلمة”..

1 ـ بورما:

ومن جنوب شرق آسيا؛ حيث تتعرض الأقلية الروهنجية المسلمة التي تشكل غالبية سكان ولاية أراكان في غرب ميانمار (بورما سابقاً)، إلى حملات متتالية من الاضطهاد والتهميش والإقصاء، حتى صنفتهم الأمم المتحدة بأنهم أشد الأقليات العرقية اضطهادا في العالم، يرفض الإعلامي “عطا الله نور الإسلام”، رئيس وكالة أنباء الروهنجيا، والمنسق الإعلامي للمجلس الروهنجي الأوروبي، مصطلح “الأقلية” ويطرح بديلاً عنه..

ارتبط بـ”مرحلة الضعف”

مصطلح “الأقلية المسلمة” لم يظهر إلا بسبب ضعف الدول الإسلامية، وفقدان نفوذها، مما يعني أن هذا التصنيف ليس صحيحاً أو دقيقاً، بل أطلق لأغراض سياسية، هدفه إظهار قلة المسلمين في العالم.

ومن هذا المنطلق، فإن إطلاق مصطلح “الأقلية المسلمة” على الجماعة المسلمة التي تعيش بين أكثرية غير مسلمة مصطلح “غير صحيح” في الأصل، رغم كونه مستخدم ومشاع ومتعارف عليه، حيث توجد مجموعات يفوق عددها العشرين مليوناً ثم يصنفون على أنهم أقلية!

المجتمع المسلم

لذلك، يجب إعادة النظر في هذا المصطلح، وإطلاق بدلاً منه تسمية أخرى تتطابق مع واقع المسلمين في تلك الدولة، ومن وجهة نظري يمكن إطلاق مصطلح “المجتمع المسلم” حيث لا يعكس أي فوقية أو تمييز لهم عن غيرهم من المجتمعات الأخرى في الدولة الواحدة، لذلك أعتقد أنه هو الأنسب الذي يجب استخدامه في طروحاتنا الإعلامية وغير الإعلامية.

2 ـ تركستان الشرقية (الصين):

وإلى قلب آسيا الوسطى، حيث يعيش شعب مسلم ينحدر من أصول تركية، يرى الناشط والإعلامي “سراج الدين عزيزي”، أن هذا المصطلح “صحيح للبعض، ومعيب للبعض الآخر”..

“صحيح ومعيب”

المصطلح ربما يكون صحيحا لمسلمي الغرب، حيث هاجروا إليه من بلدانهم الأصلية، لكنه غير صحيح للمسلمين الذين يعيشون على أراضيهم التاريخية وداخل أوطانهم الأصلية، ثم أصبحت الآن ضمن الحدود السياسية لدول أخرى غير إسلامية “بفعل الاحتلال” فتحولوا بذلك من أغلبية إلى أقلية.

على سبيل المثال مسلمو “تركستان الشرقية”، لا يجوز تصنيفهم كأقلية، لأنهم يعيشون منذ آلاف السنين في وطنهم، وكانوا يشكلون غالبية سكانه (أكثر من 97%) قبل تعرضهم للاحتلال الصيني في عام 1949م؛ إلا أنهم أصبحوا حالياً أقلية (أقل من 50%) بسبب تعرضهم للتغيير الديموغرافي على مدار ستة عقود.

لذلك، فإن “الأقليات المسلمة” التي تعيش تحت الاحتلال، من المعيب أن نصفهم بالأقلية، ولو كانوا أقل من 50% بفعل سياسات الاحتلال، مثل المسلمين التتار في القرم، والمسلمين الأويغور في تركستان الشرقية.

3- روسيا:

وإلى دولة في شمال القارة الآسيوية، تعد بمفردها قارة نظراً لمساحتها الشاسعة، وحيث تعيش داخل حدودها السياسية شعوب مسلمة متعددة الأعراق، وضع الإعلامي من العاصمة الروسية “موسكو”، د.رياض مصطفى، معيارين يمكن على أساسهما إطلاق وصف “الأقلية” على مسلمي دولة من الدول الغير إسلامية:

أولهما: الدور الذي يقومون به، ومدى تأثيرهم في السياسة الداخلية لدولتهم “فقد تكون نسبتهم 50% على سبيل المثال، إلا أن دورهم صفر، فهم بذلك أقلية بالفعل والتأثير”.

الثاني: “هل هم من السكان الأصليون للبلاد أم مهاجرون إليها”، وعلى هذا يتم التحديد.. فمثلاً مسلمو روسيا، “لا تستطيع أن تقول الأقلية المسلمة في روسيا، لأنهم سكان أصليون ولهم دور كبير في الدولة”.

“الأمة المسلمة”

ورغم ذلك فقد اقترح د.مصطفى، مسمى آخر قد يكون أبلغ لدور تلك المجموعة في تلك الدول وهو “الأمة المسلمة في الدولة كذا (…)” بحسب رأيه، لأن: “مصطلح الأقلية يعطي انطباعا عن عدم الاندماج في المجتمع والتقوقع على الذات، ولا أعتقد أن المسلمين هذا شأنهم”.

4- أوكرانيا:

وإلى شرق القارة الأوروبية، حيث ما زالت تمتد خريطة الشعوب المسلمة الأصيلة التي تعيش على أرضها التاريخية، حسم د.إسماعيل قاضي، مدير المركز الإسلامي في العاصمة الأوكرانية “كييف” الأمر بأن تنسب كل أقلية لوطنها وأرضها..

تنسب لـ”وطنها”

وصف الأقلية “مصطلح فقهي”، أي أنه يشير إلى أن المسلمين يعيشون في مجتمع غالبيته من غير مسلمين، فيحتم عليهم مراعاة بعض الأمور الفقهية والبحث عن حلول لقضاياهم التي هي وليدة الحاجة في مجتمعاتهم. لذلك فمن الأفضل أن تنسب لوطنها، فنقول مسلمي القرم.. مسلمي الهند.. ألخ.

مثلا عندنا بجنوب أوكرانيا في شبه جزيرة القرم، التتار المسلمين يعتبرون أنفسهم أصحاب الأرض، ويستخدم “مجلس تتار القرم” الذي يمثلهم مصطلح “شعب تتار القرم”. لذلك يمكن أن نقول “مسلمو القرم” أو “الأقلية التتارية في القرم” أو دمج العبارتين معاً لتصبح “تتار القرم المسلمون”.

5- رومانيا:

“لا أوافق على إطلاق مسمى (الأقلية) للتعريف بمسلمين في دول غير مسلمة.. بل يجب إعادة النظر في هذا التصنيف”.. بهذه الكلمات حسم أيضاً د.أبوالعلاء الغيثي، رئيس الرابطة الإسلامية والثقافية في رومانيا، ومدير مؤسسة طيبة الخيرية في رومانيا، موقفه من الأمر.. مرجعاً ذلك لعدة أسباب..

في رومانيا، الجميع متساوون في الحقوق والواجبات، والقانون يطبق على الجميع دون تفرقة، ومسلمو البلاد يعاملون كمواطنين من الدرجة الأولى، لهم حقوق وعليهم واجبات، ولا توجد أي صورة من صور العنصرية ضدهم أو أي شكل من أشكال الإجحاف بحقوقهم.

كما أن الإسلام هو الديانة الثانية في الدولة، وللمسلمين دار إفتاء خاصة بهم، وجميع أئمتها تتكفل الدولة بمرتباتهم، إضافةً لذلك يحمل المفتي العام الجواز الدبلوماسي الروماني. كما أن هناك ممثلين أمام الدولة عن الأعراق المسلمة (التتار/الأتراك).

فالمواطنة في رومانيا هي أساس التعامل، هناك رومان “مسلمون”، وهناك رومان “مسيحيون”، وهذا الفهم لـ”المواطنة” هو ما يجب التركيز عليه وإيصاله لعقول المسلمين، حتى يتم التعامل على هذا الأساس.

6- اليونان:

ومن أقصى جنوب شرق أوروبا، يرى “شادي الأيوبي” -الصحفي اللبناني والمقيم في أثينا باليونان منذ نحو 20 عاما- أنه لا غضاضة من وصف المسلمين الذين يعيشون بدول غير إسلامية بـ”الأقلية المسلمة”؛ طالما تنطبق عليهم أوصاف “الأقليات”..

إلا أنه استثنى من ذلك الدول التي بها أعداد كبيرة من المسلمين ويعدون من سكانها الأصليين كألبانيا والبوسنة والهرسك في منطقة البلقان على سبيل المثال؛ فهؤلاء “لا يجوز وصفهم بالأقلية”، وفقاً لـ”الأيوبي”.

المواطنون المسلمون

وفي كلتا الحالتين فالأهم هو الانتقال من توصيف “الأقليات المسلمة” -الذي يشكل نوعاً من الضمانة لحقوقهم ولو نظريا- إلى توصيف “المواطنين المسلمين” الذين يشاركون في العملية السياسية بكافة أعبائها ويسعون لنيل حقوقهم التي نالتها سائر الأقليات الدينية عبر مشاركتها السياسية والاجتماعية، لا عبر الاحتماء بالتوصيفات القانونية والإنسانية مثل الأقليات. بحسب “الأيوبي”.

إعداد وليس عددا

مشكلة “الأقليات المسلمة” الرئيسية ليست في “عددهم” بقدر ما تكمن في “إعدادهم”، فالمسلمون في أوروبا لا يزالون غير مؤثرين في الحركة السياسة على الصعيد المحلي للدول التي يعيشون فيها، كما أن تأثيرهم في سياستها الخارجية غير موجود إطلاقاً بالرغم من كبر عددهم، ولو حسّنوا من مشاركتهم وزادوا من إحساسهم بالمسؤولية الملقاة عليهم “لغيروا الكثير من الأمور لصالحهم.

على سبيل المثال، هناك آلاف المسلمين يعيشون عبئاً على صناديق الضمان الاجتماعي وهم ليسوا في حاجة لذلك، وهذا أمر يرفضه الإسلام وترفضه المروءة، إضافة إلى الصورة السلبية التي يخلقها عنا، فلا بد للمسلم -الذي يتكئ على معونة الدولة حين يحتاجها- من أن ينهض بأعباء نفسه وأسرته حينما يجد أول فرصة للعمل والمشاركة الاجتماعية”.

7 ـ هولندا:

من الجنوب الشرقي إلى الشمالي الغربي من القارة الأوروبية التي توصف بـ”القارة العجوز”، أوضح الباحث في شئون الأقليات المسلمة في الغرب، د.محمود الصيفي أنه إجمالاً لا يمكن تعميم المصطلح على كل تجمع للمسلمين في دولة غير إسلامية..

فقد يناسب هذا المصطلح بعض المناطق ولا يناسب غيرها، بناء على مقومات ذلك التجمع من حيث القدم والحداثة، وهل هو مهاجر أو أصلي، ومن حيث وضعه الاجتماعي ومدى انخراطه في محيطه توطينا أو تهميشا، وتأثيره السياسي في المجتمع بشكل عام وما يشغله المنتمون له من مناصب عامة.

أما من حيث صحة المصطلح من الناحية العددية أو الديموغرافية أو الإثنية والدينية فقد يكون له قبول ولو أكاديمي، لكن مدلوله السلبي مجتمعياً يجعله مرفوضاً لدى قطاع كبير ممن يرون أنفسهم مواطنين كاملي المواطنة وليسوا أقلية طارئة أو مهمشة.

ولعل المصطلح الأنسب في تلك الحالة التي أن ينسب فيها المسلمون لبلدهم كأن يقال: مسلمو أوروبا أو مسلمو أمريكا وهكذا..

كما أن مسألة التصنيف لمن تصل نسبتهم أقل من 50% من السكان بأنهم أقلية؛ أيضا لا يمكن تعميمه، ولا قياس تأثيره سلبا أو إيجابا بشكل موحد، بل ينظر لها من حيث النظام السياسي للدولة محل الدراسة، ومدى اعتبار الدين أو العرقية كعامل في تصنيف مواطنيها، فالأمر لا شك يختلف من بلاد آسيا التي تجد فيها مسلمي الهند والصين بعشرات الملايين لكنهم أقلية عددية ودينية، وهناك قد يخدم هذا التصنيف من جهة اشتراط نسبة محددة من الوظائف أو نوعية خاصة من التعليم والمدارس وحرية ممارسة الدين.

أما في الأنظمة السياسية الغربية فقد لا يفيد -بل لا يقبل أصلا من حيث المبدأ كما الحال في فرنسا- الحديث عن المواطنة من خلال هكذا تكتلات.. فنظرة الدولة للمواطنين وتعاملها معهم على أساس فردي متساو وليست جماعية، وهو أيضا يختلف عن بلاد غربية أخرى تتيح دساتيرها التعامل مع التجمعات المختلفة لغويا أو عرقيا أو دينيا باستثناءات تراعي خصوصية تلك التجمعات وتلبي احتياجاتها.

وبالتالي فهذا المقياس العددي يناسب المجال السياسي ويلجأ له الدعاة للتفريق بين الدول المسلمة وبين دول تحتضن أقلية مسلمة، ولا يمكننا تعميم ذات التصنيف على مسلمي أوروبا وبالمثل على مسلمي الروهنجيا في بورما أو مسلمي أفريقيا الوسطى أو نيجيريا حتى وإن كانت أكثرية عددية لكنها أقلية من حيث التأثير والحقوق.

8 ـ الدانمرك:

ومن إحدى الدول الإسكندنافية ترى “منية البلطي”، رئيس قسم النساء، بالمجلس الإسلامي الدانمركي، أن لمصطلح “الأقلية” أبعاد سياسية واجتماعية..

بعدان “سياسي-اجتماعي”

فقد تزامن بداية استعماله مع بداية ضعف الجسد الإسلامي وهجرة المسلمين للعالم الغربي؛ ما يعنى أن الواقع هو الذى أفرز استعمال المصطلح، والفعل في الواقع هو الذى يمكن أن يفرز تغييراً في المصطلح.

لذلك ليس هناك إشكال في مصطلح “الأقلية” في حد ذاته، حيث “لا يعد صفة سلبية بقدر ما يعبر عن واقع يحتل علم الإحصاء فيه المكانة الهامة، بل المشكلة تكمن في ارتباط قلة العدد بقلة الفعل”.

مع عدم نسيان أن عدد المسلمين في الغرب في تغير مستمر، “على سبيل المثال هو متزايد في الدنمرك حتى هذ الحين، لكن الإنجاب في الجالية الإسلامية بدأ في التناقص، كما أن عدد المهاجرين للدنمرك بدأ أيضاً في التناقص بسبب القوانين الصارمة، لذلك ما يمكن أن يكون قد صنف أنه مناسب اليوم قد لا يكون كذلك في الغد”.

لذلك، فالصفة المناسبة لـ”مصطلح الأقلية” هي “النسبية”، فهل نقبل به مثلاً حينما نمثل 10% ولا نقبل به حين نمثل 11%، أو هل نقبل به ما دون 25% ونرفضه ما فوق25%، فلا يوجد مقياس علمي صحيح لهذا الأمر.

9 ـ بريطانيا:

وقبل مغادرتنا لغرب القارة الأوروبية، نعرج على الجزر البريطانية، حيث يعتقد د.مجدي سعيد، الكاتب الصحفي، والذي سافر إلى العديد من دول العالم في أوروبا وأسيا وأمريكا، ويتولى حالياً رئاسة تحرير الطبعة العربية لمجلة “نيتشر” في لندن، أنه لا مشاحة في الاصطلاح..

المهم هو المسمى، وبما أنني أقمت حديثا في بريطانيا، فأنا أشهد وجود تجمعات للمسلمين في مناطق مختلفة في لندن مثلا، لكنني أشعر وكأنها ما زالت تعيش في بلدانها، أجسادها هنا وعقولها وقلوبها هناك، ثقافتها من هناك ومعيشتها ورزقها من هنا، حتى عندما تلقى دروس في المساجد تلقى باللغات الخاصة حسب التجمع الغالب وحسب القائمين على المسجد، مع أن الله ما أرسل رسولا إلا بلسان قومه.

ما أشعر به أنه رغم الوجود الإسلامي الطويل والعريض في بعض البلدان الغربية إلا أننا لم نستطع أن نقدم الوجه الإنساني لديننا، الذي هو رحمة للعالمين.

لذلك، فليس المهم النسبة أو العدد أو التصنيف، بل الأهم من ذلك هو الأداء والفاعلية، فقد تكون نسبتك قليلة لكنك مؤثر وفاعل، فكلما ازداد تمثيل المسلمين لإسلامهم على خير وجه، وتقديمه بصورته الإنسانية النقية، وكلما ازداد تعليم المسلمين تعليما حديثا ومشاركتهم الاقتصادية الفعالة في المجتمع.. ازدادت فاعليتهم، والتي ليس بالضرورة أن تنعكس سياسيا، بقدر ما هو ضروري أن تنعكس حضاريا وقيميا، فليس الهدف أن تحكم أو تسيطر، لكن الهدف أن تقدم للناس من غير المسلمين ما ينفعهم في دنياهم وآخرتهم، بسلوكك وأدائك وأخلاقك وقيمك.

10- كندا:

وإلى شمال القارة الأمريكية، يعتقد م.عماد حلاق -مدير جمعية سلسبيل الضاد لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، وعضو مجلس مسلمي مدينة مونتريال، كبرى مدن مقاطعة كيبيك جنوب شرق كندا- أنه استمرار للسياق التاريخي فإنه يمكن القبول بمصطلح الأقليات المسلمة للتعبير عن المسلمين الذين يعيشون في دول غير إسلامية..

“المواطنون الكنديون المسلمون”

إلا أنه مع وجود سياسات الإدماج التي تقوم بها بلدان الهجرة، وخشية من التقوقع الذي قد يسيطر على بعض المهاجرين الجدد بسبب تعلقهم بأوطانهم الأم، وبسبب رغبة قادة الأقليات المسلمة بدفع أبنائها لممارسة فعالة في المجتمع؛ فإننا نحبذ استخدام مصطلح المواطنون الكنديون المسلمون..

لأن ذلك يثبت لغيرهم ولهم أيضا حقوقهم وواجباتهم كمواطنين كنديون أولاً، ثم التفكير بهم كأقلية لها انتماؤها الديني، الذي يحتاج لتفهم الأكثرية لبعض تفاصيله التي تنعكس على حياة الأقلية المعاشية.

11 ـ الولايات المتحدة الأمريكية:

ومن مدينة “نيوتاون” الأمريكية في ولاية “كيناتيكت”، ترفض “إيمان البشتاوي”، عضو مؤسس في المركز الإسلامي ـ تحت التأسيس ـ “الهداية”، والعضو الممثل عن مسلمي المقاطعة بلجنة الأديان في المدينة، مصطلح “الأقلية”..

على الرغم من أن عدد مسلمي أمريكا قد يكون تجاوز حالياً الـ8 ملايين نسمة، وهو عدد قليل مقابل عدد سكان الولايات المتحدة الذي قد يتراوح تعداده 300مليون؛ إلا أني لا أفضل ذكر مصطلح “الأقلية” للتعبير عن المسلمين هنا، وأفضل وصفهم بـ”المسلمين الأمريكيين”.

وتوضح “إيمان”، التي تعيش في أمريكا منذ 15 عاماً، وهى أيضاً عضو ممثل في مؤسسة “كير” الإسلامية التي تهتم بالدفاع عن قضايا المسلمين في أمريكا، أسباب رفضها لمصطلح “الأقلية”، كونها: مواطنة أمريكية تتبع القانون الأمريكي، الذي يكفل لها كافة الحقوق بغض النظر عن الانتماء الديني.

ولفتت إلى أنه: “إذا طلبت من السلطات هنا معاملتي كأقلية؛ فإني سأفقد كثيرا من حقوقي التي يكفلها لي حق المواطنة الأعم والأشمل، كما ستفتح أمامي تحديات جديدة قد تستغل من قبل الجماعات المتطرفة التي تعادي الوجود المسلم”.

12 ـ المكسيك

بينما جنوباً وتحديداً من المكسيك، وعلى عكس ما سبق، يرى أحد الدعاة القائمين على الأنشطة الدعوية في البلاد (اعتذر عن عدم ذكر اسمه)، أنه لا مانع من الإشارة إلى المسلمين الذين يشكلون ما نسبته أقل من 50% في بلد غير إسلامي بمسمى “الأقلية المسلمة”..

مدخل لـ”حقوق وحماية”

لفظ “أقلية” يستخدم لكل أنواع الأقليات الدينية والعرقية وغيرها؛ بل إنه في بعض البلدان تترتب على هذا “التوصيف” حقوق وحماية لهذه الأقليات بحكم القانون بسبب وضعها وعدم قدرتها على الوصول إلى حقوقها بمجرد المشاركة الانتخابية.

وكون المسلمين “أقلية” في بلد ما لا يعني أنهم أغراب عنها؛ بل نرى أنه يتزايد اعتناق الكثيرين للإسلام من أبناء سكان البلاد الأصليين، ورغم أنهم من أصل أهل البلد، لكن اعتناقهم للإسلام يسمح بتصنيفهم ضمن فئة الأقلية الدينية المسلمة، ولا ينبغي أن ينزع عنهم حقوق المواطنة.

بل أكثر من ذلك، نرى أن قوانين كثير من البلدان الغربية تعطي لابن الأجنبي المولود في البلد والمتمتع بجنسيتها نفس حقوق المواطنين الآخرين بدون أي تمييز.

إلا أنني أحذر من أن هناك تيارات متطرفة غربية ترغب في نزع صفة المواطنة عن الأقليات المسلمة بحجة أو بأخرى، لذلك ينبغي أن تستخدم هذه الأقليات وضعها كـ”أقليات” ووعيها بهذا الوضع “الأقلية” للدفاع عن حقوقها وفقاً للقانون وبتوجيه أفرادها لكي يسلكوا مسلكاً ينحو بها باتجاه السلامة والحفاظ على أفرادها ومؤسساتها من العدوان المنظم الذي يتزايد شيئاً فشيئاً.

13- البرازيل:

وإلى دولة بهرت العالم بسرعة تقدمها وتطورها حتى أصبحت بعد فقر مدقع سادس قوة اقتصادية في العالم، يعتقد الشيخ خالد تقي الدين -مدير الشؤون الإسلامية باتحاد المؤسسات الإسلامية، والأمين العام للمجلس الأعلى للأئمة والشؤون الإسلامية في البرازيل- أن هذا المصطلح صحيح من ناحية العدد، ولكن لا نستطيع تعميمه على كل البلاد..

“المسلمون في البرازيل”

فعلى سبيل المثال هنا في البرازيل هذا المصطلح غير مستخدم سواء من قبل الدولة أو من قبل مؤسسات المجتمع المدني، إذ أن المواطنة تأتي في المقام الأول ولا يتم اعتبار الدين نوع من تصنيف المواطنين داخل الدولة، ولذلك أرى أن استخدام مصطلح “المسلمون في البرازيل” أفضل بكثير من استخدام مصطلح “الأقلية المسلمة في البرازيل”.

لذلك أرى إعادة النظر في هذا التصنيف؛ لأنه يلقي بظلال من الاضطهاد والتصنيف، وأرى استبداله برؤية جديدة تعتمد على كون هؤلاء المسلمين مواطنون في بلادهم والواجب توعيتهم بدورهم في المشاركة والاندماج داخل المجتمع، لا أن يعيشوا بخلفية كونهم أقلية محاصرين بهذا التفكير المحدود، مما يحرمهم من كثير من الحقوق ويؤخر تقدمهم في البلاد التي يعيشون فيها .

14 ـ الكاميرون

وإلى دول الجنوب، ومن دولة تعد الأكبر في منطقة وسط أفريقيا، وتعيش بها أقلية مسلمة كبيرة تصل نسبتها لأكثر من 40% من تعداد سكان البلاد، أكد الشيخ خليل الحمد، ممثل جمعية تبليغ الإسلام في الكاميرون، أن مصطلح “الأقلية” هو بالدرجة الأولى مصطلح “سياسي”..

هذا المصطلح “الأقلية” ظهر في زمن الاستعمار الغربي، حيث اختفت الدولة الإسلامية وهدمت دولة الخلافة، وأصبحت الأقلية الإسلامية أكثر الأقليات تعرضاً للمشاكل، وباتت مهددة بالقضاء على وجودها في معظم الدول التي تعيش فيها، وأكبر دليل على ذلك الواقع الراهن الذي نرى فيه كل يوم حملة جديدة على المسلمين.

والأصح أن نسمي هؤلاء الإخوة “مسلمون”، دون التقيد بالمصطلحات السياسية المغرضة التي تحارب الإسلام والمسلمين. وذلك لأن أفضل وصف يوصف به المسلم هو الإسلام “ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين”.

إن الغربيين ومن لف لفهم عندما يصفون بعض المسلمين في بعض المجتمعات بالأقلية فكأنهم لا يريدون منهم أن يصبحوا أكثرية، ومن ثم يقومون بالترويج لهذا الفكر المنحرف الحاقد، وهم يريدون وقف المد الإسلامي، وهذا لا يخفى على أحد، ولا يتنازع فيه اثنان.

وجدير بالإشارة إلى أنه لا توجد حتى اليوم إحصائيات صحيحة عن أعداد المسلمين الذين يصنفون كـ”أقليات” بالدول الغير الإسلامية، والسبب في ذلك هو أن من يقوم بهذه الإحصائيات من غير المسلمين، وليس من صالحهم سياسياً أن يذكروا الأعداد الصحيحة للمسلمين.

ومن أفريقيا.. تختم “الأمة” تحقيقها الأول مع رموز “الأقليات المسلمة في العالم” أو “المسلمون في العالم” الذين يعيشون بالدول الغير إسلامية، تاركين لقراء “الأمة” اختيار ما يرونه أنسب من بين هذه الآراء التي طرحت كما هي، في هذا التحقيق، والذي سوف يتبعه تحقيقات أخرى في أهم القضايا التي تشغل مسلمي “الدول غير الإسلامية”، وتمثل تحديات أمامهم لترسيخ تواجدهم الإسلامي في دولهم.

——-

المصدر: موقع صحيفة “الأمة” (بتصرف يسير).

مواضيع ذات صلة