الانفصام الدعوي (2 /5).. مع النفس

مسلمو جويانا.. محاولات الانتشار رغم الواقع الصعب

تقع “جويانا الفرنسية” في الساحل الشمالي الشرقي لأمريكا الجنوبية، تحدها “البرازيل” من الشرق والجنوب، و”سورينام” من الغرب، والمحيط الأطلنطي من الشمال، وهي أصغر الجويانات الثلاثة مساحة؛ إذ تبلغ مساحتها 97000 كيلو مترا مربعا، وسكانها في سنة 1408هـ – 1988م 89000 نسمة، وعاصمتها “كايين” وهي الميناء الرئيسي، وسكان العاصمة حوالي 340 ألف نسمة.

خريطة جويانا

تعتبر جويانا الفرنسية إحدى أقاليم فرنسا المائة

تعتبر جويانا الفرنسية -كباقي أقاليم ما وراء البحار- إحدى أقاليم فرنسا المائة.

يعتنق أغلب سكان “جويانا الفرنسية” المسيحية دينًا على المذهب الروماني الكاثوليكي، وهناك أقلية من السكان مثل المارون وبعض قبائل السكان الأصليين، حافظوا على دياناتهم الأصلية. أما شعب الهمونغ فهم مسيحيون كاثوليك بأغلبيتهم، نظرًا لتأثير المبشرين عليهم الذين أحضروهم لجويانا الفرنسية.

كان المسلمون يمثلون 8% من نسبة سكان جويانا الفرنسية عند إغلاق معتقل كايين، والآن يبلغ عددهم أكثر من 6000 نسمة.

لماذا أطلق عليها “الفرنسية”؟

يعود تاريخ جويانا الفرنسية المكتوب إلى القرن الخامس عشر عندما زار “كريستوفر كولومبوس” شواطئها للمرة الأولى، وقد توالى على حكم المنطقة والسيطرة عليها 4 إمبراطوريات أوروبية كبرى هي (البرتغال وفرنسا وبريطانيا وهولندا)، إلا أن الغلبة في نهاية المطاف كانت لفرنسا التي جعلت من جويانا إقليمًا تابعًا لها فيما بعد.

وجمهورية “جويانا الفرنسية” هي في الأصل مستعمرة فرنسية، احتلتها فرنسا منذ سنة 1036هـ – 1626م، واتخذتها كمنفى للمناضلين ضد الاحتلال الفرنسي بالمستعمرات الفرنسية السابقة، ولم يغلق هذا السجن إلا بعد الحرب العالمية الثانية في سنة 1336هـ – 1946م، وفي العام نفسه صدر قرار الحكومة الفرنسية باعتبار جويانا إحدى المقاطعات الفرنسية عبر البحار.

التنوع البيئي والبشري

تتميز “جويانا الفرنسية” بتنوعها البشري والطبيعي، فقد سكنت المنطقة عبر العصور شعوب مختلفة واختلطت مع بعضها البعض لتُشكل أصل الشعب الجوياني الحالي؛ فأول من سكنها هم الأمريكيون الأصليون، ثم تلاهم الأوروبيون الذين أَحضروا بدورهم الزنوج الأفارقة ليعملوا كعبيد في مزارعهم، وبعد أن حرّمت فرنسا العبودية، تم تحرير هؤلاء ليسكنوا الأدغال الفاصلة بين مناطق السكان الأصليين والأوروبيين، فاختلطوا مع كل منهما مع مر السنين. وفي وقت لاحق قدمت إلى “جويانا الفرنسية” أعداد من الآسيويين من صينيين وهمونغ وهنود شرقيين واستقرت بالعاصمة “كايين” حيث عمل أغلب أفرادها بالتجارة.

ومما يميز “جويانا الفرنسية” أيضًا تنوعها الأحيائي، إذ يُقدر عدد أنواع الثدييات والطيور والحشرات والأسماك فيها بأكثر من ذلك الخاص بفرنسا ذاتها، بل بفرنسا وباقي أقاليم ما وراء البحار التابعة لها، أما الأشجار فهي تفوق كذلك جميع تلك الأقاليم بثرائها، على الرغم من أن تربة جويانا فقيرة بالمغذيات الضرورية لنمو أي غابة، ويُرجح بعض العلماء نمو الأشجار والنباتات بهذه الكثافة إلى بعض الأنشطة الإنسانية الزراعية التي قام بها السكان الأصليين في القدم وأدّت إلى تخصيب مساحات شاسعة من الأراضي.

الاقتصاد والنشاط البشري

لا تزال “جويانا الفرنسية” من أكثر البلاد تخلفا وفقراً رغم وفرة مواردها، فرغم ثروتها العظيمة من الأسماك على ساحل يمتد مسافة (320 كم)، فإن ما يستغل من الثروة السمكية يمثل حصة ضئيلة من هذا المورد، بينما تمثل الزراعة الحرفة الأساسية في البلاد، وأهم حاصلات البلاد: قصب السكر، والأرز، وهناك قطع الأخشاب النادرة من الغابات الاستوائية.

تعتمد جويانا الفرنسية اعتمادًا كبيرًا على الإعانات الفرنسية، والتبادل التجاري للسلع مع فرنسا. وتعتبر الصناعة الجويانية ضعيفة إجمالاً، إذ يُشكل صيد السمك الصناعة الأساسية في البلاد، حيث يمثل إنتاجه ثلاث أرباع الصادرات إلى الخارج، إلا أن ما يستغل من الثروة السمكية يمثل حصة ضئيلة من هذا المورد، رغم ثروة البلاد الكبيرة من الأسماك.

كيف وصل الإسلام إلى “جويانا الفرنسية”؟

وصلتها موجة قديمة من مسلمي أفريقيا، وعاشت في ظروف غير إنسانية؛ حيث استعبد الأفارقة في المستعمرة الفرنسية، ووصلها حديثا عدد من المسجونين السياسيين من داخل المستعمرات الفرنسية السابقة، وكان أغلبهم من المغاربة، والجزائريين، ففي سنة 1365هـ – 1945م قدر عدد المسجونين السياسيين من هذه البلدان بحوالي 480، ولما كانت فرنسا تحتل بلدان المغرب العربي.

وخاضت الجزائر حرب التحرير لمدة طويلة ضد الاحتلال، وقد نفت فرنسا عددا من المجاهدين الجزائريين إلى جويانا الفرنسية، وقد حاول بعض منهم الهروب إلى البرازيل المجاورة لجويانا الفرنسية، وأغلبهم مات في أثناء المحاولة، وبعضهم نجح، ونشرت بعض الصحف الفرنسية قصص هؤلاء المجاهدين، وهاجر إلى جويانا الفرنسية في النصف الأول من القرن الميلادي الحالي 4000 مسلم من لبنان وسوريا وفلسطين، وعندما ألغت فرنسا معتقل كايين بجويانا الفرنسية كان عدد المسلمين الذين أفرج عنهم حوالي 2500 نسمة، أي 8% من جملة سكان جويانا الفرنسية آنذاك، وفضلوا البقاء بالبلاد، وتزوجوا من أهلها، وهم الآن أكثر من 6 آلاف نسمة.

لغات المسلمين وأماكن تواجدهم

معظم المسلمين بـ”جويانا الفرنسية” من أصل جزائري ومغربي، استوطنوا البلاد وهاجروا إليها، ويعيش أفراد الجالية المسلمة بجويانا في مدن: كايين، وكورو، وسان لوران دو ماروني، وهي المدن الرئيسية بـ”جويانا الفرنسية”، ويعملون بالتجارة، وقد أسلم بعض الأفارقة من سكان البلاد نتيجة جهودهم، ومما يؤسف له أن اللغة العربية ضاعت بين أفراد الأقلية؛ نتيجة استخدام الفرنسية، ونتيجة عدم اهتمامهم بتعليمها لأبنائهم.

حياة المسلمين في “جويانا الفرنسية”

عاش مسلمو جويانا الفرنسية ظروفًا قاسية في ظل معتقل “كايين” هناك، وأهملوا تنظيم أنفسهم، إلا أنهم بدأوا مؤخرا في تكوين صلات بينهم وبين الأقلية المسلمة في “سورينام”، وحضر وفد عن الأقلية المسلمة بـ”جويانا الفرنسية” المؤتمر الإسلامي الذي عقد في سنة 1397هـ – 1977م بترنداد، ووضع المؤتمر أساس تكوين المجلس الإسلامي لأمريكا الجنوبية والكاريبي، كما أوصى بالتنسيق بين المنظمات الإسلامية في أمريكا الجنوبية والبحر الكاريبي، وهكذا بدأت الأقلية المسلمة بـ”جويانا الفرنسية” اتصالها بالعالم الإسلامي، ودعمت صلتها بالمؤتمر الإسلامي، ورابطة العالم الإسلامي من مكة المكرمة، والتي تبنت هذا المؤتمر وحضرته وفود عن (55) منظمة مثلت الأقليات المسلمة في منطقة البحر الكاريبي وأمريكا الجنوبية.

ومن خلال المؤتمر الإسلامي لأمريكا الجنوبية والكاريبي استطاعت الأقلية المسلمة في “جويانا الفرنسية” أن تحصل على بعض مطالبها من الأئمة والمدرسين لتعليم أبناء الجالية قواعد دينهم، ولربطهم بالأقليات المسلمة في منطقة البحر الكاريبي وأمريكا الجنوبية، وتأسـست فيها جمعية إدامة الإسـلام.

أهم المساجد والمراكز الإسلامية

  • جمعية إدامة الإسـلام.
  • رابطة المسلمين في غرب جويانا الفرنسية، سان لوران دو ماروني.
  • المركز الثقافي الإسلامي، كايين، جويانا الفرنسية.
  • مسجد أبو بكر، كايين، شارع ليون، جويانا الفرنسية.

ماذا يحتاج المسلمون في جويانا؟

الحال في “جويانا الفرنسية” لا يختلف كثيراً عن غيرها من باقي دول أمريكا الجنوبية، إلا أن نسبة الأقلية المسلمة إلى إجمالي عدد السكان تعتبر كبيرة، وبالتالي لو نشطت هذه الأقلية وتم تدعيمها بشكل جيد من الدول الإسلامية فمن المتوقع تحسن أحوال المسلمين وتزايد عدد المسلمين الجدد كذلك، ولعل أبرز أشكال التدعيم المطلوبة هي:

– إيفاد الدعاة إلى هناك وابتعاث الطلاب من أبناء “جويانا” للدراسة ثم عودتهم لأداء رسالتهم في بلدهم مرة أخرى.

– بث قناة فضائية موجهة للمسلمين في تلك البلاد.

– إرسال الكتب المترجمة سواء ترجمات معاني القرآن الكريم أو الكتب الدينية على منهج أهل السنة والجماعة لتوعية الأقلية المسلمة ووقايتهم من المذاهب الهدامة التي قد تجد بين الأقليات أرض خصبة لها.

—–

* المصدر: إسلام ويب (بتصرف في العنوان).

مواضيع ذات صلة