الانفصام الدعوي (2 /5).. مع النفس

شيوخ وشباب وفجوات.. مقاربة من مجتمع أمريكي مسلم

الشيخ كفاح مصطفى*

شباب وشيوخ

كيف نقلل الفجوة بين الجيلين؟

المفروض في الإمام والشيخ أنه كلما تقدم به السنّ ازداد قربا من أبناء مجتمعه مسلمين وغير مسلمين.. ومن المسلمين على الأخص العناصر الشابة التي تنتقل من طفولة الى مراهقة الى شباب الى رجولة.

المقاربة في أمريكا أن الكثير منّا نحن المشايخ بنى علاقاته مع أقرانه سنّا ولغة وما انتبه للجيل الجديد لا من ناحية تاريخ البلد الثقافي الذي يدرّس لأبنائنا في المدارس، ولا من ناحية إتقان اللغة حتى تزول الفروقات اللهجاتية، ولا من ناحية طبيعة التحديات التي يعيشها الشباب، ولا من ناحية تبني وتدريب وتسليم الراية لمن هم شبابنا الملتزم لملء الفراغ؛ بل يصر الكثير منّا على الإمساك بالميكروفون مباشرة أو بالريموت كونترول..

ماذا كانت النتيجة؟

* كانت خطبنا ودروسنا نحن المشايخ بعيدة عن مقاربة أحوال الشباب المسلم الأمريكي. فكل أمثلتنا (من غير السيرة النبوية) هي للمرحلة الشبابية التي قضيناها في بلد السكنى في المشرق، وعليه كيف يمكن أن تتم المقاربة بين بيئة وأخرى وعادات وتقاليد مقابل عادات وتقاليد؟!

أذكر إلى حد غير بعيد ـ وأنا أزور مدناً أمريكية ـ الخطباء وهم يتحدثون في مدن أمريكية عن “الأمريكان” وكانهم أجانب!! يا سبحان الله .. أولاً بهذا المنطق هم أهل البلد ونحن الأجانب.

ثانياً.. أولسنا أمريكيي الجنسية أم نريد من أمريكا فقط فرص العمل والدراسة والنقود! ثم قل لي: مَن مِن أبنائنا يعرّف نفسه إلا بأنه أمريكي؟!

ثالثاً.. إلى متى نظل في دوامة وضع الكل في سلة واحدة، وهو أصلاً ما نشكو منه نحن المسلمين حينما يتهموننا بالتطرف أو الإرهاب! لا بد من التفرقة بين الشعوب ومستواها الثقافي وبين الحكومات بمساحاتها القيادية أيضا.. {ليسوا سواء}..

غياب الشباب

* الذين يحضرون دروسنا هم الأقلية من الفئة العمرية التي من أقراننا أو أكبر أو من المهاجرين الجدد فقط، وهم أيضا أقلية لا تذكر مع قوانين الهجرة الجديدة، أما الشباب فيبحث على من يشبع أذنه بلهجة قريبة إلى فهمه. { وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} (إبراهيم: 4)، وهذه مراتب ينبغي على الإمام أن يبقى دائم الترقي بها، من تعلم اللغة البسيطة، إلى المتمكن، إلى إتقان اللّهجة إلى البروع أدبياً بها، فالدعوة أمانة ووسيلتها اللغة ليس فقط بمرتبة الأداء بل الإتقان.

علوم زيد شاكر وصهيب وحمزة يوسف ليست في الثريا في مقابل أهل العلم القادمين من المشرق؛ فهم قريبون من بعض بعلومهم على الأغلب إنما تميّز هؤلاء باللغة والأداء اللغوي ثم المقاربة الحياتية لمجتمع عاشوا فيه شبابهم فكان الطرح أمتع لابني وابنك.

إشكالية الطرح

* طرحُنا لمشاكل الشباب اليومية كان بميزان فلسطين والمغرب والهند وليس بميزان شيكاغو ونيويورك ولوس أنجلوس وشتان بين البيئتين. لا بد من إدراك الضغط الاجتماعي الهائل الذي يعانيه شبابنا وبناتنا.

على سبيل المثال أكاد أجزم أن أكبر خوف لارتداء الحجاب من الفتاة المسلمة هو نظرة الغير إليها على أنها مختلفة ولا تمت للبيئة العامة “العادية” بشيء، وهذه مخاوف حقيقية ترعب بناتنا.. فهل أحكم عليها بالفجور هكذا دون اعتبار للأسباب؟

لو أني لبست دشداشة كل يوم إلى الثانوية وكوفية وحطة إلى الجامعة، ثم لبست هذه الثياب للعمل في وسط المدينة، وأنا أركب القطارات لأكلتني عيون الناس ولترددت في اليوم مئة مرة عن هذا الذي أنا فيه!

فلنرحم ضعف بعضنا في القدرة على التمسك بالحق، ولنكن عنصر دعم وتثبيت لا تفسيق وتخوين.. إذا لم نقنع الأخت بالحجاب (وكم منا في عائلته أمهات وأخوات وبنات وعمات وخالات غير متحجبات) فلندع الله لها بالهداية والاستقامة، لا أن نلعنها إلى جهنم وبئس المصير…

أزمة ثقة!

* لم يبق حولنا الكثير من الشباب الملتزم بل بدأ كل منهم يبحث عن ميكروفون خاص به؛ ليكون حرا من أية قيود أو ضغوط.

الحقيقة نحن في حالة فشل ذريع في استقطاب جيل ناشئ يستلم المنبر. هناك أزمة ثقة بهم، ربما إلى حد ما بالإنصاف ترجع لقلة خبرة الشباب، ولكن لتقصير منّا أيضاً في استيعابهم.

إذا أضفنا الحرب الضروس بين الصوفية المتشددة والسلفية المتشددة وأثرها على استقطاب الشباب للطرفين ما استطعنا أن نربّي شباباً وسطاً بين هؤلاء من مدارس الأفغاني وعبدة ورضا والبنا رحمهم الله تعالى جميعاً. إنما بمجرد أن رأينا بعض الميول لمدرسة الأثر حكمنا بسلفية متطرفة (وكحشنا) الشاب عنا. وبالمقابل لما أحسسنا بميول روحانية حكمنا بصوفية متطرفة (وكحشنا) الشاب عنّا. وكما لكل الناس طموح لهؤلاء الشباب طموح، فلما لم يجدوا مبتغاهم بين بيئتهم الحاضنة ارتموا في مصائد التطرف فكرا وبدعا وغير ذلك..

الفجوة لنا ان نجعلها ضيقة باذن الله، والوقت أبداً ليس خلفنا؛ بل المتسع أمامنا إن شاء الله. لكن لا بد من جلوس هادئ، وطرح المشاكل حقيقية كما هي، ومعالجتها بمقاربة “رحمة للعالمين”، وما يسعنا جميعا في الحياة العامة بالمقدار أو بالنسبة الدنيا يعني الأدنى، هو البوتقة التي تجمعنا، أما الترقي فلنتركه للاجتهادات الخاصة..

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* هو الإمام والمدير العام للمركز الإسلامي للصلاة بشيكاغو، ورئيس تجمع الأئمة في ولاية الينوي، وممثل دار الفتوى اللبنانية في أمريكا.

المصدر: الصفحة الرسمية للشيخ كفاح على الفيسبوك.

مواضيع ذات صلة