الانفصام الدعوي (2 /5).. مع النفس

نائب مفتي “حوض الفولكا”: فترة الانفتاح كشفت تحديات كبيرة أمامنا (2/ 2)

أدار الحوار هاني صلاح

المشاركة الرابعة.. من: د. وليد أبوالوفا، ـ رئيس مجلس الشوري لاتحاد الدارسين المسلمين باليابان، وتتضمن خمسة أسئلة:

8 ـ نرجو من فضيلتكم إعطاء نبذة عن أهم المراحل التاريخية التي مر بها المسلمون في منطقة حوض فولكا.

ـ المراحل التي مر بها مسلمون حوض الفولكا:

كما ذكرنا لكم، فإن هذه المنطقة دخلها الإسلام بصفة رسمية في العهد العباسي، وتحديداً في عهد الخليفة المقتدر بالله عام 922م. ومنذ تلك اللحظة أصبحت هذه الأرض إسلامية رغم أن الإسلام سبق دخوله قبل هذا التاريخ لبعض الشواهد التي ذكرها أحمد بن فضل، الذي كان من ضمن وفد الخلافة الإسلامية.

وقد مرت على هذه الأرض عدة مراحل وعدة سلطات. وانتهى بها الأمر إلى ظهور إمارة قازان، وإمارة استراخان، وكانتا إسلاميتين بالحكم والأرض. وعندما سقطت إمارة استراخان، ومن ثم إمارة قازان في عام 1552م، على يد القيصر الروسي “إيفان الرهيب”، تغير الحال، وأصبح المسلمون مطاردين وتعرضوا لحملات التنصير القسري. وأصبح وجود المسلمين غير مرغوب فيه، وكانت المساجد ممنوعة الصلاة فيها، وقتل العلماء وهرب الناس فراراً بدينهم إلى الغابات والوديان البعيدة.

وفي القرن الثامن عشر الميلادي، إبان حكم القيصرة “يكيتيرينا الثانية”، (من اصل ألماني)، أعطت المسلمين نوع من الحرية وبنيت المساجد وأصبح الإسلام دين مقبول الوجود. وتطور وضع المسلمين مع هذه الحريات؛ ففتحت المدارس الإسلامية، وأنشئت الأوقاف، ومن دلائل ذلك أن مدينة سراتوف شيد فيها ما يقارب 11مسجداً.

واستمر الحال إلى أن قامت الثورة البلشفية، التي هدمت المساجد وصادرت الأوقاف وحاربت الدين والتدين. ولم يبق في مدينة سراتوف أي مسجد . والمبنى الوحيد الذي بقي قائماً تم هدم منارته، واستعاده المسلمون بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وبني مكانه المركز الإسلامي الحالي.

لكن رغم المنع والتضييق قام مجموعة من كبار السن بشراء منزل مستقل في العام 1969م، وتحويله إلى مسجد بصورة سرية. وكانوا يجتمعون فيه ويؤدون الصلوات ويحيون المناسبات على أساس قومي. حتى أن الناس كانوا يعتقدون بأن المكان هو حمام بخار تتاري.

وفي العام 1985م، وهي فترة الحريات إبان حكم جوربتشوف، أصبح المبنى مسجداً بصورة علنية، وكان أول إمام له الشيخ عبد الله التتاري، وهو من كبار السن الذين تعملوا من أجدادهم قراءة القرآن وحافظوا عليه.

وفي عام 1987م تم تعيين الشيخ “مقدس بيبارس”، إمام للمسجد، وكان شاباً متخرجاً حديثاً من بخارى. وبدأ عهد جديد من العمل والنشاط، ودبت الحياة في نفوس المسلمين.

ومع انهيار الاتحاد السوفيتي، أصبحت أعداد المسلمين في تزايد، وظهرت الحاجة لبناء المساجد، وبدأت مرحلة البناء، وتم تشييد العديد من المساجد في القرى والبلدات واستعادة العديد منها وترميمه. وتبلغ عدد المساجد حالياً في منطقة سراتوف 41 مسجدا، وفي روسيا بشكل عام ما يقارب 9  آلاف مسجد.

أود الإشارة إلى أن فترة الانفتاح والحريات وضعت أمامنا تحديا كبيرا وأهم معالمه ضعف الكوادر وقدرتهم على استيعاب هذه الجموع، وكذلك غياب البنية التحتية المسلمين بسبب طول فترة الحكم الشيوعي.

 

9 ـ ما أهم مظاهر الإلحاد والشيوعية التي تأثر بها المسلمون في هذه المنطقة؟

ـ من أهم مظاهر الإلحاد غياب الوعي الديني الحقيقي؛ فتجد المسلم ينتمي بهويته إلى الإسلام ولكنه يخالف الإسلام في كل شيء. المنظومة التربوية الشيوعية كانت قوية جداً من ناحية التأثير النفسي وصناعة الرأي العام. لذا فقد أصبح الرأي العام بمثابة إله يعبد، من أجله يفعل أو لا يفعل.

ومن الآثار السلبية تدمير الجسور التاريخية وتجفيف الجذور الدينية. فقد أصبح عندنا جيل انفصل عن جذوره التاريخية ولذا تخلى عن العادات والتقاليد وانتمى إلى فكرة الدولة الواحدة والشعب الواحد والإيديولوجية الشمولية.

بعد انهيار المنظومة الشيوعية أصبح الناس كالأيتام كل يبحث له عن انتماء. وماذا عساه يفعل من فقد الانتماء لدينه فأصبح الانتماء شكلياً ومشوهاً.

وعلماً منا بهذه الآثار؛ فإننا نسعى لتعزيز روح الانتماء وصناعة رأي عام قوي يشجع على الدين والالتزام به من خلال عدة برامج ونشاطات ومنها ما هو موجه للجيل الحالي ومنها ما هو موجه للجيل الجديد، والله الموفق.

 

10 ـ ما نظرتكم للأجيال الجديدة من المسلمين؟ وما أهم البرامج التي تبذل للحفاظ على هويتهم؟

ـ الجيل الجديد هو الأمل والمستقبل وهو يحظى بالجزء الأكبر من اهتمامنا ونشاطاتنا. ومن أهم الجوانب التي نركز عليها الجانب التربوي والتعليمي ومنظمة الأخلاق ومفاهيم الحلال والحرام. نحن نسعى لخلق جيل لم يتذوق الحرام ويبتعد عنه ويميز الحلال من الحرام ويعتز بانتمائه لدينه وهذا تحدٍّ كبير.

لا شك أن العمل مع الجيل الجديد يحتاج دائما للتجديد وهو ما نحاول فعله من نشاطات. بداية من المخيم الصيفي للأطفال الذي يأخذ منا جهدا كبيرا ومرورا بالفصول الدراسية في المراكز الإسلامية والمسابقات الدينية والثقافية والرياضية فلا يكاد يمر أسبوع إلا ويوجد نشاط للأطفال.

وقد عمدنا إلى تطوير مناهج تلائم الأطفال الصغار ممن هم في أعمار السنة والسنتين في مركز تحفيظ القرآن. كذلك متابعة الأطفال والتواصل مع الآباء والأمهات ومحاولة تقديم المساعدة لهم.

فمثلا أحد الأطفال في عمر 14 سنة يعيش في أسرة فقيرة في قرية مجاورة وهو يتيم وقرر أن يعمل ليساعد والدته ويخفف عليها من الأعباء. جاء إلى المركز وطرح أفكاره فتم التعامل معه على مستوى من الجدية وأطلقت حملة لمساعدته في مشروع تربية المواشي ليقوم بنفسه ويعين عائلته وهذا ما تم بالفعل ونجح مشروعه ولله الحمد.

الكثير من هذه التجارب نسعى لنشرها وسط الجيل الجديد ليكون قادرا على تحمل المسؤولية بعون الله.

 

11 ـ ما دور المرأة في المشاركة في العمل الإسلامي؟

ـ لا شك أن المرأة أكثر من نصف المجتمع في روسيا. وهي أكثر نشاطاً وعطاء. وهذه حقيقة لا يمكن إغفالها. لذا فأنها انعكست بشكل مباشر على النشاطات الإسلامية وأصبح دورها بارزا ولا يمكن تغافله.

منذ اللحظة الأولى والمرأة في الصدارة والمقدمة؛ بل لا أكون مبالغاً إذا قلت بأن المرأة كانت سببا رئيسياً في تقدم هذا العمل وريادته؛ لهذا تم تأسيس جمعية نسائية محلية اسمها “ردنيك” ما ترجمته “النبع”، وذلك في عام 2007 م، وأصبحت الجمعية عضو مؤسس في اتحاد المسلمات في روسيا .

النشاط النسائي سار بالتساوي مع النشاط الإسلامي بشكل عام ولكنه برز في الجانب الاجتماعي، وحقق اختراقا حقيقيا للعديد من الحواجز. فالمسلمة بحجابها أصبحت منبع خير وعطاء في المجتمع ولا تسبب أية مشكلة أو حرج لأحد.

لا تكاد تجد نشاطا إلا وللمرأة دور فيه. فالمعهد الإسلامي يدرس فيه عدد كبير من الفتيات ويوجد مدرسات معنا. مجموعات الأطفال أكثر المدرسين من النساء. حتى انه أصبح هناك منتدى للنساء المسلمات يعمل بشكل مستمر وينظم لهن دورات وزيارات ومسابقات ونشاطات ترفيهية وألعاب رياضية بصورة منفصلة عن الرجال.

لذا استطيع القول بأن المرأة تحظى باهتمام كبير وتلعب دورا محوريا في نهضة المسلمين في روسيا بشكل عام وفي منطقتنا بشكل خاص.

 

12 ـ هل يسمح للمؤسسات الإسلامية والدعوية بالعمل بحرية؟ وهل يسمح بالمشاركة السياسية للمسلمين؟

ـ المؤسسات الدينية والاجتماعية المسجلة رسمياً تعمل بكل حرية في إطار القانون. والدستور الروسي يضمن هذه الحرية في المعتقد والتزام بالشعائر الدينية دون أية معوقات.

ولكن منذ أكثر من سنة تقريبا أقر مجلس الدوما حزمة من القوانين مما عرف بقانون “ياروفيا”، وهو يقيد من هذه الحرية وينقسم إلى قسمين: قسم موجه نحو المؤسسات الدينية. وقسم موجه نحو حرية التعبير في الإنترنت ووسائل التواصل. ويهدف القانون إلى مكافحة الإرهاب ونشر الأفكار المتطرفة.

ففي القسم الذي يخص الدين أصبح من المحظور على أتباع أي دين دعوة أتباع دين آخر إلى دينهم، وعملهم يقتصر على أتباع دينهم. وهذا يعتبر تقييدا للعمل الدعوي. ولكن لغاية الآن هذا القانون غير مفعل على أرض الواقع. ومجال الحريات ما زال واسعاً ولكن إلى حدود معينة طبعاً.

والعمل الديني يقتصر على المؤسسات الدينية الرسمية وهناك العديد من المصليات في أماكن الخدمة العسكرية والسجون والمطارات وهذا يعكس جانب من الحريات الدينية بالإضافة إلى انتشار مطاعم الحلال في معظم الأماكن.

بخصوص المشاركة السياسية للمسلمين فإن الدولة الروسية علمانية وتفصل الدين عن الدولة ولذلك لا يسمح لأي حزب سياسي يقوم على أساس ديني بالتسجيل والمشاركة في الحياة السياسة.

أما على مستوى الأشخاص كمواطنين فالدولة لا تعمل تفرقة على أساس الدين وتنظر إلى الجميع على حد سواء؛ فالجميع يملك الحق في المشاركة السياسية ويوجد نواب مسلمون في مجلس النواب من الوزراء وفي الأحزاب السياسية المختلفة. والانتماء الإسلامي لا يعتبر عائقا أمام ممارسة السياسة ولكن ما هو محظور أن يكون العمل السياسي من منطلق ديني.

 

المشاركة الخامسة.. من: “واوى سلام”، مدرس بمعهد عباد الرحمن بجنوب الفلبين، وناشط اجتماعي وسيأسى، من خريج جامعة الأزهر، وتتضمن سؤالين أسئلة (أرقام:13/14):

13 ـ كثير من البلدان الإسلامية ابتليت بأناس لا يعرفون الخطأ في حقهم، وأن مخالفتهم في الرأي ضلال أو كفر؛ فهل هذه الظاهرة توجد أيضا في الاتحاد السوفيتي؟ وما مدى توغلها في منطقتكم؟ وماذا ترون من حقيقة هذا النتاج الفكري؟ وما علاقته بالتطرف الديني؟ وما هي رؤيتكم لمستقبل هذه الظاهرة؟

ـ هذه الظاهرة لا شك أنها موجودة في كل المجتمعات، وهكذا طبائع البشر. ولكن الخطر عندما تكون هذه الشخصيات في موقع القرار ولها جمهور لا يستخدم عقله.

إذا قصد الأخ السائل الاتحاد السوفيتي؛ فالأمثلة كثيرة والحزب الشيوعي هو الذي كان يسيطر على الوضع بشكل كامل وهو معصوم عن الخطأ ولهذا السبب خلف وراءه مجتمع سلبي يعتمد على السلطة والحزب. وعندما انهار الاتحاد السوفيتي أصبح الناس كالأيتام.

أما اذا قصد الأخ السائل مسلمي روسيا ومدى تفشي هذه الظاهرة؛ فأستطيع القول بأن هذه الشخصيات موجودة ولكنها ليست في موقع القرار ولا يوجد لها جمهور يسير خلفها ولله الحمد، هذا على المستوى العام في روسيا.

أما على المستوى المحلي؛ ففي كل منطقة توجد بعض هذه الشخصيات ولكن أثرها محدود وهم غالباً لا يقدمون شيئا ويتقنون فن الكلام والنقد فقط ونحن نتعامل مع هذه الشخصيات من مبدأ إن كنت تنتقد العمل فتقدم بما هو أفضل بمعنى أننا نعطيهم المسؤولية ونكلفهم بالأعمال وسرعان ما يقفون عاجزين وينتهي الأمر.

طبعا هذه الظاهرة ناتجة عن طبيعة البشر مع قلة الإيمان وتقديس النفس وبالمزيد من العمل والجهد والاجتهاد في العبادات يمكن التغلب على هذا المرض النفسي والله أعلم.

 

14 ـ هل صحيح أن المؤتمر الإسلامي العالمي حول أهل السنة بروسيا مؤخرا تم بتوجيه من بوتين؟ وما رؤيتكم في أفكار تؤدى إلى إقصاء السواد الكثيرة من حظيرة أهل السنة والجماعة؟ وما الدور الذى يلعبه اتحادكم في قضاء الفتن التي أثيرت حول القضايا العقدية الملتهبة؟

ـ بخصوص مؤتمر أهل السنة والجماعة الذي عقد في مدينة غروزني في جمهورية الشيشان؛ لا أعتقد أن الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين”، يقف خلفه أو له أية علاقة بذلك ولا حتى الأجهزة الأمنية.

والحقيقة أن هذا المؤتمر جاء لمعالجة قضية محلية في منطقة شمال القوقاز، وهي كما تعلم ظاهرة الوهابية التي أصبحت من وجهة نظرهم مشكلة تعكر جو الأمن والاستقرار وكانت امتداداً لحرب طويلة في المنطقة.

فبعد النجاحات الأمنية للحكومة الشيشانية تشكلت لديهم قناعة بأنهم قادرون على مواجهة الفكرة بالفكرة والحجة بالحجة؛ لذلك دعوا إلى مؤتمر لإصدار فتاوى تستثني الوهابية من أهل السنة والجماعة لتكون نقطة ارتكاز للقوى الأمنية في محاربة المجموعات المسلحة في الغابات ومواجهة أية جهة تدعو إلى أفكار مشابهة.

ولكن ما حصل في المؤتمر يتحمل مسؤوليته الكبرى العلماء من الأزهر الشريف وكافة الدول المشاركة والذين وسعوا دائرة المستهدفين ووقعوا على هذه الفتوى دون تقدير للموقف. علماً بأن معظم مفتيي روسيا لم يحضروا المؤتمر، ولم يقبلوا هذه الفتوى، والوفد المشارك من منطقة حوض الفولجا انسحب من المؤتمر دون التوقيع على الفتوى.

ورغم الضغط من مفتي الشيشان؛ فلم يستجب أحد؛ بل على العكس تم كتابة رد بالحجج والبراهين على بطلان هذه الفتوى. كما أن معظم المشاركين قد تبرأوا من مخرجات المؤتمر وليس له أثر على أرض الواقع أصلاً.

 

المشاركة السادسة.. من: م.”طارق سرحان”، رئيس قسم الثقافة الإسلامية بالمركز الإسلامي في العاصمة الأوكرانية كييف، وتتضمن سؤالين:

15 ـ تلقى الكتب الإسلامية ودور النشر في مجمل مناطق روسيا هجمة شرسة من قبل بعض المحاكم التي تلقي بالاتهامات، وتصدر الأحكام المتشددة على الكثير من الكتب والإصدارات الدينية للمسلمين، حتى تلك الكتب التي عرفت بالروحانية البحتة دون أي توجهات فكرية مثل كتاب حصن المسلم، أو كتب تربوية معتدلة مثل كتاب شخصية المسلم لمحمد علي الهاشمي، وكل هذا بحجة محاربة كتب التعصب. ولا يغيب عن ذهن عاقل أن هكذا أحكام متعسفة، أو مصادرة لكتب الاعتدال ونشر ثقافة الوسطية والتدين بسماته العصرية، والذي ينشر مبادئ التوازن والتعايش والتسامح، يصدر التعصب الديني ولا يعالج…

فما دور المؤسسات الدينية في مواجهة هذا التحدي، للحفاظ على شخصية المسلم في المثقف دون التصادم مع التعسفية القضائية؟

ـ بخصوص قائمة الكتب الإسلامية المحظورة في روسيا فقد يخيل للوهلة الأولى أن الأمر يتعلق بالتضييق على المسلمين. ولكن بعد دراسة الأمر بتعمق؛ تتضح الصورة أكثر. ولا شك بأن منع الكتب الإسلامية باللغة الروسية على قلتها شيء يحزننا و يدعونا للاجتهاد في إصلاح هذا الأمر. وحتى نكون منصفين فلا بد بالنظر إلى المسألة في الإطار العام في روسيا.

إذا نظرنا إلى قائمة الكتب المحظورة في عموم روسيا؛ نجد فيها ما يزيد على ألف ومائتي كتاب من مختلف الألوان الفكرية والدينية وعدد الكتب الإسلامية لا يتجاوز المائة كتاب من هذه القائمة؛ بمعني أن نسبة الكتب الإسلامية المحظورة لا تتعدى 10%.

وفي نظري فإن السبب يرجع إلى طبيعة النظام القضائي في روسيا. فلو تأملنا الحالات التي تعرضت فيها الكتب الإسلامية إلى المنع نجد أغلبها حصل في ظروف أمنية خاصة عند مداهمة شقة لأحد المتهمين بالتطرف والإرهاب وكل ما وجدوا عنده من كتب تم تقديمها إلى المحكمة ليصدر قرار بمنعها ونظراً لأن نظام القضاء فيدرالي فإن الحكم يعمم على كافة تراب روسيا مهما كان مستوى المحكمة التي أصدرت الحكم.

طبعا لا يمكن هنا أن نغفل التعسف الذي يجري من طرف المحكمة خلال النظر في هذه القضايا فهناك الكثير من المخالفات التي تقع وأقلها عدم الاستعانة بأشخاص مختصين في الإسلام للنظر في محتوى هذه الكتب.

تقريبا بهذه الصورة تم إدراج معظم الكتب في قائمة الكتب المحظورة. أما قضية إبطال قرار المحكمة الصادر فهو أمر معقد ويحتاج إلى وقت كثير وإمكانيات كبيرة، والأهم من ذلك أن صاحب الكتاب أو من ينوب عنه بتوكيل رسمي يحق له الطعن في قرار المحكمة، وهذا يضع صعوبات أكبر في طريق تحرير هذه الكتب.

ونحن في الإدارة الدينية لمسلمي حوض الفولكا ننشط في هذا المجال وقد كانت لنا تجارب ونجحت والله الحمد. و يوجد فريق من المحامين ممن يعكف على هذه القضايا و يقومون بمتابعتها وأشهرها قضية حظر كتاب ترجمة معاني القرآن الكريم للشيخ إلمير كولييف، وتم إبطال القرار بجهود متظافرة من ثلاثة من المحامين. وكذلك حكم لمحكمة في مدينة بنزا بخصوص كتاب لمفتي محافظة سراتوف الشيخ مقدس بيبارس تم إبطال هذا القرار وغيرها من الكتب وأصبحت تجربة إيجابية موجودة.

ولكن هذه الأمور القضائية تتطلب وقتا وتكاليف كثيرة، كما أن إعادة طباعة الكتب المحظورة بحلة جديدة يحل هذه المشكلة ولأنه توجد جزئية في الموضوع يجب أخذها بعين الاعتبار وهي أن قرار الحظر يخص كتابا بعينه وسنة طباعته وشكله حال إصدار القرار ولو وجد نفس الكتاب و لكن طبعة أخرى فلا يعتبر هذا مخالفا للقانون ولكن الكثير يجهلون هذه الجزئية. وأعتقد أن هذا المجال حيوي جداً بالنسبة للمسلمين ومجال للتحرك وتقديم الجهد والوقت وهو من جانب يفعل من الكفاءة لدى المحامين المسلمين.

ولكن يجب أخذ بالأمر في إطاره الصحيح فليس هناك هجمة مبرمجة من قبل السلطة لمنع الكتب الإسلامية، ويأتي هذا المنع في إطار مكافحة الأفكار المتطرفة والتي تدعو إلى العنف والتمييز وحصة الكتب الإسلامية من المنع ليست كبيرة مقارنة بغيرها من الكتب والتي تحض على الكراهية للمسلمين للعلم.

ونسأل الله أن يثبتنا على دينه القويم.

 

16 ـ إن تمويع المصطلحات، وتركها دونما تعريف، ثم تعميم استخدامها دونما تحديد لها ولكنهتها، غدت ظاهرة سماها العديدين بحرب المصطلحات، وتزاد هذه الظاهرة خطورة، عندما تتعلق بمصطلحات ذات خلفيات سياسية، فكرية أو حركية…

مثل مصطلح التعصب الديني، أو مصطلح الوهابية، أو الديموقراطية أو الحرية أو المواطنة، وغيرها كثير…

ومن المعروف أن أكثر من يتضرر من ترك هذه المصطلحات دون تحديد هم المسلمون، ليس بسبب المتربصين والمكيدين بالمسلمين وحسب، بل بسبب المسلمين أنفسهم، خاصة نتيجة النزاع الناتج عن تعدد الإدارات والمؤسسات الدينية، ووقوعهم في التنافس في ما بينهم، الذي يكون في كثير من الحالات تنافساً غير شريف!!

فما هي الجهود التي قدمت من قبل المؤسسات الإسلامية، وإداراتها الدينية، لتحديد هذه المسطلحات وغيرها، وصياغتها على شكل ميثاق يتفق عليه المسلمون بين بعضهم البعض، وتعترف به الحكومة من جانب آخر حتى يصبح أرضية تفاهم بين المسلمين أنفسهم، وبين مختلف فئات المجتمع المحيط لهم؟

ـ لا شك أن وضوح المصطلحات المعاصرة أصبحت قضية نادرة الوجود ليس فقط في روسيا وإنما في العالم أجمع. فالضبابية في فهم المصطلحات يعطي مبرر للأجهزة الأمنية والقوى السياسية لاستخدامها في غير موضعها ولتحقيق أهداف خاصة بها.

ومسلمو روسيا حقيقة يعانون من كثير من المصطلحات التي ظهرت مؤخرا ومنها الإسلام التقليدي والإسلام القومي وغيرها ولا تكاد تجد تعريفا واضحا لذلك. لذا فإن الإدارات الدينية المختلفة تجدها غير متفقة على تعريف واحد للكثير من المصطلحات وكل جهة تفهمها وتفسرها كما تشاء.

وإمكانية إيجاد أرضية موحدة لتعريف هذه المصطلحات على مستوى عموم مسلمي روسيا تكاد تكون مستحيلة للأسف في هذه الأوقات لأسباب تشرذم المسلمين وتباعدهم الجغرافي وانتمائهم العرقي. رغم انه كانت هناك محاولات عديد لتوحيد الإدارات الدينية ولكنها باءت بالفشل. لذلك تبقى الحالة الرمادية هي السائدة في هذه الفترة للأسف.

كما أن هذه الحالة ليست مقتصرة على المصطلحات الإسلامية وإنما على عموم المصطلحات. فمثلا مؤخرا برزت قضية فهم مصطلح علمانية الدولة. فقد تم منع الحجاب في بعض المدارس والجامعات بحجة أن نظام الدولة علماني ولا يقبل بوجود مظاهر الدين في المؤسسات الرسمية وهذا كان احد التفاسير الخاطئة لهذا المصطلح. اخذ الأمر قسطا كبيرا من البحث و الجدل و وصل الأمر إلى القضاء. وذلك لان الدستور يضمن لكل شخص حرية اعتناق الدين و ممارسة الشعائر بحرية كاملة.

فأرى أن هذا الأمر سيبقى بين مد وجزر إلى أن يحين الوقت، ويستطيع المسلمون تحديد وتوضيح هذه المصطلحات.

 

مواضيع ذات صلة