الانفصام الدعوي (2 /5).. مع النفس

أحمد ديدات.. داعية حاور المنصرين

السيد الشامي

نقطة التحول الحقيقي في حياته كانت زيارة بعثة تنصيرية في مكان عمله وتوجيه didatأسئلة كثيرة عن دين الإسلام، ولم يستطيع وقتها الإجابة عنها، ساعتها قرر الشيخ أن يدرس الأناجيل. ولكي يجد في نفسه القدرة على العمل في مواجهة المنصرين ترك كل الأعمال التجارية ونذر نفسه للدعوة.

النشأة والتكوين

ولد أحمد حسين ديدات في “تادكهار فار” بإقليم سراط بالهند عام 1336هـ/ 1918م لأبوين مسلمين، وكان والده يعمل بالزراعة وأمه تعاونه، ومكثا كذلك تسع سنوات ثم انتقل والده إلى جنوب إفريقيا وعاش في ديربان، وغير أبوه وجهة عمله الزراعي وعمل مطرزا. ونشأ أحمد ديدات على منهج أهل السنة والجماعة منذ نعومة أظافره، فقد التحق بالدراسة بالمركز الإسلامي في ديربان لتعلم القرآن الكريم وعلومه وأحكام الشريعة الإسلامية، وفي عام 1352هـ/ 1934م أكمل المرحلة السادسة الابتدائية، ثم قرر أن يعمل لمساعدة والده فعمل في دكان يبيع الملح، وانتقل للعمل في مصنع للأثاث، وأمضى به اثني عشر عاما، وصعد سلم الوظيفة في هذا المصنع من سائق ثم بائع ثم مدير للمصنع، وفي أثناء ذلك التحق أحمد بالكلية الفنية السلطانية كما كانت تسمى في ذلك الوقت، فدرس فيها الرياضيات وإدارة الأعمال.

تحدي التنصير

نقطة التحول الحقيقي  في حياة أحمد ديدات كانت في الأربعينيات بسبب زيارة بعثة تنصيرية في مقر عمله، وتوجيه أسئلة كثيرة عن دين الإسلام، ولم يستطيع أحمد وقتها الإجابة عنها.

وحينها قرر أن يدرس الأناجيل بمختلف طبعاتها الإنجليزية، حتى النسخ العربية كان يحاول أن يجد من يقرؤها له، وقام بعمل دراسة مقارنة في الأناجيل، وبعد أن وجد في نفسه القدرة التامة على العمل من أجل الدعوة الإسلامية ومواجهة المنصرين قرر أحمد أن يترك كل الأعمال التجارية ويتفرغ لهذا العمل.

كان هناك عامل مؤثر آخر لا يقل عن دور بعثة آدم التنصيرية في التأثير على تغير حياة ديدات، لكن هذا العامل الآخر كان في فترة متأخرة أثناء عمل أحمد في باكستان، حيث كان من مهامه في العمل ترتيب المخازن في المصنع، وبينما هو يعمل فإذا به يعثر على كتاب “إظهار الحق” للعلامة رحمة الله الهندي.

وهذا الكتاب يتناول الهجمة التنصيرية المسيحية على وطن الشيخ الأصلي (الهند)، ذلك أن البريطانيين لما هزموا الهند، كانوا يوقنون أنهم إذا تعرضوا لأية مشاكل في المستقبل فلن تأتي إلا من المسلمين الهنود؛ لأن السلطة والحكم والسيادة قد انتزعت غصبا من أيديهم، ولأنهم قد عرفوا السلطة وتذوقوها من قبل، فإنهم لا بد أن يطمحوا إليها مرة أخرى. ومعروف عن المسلمين أنهم مناضلون أشداء، بعكس الهندوس، فإنهم مستسلمون ولا خوف منهم.

وعلى هذا الأساس خطط الإنجليز لتنصير المسلمين؛ ليضمنوا الاستمرار في البقاء في الهند لألف عام. وبدءوا في استقدام موجات المنصرين المسيحيين إلى الهند، وهدفهم الأساسي هو تنصير المسلمين، وكان هذا الكتاب العظيم أحد أسباب فتح آفاق الشيخ ديدات للرد على شبهات النصارى، وبداية لمنهج حواري مع أهل الكتاب وتأصيله تأصيلا شرعيا يوافق المنهج القرآني في دعوة أهل الكتاب إلى الحوار وطلب البرهان والحجة من كتبهم المحرفة.

وأخذ الشيخ يمارس ما تعلمه من هذا الكتاب في التصدي للمنصرين، ثم أخذ يتفق معهم على زيارتهم في بيوتهم كل يوم أحد بعد أن ينتهوا من الكنيسة، ثم انتقل الشيخ إلى مدينة ديربان وواجه العديد من المنصرين كأكبر مناظر لهم.

ثم سافر إلى باكستان عام 1368هـ/ 1949م لكي يجمع مبلغا يفيض عن حاجته لينفقه في الدعوة، ومكث في باكستان ثلاث سنوات عمل خلالها في مصنع للنسيج وبعدها عاد إلى جنوب إفريقيا وأصبح مديرا لنفس المصنع الذي سبق أن تركه قبل سفره، ومكث حتى عام 1375هـ/ 1956م يعد نفسه للدعوة إلى الدين الحق.

وفي مدينة ديربان في الخمسينيات كان الشيخ يجهز صباح كل أحد محاضرات دعوية. وكان جمهوره صباح كل أحد ما بين مائتين إلى ثلاثمائة فرد، وكان جمهور المحاضرات في ازدياد دائم.

وبعد نهاية هذه التجربة ببضعة شهور اقترح شخص إنجليزي – اعتنق الإسلام واسمه فيرفاكس – على ديدات أن يدرس “المقارنة بين الديانات المختلفة”، وأطلق على هذه الدراسة اسم “فصل الكتاب المقدس.. Bible Class”.

وكان يقول بأنه سوف يعلم الحضور كيفية استخدام الكتاب المقدس في الدعوة للإسلام.

ومن بين المائتين أو الثلاثمائة شخص الذين كانوا يحضرون حديث الأحد، اختار السيد فيرفاكس خمسة عشر أو عشرين أن يبقوا ليتلقوا المزيد من العلم.

استمرت دروس السيد فيرفاكس حوالي شهرين، ثم تغيب، ولاحظ الشيخ ديدات الإحباط وخيبة الأمل على وجوه الشباب.

ويوم الأحد من الأسبوع الثالث من تغيب السيد فيرفاكس اقترح عليهم الشيخ ديدات أن يملأ الفراغ الذي تركه السيد فيرفاكس، وأن يبدأ من حيث انتهى؛ لأنه كان قد تزود بالمعرفة في هذا المجال، ولكنه كان يحضر دروسه لرفع روحه المعنوية.

وظل ديدات ثلاث سنوات يتحدث إليهم كل أحد، ويصف الشيخ هذه الفترة بقوله: لقد اكتشفت أن هذه التجربة كانت أفضل وسيلة تعلمت منها، فأفضل أداة لكي تتعلم هي أن تعلم الآخرين، والنبي الكريم صلى الله عليه وسلم يقول: “بلغوا عني ولو آية”.. فعلينا أن نبلغ رسالة الله عز وجل، حتى ولو كنا لا نعرف إلا آية واحدة.

إن سرا عظيما يكمن وراء ذلك.. فإنك إذا بلغت وناقشت وتكلمت، فإن الله يفتح أمامك آفاقا جديدة، ولم أدرك قيمة هذه التجربة إلا فيما بعد.

عرف الشيخ أحمد ديدات بشجاعته وجرأته في الدفاع عن الإسلام، والرد على الأباطيل والشبهات التي كان يثيرها أعداء الإسلام من النصارى حول النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ونتج عن هذا أن أسلم على يديه بضعة آلاف من النصارى من مختلف أنحاء العالم، والبعض منهم الآن دعاة إلى الإسلام.

وفي عام 1378هـ/ 1959م توقف الشيخ أحمد ديدات عن مواصلة أعماله حتى يتسنى له التفرغ للدعوة إلى الإسلام من خلال إقامة المناظرات وعقد الندوات والمحاضرات. وفي سعيه المتواصل لأداء هذا الدور زار دولا عديدة واشتهر بمناظراته التي عقدها مع كبار رجال الدين المسيحي أمثال: كلارك – جيمي سواجارت – أنيس شروش.

وقد أسس ديدات معهد السلام لتخريج الدعاة، والمركز الدولي للدعوة الإسلامية بمدينة “ديربان” بجنوب إفريقيا.

ألف أحمد ديدات ما يزيد عن عشرين كتابا، وطبع الملايين منها لتوزع بالمجان، بخلاف المناظرات التي طبع بعضها، وقام بإلقاء مئات المحاضرات في شتى أنحاء العالم.

ولهذه المجهودات الضخمة منح الشيخ أحمد ديدات جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام عام 1406هـ/ 1986م وأعطي درجة “أستاذ”.

الدعوة في المرض

وفي عام 1416هـ/ 1996م بعد عودة الشيخ من أستراليا من رحلة دعوية أصيب بمرض أقعده طريح الفراش لتسع سنوات، وعن بداية إصابة الشيخ ديدات بالمرض يقول صهره “عصام مدير”: إنه كان قد أصيب بجلطة في الشريان القاعدي في شهر إبريل عام 1996م بسبب عدة عوامل على رأسها أنه مريض بالسكري منذ فترة طويلة، أجهد خلالها نفسه في الدعوة كعادته!.

لكن ديدات في ذلك الشهر تحديدا قام برحلة مكوكية للدعوة واجتهد فيها، وخصوصا في رحلته الأولى والقوية جدا لأستراليا التي تحدث فيها عن الإعلام الأسترالي؛ لأنه ذهب لعرض الإسلام عليهم وتحدى عددا من المنصرين الأستراليين الذين أساءوا للإسلام، وكان ديدنه ألا يناظر ولا يبادر المنصرين إلا الذين يتعدون على الإسلام فيستدعيهم الشيخ للمناظرات ويرد عليهم بالحجة والبرهان.

ولذلك ذهب إلى أستراليا وطاف بها محاضرا ومناظرا، وعندما عاد حدث له ما جرى وأصيب بجلطة في الدماغ.

وفي صباح يوم الإثنين الثامن من أغسطس 2005م الموافق للثالث من رجب 1426هـ فقدت الأمة الإسلامية الداعية الإسلامي الكبير الشيخ المجاهد “أحمد ديدات” رحمه الله.

 المصدر: موقع إسلاميات (بتصرف يسير).

مواضيع ذات صلة