الانفصام الدعوي (2 /5).. مع النفس

المرصفي.. كان إمامًا في حقل الفكر الإسلامي الوسطي

رجب الدمنهوري

قال تعالى {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً * لِيَجْزِيَ اللهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا} (الأحزاب: 24).

رحم الله العالم الأزهري الجليل وأستاذ الحديث وعلومه بجامعتي الأزهر الشريف والكويت فضيلة العلامة الشيخ الدكتور سعد المرصفي؛ حيث وافاه الأجل المحتوم صباح أمس الثلاثاء (17/7/2018) عن عمر ناهز الـ 85 عاماً بعد أن أفنى حياته في خدمة دينه ووطنه وأمته.

الراحل كان إماماً في حقل الفكر الإسلامي الوسطي؛ حيث ألف أكثر من مائة كتاب في مختلف صنوف المعرفة الإسلامية وحقولها وعلوم السنة النبوية، من بينها 30 كتاباً في وسطية الإسلام عقيدة وشريعة ودعوة وأسلوب حياة، فند خلالها طروحات الغلاة من المتطرفين الإسلاميين ونظرائهم العلمانيين على السواء، مبرهناً بكل دليل نقلي وعقلي وتاريخي على وسطية الإسلام وبراءته من كل صور الغلو والتشدد والإرهاب.

عاش الراحل طوال حياته الأكاديمية والدعوية منافحاً عن الإسلام ومربياً فاضلا، وفاضحاً وكاشفاً للمخططات والمكائد التي دبرت له بليل، وحيكت له في جنح الظلام، لم يخشَ في الحق لومة لائم، وفي سبيل ذلك تكبد الكثير من المتاعب والمصاعب.

كان عالماً عاملاً مجتهداً، دافع عن الإسلام بقلمه؛ فكان يكتب في مجلات: المجتمع والعالمية والبشرى والصحف المحلية الكويتية والمواقع الإلكترونية، ودعا إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة من خلال منابر الإذاعة والندوات والدروس والخطب المسجدية، وكان -رحمه الله- له جمهور واسع من التلامذة والمحبين؛ حيث كان بأسلوبه السهل الممتنع جاذباً للعوام والخواص، وكان صاحب روح طيبة من الفكاهة والحس الدعوي المرهف.

تخرج على يديه في كلية الشريعة بجامعة الكويت آلاف الطلبة العرب والمسلمين من مختلف أنحاء العالم في مقررات السنة النبوية، إذ عمل بها قائماً بأعمال العميد وأستاذاً بها، وهو -رحمه الله- أحد العلماء الذين كان لهم بصمة في إنشاء هذه الكلية لتكون منبراً للفكر الوسطي عوضاً عن منابر في بلاد أخرى لم تكن تحبذ الانفتاح على الفكر المعاصر والأخذ بعلم المقاصد وفقه الواقع وغير ذلك من اجتهادات علماء العصر.

لم يكن يتحدث في شأن من شؤون الأمة أو عن مسألة من المسائل الشرعية إلا وسبقته دموعه مؤثراً فيمن حوله، ومعبراً عما كان يعتبره تقصيراً منه ومن العلماء في حق الدين والأمة، راجيا من الله أن يغفر له وأن يحسن ختام حياته وهو ثابت على الحق.

أمضى الراحل جل حياته في الكويت مقدراً دورها الدعوي والإنساني الرائد في العالم الإسلامي وخبرتها الوقفية والزكوية التي امتدت بثمارها وآثارها الطيبة إلى مختلف أصقاع العالم داعمة للمجتمعات الفقيرة في مجالات الصحة والتعليم والتنمية ومكافحة ثالوث الخطر الفقر والمرض والجهل، وفي هذا السياق أسهم الراحل في تأسيس العديد من المؤسسات الإسلامية الخيرية والدعوية إلى جانب نخبة من علماء وجهابذة الأمة الذين احتضنتهم الكويت، وفتحت لهم أبوابها من خلال المؤتمرات والندوات الفكرية والفقهية وغيرها.

ورغم بلوغه سناً متقدمة في سنواته الأخيرة فإنه ظل حتى قبيل مماته عاكفاً في مكتبته التي تضم أكثر من 10 آلاف كتاب من أمهات الكتب التراثية قارئاً ومؤلفاً ومخططاً لمشاريع فكرية، حتى إنه كان قد نقل سريره في المكتبة، وكان كلما زاره أحد تجول به في مكتبته وعرفه بأمهات الكتب النادرة ومصنفاتها العلمية.

رحم الله الشيخ سعد المرصفي، وتقبله في الصالحين وأسكنه في فراديس جنانه، وخالص العزاء لأسرته الكريمة وتلاميذه ومحبيه.

—–

المصدر: الصفحة الشخصية للكاتب على الفيسبوك (بتصرف).

مواضيع ذات صلة