الانفصام الدعوي (2 /5).. مع النفس

المسلمون في الغرب بين مطرقة العنصرية وسندان التطرف

محمد الدراعي

مسيرة ضد الإسلام بالغرب

هناك تغير وتحول في أسباب الكراهية ضد مسلمي الغرب

يعيش المسلمون في الغرب منذ أحداث الحادي من أيلول/سبتمبر المشهورة إلى الآن.. أوضاعا أقل ما يمكن القول عنها أنها جد مقلقة. بل وقد توصف في بعض الأحيان بالتراجيدية. إن المتتبع لشؤون المهاجرين في الغرب عامة والمسلمين منهم بصفة خاصة يرى أن هناك ليس فقط تناميا للكراهية ضدهم بل هناك أيضا تغير وتحول فيما يخص أسباب ودواعي تلك الكراهية.

ففي أواسط الثمانينيات من القرن الماضي عند صعود الجبهة الوطنية في فرنسا، قيل إن الأمر لا يعدو أن يكون استثنائيا نظرا لوجود أعداد ضخمة من المهاجرين فوق التراب الفرنسي. ولربما حلت الإشكالية بوضع قوانين أكثر صرامة لولوج الأجانب إلى فرنسا. لكن عدوى رفض الأجانب انتقلت إلى دول أخرى وبسرعة فائقة بل وصاحبتها في كثير من الأحيان اعتداءات على المهاجرين تارة جسدية، وتارة أخرى اعتداءات على ممتلكاتهم، وهكذا وفي ظرف وجيز من الزمن أصبح في جل الدول الأوروبية نظير للجبهة الوطنية من أحزاب أو منظمات تنعت باليمينية المتطرفة توحدت في إعلان الكراهية للمهاجرين والوقوف ضد القوانين المنظمة لهجرة والضغط المستمر على الحكومات من أجل سن قوانين جديدة أصبح بموجبها الدخول إلى أوروبا لغير الأوروبيين من الأمور شبه المستحيلة، خاصة بعد إقامة الاتحاد الأوروبي بداية التسعينات.

هذه التغييرات على المستوى القانوني صاحبتها ترسانات جد مهمة من القوانين الفرعية الأخرى هدفها الظاهري تشجيع المهاجرين المقيمين على الاندماج الكلي في الدول التي يعيشون فيها وتيسير الطرق لهم إلى ذلك. لكن الكثير من تلك القوانين شملت تضييقا كبيرا على حرياتهم خاصة فيما يتعلق بالحفاظ على الهوية الثقافية الأصلية للمهاجرين.

والى حدود نهاية القرن العشرين وبداية الواحد والعشرين، كانت العنصرية المتنامية في أوروبا تشمل كل الأجانب على أساس الأصل أو العرق؛ فكان الرفض للقادم من خارج أوروبا قائما على هذا الأساس فقط حتى جرت أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر فأعلن الرئيس الأمريكي بوش وقتها الحرب على الإرهاب، ليجعل الكثيرين منها حربا على الإسلام.

هذه الأحداث وهذا الإعلان الذي أطلقته أمريكا في ذلك الوقت وشرعت مباشرة في تنفيذه في أفغانستان والعراق ودول أخرى.. كان بداية عهد جديد مع العنصرية بالنسبة للمسلمين في الغرب. وهكذا بدأت مباشرة أعمال الاعتداءات على المسلمين تقترف في واضحة النهار انطلقت بالسب والقدح وخلع غطاء الرأس للمحجبات، ووصلت إلى إحراق المساجد والمحال التجارية للمسلمين كردة فعل أولى. إلا أن الأحداث انتقلت بعد ذلك إلى صفوف الأحزاب المتطرفة والمنظمات العنصرية الذين سخروا أبواق الإعلام القائم على الإثارة وتضخيم الأمور مستغلة الظروف الدولية لبث الكراهية والعداء للمسلمين في كافة الدول الأوروبية. وبذلك ارتفعت أسهم اليمين المتطرف وصعدت أحزاب عنصرية حتى شارك بعضها في الحكم، واقترب آخرون من تشكيل حكومات، وساهم آخرون في الحكم بشكل غير مباشر، وكمثال على ذلك نورد حزب هايدر في النمسا وحزب فيلدز في هولندا.

لقد عانى المسلمون في بلاد الغرب منذ ذلك الحين وما زالوا يعانون من الكراهية وتصاعد العنصرية بشتى أشكالها إلى اليوم ويتعرضون لمحاسبة على أعمال لم يقترفوها ويحملون مسؤولية أحداث ليس لهم يد فيها.

لقد أصبحت الجالية المسلمة مفروزة عن سائر الجاليات والمكونات الأخرى في المجتمعات الأوروبية موضوعة بشكل دائم في قفص الاتهام، مجبرة على البحث عن أعذار وكذا على تقديم الاعتذار تلو الاعتذار. وما يزيد الأمر تعقيدا كون الجاليات المسلمة ليست منظمة وليست مؤطرة. تطبعها اختلافات عرقية ولغوية وثقافية تجعله أجزاء متناثرة يصعب تكتلها في جسم موحد يصمد في وجه الصعاب التي تعترضه. فتبرز نقط الخلاف على حساب وحدة الهدف، وبذلك يصعب تأطيرها وتوحيد كلمتها. وتحت وطأة الظروف هذه أصبح اختراق الشباب المسلم في الغرب أمرا سهلا لمن أراد استغلاله في قضاء حاجة من الحاجات.

فعلى الصعيد المحلي أصبح الشباب المسلم عرضة لتجار المخدرات، محترفا للإجرام ومتعاطيا للدعارة وإدارة تجارتها، فاحتلوا مراكز متقدمة في تلك الميادين. هذا من جهة، ومن جهة أخرى يتعرض هؤلاء الشباب المسلم الذي تولد عنده كم هائل من العقد والتساؤلات ونشأت معه بحور من العواطف التائهة ليس يدري أي وجهة يوجهها. هؤلاء الشبان والشابات الأوروبي المولد، المزدوجو الثقافة، أضحى عرضة لاختراقات أخرى ذات طابع دولي وعالمي تطغى عليها سمات التطرف والإرهاب.

فمن بريطانيا إلى إسبانيا مرورا بهولندا وصولا إلى فرنسا، كلها محطات كانت مسرحا لعمليات إرهاب دولية نفذها شباب مسلم ولد وترعرع في أوروبا. شباب تتقاذفه أمواج العنصرية وعدم المساواة بينه وبين شباب البد الأصلي لتتلقفه شواطئ سماسرة الإرهاب والتطرف الديني ليتحول إلى ناقم على نفسه ومحيطه ينتظر إشارة الانطلاقة لتنفيذ مخططات دموية لجهات استغلت حالة اليأس والإحباط عنده باسم الدين ودفاعا عنه

قد لا يكفي مقال في هذا الموضوع للإحاطة به من جميع الجوانب لكن تناوله باستمرار ومن زوايا مختلفة قد تكون كفيلة بإزالة كثير من الالتباسات المحيطة به. ومهما يكن فإن الجالية المسلمة في أوروبا التي تفوق خمسة عشر مليونا تقع على عاتقها مسؤولية جسيمة لإخراج نفسها من النفق المظلم الذي زجت فيه وعليها القيام بواجبها في حماية شبابها من الأخطار التي تحدق به.

——

المصدر: القدس العربي.

مواضيع ذات صلة