الانفصام الدعوي (2 /5).. مع النفس

رئيس هيئة الدعاة بألمانيا: أنادي بتقديم الحرية على تطبيق الشريعة

حاوره: محمد عثمان

خالد محمد حنفي، واحد من أبرز شباب الدعاة إلى دين الله تعالى خارج مصر اليوم، وبخاصة في الغرب، حيث يسهم في أداء دور مميز في معايشة الآخر،

د. خالد حنفي

د. خالد حنفي

وترجمة تعاليم ديننا الحنيف واقعياً لديه، فهو عميد الكلية الأوربية للعلوم الإنسانية بألمانيا، عضو المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث، رئيس هيئة العلماء والدعاة بألمانيا، وبرغم صغر سن محاورنا فهو من مواليد عام 1972م بالقاهرة، وكونه أستاذاً مشاركاً بقسم أصول الفقه بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر إلا أنه استطاع خلال أعوام قليلة من وجوده في الغرب، وألمانيا بوجه خاص، معايشة الآخر، بل التلاقي الحضاري معه كما يريد ديننا الحنيف، وهو في هذا الحوار يكشف عن طرف من سيرته الذاتية، وسر تخلف الوطن العربي، من وجهة نظره، ورؤيته لمكانة الحرية منه، بل كون الاستبداد سبب تخلفه اليوم، داعياً لجعل الحرية مطلبا أساسياً، ومقصداً كلياً له حتى قبل تطبيق الشريعة.

أما عن أبرز المشكلات التي واجهته وتواجه مسلمي الغرب اليوم فرأى أن عدم إدراكهم أهمية الاجتهاد في واقعهم هناك يحرمهم من مميزات قانونية تمكنهم من حفظ هويتهم ولغتهم وتمكنهم من التعريف بالإسلام على نحو صحيح، كما أن التركيز على دعوة الغربيين للإسلام يثير مخاوفهم ويبعد المسلمين عن هدف أساسي وهو العودة بأمثالهم من المقصرين إلى الإسلام من جديد، كما يشرح كيف لم يستثمر مسلمو ألمانيا حادثة قتل الشهيدة مروة الشربيني، كما يتحدث عن الكلية الأوربية للعلوم الإنسانية بألمانيا التي يتولى عمادتها….

 

البداية والطموح

*في البداية نريد التعرف على طرف من سيرتك الذاتية، ومن ثم بدايات حياتك ودراستك في مصر، وأسباب نمو طموحاتك، وبالتالي نمو رغبتك في التميز؟

ـ نشأتُ وتربيتُ في أحضان الأزهر الشريف، وتعلمتُ على يد شيوخه وعلمائه، وتخرجتُ بتفوق، بحمد الله، من كلية الشريعة والقانون، ثم عُينتُ معيدا بها في قسم أصول الفقه فمدرساً مساعداً فمدرساً، وحصلتُ على الماجستير والدكتوراة في أصول الفقه، هذا من ناحية الدراسة النظرية، ولكن الأقدار هيأتْ لي السفر إلى الغرب، فبدأتْ رحلاتي القصيرة إلى أوربا، ثم أقمتُ في ألمانيا منذ أكثر من خمس سنوات، وبدأتُ الحركة والعمل في اتجاه تلبية احتياجات المسلمين الدعوية والفقهية وتأسيس مرجعية دينية لهم تعمل على توحيدهم وإدماجهم في المجتمع مع الحفاظ على هويتهم وهوية أبنائهم، وأيضا محاصرة تيارات الغلو والتشدد التي تجتذب شباب الجيل الثاني وما بعده وكذا المسلمين الجدد، وكان الأمر يحقق رغبة قوية بداخلي في التميز وتقديم مثال عملي في نقل تعاليم ديننا الحنيف إلى الغرب ..

ووفقني الله فانتخبتُ رئيساً لهيئة العلماء والدعاة في ألمانيا، وعضواً بالمجلس الأوربي للإفتاء والبحوث، ومستشاراً شرعياً لمركز الدعوة بفرانكفورت، وعضوًا بمجلس أمناء التجمع الأوربي للأئمة والمرشدين، ثم أسست أخيراً مع عدد من الأئمة والعلماء الكلية الأوربية للعلوم الإنسانية بألمانيا، وأتشرف بعمادتها، وهو مشروع من أهم المشروعات العلمية لمسلمي ألمانيا وأروبا، وقد فاق الإقبال عليه توقعاتنا فسجل في فصله الدراسي الأول أكثر من مئة طالب   ونسأل الله تعالى القبول والتوفيق..

افتقاد الحضارة

 *عايشتَ المجتمع الغربي، ورأيتَ الحراك الحضاري فيه..ترى ماذا ينقص مجتمعاتنا للتقدم وتعويض ما نفتقده اليوم حضارياً؟

ـ أرى أن مقومات الحضارة والمدنية في بلادنا أكبر وأعظم من أوربا، وإن المرء ليصاب بالحسرة عندما ينظر إلى تخلفنا، مع ما نملك من ثروات طبيعية وبشرية، وتقدم غيرنا رغم ضعف وقلة ما يملكون !

ولا أنسى كلمات رئيسة وزراء فنلندا في حوار متلفز حين سئلت عن سر تقدم بلدها الصغير وان شركة واحدة من الشركات فيها تمثل اقتصادياً ما تمثله عدة بلدان عربية؟ فقالتْ للمحاور العربي: إذا أردتم سبقنا فعودوا إلى الإنسان، احترموه، علموه، اعرفوا قدره.. فنحن لا نملك بترولاً ولا غازاً ولا آثاراً ولا …غيرها مما تقولون، لكنا نملك الإنسان ونعرف قدره ونبذل كل جهدنا في تعليمه، وهذا سر تقدمنا .

بل إنني أرى سبب تخلفنا وسر نهضتنا هو ما تراق لأجله الدماء الآن في بلادنا العزيزة، الاستبداد فهو برأيي ورأي أبرز مفكرينا قديماً وحديثاً، رأس كل داء، ابن خلدون والكواكبي والغزالي على سبيل المثال.

الحرية هي مفتاح النهضة وهي البوابة الكبرى للتحضر والتقدم، ولهذا فأنا مع تقديم الحرية على تطبيق الشريعة، ومع إفراد الحرية كمقصد كلى عام من مقاصد الشريعة، وحضارة الغرب قامت على ركن ركين هو الحرية.

شعوبنا لم تدرك بعد قيمة ومعنى وأثر الحرية على التقدم والتحضر، لهذا رأينا قطاعا كبيرًا ممن ينتسبون للعلم والثقافة يؤيدون الارتداد عن الحرية والديمقراطية، والعودة إلى عصور الذل والاستعباد التي لم يروا منها خيرا قط في أي اتجاه أو مسار.

ومما يؤسف له أن الخطاب الدعوى في مصر وبلدان الربيع العربي تجاهل قيمة الحرية في الإسلام ولم تكن محورا رئيسا في أولوياته في مرحلة ما بعد ثورة يناير حتى انقلاب يونيو الأسود..

*ولكن عفواً تردي الواقع السياسي لدينا يجعل من الناس بل الدعاة مَنْ يرون المقيمين بالغرب مفتونين بمجتمعه فكيف يمكننا أن نتواجد في الغرب ولا نفتن به؟ 

ـ الشعور بالدونية الحضارية من قبل المسلمين في الغرب مسألة طبيعية؛ فأحوال الشرق والغرب لا تخفى، ومقارنة مَنْ عاش وعاين الأوضاع في المجتمعين، تختلف عن مقارنة من قرأ وسمع، وهنا يأتي دور الدعاة والعلماء والمفكرين المسلمين في الغرب، فنحن نقول نحن أمة لها تاريخ ولها حضارة ولغة وثقافة، ونحن نريد بوجودنا في الغرب أن نحقق الوصل بين الحضارتين والانتفاع بما فيهما من خير للإنسانية، والاختيارات الفقهية والتوجهات الدعوية للمسلمين في الغرب يمكن أن تلعب دورا إيجابياً أو سلبياً في تكريس هذا.

وعلى سبيل المثال عندما يرفض بعض الدعاة والأئمة في الغرب، نفسه، الأخذ بالحسابات الفلكية في رؤية الهلال، ويترتب على ذلك، استحالة التحديد المسبق للأعياد حتى تمنح الدول الغربية إجازات للمسلمين، وربما قاعات للصلاة مجاناً، وهذا يكلف الملايين، فإن هؤلاء، برأيي، يكرسون للشعور بالدونية الحضارية، ويثبتون مفهوم عجز الإسلام عن تنظيم حياة الناس وأن دوره فقط في المسجد وفى علاقة الفرد بخالقه، وعندما يرى الطفل المسلم زميله غير المسلم فرح بعيده يعرفه مسبقاً لا يُختلفُ عليه، يعود الطفل المسلم بجملة من التناقضات بين ما تعلمه عن دين الإسلام نظرياً، من انه الدين الخاتم، ومن أن المسلمين يد واحدة، وبين ما يلمسه عملياً، إذ يرى عيد زميله غير المسلم معلوم محدد الجميع يحتفل به في وقت واحد وفرحة واحدة بينما يرى للمسلمين ثلاثة أو أربعة أعياد فللتركي عيد وللمغربي عيد وللأفغاني عيد وهم جميعا مسلمون في فصل واحد الأمر الذي يثير سخرية الآخرين من الأطفال المسلمين في المدارس ويلقي بظلاله على شخصيتهم ونظرتهم للدين ودوره في الحياة.

 

آفاق الدعوة في الغرب

  *وهذا يقودنا إلى محور مهم من محاور حوارنا معك..آفاق الدعوة إلى الله ومدى اتساعها، بشكل حقيقي، في الغرب؟

ـ ما نحاول تثبيته عند الأئمة والدعاة والمسلمين في الغرب هو أن استراتيجيتنا الأولى في مسألة الدعوة في الغرب هي أن يفهم المسلمون الإسلام فهما صحيحا وان يعيشوا به، وأن قضية دعوة غير المسلمين إلى الإسلام قضية ثانوية جداً، لأسباب كثيرة منها:

1ـ إن نسبة 20% على الأكثر من المسلمين هم الذين يعرفون المساجد ويتمسكون بالدين والنسبة الأخرى تائهة بعيدة عن التدين تعيش حياة الأوربيين، وقصة عبدالفتاح جندلي الباحث السوري الذي قدم إلى أمريكا للحصول على درجة الدكتوراة فتعرف على أمريكية وعاش معها حياة الأوربيين، دون زواج، وأنجب منها ستيف جوبز الشهير، وابنته منى ثاني أشهر روائية في أمريكا، وأودع ولديِّه ملجأً للأطفال، فتركا الإسلام دين الأب، بل المسيحية دين الأم واعتنقا البوذية، ومات الابن عليها، وهذا خير نموذج يعكس حاجة المسلمين إلى الدعوة والهداية قبل غيرهم، ونحن مأمورون بدعوة الأقربين أولا: مصداقاً لقوله تعالى {وأنذر عشيرتك الأقربين}، وقوله عز وجل {وأمر اهلك بالصلاة}.

2ـ تضخيم حالات الداخلين في الإسلام من الأوربيين يخوف الغرب ويحفز الإعلام على إبراز فكرة وهمية كاذبة هي (أسلمة أوربا) من خلال الوجود الإسلامي في الغرب، والمسلمون بعاطفتهم الدينية في الشرق والغرب يضاعفون من أرقام الداخلين في الإسلام على نحو بعيد تماما عن الحقيقة.

3ـ بالإضافة إلى كون عدد المسلمين في ألمانيا تقريبا 5 مليون هو عدد كبير لو فهموا الإسلام وعاشوا به..لكانوا أفضل سفراء للإسلام وهذا ما وقع قديماً من الصحابة وعبر عنه شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله : إن الصحابة نقلوا الأمم إلى الإسلام ولم ينقلوا الإسلام إلى الأمم..ولو أن المراكز الإسلامية والأئمة في الغرب ركزوا على الأجيال الجديدة من أبناء المسلمين في الغرب واستهدفوهم بأنشطتهم لكانوا على الطريق الصحيح، الذي يوصل في النهاية إلى التعريف الصحيح وغير المباشر وغير المنفر أو المستفز للإسلام ولقاموا بواجب البلاغ والبيان وتغيير الصور الخاطئة عن الإسلام كل ذلك سيتم من خلال ما ذكرتُ وليس بالصور المستفزة المثيرة الأخرى وإن سمح بها القانون..

فلننظر مثلاً إلى شراء الكنائس وتحويلها إلى مساجد..إنه أمر يسمح به القانون وهو آخذ في التزايد..في ألمانيا وأروبا وعادة ما تباع الكنائس بأثمنة رخيصة ويتحمس المسلمون للتبرع لشرائها أكثر من غيرها ومع هذا فإنني أعارض هذا المسلك بشدة، وأراه يعكس عدم وعي المسلمين بحقائق الأمور ومآلاتها، وعدم تقديرهم للعواقب والآثار البعيدة على مستقبل الوجود الإسلامي في الغرب، فلابد من القبول المجتمعي والسياسي والإعلامي والشعبي أولا..قبل الإطار القانوني في مثل هذا الأمر تحديداً..وفى غيره من الأمور المماثلة.

 * هل وجهة نظرك هذه قائمة على محاولة تذليل الصعوبات التي يلاقيها المسلمون في الغرب؟

ـ يجب أن نراعي أن المسلم يحيا بدينه في مجتمع غير إسلامي وتحت سلطان وقانون غير إسلامي ووسط أكثرية غير مسلمة، فلا شك أن التحديات كثيرة، كثرة التعرض إلى الغواية تمثل تحدياً كبيراً أمام الشباب، والحياة في بيئة أوربية بهوية عربية إشكال آخر، وحماية الأسرة من تقليد أو محاكاة نموذج الأسرة في الغرب -الذي تلاشى أو كاد- وهذا يمثل تحدياً آخر، والالتزام بالقانون فيما يعارض الشرع يمثل تحدياً رابعا، والتغلب على هذه التحديات وغيرها إنما يتم بالوعى السياسي والقانوني والديني، إذا نجحنا في التوعية بالثلاثة، وإحراز تقدم فيهم يمكننا، إذن، تجاوز تحديات وصعوبات كثيرة أمام المسلمين في المجتمعات الأوربي.

التعصب الغربي

 *والتعصب الغربي حيال ما هو عربي إسلامي وهو يفضي إلى حالات قتل من مثل ما حدث مع الراحلة الشهيدة مروة الشربيني..كيف تقيمون الأمر؟

ـ التعصب والتطرف موجود في كل المجتمعات، ولا أميل إلى المبالغات في التعامل مع القضايا والأحداث، لا نستطيع أن نعتبر ما حدث في مدينة دريسدن مع الشهيدة مروة الشربيني، على شناعته وبشاعته، ظاهرة تهدد المسلمين أو المحجبات في ألمانيا..فلا تخلو محطة من المحطات من وجود محجبة فيها، وكذلك الجامعات والمدارس..تتحرك المرأة المسلمة بحرية كاملة فيها، وقد أخذ القاتل عقوبته، وتعامل المسلمون في مدينة دريسدن تعاملاً راقياً وحضارياً فأسسوا مركزا ثقافيا كبيرا في المدينة باسم مروة الشربيني، لكن المسلمين في ألمانيا لم يحسنوا استثمار الحدث وتوظيفه لصالحهم رغم الأبعاد العالمية التي أخذها، وهذا يرجع إلى ضعف الوعي السياسي والإعلامي لدى مسلمي ألمانيا وأروبا وهو أمر له أسبابه وملابساته التاريخية، وهو آخذ في التحول الإيجابي وإن كان بطيئا برأيي.

 

الكلية الأوربية

* من المهم أن نتوقف قبل نهاية الحوار لدى أهداف الكلية الأوربية للعلوم الإنسانية..وما تحقق منها وما هو مأمول؟ 

ـ انطلقت الكلية الأوربية للعلوم الإنسانية بألمانيا مطلع العام الدراسي الحالي ومقرها الرئيس مدينة فرانكفورت، ومع زيادة الإقبال على التسجيل تم فتح فصلين للدراسة المكثفة بمدينتي ميونخ وبرلين تمهيدا لفتح فروع بهما، وقد تجاوز عدد الطلاب 100 طالب، وهو رقم كبير بالنظر إلى كونها البداية..وضعف الإعلان عن الكلية، بدأ المشروع بقسمين الأول للدراسات الإسلامية، والثاني للغة العربية للناطقين بغيرها..وسنفتتح العام القادم بمشيئة الله تعالى قسم القرآن الكريم، وكذلك مركز البحوث والدراسات للمسلم الأوربي، وفى خطتنا بعد عامين أن نفتتح قسم الدراسات الإسلامية باللغة الألمانية.

تهدف الكلية إلى سد احتياجات الدارسين من الشباب المسلم وغير المسلم في دراسة علوم الإسلام واللغة العربية وتكوين دعاة من أبناء البلد الأصليين يعرفون ثقافتها ولغتها وتاريخها لمحاصرة تيارات الغلو والتشدد وإيجاد فرص للدراسة بعيدا عن العالم العربي بإشكالاته التي لا تناسب الوجود الإسلامي في الغرب، وهو ما يحفظ السلم الاجتماعي للمجتمع الألماني باعتبار أن عدم إيجاد بيئة للتشدد والعنف هو بابه الأول، وبالتالي تنمية الفكر، وعدم الاغتراف المباشر من الكتب دون تأصيل و تكوين على يد العلماء المختصين المسلم الألماني، ولهذا نقول دائما: إن هذا المشروع هو خدمة للمجتمع الألماني قبل أن يكون خدمة للمسلمين وللإسلام..

ولا نقصد بمشروعنا معارضة مشروعات أخرى على الساحة الألمانية، وإنما نريد أن نكمل هذه المشروعات أو نكون خياراً من الخيارات المتاحة أمام الدارسين..لدينا اتفاقيات تعاون علمي مع معاهد علمية في فرنسا وهولندا مدة الدراسة بالمعهد 6 فصولاً دراسية خلال 3 سنوات، ونسعى إلى الاعتراف العلمي الكامل والمستقل مستقبلاً بإذن الله .

———

المصدر: موقع علامات (بتصرف يسير).

مواضيع ذات صلة