الانفصام الدعوي (2 /5).. مع النفس

صناعة المسلم في أوروبا وأمريكا

سلطان العامر

مسلمة بأمريكا

وصف “المسلم” لديهم يحمل مضمونا عرقيا أكثر منه دينيا

في كتابه «صورة الإسلام في أوروبا في القرون الوسطى» يذكر ريتشارد سوذرن أن من بين صور الإسلام المنتشرة في أوروبا في ذلك الوقت هو صورته باعتباره ديناً وثنياً، فيه 30 إلهاً، أحدهم النبي محمد -عليه السلام-، وأن هذه الصورة استمرت حتى نهاية العصور الوسطى.

قد يظنّ المرء أن زيادة المعارف وتعاظم وسائل المواصلات والتواصل وتعمقها تؤدي -حتماً- إلى الوضوح وتبدد التشوهات، إلا أن هذا الظن ليس صحيحاً. فعملية إنتاج المعرفة لا تتم في الفراغ، بل هي عملية متصلة ومرتبطة بشكل وثيق بالسياقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

وبحسب هذه السياقات يتم تشكيل الأصناف: «غرب»، «مسلم»، «أوروبي»…إلخ، وتضمينها بالحمولات القيمية والتنميطات العامة. إن محاولة التعرف على الأطر والمضامين التي يتم بناء وإنتاج صنف «مسلم» في أوروبا وأميركا مثيرة للاهتمام، إلا أنها عملية محفوفة بالمخاطر؛ ذلك أن حكاية الصنف «مسلم» لديهم يحمل مضموناً عرقياً أكثر منه دينياً، فالمسلم في أوروبا هو كل من يعود بجذوره إلى بلدان مسلمة عموماً، وشمال أفريقية بشكل أكثر تحديداً، حتى لو لم يتقيد بالإسلام، بل حتى لو كان ملحداً.

فالإسلام باعتباره ديناً يجمع الكثير من البشر من مختلف أرجاء الأرض، لا يقدم أي تبرير منطقي أو معقول لإلصاق تنميطات وتصويرات سلبية عن المسلمين، فهؤلاء ينتمون إلى بلدان وثقافات مختلفة، ويحملون رؤى وتوجهات مختلفة ومتضاربة لما يجب أن تكون عليهم دولهم الأوروبية من ناحية سياسية واقتصادية، كما أنهم ينتمون إلى طبقات اقتصادية واجتماعية مختلفة داخل النسيج الأوروبي.

لكن وسائل الإعلام الغربية لا ترى أياً من هذا، وتصرّ على جمع هؤلاء كلهم بكامل اختلافهم وتنوعهم تحت الصنف «مسلم» بعد تحويله إلى ما يشبه العرق، ثم يبدؤون بتحميل هذا الصنف تنميطات وتصورات سلبية متنوعة، حاول الدكتور في جامعة إنديانا عبدالقادر سنّو رصدها في أحد أبحاثه.

فالمسلم في وسائل الإعلام السائدة في أميركا وأوروبا يُربَط عادة بكونه خطراً إرهابياً، وبكونه يسيء استغلال أنظمة وخدمات الرفاه الاجتماعي، وبكونه متصلّباً ثقافياً، وكذلك بأنه ذو تعليم متواضع، ومسيء إلى حقوق المرأة، ومتخلف اقتصادياً…إلخ.

ولو ركّزنا على جانب واحد لرأينا بوضوح كيف تعمل الأطر المتعددة، التي يتم من خلالها إبراز المسلم فيها في الدول الأوروبية وأميركا. هذا الجانب هو النظرة للمسلمين باعتبارهم مستغلين وعالة على أنظمة الرفاه الاجتماعي.

ففي دراسة الدكتور عبدالقادر سنّو حلَّل محتويات المواد الإعلامية الغربية خلال عشرة أعوام (٢٠٠٠-٢٠١٠) في ثلاث دول (بريطانيا، كندا، أميركا).

– أول هذه الأطر هو: الإطار الإرهابي، وفيه يتم تصوير علاقة الأقليات التي تصنف بأنها «مسلمة» بمؤسسات الرفاه الاجتماعي وإساءة استخدامها، بأنها تتم في إطار محاولة تمويل الإرهاب. أي أن هذه الأقليات يستنزفون أموال الدولة من أجل تمويل العمليات الإرهابية. فبرامج الرفاه الجماعي، إما أن تقدم بأنها أداة يستخدمها المسلمون لتمويل الإرهاب، أو أنها محاولة من الدول الأوروبية لاسترضاء المسلمين كي لا يقوموا بأي عمل إرهابي.

– الإطار الآخر هو: إطار الهجرة، والفكرة السائدة في المقالات والمواد التي تنشر ضمن هذا الإطار هو أن السماح للمسلمين بالتمتع بهذه البرامج لن يؤدي إلا إلى تشجيع المزيد من المهاجرين المسلمين غير المرغوب فيهم القدوم إلى البلدان الغربية.

– أما الإطار الثالث الذي تقدم فيه علاقة الأقليات المسلمة بأنظمة الرفاه الأوروبي فهو: إطار إساءة الاستخدام، والمثال المعبّر لهذا الإطار هو حديث جاك شيراك عندما كان محافظاً لمدينة باريس في عام ١٩٩١، إذ قال لجماهيره: “ليست المشكلة في وجود الأجانب، بل في إساءة استخدام خدمات الدولة. صحيح أن عدد الأجانب عندنا هو نفسه قبل الحرب العالمية الثانية، إلا أنهم ليسوا متماثلين، وهنا يكمن الفرق. فلا مجال للشك أن استقدام برتغاليين أو بولنديين أو إسبانيين للعمل عندنا يسبب مشكلات أقل من استقدام المسلمين والسود. فكيف تتوقعون أن يتقبل مواطن فرنسي يعمل هو وزوجته ليحصل من الدولة ما قيمته ١٥ ألفاً، في حين أن جاره المتزوج من ثلاث أو أربع نساء، ولديه ما يفوق 20 ولداً يحصل على ٥٠ ألف من دون أن يعمل حتى، وإذا أضفت إلى هذا الرائحة والإزعاج فإن العامل الفرنسي سيُجَنُّ”.

هذه الأطر لا تستند إلى معطيات محددة، بل تقدم تصورات وتفسيرات بسيطة عن واقع السياسة المحلية في كل دولة أوروبية؛ من أجل إثارة المشاعر والعواطف وتأطيرها بشكل يمكِّن الأحزاب السياسية من أن تستغلها في حملاتها الانتخابية. إنه شكل متكرر من توظيف العنصرية والكراهية والطمع كعناصر أساسية؛ لتحقيق مكاسب انتخابية وحزبية.

في هذا الخطاب لا يهم إن كان من يُصنَّف «مسلماً» مؤمناً بالإسلام حقاً، ما يهم أنه مقيم في أوروبا ومن أصول تعود إلى بلاد إسلامية، هذا كافٍ لأن يتم النظر إليه بتنميطات وأحكام جاهزة. الحقد عليه يكمن في مزاحمته للعنصر الأبيض في ما يعتبره بلاده، وليس في ما يعتنقه من دين. فقط ضمن هذا السياق يمكن فهم العداء والعنصرية اتجاه المسلمين في أوروبا.

——–

* المصدر: صحيفة الحياة اللندنية.

مواضيع ذات صلة